زاوية غائمة
جعفـــــــر عبــــــــاس
jafasid09@hotmail.com
ما البأس في كونك أسمر (2)
لليوم الرابع على التوالي أكتب عن سمرة البشرة، وعن تعرض السمر والسود للاضطهاد في بعض المجتمعات، ثم تحدثت عن ولع ذوي البشرة الفاتحة، باكتساب السمرة بالتعرض الطويل لأشعة الشمس، أو أنواع مختلفة من الاشعاع، بينما السمراوات «خلقة ربنا»، يحرصن على تقشير جلودهن على أمل أن تصبح فاتحة اللون، وعرضت رسالة أتتني من امرأة بلهاء، تزعم أنها مناضلة دفاعا عن حقوق المرأة قرأت لي مقالا أناكف فيه النساء، وأقول في استنكار ضمني إن الرجل يتعالى على المرأة على الفاضي، ولكن عقلها القاصر جعلها تفهم كلامي بالمقلوب والشقلوب، وشتمتني ببيت شعر من المتنبي «لا تشتري العبد إلا والعصا معه / إن العبيد لأنجاس مناكيد»، وفي عام 1990 كتبت مقالا استنكر فيه غزو صدام حسين للكويت، فوصلتني رسالة غاضبة من بعثي تقول: من تكون أيها العبد الزنيم كي ترفع صوتك على أسيادك؟ فرددت عليها: أنا عبد، وأخي هو بدر الدين مدثر السوداني عضو القيادة القومية للبعث. ثم أوردت أسماء قياديين سودانيين في حزب البعث، وقلت له إنني سأعرض رسالته عليهم، فجاءني منه اعتذار راجف خائف، وتوسل قائلا: أرجوك أقبل اعتذاري ولو وصل كلامي هذا إلى قيادات الحزب فسيكون مصيري سيئا (قلت له تقصد أن مصيرك سيكون «أسود»)، ولم أنشر الرسالة.
والله لم أغضب من رسالة الآنسة أو السيدة التي تسمي نفسها بالإنجليزية equal rights أي «حقوق متساوية» بدليل أنني أهملتها مدة طويلة، فلست ممن يعتبرون سواد البشرة نقيصة وعاهة، بل أقولها بكل قوة في حبالي الصوتية: من الناحية الإثنية أنا إفريقي «تماما» وباكتساب اللسان العربي صرت عربيا بالانتساب، ولكن الشيء بالشيء يذكر، وأنا وهي وأنت عبيد في نظر سادة العالم المعاصر، وفي لندن التي يعتبرها بعض العرب محجاً، كثيراً ما يكون القطار مزدحماً والخلق لا تجد مكانا تقف عليه، ويبقى الكرسي المجاور لي خالياً لأن الجماعة يخشون أن أكون من آكلة لحوم البشر (في أول الخمسينيات عندما كان الأوروبيون لا يعرفون الكثير عن الأفارقة سافر دبلوماسي إفريقي إلى بريطانيا لإقامة أول ممثلية دبلوماسية لبلاده هناك، على ظهر سفينة، وكان بقية الركاب يتجنبونه ويفزعون إذا اقترب منهم، وفي أول يوم دخل فيه مطعم السفينة قدموا له قائمة المأكولات (المنيو) فنظر إلى الجرسون مبتسماً وقال له: أعطني قائمة المسافرين..)، وإذا كان بعض النساء الإفريقيات يتضايقن من سواد بشرتهن فإنهن ولا شك ضحية أفكار مثيلات السيدة أو الآنسة «حقوق متساوية» اللواتي يعتقدن أن العبودية وقف على السود وأن «العبدة» ليست لها حقوق.
وحقناً للدماء وإظهاراً لحسن النية تجاه المناضلة المذكورة أعلاه فإنني أعلن عن استعدادي للإسهام العقلاني في دعم حقوق النساء المتطلعات إلى الجمال، اللواتي ينفقن الملايين لتكبير شفاههن بحقنها بمواد كيميائية. فالمعروف أن الإفريقي يملك شفتين تزنان ما بين أربعة إلى ستة كيلوغرامات مربعة في المتوسط، وطالما أنه لا يمانع في بيع إحدى كليتيه لإعالة أطفاله، فما من بأس في أن يبيع لي شفتيه اللتين لا يستطيع استخدامهما للكلام أو الأكل، فأقوم بتصدير الشفاه إلى الراغبات في امتلاك شفاه تتيح لهن ممارسة *** بالجملة، ولأنني أريد أن أنفي عن نفسي تهمة معاداة المرأة تفادياً لمصادرة حريتي فأنني أتطوع بإفادة تلك الشريحة من النساء الباحثات عن الجمال في غرف العمليات الجراحية بأن تحقيقاً نشرته مجلة مصرية مؤخراً يقول: إن السلطات الطبية المصرية أغلقت نحو 23 مركزاً وشركة للتجميل بعد أن اتضح أن الاختصاصيين في بعضها كانوا يحملون درجات جامعية رفيعة في الجمباز والتربية البدنية، ويكفي القاء نظرة عابرة على نتائج أمة الأعاريب في الأولمبياد الأخيرة لنكتشف حجم خيبة الرياضيين العرب في مجال تخصصهم، فما بالك إذا أتوا بتلك الخيبة إلى ميدان تكبير وتصغير النهود وتكوير الأرداف.. يا خفي الألطاف نجنا مما نخاف.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك