مقترحات للخروج من نفق التشخيص إلى علاج أقسى أمراض السوق
الحركة الاقتصادية العالمية شبه مشلولة تقريبا
تحذيرات من غياب دور البنوك في تحفيز
العملية الاقتصادية وزيادة القروض الشخصية
تغطية: أحمد عبدالحميد
تصوير: عبدالأمير السلاطنة
وصف أحد الحضور في مجلس ناصر بن محمد جميل العريض المجالس الرمضانية التي تزورها «أخبار الخليج» بأنها باتت تشبه الصالون الثقافي، من خلال ما يطرحه الأستاذ أنور عبدالرحمن رئيس التحرير من نقاشات متنوعة في المجالات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية التي تشغل الرأي العام البحريني.
ويتميز مجلس السيد ناصر العريض باستقطاب نخبة من رجال السياسة والاقتصاد والمجتمع البحريني، وعدد من أعضاء مجلسي الشورى والنواب وكذا رجال الدين وممثلي البعثات الدبلوماسية.
وفي وجود عدد من الأطباء من بين حضور المجلس، شهد اللقاء ما يمكن أن نصفه بتشريح الوضع الاقتصادي على المستويين الداخلي والعالمي، من خلال تشخيص أهم أمراض السوق في الوقت الراهن، وقدم المشاركون ما يشبه الوصفة العلاجية لبعض هذه الأمراض.
رئيس التحرير يطرح السؤال الصعب
البداية كانت مع الأستاذ أنور عبدالرحمن الذي قال إننا عادة عندما نزور المجالس الرمضانية نختار موضوعا معينا ليكون محور الحديث، لكن هذا المجلس يختلف عن بقية المجالس، فالأفكار به متنوعة، وخاصة أن غالبية الحضور به لا تنتمي إلى مدرسة سياسية معينة.
وتابع عبدالرحمن قائلا: قبل أيام كنا في غرفة تجارة وصناعة البحرين، وسمعت عن وجود أزمة في السيولة بالسوق البحريني في الوقت الحالي، فدعونا نسمع من الخبراء الحاضرين في اللقاء أكثر عن هذه الأزمة، وما هي العلاجات المقترحة لها؟
التقط النائب أحمد السلوم عضو مجلس النواب عضو مجلس إدارة غرفة التجارة أطراف الحديث قائلا إن ما يطرحه الأستاذ أنور عبدالرحمن من موضوعات هي وليدة الشارع البحريني، لذلك تعكس «أخبار الخليج» نبض الشارع واحتياجاته، مؤكدا اتفاقه مع ما طرحه أعضاء مجلس إدارة الغرفة خلال لقائهم مع «أخبار الخليج» بشأن مسألة شح السيولة في السوق، وهذا ما دفع الحكومة في بداية برنامج «التعافي الاقتصادي» إلى طرح برنامج للسيولة اشتمل على ضخ 100 مليون دينار كمرحلة أولى ثم أتبعها بضخ 100 مليون دينار أخرى، تجاوبا مع متطلبات شح السيولة التي كان يعاني منها السوق، وهو ما يعد اعترافا من الحكومة بوجود أزمة في السيولة.
وتابع السلوم أنه خلال جائحة كورونا وأعبائها التي مازالت متواصلة قامت الحكومة بسداد 230 مليون دينار لرواتب العاملين في القطاع الخاص حتى لا يفقدوا وظائفهم، وفي الوقت نفسه توفير هذه المبالغ كسيولة لدى الشركات، مضيفا أنه خلال عامين تم ضخ 430 مليون دينار بشكل مباشر، فضلا عن برامج صندوق العمل «تمكين»، وهو ما يؤكد وجود شح في السيولة في السوق.
وأشار عضو مجلس النواب إلى أن التحدي الأكبر الذي يعاني منه التجار حاليا هو ارتفاع سعر الفائدة على القروض، الذي أثر على الحركة الاقتصادية كالأنشطة العقارية وغيرها من الأنشطة الأخرى، في ظل وصول معدلات الفائدة إلى 12% أو 13% على أي تسهيلات بنكية وتمويلية يحصل عليها التاجر، ولا يوجد هامش ربحية يغطي التزامات القروض، لذا آثر البعض العزوف والتوقف عن العمل.
بدوره تحدث رضا عبدالله فرج نائب رئيس لجنة الشؤون المالية والاقتصادية بمجلس الشورى معبرا عن تقديره لحرص «أخبار الخليج» على تغطية هذا الموضوع المهم، مؤكدا أن السيولة هي النقد المتداول لتحريك عجلة الاقتصاد في أي منطقة بالعالم.
وتطرق إلى العوامل التي تؤدي إلى عدم وجود السيولة في الوقت الراهن، على رأسها أن المردود الاقتصادي لأي مشروع تجاري أقل نسبة من الفوائد على القروض البنكية المتحصلة للحركة الاقتصادية، وهذا أحد الجوانب المهمة التي تتطلب دراسة متعمقة للتغلب على هذه المشكلة، بالإضافة إلى قلة الأشغال الجديدة والحديثة بسبب عدم وجود مشاريع ذات مردود اقتصادي، إلى جانب أن كثيرا من دول العالم تمر بمرحلة «ركود» اقتصادي بالفعل، رغم أنهم يحاولون إنكار ذلك، لذا فإن الحركة الاقتصادية العالمية شبه مشلولة تقريبا إذا نظرنا على المشهد الاقتصادي العالمي بصورة بانورامية.
وأضاف نائب رئيس لجنة الشؤون المالية والاقتصادية بمجلس الشورى أن السؤال المهم هو كيفية معالجة عدم وجود السيولة في السوق؟
فالحكومة ضخت في حدود الـ430 أو 460 مليون دينار في السوق، ولكن هذه المبالغ كانت في مجالات غير منتجة التي لا تدير العجلة الاقتصادية أو تخلق سيولة إضافية محركة للاقتصاد بشكل صحيح.
وشدد رضا فرج على أهمية إجراء دراسة متأنية لتحفيز القطاع الخاص بالأحرى على تحريك الاقتصاد بالشكل السليم وتوفير السيولة بفوائد مقبولة بما يسهم في تحقيق النمو المنشود.
أموال من جيب القطاع الخاص
وعلق د. أسامة البحارنة قائلا إن الدولة لم تضخ الـ460 مليون دينار، لأن هذه الأموال خرجت من صندوق العمل «تمكين» أو صندوق التعطل؛ أي أن هذه الأموال خرجت من «جيب» القطاع الخاص إلى «جيب» القطاع الخاص، أي أن الدولة أسهمت فقط في أن يستخرج جزءا من أمواله التي استقطعت منه.
وأوضح رضا فرج أن صندوق العمل تديره الحكومة، وأمواله بموجب قانون إنشاء الصندوق توجه إلى أغراض محددة ومعينة، وما تم سحبه من الصندوق من أموال تم توجيهها لتزويد السوق بسيولة تحرك الاقتصاد المحلي.
التمويل الابتكاري
بدوره، تداخل طلال المناعي عضو مجلس الشورى، مؤكدا اتفاقه مع ما طُرح بشأن وجود «شح» في السيولة، ومن الأسباب الرئيسية لها ارتفاع معدلات الفائدة البنكية، وكذلك هناك تشديد من البنوك على الشركات الصغيرة والمتوسطة من خلال الاشتراطات الصعبة التي تفرضها للحصول على التمويل اللازم لهذه الشركات.
وأضاف أنه يجب على البنوك التي تحقق أرباحا كبيرة أن تقوم بدعم الاقتصاد الوطني، وهذا هو دورها الآن، إذ يجب أن تقوم بدفع القطاع الخاص وأن يكون هناك تمويل ابتكاري بعيدا عن نظم التمويل التقليدية ذات الاشتراطات الصعبة، مع المتابعة وتقديم النصح والإرشاد والاستشارات، لأن دور البنوك أكبر من تقديم القروض فحسب بشروط صعبة، ويجب أن يكون هناك نوع من المرونة التي تضمن للبنوك حقوقها، وفي الوقت نفسه تيسر على القطاع الخاص الحصول على التمويل اللازم، مجددا تأكيده أن دور البنوك حاليا هو مساعدة القطاع الخاص والحكومة.
وأشار عضو مجلس الشورى إلى وجود دور للحكومة مع القطاع الخاص والبنوك من خلال إقامة مُسرّعات الأعمال التي تسهم في تسريع العجلة الاقتصادية، وهذه المسرعات توفر الحوافز اللازمة، كما أنها تعطي أولوية للقطاع الخاص في المشاريع الكبرى.
زيادة الدين العام
من جانبه، علق صاحب المجلس ناصر العريض قائلا إن ارتفاع معدلات الفائدة يلعب دورا في التأثير على العجلة الاقتصادية، مشيرا إلى أن هذه المعدلات المرتفعة مرتبطة بزيادة حجم الدين العام، الذي يجب العمل على تخفيضه.
وأشار إلى أهمية أن تقوم البنوك التابعة للحكومة بدور أكبر كبنك التنمية أو البنوك الوطنية التي تسهم فيها الدولة، بحيث يكون لها دور في مساعدة القطاع الخاص وتخفيف العبء عن الشركات الصغيرة والمتوسطة.
عقلية «money lenders»
وعقّب أنور عبدالرحمن على مداخلات الحضور قائلا: هناك نوع من الحقائق بشأن المصرفيين في البحرين، هو أن المصارف تتعامل مع التجار بعقلية «money lenders»، ولا يسهمون بعقلية المشاركة في بناء الاقتصاد الوطني.
واستعرض تجربته الشخصية مع البنوك، قائلا: قبل 20 عاما كنا بحاجة إلى شراء ماكينات جديدة من ألمانيا، وعندما توجهت إلى أحد البنوك للحصول على تسهيلات مالية أبلغوني أن معدل الفائدة سيكون 6%، في الوقت الذي قدمت لي الشركة الألمانية التي سأستورد منها الماكينات عرضا بأن تضمن شركتنا لدى البنك الصناعي الألماني وهو يوفر لنا التمويل بفائدة 3.5% فقط، وهو ما يعكس الرؤية المصرفية التي تقوم على دعم الاقتصاد الألماني.
وأضاف عبدالرحمن أن هذا أحد العيوب التي نعاني منها مع البنوك المحلية في البحرين، التي لا تهتم بالجوانب الداعمة للعملية الاقتصادية، مشيرا إلى أنه على الرغم من تسابق البنوك سنويا على إعلان أرباحها فإنها لا تكشف عن أسباب هذه الأرباح، في الوقت الذي يعاني فيه التجار من الخسائر بالسوق، فإلى متى تستمر هذه العقلية لدى المصارف البحرينية، هل المصرفيون البحرينيون راضون عن هذا الأداء؟
وفي تعقيبه قال رضا فرج نائب رئيس لجنة الشؤون المالية والاقتصادية بمجلس الشورى: «أبو جبران ما تفضلت به هو عين الصواب»، متسائلا: من أين ربحية البنوك التي يتم إعلانها سنويا؟
وأضاف أن الفارق بين ما تدفعه البنوك من عوائد على الودائع وما تتسلمه من فوائد على القروض يصل إلى 7%، وهذا مبلغ كبير للغاية، إذ إنهم يدفعون في المتوسط 5% على الودائع ويفرضون 12% على القروض.
وأشار فرج إلى أن عقلية البنوك التجارية بالمملكة تقوم فقط على القروض، ولكن لا تشارك في العجلة الاقتصادية، لذلك أشرت في مداخلتي السابقة إلى الحاجة إلى دراسة متأنية لكيفية تفعيل دور البنوك التجارية في العملية الاقتصادية، وإلا ستبقى الحكومة وحدها هي التي يجب أن تنفق حتى تحرك العجلة الاقتصادية والباقون يجلسون على مقاعد المتفرجين فقط.
وحذّر نائب رئيس اللجنة المالية بمجلس الشورى من إشكالية أخرى تتمثل في أن قروض الشركات أقل بكثير من قروض الأفراد، إذ إن الأفراد مدينون للبنوك بمبالغ كبيرة وهذا خطر كبير، وهذا يؤثر على الوضع الاقتصادي بشكل عام.
واتفق معه أنور عبدالرحمن، مشيرا إلى أنه خاض سجالا قبل 10 سنوات مع أحد المصرفيين في أحد المجالس الرمضانية، إذ قال الأخير له إنكم تعرفون عن الصحافة ولكن لا تعرفون الصرافة، لأن كل بنوك العالم تسير بنفس المعدل، فكان ردي حينها: «إن كل بنوك العالم يدفعون 40% من أرباحهم ضرائب فكم تدفع أنت هنا؟».
وأضاف أنه لا يختلف مع حق البنوك في تحقيق الأرباح، ولكن السؤال يبقى «كيف تحقق هذا الربح؟»، لأن دورنا في الصحافة أن ندق ناقوس الخطر في حال زيادة أعباء القروض على الأفراد، مشيرا إلى أن المجتمع تحول إلى مجتمع استهلاكي يشبه المجتمع الأمريكي الذي يظل فيه الفرد يسدد أقساط قروضه طوال حياته حتى الممات.
انتظار الميزانية
بدوره تداخل جواد حبيب عضو مجلس الشورى قائلا إننا لا يجب أن نضع المشكلة على الجانب المصرفي فحسب، لأن لدينا مشكلة أكبر، هي أن تجار البحرين ينتظرون الإنفاق الحكومي حتى يستفيدوا هم، مضيفا أن غرفة تجارة وصناعة البحرين لم تخرج في يوم من الأيام بمشروع يحرك الاقتصاد، والتجار الذين ينعمون بخيرات البحرين لم نسمع أنهم خلقوا تمويلا للمشاريع الصغيرة أو الكبيرة، فالكل ينتظر متى ستخرج ميزانية الحكومة حتى يستفيد؟
وتابع حبيب: على المستوى العالمي هناك نوع من الكساد غير المعلن، فالعالم كله يئن، والبحرين تتأثر بما يحدث في العالم، حتى الدول ذات الاقتصادات الكبرى تعاني في الوقت الحالي، كالاقتصاد الأمريكي والبريطاني وغيرهما، وما ينقصنا في البحرين حاليا هو المشاريع التي تحرك الاقتصاد، والمشاريع تعتمد على مشروعات من الدولة، ومنذ يوسف الشيراوي رحمه الله عند طرح مشروع «ألبا» لم نر مشاريع تحرك الاقتصاد.
وعلق النائب أحمد السلوم قائلا إن غالبية التوظيف حاليا في القطاع الخاص سواء في الشركات الكبرى أو المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، ولكن معظم هؤلاء الموظفين لا يحصلون على تسهيلات بنكية لأن شركاتهم غير مسجلة في البنوك وليس لديهم حسابات مدققة، ومن ثم هذا الموظف لا يستطيع حتى الاقتراض، وهذه من الأسباب التي تحد من السيولة في السوق.
وبالنسبة إلى غرفة التجارة فإن قانونها لا يسمح لها بالاستثمار؛ لأن السماح لها بالاستثمار سيجعلها منافسا للتجار، ولكنها تقوم فقط بعقد الشراكات، وتقوم الغرفة بإعداد الدراسات، ولكن هناك جهات أخرى معنية باستقطاب الاستثمارات وتأسيس الشركات، مشددا على أن القانون لا يسمح لها بالاستثمار، مشيرا إلى أن هناك فكرة لتعديل هذا القانون بما يسمح للغرفة بتأسيس شركات تسهم في تحريك عجلة الاقتصاد.
مقترحات متضاربة
وطرح أنور عبدالرحمن تساؤلا حول دور نواب الشعب في الاضطلاع بمسؤولياتهم تجاه الوضع الاقتصادي، مشيرا إلى أن غالبية البحرينيين يرون أن معظم النواب لا يدركون أبجديات الاقتصاد، وهو ما يتضح في المقترحات المتضاربة التي تخرج أحيانا من مجلس النواب، منها ما سمعناه عن مقترح بمنع استصدار رخص سياقة للأجانب حلا لمشكلة المرور.
وأوضح النائب أحمد السلوم أن مقترح النائب كان يقوم على حظر استصدار رخص سياقة لمن لا يوجد في عقده مهنة السياقة.
من جانبه لفت محمد سلام مستشار قانوني إلى أن مسألة حظر رخص السياقة عن الأجانب تم طرحها خلال مناقشة قانون المرور في عام 2014، وتم عرضه على المحكمة الدستورية التي قضت بعدم دستورية هذا الحظر.
«صالونات ثقافية»
بدوره تحدث جعفر الدرازي مشيدا بحرص الأستاذ أنور عبدالرحمن على زيارة المجالس الرمضانية وتحويلها إلى ما يمكن أن نطلق عليها «صالونات ثقافية»، من خلال ما يتم طرحه من أفكار متنوعة في شتى مناحي الحياة، وتقوم الصحافة بدورها في نقلها إلى الرأي العام.
وتابع قائلا إن المرحوم يوسف الشيراوي أطلق في عام 1974 شعار تنويع مصادر الدخل، وبعد كل هذه السنوات نجد أن الأمر تحول إلى بنايات وشقق وعقارات، وهذا ليس التنوع الاقتصادي المنشود.
ودعا إلى استنساخ تجربة رجل الاقتصاد المصري «طلعت حرب»، قائلا إن البحرين بحاجة إلى نموذج «طلعت حرب» هذه الشخصية الاقتصادية المصرية التي لعبت دورا مؤثرا في الاقتصاد المصري من خلال إنشاء المصانع والبنوك وغيرها من الاستثمارات التي تنمي الاقتصاد الوطني.
وأضاف أنه يجب علينا استقطاب المستثمرين الذين يقيمون المشروعات التي تخلق وظائف للمواطنين، واستقطاب المستثمرين الذين يضخون السيولة في السوق، من خلال الشراكات مع التجار المحليين أو اتحاد التجار المحليين، لافتا إلى أننا أصبحنا دولة ريعية تنتظر ما تقوم الحكومة بتوفيره.
وأشار الدرازي إلى أنه يجب على الحكومة أن تبادر بإنشاء المصانع أسوة بالدول الأخرى، ويجب تهيئة البنية التحتية اللازمة لهذه الاستثمارات، محذرا من ارتفاع الدين العام الذي سيتحمله المواطنون في المستقبل.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك