فعاليات: التحضر لا يعني فقدان الهوية.. والحداثة تتعارض مع التقليد الأعمى
يعيش الشباب العربي في عصر مليء بالتحولات الثقافية والاجتماعية، حيث تتلاقى الثقافات، وتتداخل المفاهيم، مما يفتح أمامهم آفاقاً واسعة من الفرص، والتحديات، ويسلط هذا التحقيق الضوء على تأثيرات ثقافة الغرب على الشباب العرب، وكيفية تأقلمهم معها، أو تصديهم لها، ومدى تأثير ذلك على هويتهم الثقافية وقيمهم.
ففي ظل توسع دائرة التواصل العالمي، وسهولة الوصول الى المحتوى الغربي، يواجه الشباب العرب تحديات جديدة في الحفاظ على هويتهم، وقيمهم الثقافية، وتناول هذا التحقيق الطرق التي يتبعها الشباب في تبني أو مواجهة الثقافة الغربية، ودور الأهل والمجتمع في توجيههم ودعمهم في هذا السياق المعقد، فهل يستطيع الشباب مواجهة الثقافة الغربية؟ أم أنهم سينجذبون إليها؟
تقول مريم أحمد فولاذ، طالبة جامعية، إن الشباب أهتموا بالعادات الغربية، وهذه العادات تتنوع بين صحيحة وخاطئة، ويعتمد الكثيرون على التشبه بالأجانب في اللباس، وقصات الشعر، والمصطلحات، مما يعتبر تحدياً للقيم الإسلامية، ويعود هذا التغيير جزئيا إلى العولمة والانفتاح، حيث أصبح من السهل فهم الثقافة الغربية، وأساليب حياتهم، وهو ما يتعارض مع القيم الدينية لبعض الأفراد.
ويرى جاسم أحمد الجبن، طالب جامعي، أن الشباب العربي تأثروا بعادات سلبية من الغرب، مثل الكلام البذيء، والاستهزاء بالدين، ويرجع ذلك الى تأثير الأساليب الغربية، فالغرب يمتازون بأسرهم المفككة، بينما تتميز الثقافة العربية بقوة العلاقات الاجتماعية، رغم ذلك، يعجب الشباب العربي بتقدم الغرب العلمي، والتكنولوجي، والإعلامي، وهو تغيّر عن الأوضاع التاريخية، حيث كان الشباب الأوروبي معجباً بالعرب وثقافتهم.
وتؤكد وفاء أمجد الجادر، طالبة جامعية، أن اكتساب العادات لدى الشاب يعتمد على التربية، والوعي، فالبعض يتبنى السلبية كالتدخين والمخدرات من الثقافة الغربية، بينما يتبنى الآخرون الإيجابية، فالشباب يعتمدون على أساليب غربية في التعامل، بسبب التأثير الثقافي، والتكنولوجي، وقد يندفعون نحو الثقافة الغربية بسبب الحاجة الى مواكبة التطورات، ونقص التوعية للاهتمام بالثقافة العربية الأصيلة.
ويكشف رضا علي الستراوي، طالب جامعي، أن وسائل التواصل الاجتماعي سبب أساسي في التأثير على شباب العرب، فيتأثرون بالمفردات، والتصرفات الغربية، مما يؤدي إلى فقدان هويتهم الثقافية، وتأخر فهمهم معنى الحرية الشخصية، وترك العادات العربية المتوارثة يجعل الشباب عرضة للهشاشة الثقافية، ويعتقدون بأنهم منفتحون ثقافيا بتبنيهم العادات الغربية.
وترى منتهى فايز أبوطه، طالبة جامعية، أن بعض الشباب العربي يتبنون عادات غربية في اللباس، والتعامل، مما يهدد الهوية الثقافية، وتأثرهم جزئي وغير عام، ولكن الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي تساهم في تعزيز هذه الثقافة، فالبعض يميل الى التمرد على التقاليد بحثاً عن التحرر والتجديد، بينما يشعر آخرون بالملل من ثقافتهم العربية، ويبحثون عن ما هو جديد.
آراء الأهالي
يرى سعيد منصور عبدالله، محاضر ومصور، أن فهم معاناة الشباب في عصر التكنولوجيا ضروري، إذ يعيشون في واقع مختلف عن جيلنا، وبالتالي لا يجب فرض تجاربنا القديمة عليهم، وينبغي التركيز على توجيههم، وتوعيتهم بفعالية، وضرورة وجود رقابة متوازنة مع تطلعات العصر، مع تعزيز القيم والأخلاق في بيئة التعليم، لحمايتهم من التأثيرات السلبية، حيث إن التقليد الأعمى لا يفيد، وقد يكون ضاراً.
كما يوضح أحمد حسين الحمري، أن تأثير الثقافة الغربية في العالم العربي يظهر بوضوح، من خلال انتشار التواصل السهل، وتطور التكنولوجيا، مما يؤدي إلى تغييرات في أساليب الحياة والقيم، ودور الأهل في الدعم والتوجيه يصبح أساسيا في توجيه الشباب، وتعزيز قيمهم، وأخلاقهم، ووسائل الإعلام الغربية تلعب دوراً كبيراً في نقل ثقافتها، لذا يجب تحديد الرؤية، واعتماد مصادر معلومات موثوقة، بالرغم من التأثيرات السلبية، فإن هناك جوانب إيجابية للثقافة الغربية، مثل التقنيات، والابتكارات، فيجب على المجتمع العربي أن يستوعب الحكمة من كل ثقافة، ويتبنى ما يتوافق مع قيمه ودينه.
ويقول ناصر يونس جناحي، إمام مسجد عائشة أم البنين رضي الله عنها، إن ثقافة المجتمع الغربي تؤثر على الشباب، مثل قصات الشعر، والتصرفات غير الملائمة، فالشريعة الإسلامية تحث على الالتزام بتعاليمها، وتجنب الأفعال المحرمة، وإن الأفلام والمسلسلات قد تحتوي على مشاهد تتعارض مع قيمنا الإسلامية، وقد تؤثر على سلوك الشباب، لذا ينبغي للأهل والمجتمع توجيه الشباب للرجوع إلى تعاليم الإسلام القويم الذي فيه الوسطية والسماحة.
وتقول فاطمة عبدالله عبدالرحمن، مدربة دورات دعم الحياة، إن ثقافة الغرب تؤثر على قرارات الشباب بشكل كبير، في عصر العولمة، ووسائل التواصل الاجتماعي، والشباب يقلدون أنماطا غربية، مما قد يؤثر سلباً على بعض قراراتهم التي قد تتعارض مع القيم العربية الإسلامية، فالدعم والإرشاد الأسري يلعبان دورا مهما في توجيه الشباب الى تجنب التقليد الأعمى للثقافات الأخرى، فوسائل الإعلام الغربية تؤثر بشكل كبير على تفكير الشباب، لكن بعضهم يشعر بأن التأثير السلبي يتفوق على الإيجابي، مما يثير قلقاً بشأن احتمال فقدان الهوية العربية.
(أصحاب الاختصاص)
يؤكد د. محمد لخضر روبي، أستاذ جامعي متخصص في الصحة والإرشاد النفسي، أنه توجد عوامل نفسية تدفع الشباب الى تبني هوية غربية، مثل البحث عن الهوية، والتأثر بنماذج غربية، ويؤثر المناخ الأسري والتعليم في ذلك، فالتوازن يكمن في تعزيز الهوية المحلية عبر وسائل الإعلام، والإرشاد النفسي، والتوجيه المدرسي.
ويضيف حمد أنغميش الشمري، مستشار أسري، بأن الشباب ينجذبون الى الثقافة الغربية بسبب مفاهيم خاطئة، وفقدان القدوة، والتقليد، وفقدان الثقة، وانشغال الوالدين، وسهولة الوصول الى المواقع غير الأخلاقية، فالمجتمع يمكنه دعم الشباب بتعزيز الوعي بالتقاليد، ونقد الثقافة الغربية، وتحقيق طموحاتهم، وتعزيز حب الوطن، وتدريبهم على التوازن، والرجوع الى الدين.
كما يقول د. خالد عبدالرحمن الشنو، أستاذ جامعي متخصص في الشريعة الإسلامية، إن تعزيز الإيمان، وتربية الوالدين، والاختيار الحكيم للصحبة، وتعزيز الجانب العبادي، والتحصين الذاتي يسهمون في مواجهة تأثير الثقافة الغربية على الشباب، بالإضافة إلى استفادة الشباب من النواحي الإيجابية للثقافة الغربية، وتحصين أنفسهم بالمعرفة الدينية، والتعلم الشرعي للحفاظ على هويتهم الإسلامية، وتوجيههم للاستفادة من الثقافة الغربية بما ينفع دينهم وحياتهم.
ويكشف د. أحمد محمد بخيت، أستاذ جامعي متخصص في الشريعة الإسلامية، أن التعاليم الإسلامية تستطيع مواجهة تأثير الثقافة الغربية على الشباب من خلال تعزيز الهوية الإسلامية، والوعي بالتراث الثقافي العربي الإسلامي، وتحفيز الشباب على النقد البناء، والتمييز بين القيم الإسلامية الأصيلة والثقافة الغربية، مما يمكنهم من الاستفادة من الثقافة الغربية بموجب الشرع الإسلامي، ومن دون التخلي عن هويتهم الإسلامية.
في نهاية هذا التحقيق، ندرك أن التأثيرات الثقافية الغربية على الشباب العرب ليست قضية بسيطة، وتتطلب هذه التحديات توازناً حساساً بين الاستفادة من التقدم، والتطور الذي تقدمه الثقافة الغربية، وبين الحفاظ على الهوية الثقافية، والقيم العربية، ومن خلال التوجيه الواعي، والدعم الأسري، والمجتمعي، يمكن للشباب العرب أن يسلكوا طريقاً متوازناً يجمع بين التقدم، والهوية، مما يسهم في بناء مجتمع أكثر تناغماً، وتعايشاً.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك