إنّ للوقف آثارًا إيجابيةً على الحضارة الإنسانية والجوانب الاجتماعية والاقتصادية، فله آثاره التربوية والإيمانية على الأفراد والمجتمعات؛ فجميع الأوامر الشرعية فيها حكم وغايات، تحقق مقاصد وثمرات، ومن الأبعاد الإيمانية والتربوية للأوقاف:
أولاً: شكر الله عمليًّا على ما وهب من نعَم وما خص من كرم؛ فإن الواقف يشكر الله تعالى على نعمة المال، وشكر النعمة من جنس النعمة، ويقِرُّ بالفضل له؛ فالمال مال الله، والإنسان مستخلَف فيه؛ كالوكيل أو النائب، وبالشكر تُدوم النعم وتُدفع النِّقم؛ كما قال الله تعالى: «وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ» (إبراهيم: 7).
ثانيا: تزكية النفس من أمراضها، والتغلُّب على شحها، والتحلي بالكرم والجود؛ فإن الصدقة من علامات الإيمان؛ كما قال صلى الله عليه وسلم: (والصدقة برهان)، فلا يجتمع الشح والإيمان في قلب، وفي الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه: (ولا يجتَمعُ الشُّحُّ والإيمانُ في قلبِ عبدٍ أبدًا) رواه النسائي وصححه الألباني.
وقد قال الله تعالى: «خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ» (التوبة: 103). والوقف يحقق التزكية من جانبين: الأول أنها تكون غالبا أكثر من عموم الصدقات لأن المقصود بها الدوام، والثاني أنها تطوعية غير إلزامية، وفيها شعور بالرحمة والشفقة تجاه الآخرين.
ثالثا: اكتساب الأخلاق الفاضلة؛ فإنّ الواقف يتحلى بأخلاقٍ فاضلةٍ، ويكتسب قيمًا إنسانيَّةً نبيلةً، وقد بُعِث نبينا صلى الله عليه وسلم لهذا الهدف السامي والغاية العظيمة؛ كما قال عن نفسه صلوات ربي وسلامه عليه: (إنما بُعِثْتُ لأُتَمِّمَ مكارمَ -وفي روايةٍ «صالحَ»- الأخلاقِ)؛ ومن أهم هذه الأخلاق:
الإيثار: فإن الواقف يؤْثِر الآخرين على نفسه، وقد امتدح الله تعالى به أهل الإيمان من الأنصار فقال: «وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ» (الحشر: 9)، والواقف يؤْثِر بماله على نفسه وعشيرته.
الوفاء: فهو اعتراف بالجميل من الجميع، وصيانة للمودة، وحفظ للعهود والمواثيق، واستدامة للمحبة والتعاون، وما أشدَّ الحاجةَ إلى هذا الخلق الراقي! والأوفياء هم خيارُ الناس، وفي الوقف وفاء الواقفِ لدينه؛ بإقامة الشعائر والعبادات، ومجتمعه الذي اكتسب فيه واغتنى منه، وقد قال تعالى مادحا نبيه إبراهيم عليه السلام: «وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى» (النجم: 37).
المبادرة لفعل الخير: «وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ» (آل عمران: 133). قال ابن كثير رحمه الله: ندَبهم إلى المبادرة إلى فعل الخيرات، والمسارعة إلى نيل القربات؛ كما حثهم على المسابقة والمنافسة في ذلك فقال: «سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ» (الحديد: 21)، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (بَادِرُوا بالأعْمَالِ).
إدارة الاوقاف السنية
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك