عالم يتغير
فوزية رشيد
الرد الإيراني: من الصبر الاستراتيجي إلى الفرقعة الصوتية!
{ ماذا لو كانت إيران بقيت في محراب الصمت الاستراتيجي «ولم تقم بالرد على الكيان الصهيوني، رداً أقرب ما كان للمسرحية المُعدّة أو الرد الشكلي؟! هل كان سيتغير الوضع بالنسبة إليها في شيء؟ خاصة أن الرد لم يكن متناسبا مع (حزمة التصريحات الإيرانية الصاخبة) منذ الهجوم «الإسرائيلي» على سفارتها في دمشق!
وحين قامت بالرد تساوى في نظر أغلب المراقبين في العالم الصمت الاستراتيجي الذي اعتادته في الرد على الاعتداءات «الإسرائيلية» سواء داخل إيران أو في سوريا أو في العراق. كما حدث أثناء مقتل «سليماني» تساوى مع «الرد الهزيل» الذي قامت به على «الكيان» رغم أنه كان لأول مرة ترد فيه إيران من أراضيها منذ 1979! فجاء الرد وكأنه «اعتذار» لا «انتقام»! فهي قد أبلغت الولايات المتحدة وبالتالي الكيان بالوساطة عن عدد مسيراتها وصواريخها والتوقيت قبل ثلاثة أيام! والتي تم إسقاط أغلبها قبل وصولها إلى «الكيان» فيما لم يحدث المتبقي القليل أي أضرار تذكر في البشر أو الحجر أو المعدات أو الأماكن العسكرية وغيرها! فلماذا وهي التي أعلنت مسبقا كل خطواتها في الرد حتى لدول الجوار، والتي لم تستغرق سوى ساعات قليلة، حتى أعلنت نهايتها في الأمم المتحدة! لماذا قامت إذًا بمثل هذا «الرد الهزلي» بحسب وصف الكثيرين؟!
{ هل كانت «الفرقعة الصوتية» السابقة في تصريحات المسؤولين قد واصلت ذات الفاعلية من (الأزيز الصوتي) لمسيراتها، فكانت مسيرات صوتية وهي ترتطم بالأرض دون أن تحدث حتى حفرة صغيرة في الأماكن التي وقعت فيها؟! هل جاء الرد لمجرد «حفظ ماء الوجه» أمام أتباعها ووكلائها، الذين للغرابة (هاجت بهم الفرحة) وكأن إيران قد قامت بعمل عسكري خارق؟! أم أن الرد الشكلي كان كافيا لردع «الكيان الصهيوني» عن ضربات أخرى قادمة لأتباعها وقياداتها في سوريا والعراق مثلاً، وكما فسر البعض بأن إيران أرادت إيصال رسالة تتغير من خلالها قواعد اللعبة في المنطقة؟! أية قواعد للعبة تلك التي بإمكان «إيران» أن تغيرها بمثل هذا الرد الذي جعل من الضربات المعلنة التي لا سرية فيها ولا مباغتة، أقرب إلى المسرحية الهزلية؟! هل هي لعبة كارتونية مثلاً؟!
{ من جانب آخر كان «نتنياهو» ينتظر أمرا خارقا يتوقف من خلاله ضغط المظاهرات «الإسرائيلية» التي كانت تحاصر الشوارع مطالبة باستقالته وانتخابات مبكرة، فجاء الرد الإيراني الشكلي ليحوله في الخطاب إلى تهديد وجودي يجمع حوله كل المعارضين له ولحكمه!
-كان بايدن بدوره يريد مخرجا ليواصل تقديم المساعدات المالية والعسكرية للكيان في مواجهة المعترضين لذلك من الرأي العام الأمريكي، بل من أعضاء في حزبه «الديمقراطي» فجاءت الضربات الإيرانية الهزيلة لتفتح له الباب في ذلك! وأن الكيان الصهيوني في خطر ولابد من تقديم كل أشكال المساعدات له مجددا ليواجه ذلك الخطر الورقي!
-كان قادة الغرب في بريطانيا وفي فرنسا وغيرها بحاجة بدورهم إلى حدث يواجهون به انقلاب الرأي العام الشعبي في بلدانهم ضد الكيان بسبب حرب إبادتها في غزة فجاء الحدث الكوميدي الذي تم تحويله أيضا إلى خطر وجودي يتعرض له الكيان! فيفزعوا فزعتهم في المناصرة له وقد أمسكوا بورقة التبرير بقوة وكأنها ورقة الإنقاذ لتبعيتهم للصهيونية!
-كان الكيان الصهيوني بحاجة إلى انقلاب في الصورة وتبييض الوجه بعد انكشاف كل أوراق الوحشية فجاءت الضربات المفرغة من المفعول لتحوله إلى ضحية كما اعتاد رغم كل جرائمه، ولو في نظر حلفائه في الغرب!
{ كل ذلك في النهاية لن ينطلي على الوعي الشعبي العالمي لأن الرد الهزلي لإيران أكد للجميع أن التخادم السري بين ثلاثي الشر (أمريكا والكيان وإيران) لا يزال في مكانه صامدا رغم كل الفرقعات الصوتية! فالتصريحات الإيرانية النارية أنتجت في النهاية ردا هوائيا زالت عنه النيران العسكرية حين تعلق الأمر بمواجهة الكيان الصهيوني! وأن ثلاثي الشر ودول غربية أخرى وأتباعهم من مليشيات الإرهاب الاستخبارية هي في النهاية تتعاضد وتتحالف ضد العرب وجغرافيا العرب وشعوبها قتلا وتمزيقا وإرهابا.
{ ولكن حين تصل (لزوميات المسرحية المحبوكة) إلى أية مواجهة مصلحية بين ثلاثي أو أطراف الشر فإن المواجهة تكون في النهاية شكلية وفرقعة صوتية ومسيرات يتم إعلانها حتى وهي تستغرق الساعات الطويلة لتقع في الطريق أو على الأرض من دون إحداث أي ضرر! وأيضا لا تكون حربا على إيران! لو بقيت إيران في لعبة الصمت الاستراتيجي كان أفضل لها من الفرقعة الصوتية لمسيراتها وصواريخها المحسوبة والمعلنة وقتا ونوعا وتأثيرا! فالعالم كله شهد الواقعة ولن يفيد في تغيير الشهادة تصريحات القادة الإيرانيين أو الإسرائيليين أو الأمريكان أو الغرب! لقد أدرك الجميع أن الرد الإيراني كان مجرد سيناريو ركيك لحفظ ما تبقى من ماء الوجه إن كان قد تبقى في الوجه بعض ماء!
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك