تصوير: محمود بابا
خرجت القمة العربية بمجموعة من القرارات المدرجة، منها ما يتعلق بالموقف العربي تجاه مختلف القضايا. وكان في (إعلان البحرين) مختلف المبادرات المهمة، منها واحدة تخص الصحة. وفي الحوار التالي سنتعرف بشكل أوسع من سعادة السفيرة الدكتورة أروى حسن السيد رئيس قطاع شؤون حقوق الإنسان بوزارة الخارجية على استعداد مملكة البحرين لتنفيذ مبادرات الرعاية الصحية في الدول المتعرضة للصراعات ودور بعض الجهات المساعدة.
لمملكة البحرين دور بارز في مساعدة الشعب الفلسطيني منذ سنوات عديدة... كيف يمكن أن يتحقق ذلك بشكل أعمّ وأشمل عبر تنفيذ مبادرات إعلان البحرين؟
تقف مملكة البحرين موقفاً مبدئياً ثابتاً إزاء القضية الفلسطينية، فهي داعمة لحقوق الشعب الفلسطيني منذ سنوات عديدة على مختلف الأصعدة.
ودائماً ما تؤكد مملكة البحرين أنه لا يمكن التوصل إلى سلام عادل وشامل في المنطقة من دون إيجاد الحل العادل والشامل للقضية الفلسطينية، وذلك بحصول الشعب الفلسطيني الشقيق على حقوقه المشروعة واقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية.
يمكن تحقيق دعم أكثر شمولية وتكاملاً للشعب الفلسطيني الشقيق في خضم الأزمة الحالية من خلال المبادرات الإنسانية متعددة الأبعاد التي تم طرحها من قبل حضرة صاحب الجلالة ملك البلاد المعظم، حفظه الله ورعاه، في القمة العربية التي استضافتها مملكة البحرين في 16 من مايو الماضي، والتي تم اعتمادها من قبل الدول العربية الأعضاء لتكون مبادرات بحرينية تحظى بالدعم والإجماع العربي. ومن أبرز هذه المبادرات الدعوة إلى عقد مؤتمر دولي تحت رعاية الأمم المتحدة، بهدف إيجاد حلول جذرية للقضية الفلسطينية وتحقيق سلام عادل وشامل في المنطقة. ويمثل هذا المؤتمر فرصة لتوحيد الجهود الدولية وإشراك جميع الأطراف المعنية في حوار بناء يفضي إلى حل القضية الفلسطينية على أساس حل الدولتين، بما ينهي الاحتلال الاسرائيلي لكافة الأراضي العربية المحتلة، ويجسد الدولة الفلسطينية المستقلة ذات السيادة، والقابلة للحياة وفقاً لقرارات الشرعية الدولية، للعيش بأمن وسلام إلى جانب اسرائيل. علاوة على ذلك، سيسهم تفعيل دور الدبلوماسية العربية من خلال توجيه وزراء الخارجية للتواصل مع نظرائهم في دول العالم لحثهم على الاعتراف بالدولة الفلسطينية وتعزيز شرعيتها وحصولها على الدعم الدولي اللازم لتلبية احتياجات الشعب الفلسطيني وبدء عملية البناء والتعافي.
ولا يقتصر دعم الأشقاء الفلسطينيين المتضررين من الوضع الراهن على الجانب السياسي فحسب، بل يشمل أيضاً دعم الخدمات التعليمية والصحية لهم وغيرهم من المتضررين من الصراعات في المنطقة، وذلك من خلال التعاون بين جامعة الدول العربية واليونسكو ومملكة البحرين، لتوفير فرص تعليمية نوعية لمن حرموا حقوقهم الأساسية جراء النزاعات، مما يسهم في إعادة بناء حياتهم وتمكينهم من المساهمة في مجتمعاتهم. وفي نفس السياق، يتجلى دعم الأشقاء الفلسطينيين المتضررين من الأزمة القائمة في الاهتمام بالرعاية الصحية من خلال تفعيل جهود تحسين الخدمات الصحية وتطوير صناعة الدواء واللقاحات في الدول العربية، بالتعاون مع منظمة الصحة العالمية ومملكة البحرين. ويطمح هذا التعاون إلى توفير العلاج اللازم للمتضررين والحد من انتشار الأمراض والأوبئة التي غالبًا ما ترافق الصراعات. بالإضافة إلى ذلك، نرى في تعزيز التعاون العربي في مجال التكنولوجيا المالية والتحول الرقمي خطوة مستقبلية مهمة في توفير بيئة ملائمة للمبتكرين والابتكار ولتطوير قطاع خدمات مالية مرن وسلس يلبي احتياجات الأفراد والمجتمعات في مرحلة البناء والتعافي المهمة، ويعزز من تسريع تحقيق التنمية الاقتصادية المستدامة للمجتمعات المتضررة من الصراع القائم.
ماهي أهم المقترحات حول الإسهام في توفير الرعاية الصحية المطلوبة في الدول المتعرضة للصراعات؟
يتطلب تحسين الرعاية الصحية في الدول المتضررة تركيز الجهود العالمية نحو إعادة بناء شاملة ومتكاملة، مع البدء بتعزيز البنية التحتية الصحية، من خلال ترميم المرافق المتضررة، وتوفير الإمدادات الطبية الأساسية، وتدريب الكوادر الصحية المحلية، وحمايتهم. وهذه الخطوات الرئيسية تمهد الطريق لاستعادة الخدمات الصحية الحيوية لمرحلة التعافي والبناء، كخدمات الرعاية الصحية الأولية، ورعاية الأم والطفل، والدعم النفسي للمتضررين.
بالتزامن مع ذلك، سنسعى لتوحيد الجهود من خلال التعاون الوثيق مع مختلف الشركاء والداعمين وجامعة الدول العربية ومنظمة الصحة العالمية وجميع الجهات المعنية، لتعزيز النظم الصحية وتطوير نظم المعلومات الصحية، ودعم برامج الصحة العامة. هذا التكامل سيضمن تقديم الخدمات الصحية بفعالية وكفاءة أكبر، وسيسهل تحديد الاحتياجات الصحية وتخصيص الموارد بشكل أمثل. ولا يغيب عن ذهننا دور الابتكار والتكنولوجيا في تخطي العقبات اللوجستية والأمنية التي قد تعترض تقديم الرعاية الصحية في المناطق المتضررة. فحلول مثل التطبيب عن بعد، والخدمات الصحية عبر الهاتف المحمول، تفتح آفاقا جديدة لتوفير الرعاية الصحية للمناطق النائية.
أخيرًا، لا يمكن إغفال أهمية التمويل المستدام في ضمان استمرارية الخدمات الصحية. وسيتطلب ذلك الالتزام بزيادة التمويل الدولي المخصص للرعاية الصحية في الدول المتضررة، وتشجيع الاستثمار المحلي في القطاع الصحي.
من خلال هذه الجهود المتكاملة، يمكننا أن نحدث فارقا حقيقيًا في تحسين الوضع الصحي للسكان في الدول التي عانت من ويلات الحروب والصراعات. ولكن، يبقى بناء السلام والاستقرار حجر الزاوية في تهيئة بيئة آمنة ومستقرة لتقديم الرعاية الصحية.
سيكون هناك عمل متكامل تشارك فيه مختلف الأطراف على الأصعدة المحلية والاقليمية والدولية. فدولياً وإقليمياً لا بد من حشد الدول كحكومات وكرأي عام بشكل مكثف لدعم مثل هذه المبادرة الإنسانية عبر مختلف المنصات الدولية والدبلوماسية، وحث الدول على أن تكون جزءاً فاعلاً فيها، ولا بد أن يكون هنالك تعاون كبير مع المنظمات الدولية المعنية، على رأسها منظمة الصحة العالمية والجامعة العربية.
وكذلك على الصعيد المحلي، لا بد من زيادة الوعي بأهمية الحق في الصحة للجميع، ودعم المؤسسات والجمعيات التي تعمل في هذا المجال والتي توفر هذه النوعية من الخدمات بالإضافة إلى إمكانية مشاركة القطاعات المختصة بالتكنولوجيا وبتقديم الخدمات عبر التقنيات الحديثة عن بُعد، وغيرها الكثير من المقترحات والأفكار التي يجري العمل على بلورتها بشكلها النهائي حالياً. كيف يمكن التعامل مع التحديات التي قد تواجه الجهات المعنية عند توفير الدواء والعلاج في هذه المناطق؟
بالطبع هناك تحديات عديدة في المنطقة وخصوصاً في أماكن النزاعات. وتوفير الرعاية الصحية في مناطق الصراعات لن يخلو من تحديات، ولكن هذا بالطبع لن يشكل عائقاً أمام التنفيذ، إذ تتم دراسة تنفيذ المبادرة بشكل واف مع مراعاة الظروف الإقليمية بحيث يتم تطبيقها بشكل عملي عبر مراحل معينة لضمان أن يتم توفير مختلف الخدمات الصحية، وفي ذات الوقت الحفاظ على سلامة أرواح الطواقم الطبية وكذلك المرضى والمصابين. إن توفير الدواء والعلاج في مناطق الصراع سيشكل تحديًا حقيقيًا بسبب صعوبات متعددة، منها صعوبة الوصول إلى المناطق المتضررة، ونقص الإمدادات الطبية، وتدمير البنية التحتية الصحية وغيرها، وجميعها عوامل تعيق وصول الدواء والعلاج إلى المحتاجين. ولكن هذه التحديات ليست مستعصية على الحل، فمن خلال التعاون مع المنظمات المحلية، وتوظيف شبكات التوزيع المجتمعية، والاستفادة من التقنيات الحديثة كالطائرات بدون طيار، يمكن التغلب على صعوبة الوصول. كما أنه مع تفعيل جهود تعزيز سلاسل التوريد العالمية، ورفع التنسيق مع الشركات المصنعة للأدوية، وتوفير التمويل اللازم، سيمكن التعامل لدرجة عالية مع مشكلة نقص الإمدادات. كما أن إعادة بناء المستشفيات والعيادات المتضررة، وتوفير المعدات الطبية اللازمة، وتدريب الكوادر الصحية على استخدامها، جميعها عوامل تسهم في إعادة تأهيل البنية التحتية الصحية. بالإضافة إلى ذلك، يمكن للجهات المعنية أن تتبنى حلولًا مبتكرة مثل التطبيب عن بعد، والصيدليات المتنقلة، والتعاون مع المنظمات غير الحكومية، لتقديم الدواء والعلاج للمحتاجين في مناطق الصراع.
ما هو دور مؤسسات المجتمع المدني في تنفيذ مبادرات مملكة البحرين؟
مؤسسات المجتمع المدني جزء لا يتجزأ من العمل الإنساني والعمل المتصل بمجال حقوق الإنسان، فهم على مقربة من نبض الشارع ومتواجدون في مختلف الميادين، وحراكهم وأفكارهم تثري العمل الحقوقي والإنساني.
وبلا شك فإن المجتمع المدني سيكون له دور في العمل على هذه المبادرة المهمة ولا سيما في ظل وجود جمعيات ناشطة وذات خبرة في هذا المجال.
وإنّ توعية المجتمع بأهمية هذه المبادرات وتعزيز ثقافة التطوع عبر تشجيع الشباب والشابات على الانخراط في هذا العمل الإنساني وتقديم البرامج التدريبية والتوعوية وكذلك عدد من الخدمات الطبية، سوف تسهم في إثراء ومتابعة تنفيذ هذه المبادرة على أكمل وجه.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك