وزارة التربية: لا واجبات إلا داخل المدرسة.. والواقع يقول العكس تماما
أولياء أمور ينشئون «قروبات» للواجبات يتبادلون فيها الهموم ويُصبّر بعضهم بعضا!
دراسات: الواجبات الكثيرة تحرم الطالب من طفولته وتؤثر على صحته النفسية والعقلية وذكائه الاجتماعي
تعرف الواجبات المدرسية المنزلية بأنها «تلك المهامّ الّتي يُكلّف المعلّمون بها الطّلبة خارج نطاق الدّروس المقررة».
ويمكن تعريفها بأنها «مجموعة من المهام المحددة للطلبة من قبل مدرسيهم لإنهائها خارج الفصول أو في المنزل كامتداد لعمل الفصل الدراسي».
منذ عقود وموضوع الواجبات المدرسية محل سجال بين التربويين والمختصين، بين مؤيد ورافض. بين مشجع ومحذر من انعكاساتها السلبية.
وعلى ما يبدو ان كفة التحذير هي الغالبة في النهاية، بدليل أن الكثير من الدول اتجهت إلى إلغاء الواجبات المدرسية في المنازل في سعي إلى تحقيق التوازن بين المتطلبات الأكاديمية والحياة العائلية اليومية للطالب. فالواجبات المنزلية في دولة مثل فنلندا التي تحتل دائما مواقع متقدمة ضمن أفضل خمس دول في التعليم عالميا، يعتبر امرا نادرا، والسبب كما تبرر وزارة التربية والتعليم الفنلندية أن «المدرسة تكون بالفعل قد غطت كل ما يحتاج إليه الطالب من الناحية التعليمية، أما المنزل فهو مكان تلقي الأطفال دروسا في الحياة، لا في العلم».
كما حظرت فرنسا تكليف طلاب الأول والثاني ابتدائي أي واجبات منزلية، اما الصفوف الأعلى لا تزيد المدة الاجمالية للواجبات على 30 دقيقة.
وعمدت الحكومة الصينية من خلال قانون خاص للتعليم إلى تخفيف الضغوط المدرسية عن الأطفال والناجمة عن كثرة الواجبات المدرسية والدراسة بعد انتهاء الدوام المدرسي.
وعلى الوتيرة ذاتها، ألغت وزارة التربية والتعليم الإماراتية الواجبات المنزلية، ليتم تنفيذها في المدرسة، مع تطبيق استراتيجية الحصص المزدوجة، من خلال تمديد مدة الحصة لتشمل الواجبات.
ولم تكن البحرين بمنأى عن هذا التطور، ففي ديسمبر 2018 أعلنت وزارة التربية والتعليم أنه (لا واجبات إلا داخل المدارس بدءاً من الفصل الدراسي الثاني). وفي يناير 2019 صرحت الوزارة بـ: «بدء تطبيق قرار استبدال الواجبات المنزلية بالتطبيقات المدرسية».
والسؤال هنا: إلى أي مدى تحقق ذلك؟
سيل من الواجبات
للأسف يثبت الواقع أمرا مغايرا. فالواجبات المنزلية مازالت تمثل كوابيس يومية لأولياء الأمور وللطلاب على حد سواء في الكثير من المدارس وليس كلها. ففي حين يؤكد أولياء أمور أنهم لا يعانون من هذه المشكلة، يشكو كثيرون من كثرة الواجبات المنزلية، مؤكدين انها همّ وكابوس يومي يعانونه مع أطفالهم، ويتساءلون: أمام هذا السيل المنهمر من الواجبات، ما الذي يتعلمه الأطفال اذن في المدرسة؟
أولياء الأمور يؤكدون ان أبناءهم وبمجرد العودة من المدرسة والانتهاء من تناول الغداء، يبدأون مشوار حل الواجبات الذي قد يستمر ساعات وساعات، يصاب الطالب خلالها بالإرهاق، وتصاب الام بالصداع، ويصاب الاخوة بالإحباط، ويصاب الأب بالاكتئاب. ولا يجد الطالب مجالا للعب والترويح عن النفس، ولا تجد الاسرة وخاصة الام مجالا للزيارات والترفيه.
ويستمر الأمر حتى في عطلة نهاية الأسبوع. حيث تتوالى الواجبات بلا رحمة. ومن أجل ذلك يعمد الكثير من أولياء الأمور إلى انشاء «قروب» في الواتس اب خاص بالواجبات يتبادلون خلاله الهموم والشكاوى، ويصبر بعضهم بعضا!.
كابوس.. صاعقة.. انتحار!
إحدى الأمهات علقت على ما وصفته بمأساة الواجبات اليومية: وزير التربية أعلنها صراحة بأنه لا واجبات ولا طباعة أوراق وملازم. ولكن الواقع هو العكس. كل يوم يكون شغلنا الشاغل هو متابعة الواجبات مع ابننا والتوجه إلى المكتبات لطباعة الملازم. تصور ان النقاش حول الواجبات يستمر حتى الساعة العاشرة مساء في قروب أولياء الأمور الخاص بالصف الدراسي.
للوقوف على معاناة أولياء الأمور وابنائهم بسبب هذه المشكلة، فمنا بالانضمام إلى عدد من القروبات، والاطلاع على عدد آخر منها، ودونا بعض الملاحظات والشكاوى التي يجأر بها أولياء أمور وخاصة الأمهات من واقع الواجبات المبالغ بها. ومن التعليقات الملفتة التي لاحظناها:
- لا ننكر استفادة الطلاب من الأنشطة المنزلية، ولكن زيادتها بهذا الشكل المبالغ يسبب نفور الطلاب من الدراسة ويعجز حتى عن الاستيعاب.
- ابنتي صارت لا تريد النزول من السيارة صباحا لأنها صارت تنفر من الدوام بسبب كثرة الواجبات.
- المشكلة أنه ليس كل المدارس تكلف بالواجبات. فبعضهم يلتزم بقرار الوزارة، ولكن الكثير منهم يعطي واجبات مبالغ فيها، فلماذا الكيل بأكثر من مكيال؟
- انا لدي طالبة واحدة واعاني، وفي الواقع الله يصبر التي عندها أكثر من طالب في الابتدائي.
- بسبب الواجبات، انقطعنا عن العالم الخارجي تماما.
- يقولون الواجبات غير اجبارية، كيف ودفتر الواجبات عليه أكثر من 12 درجة؟
- صرنا نتعب جدا من هذه الواجبات اليومية، وحتى نفسياتنا واعصابنا تلفت منها، ارحمونا.
- الغريب أننا عندما نساعد أبناءنا في واجباتهم ننصدم بأنهم لا يملكون أي فكرة عن الدرس!، وكأنه لم يُشرح لهم شيء في الصف. وهذا ما يعني ان الطالب لا يمكن ان يحل الواجب من دون مساعدة. فما هو دور المدرسة إذا كانت مسؤوليتنا ان نشرح ونحل الواجبات للطلاب؟
- أمس عندما كنت اتابع الواجبات مع ابنتي، قالت لي: (ماما بقول لك شي)، أنا أكره الواجبات والدراسة والمدرسة إلى اخر حياتي!
- من حقنا ان نرى حياتنا ونخرج في المساء، ومن حق أبنائنا ان يرتاحوا ويلعبوا بقية اليوم. ولكنهم محرومون ونحن كذلك بسبب الواجبات.
- حياتنا أصبحت (كرفاً) وواجبات، وبعض المعلمين يقول انها «مو اجبارية». ولكن الواقع هي اجبارية بشكل غير مباشر.
- بات اليوم الدراسي متعبا للام والطالب بشكل (مو طبيعي)، ياليتني اهاجر إلى بلد ليس فيه واجبات!.
- نستعين بالله، نبدأ الاشغال الشاقة مع الواجبات اليومية!.
- هذا انتحار وليس علما وتعليما.
- عودة ابني من المدرسة يعني بداية العذاب اليومي والشقاء مع رحلة الواجبات خاصة في الابتدائي.
- «ويش هذي الصاعقة؟ تونا بادين الفصل الدراسي وهلكثر واجبات»؟
- ياليتنا نقدر نسوي اضراب عن الواجبات.
إضاعة وقت
كان ذلك غيض من فيض من شكاوى ومعاناة أولياء الأمور وابنائهم من الواجبات المنزلية المبالغة. وبمناقشة الامر مع أحد الأستاذة، علق بأن المدرسة وحدها لا تستطيع قيادة العملية التعليمية، لأن التعليم يجب ألّا يقتصر على المدرسة وحدها، وذلك لعدة أسباب، من أهمها الوقت الذي يحصل عليه الطالب خلال وجوده في الفصل، وخاصة مع اكتظاظ الفصول الدراسية بالطلاب. لذلك لابد هنا من تفعيل دور المنزل المتمثل بولي الأمر المتابع لابنّه. ولكن ما يجب أن نركز عليه هنا هو نوعية الواجبات لا كميتها. فالواجبات يجب أن تكون فعّالة ومثمرة، ومحددة، وتغطي نواحي ضعف الطالب والمهارات التي يحتاج اليها. ولا تكون عامة ترسل إلى جميع الطلاب. كأن يقرأ الطالب يومياً مدة ربع ساعة باللغة العربية وربع ساعة باللغة الإنجليزية. أما الواجبات التي ترسل إلى جميع الطلاب وتكون عشوائية فلا داعي لها، بل قد لا يجد المعلم وقتا للاطلاع عليها، وبالتالي تكون إضاعة وقت للطالب وولي الأمر والمعلم.
نتائج عكسية
من الجيد ان نعود هنا إلى الدراسات والأبحاث وآراء الاختصاصيين للوقوف على انعكاسات الواجبات المدرسية المبالغة على الطالب في المقام الأول.
ومن ذلك دراسة «هاريس كوبر» بجامعة ديوك «Duck University» التي تعتبر أقدم جامعة أمريكية. حيث اكدت الدراسة ان الطلاب الذين يدرسون في ظل أنظمة تعليمية تركز على الواجبات المنزلية يحصلون على مراتب متأخرة في نتائج البرنامج العالمي لتقييم الطلاب التابع لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.
من جانبها، أوصت الرابطة الوطنية للتعليم في الولايات المتحدة ألا تزيد مدة الواجبات المنزلية على 10 دقائق للصف الأول ابتدائي، و20 دقيقة للثاني، و30 دقيقة للثالث، لأن قضاء مدة طويلة في الواجبات ليس بالضرورة أن يرفع نسبة النجاح بل قد يقود إلى نتائج عكسية. كما ان الكثير من الدراسات تؤكد أن الواجبات المفيدة تكون بعد سن 15، أي في المرحلة الثانوية وتسمى دروس الدعم.
وفي تصريح سابق له، أكد خبير فلسفة التربية، والمتخصص في المناهج وطرق التدريس الدكتور حسين العبداللطيف: ان «السواد الأعظم من المعلمين والمعلمات ربطوا الواجبات المدرسية بالمنزل وليس بالمدرسة، فأصبحت واجبات منزلية خارج أسوار المدرسة، وهذا مخالف لسلامة التربيتين النفسية والبدنية على حد سواء، وهذا السلوك والربط من قبل بعض المعلمين والمعلمات تسبب في تكون شبح كريه وثقيل على نفسية وكواهل طلابنا وطالباتنا، وعلى أسرهم ومجتمعهم وهو مجتمعنا في عمومه».
ويضيف العبداللطيف: ان للواجبات المدرسية ميزات إذا توافرت فيها «شروط الجودة»، كأن تكون مرتبطة بالمادة العلمية، وألا تستغرق وقتا طويلا، ويتم تنفيذها داخل المدرسة، أن تستند على قاعدة «العبرة بالكيف وليس بالكم»، وتستند على الفهم قبل اعتمادها على الحفظ، وألا يتم تكليف الطلاب بها، إلا بعد التأكد من فهمهم الكامل للمادة العلمية.
وبالمقابل يؤكد الخبير التربوي ان مستوى الضرر النفسي والجسدي والاجتماعي يكون أكبر في حال لو تم تكليف الطلاب والطالبات بالواجبات المنزلية في أيام العطل والإجازات، ويكون الضرر كبيرا على الطالب والأسرة كلها.
وإجمالا يؤكد الاختصاصيون أن كثرة الواجبات المنزلية تحمل نتائج سلبية تؤثر على الطالب صحيا ونفسيا وعقليا، ويعتقد البعض أنها تزيد من التوتر والإرهاق لكونها طويلة وتقضي على رفاهيتهم. كما انها «تضع الطالب تحت الضغط المستمر مما تنتج عنها مشاعر سلبية كالإحباط والانزعاج».
وإذا ما زادت الواجبات عن الحد، فإنها تحرم الطفل من التمتع بطفولته، وهي تضر بصحة الطفل النفسية وقدراته التعليمية وتسبب له ارهاقا جسمانيا وعصبيا دائما وضعفا في الانتباه والتركيز على عكس ما يزعمه البعض من أنها تنمى قدراته المعرفية، مما يترتب عنه انخفاض مستوى التحصيل الدراسي واضطراب العلاقة مع افراد العائلة.
وأكد بحث علمي بمعهد «هيكتور» للأبحاث التعليمية بجامعة «توبنغن» الألمانية، أن الحافز الداخلي لدى الطالب هو الذي يحدد معدل استفادته من الواجب المدرسي، كما انه من الضروري ان تتناسب الواجبات مع مدى اجتهاد الطالب. وفي كل الأحوال يجب ان تكون «المساحة المخصصة للواجبات المدرسية ضئيلة جدا حتى يتسنى للتلاميذ والتلميذات ان يتفرغوا لنشاطات اخرى تنمي ادراكهم المعرفي».
ووصفت الكاتبة سارة السهيل في أحد مقالاتها الواجب المدرسي بأنه قهر الطفولة. وأكدت ان عبارة «هل عملت الواجب» تلقي بظلال الكآبة واحاسيس القهر الجبرية على الصغار وتشعرهم بعبء نفسي فوق طاقتهم، خاصة إذا ما أمضوا وقتا طويلا بالمدرسة وهم مجهدون عصبيا وعقليا ونفسيا، لأنهم لم يجدوا لهم فسحة من الوقت لمشاهدة ما يفضلونه من برامج التلفاز، أو متابعة الالعاب المفضلة على جهازهم المحمول أو للدردشة والحوار مع الاسرة كنوع من التصريف والتنفيس عن أعباء يوم طويل على كاهلهم.
وفي حين تثبت الكثير من الدراسات أن الواجبات المنزلية ذات قيمة كبيرة، فإنها تضع شروطا، منها توظيفها بشكل صحيح ومن قبل مختصين، والا تحولت إلى عبء يحمل الكثير من السلبيات التي قد تصل إلى التفكك الاسري في بعض الحالات ويخلق فجوة في العلاقة بين الأبناء والاباء.
وتؤدي الواجبات المرهقة إلى ضعف درجة الانتباه والتركيز لدى الطفل، وتدريجيا تنمي عنده الشعور بالملل والإحباط، ثم فقدان التفكير الإبداعي وروح الابتكار، ويشعر بالضعف والظلم، كما يتراجع عنده الذكاء الاجتماعي. بل قد يصل الامر إلى السمنة بسبب حالة القلق المستمر.
***
ختاما.. وكما أشرنا في البداية، كنا نأمل أن نحصل على تعليق من وزارة التربية بعد ان خاطبناها منذ نهاية نوفمبر الماضي.
وبعد ما طرحناه من شكاوى أولياء الأمور ورؤى المختصين، نأمل ان تبادر الوزارة بتفعيل القرار السابق على جميع المدارس بدل الوضع الحالي المتفاوت.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك