العدد : ١٦٩٨٩ - الجمعة ٢٧ سبتمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٤ ربيع الأول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٦٩٨٩ - الجمعة ٢٧ سبتمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٤ ربيع الأول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

حتى لا يخدعنا أحدٌ على الأقل!

بقلم: د. أحمد رفيق عوض {

الأربعاء ١٠ يوليو ٢٠٢٤ - 02:00

سبب‭ ‬هذا‭ ‬المقال‭ ‬هو‭ ‬ما‭ ‬تروّج‭ ‬له‭ ‬بعض‭ ‬الأطراف،‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬أنها‭ ‬قامت‭ ‬بما‭ ‬عليها‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬وقف‭ ‬إطلاق‭ ‬النار،‭ ‬واستنفاد‭ ‬كل‭ ‬الأدوات‭ ‬والوسائل‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬يجب‭ ‬عليها‭ ‬استعمالها‭ ‬لوقف‭ ‬الحرب،‭ ‬ولكن‭ ‬الواقع‭ ‬يكذّب‭ ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬الكلام‭. ‬لهذا‭ ‬وجب‭ ‬أن‭ ‬نقول‭ ‬إن‭ ‬كل‭ ‬الجهود‭ ‬الإقليمية‭ ‬والدولية‭ ‬لوقف‭ ‬إطلاق‭ ‬النار‭ ‬في‭ ‬قطاع‭ ‬غزه‭ ‬فشلت‭ ‬حتى‭ ‬كتابة‭ ‬هذه‭ ‬السطور‭. ‬فشلت‭ ‬الإدارة‭ ‬الأمريكية‭ ‬بالذات‭ ‬في‭ ‬الضغط‭ ‬على‭ ‬إسرائيل،‭ ‬وفشلت‭ ‬في‭ ‬تخفيض‭ ‬عدد‭ ‬الشهداء،‭ ‬وفشلت‭ ‬في‭ ‬إدخال‭ ‬المساعدات،‭ ‬وفشلت‭ ‬حتى‭ ‬في‭ ‬الرصيف‭ ‬المائي‭ ‬الذي‭ ‬روّجت‭ ‬له‭ ‬كثيرا،‭ ‬وفشلت‭ ‬في‭ ‬إقناع‭ ‬إسرائيل‭ ‬بالدخول‭ ‬في‭ ‬مفاوضات‭ ‬حقيقية‭. ‬وبلغ‭ ‬مدى‭ ‬هذا‭ ‬الفشل‭ ‬إلى‭ ‬درجة‭ ‬أن‭ ‬المراقب‭ ‬المحايد‭ ‬يعتقد‭ ‬أن‭ ‬إسرائيل‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬تملي‭ ‬إرادتها‭ ‬على‭ ‬الإرادة‭ ‬الأمريكية،‭ ‬وليس‭ ‬العكس‭. ‬وقد‭ ‬رأى‭ ‬العالم‭ ‬كيف‭ ‬أن‭ ‬نتنياهو‭ ‬أهان‭ ‬الإدارة‭ ‬الأمريكية،‭ ‬وحاصرها،‭ ‬ومع‭ ‬ذلك‭ ‬يدعى‭ ‬هذا‭ ‬الرجل‭ ‬ليلقي‭ ‬خطاباً‭ ‬في‭ ‬الكونجرس‭ ‬الأمريكي‭.‬

فشلت‭ ‬الإدارة‭ ‬الأمريكية‭ ‬حتى‭ ‬في‭ ‬جهودها‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬وقف‭ ‬توسيع‭ ‬هذا‭ ‬الصراع،‭ ‬فقد‭ ‬غامرت‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬بالتورط‭ ‬في‭ ‬حرب‭ ‬ضد‭ ‬الإقليم‭ ‬العربي‭ ‬في‭ ‬لبنان،‭ ‬والبحر‭ ‬الأحمر،‭ ‬ولم‭ ‬تجرؤ‭ ‬على‭ ‬الضغط‭ ‬على‭ ‬إسرائيل‭ ‬لوقف‭ ‬هذه‭ ‬الحرب‭ ‬التي‭ ‬تشكل‭ ‬المصدر‭ ‬الأول‭ ‬لكل‭ ‬هذه‭ ‬الاشتعالات‭. ‬فشلت‭ ‬أمريكا‭ ‬عندما‭ ‬تقول‭ ‬إن‭ ‬إيران‭ ‬وأذرعها‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬تهدد‭ ‬المنطقة،‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬تشير‭ ‬إلى‭ ‬دور‭ ‬الاحتلال‭ ‬وأثره‭ ‬في‭ ‬توتير‭ ‬المنطقة‭ ‬وزعزعتها‭.‬

ولكن‭ ‬الفشل‭ ‬يطول‭ ‬أيضا‭ ‬الإقليم،‭ ‬فقد‭ ‬فشل‭ ‬في‭ ‬جهوده‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬إقناع‭ ‬المجتمع‭ ‬الدولي‭ ‬وإسرائيل‭ ‬بضرورة‭ ‬التسوية،‭ ‬أو‭ ‬تخفيض‭ ‬التصعيد،‭ ‬أو‭ ‬تقليل‭ ‬آثار‭ ‬الحصار‭ ‬والدمار‭. ‬فشل‭ ‬الإقليم‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬موحداً‭ ‬وذا‭ ‬مصداقية،‭ ‬فلم‭ ‬يقم‭ ‬بما‭ ‬قام‭ ‬به‭ ‬آخرون‭ ‬بعيدون‭ ‬لمحاصرة‭ ‬الموقف‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬وإدانته،‭ ‬وفشل‭ ‬الإقليم‭ ‬في‭ ‬سياساته‭ ‬أيضاً‭.‬

الإقليم‭ ‬فشل‭ ‬في‭ ‬وقف‭ ‬الحرب،‭ ‬وتقديم‭ ‬المساعدة،‭ ‬وفشل‭ ‬كذلك‭ ‬في‭ ‬كبح‭ ‬جماح‭ ‬إسرائيل‭ ‬وخططها‭ ‬المستقبلية‭. ‬المطلوب‭ ‬من‭ ‬الإقليم‭ ‬عدم‭ ‬تسهيل‭ ‬الاحتلال،‭ ‬أو‭ ‬التكيف‭ ‬معه،‭ ‬أو‭ ‬الخضوع‭ ‬لمطالبه،‭ ‬أو‭ ‬التعاطي‭ ‬مع‭ ‬خططه‭ ‬الحالية‭ ‬أو‭ ‬المستقبلية‭.‬

وفشل‭ ‬المجتمع‭ ‬الدولي‭ ‬عامة‭ ‬في‭ ‬الضغط‭ ‬الحقيقي‭ ‬على‭ ‬الهيئات‭ ‬الدولية،‭ ‬القضائية‭ ‬منها‭ ‬والإغاثية،‭ ‬وعمل‭ ‬كثيرون‭ ‬على‭ ‬تعطيل‭ ‬الخطوات،‭ ‬أو‭ ‬الإجراءات‭ ‬العقابية،‭ ‬أو‭ ‬غيرها‭ ‬لوقف‭ ‬هذه‭ ‬الحرب‭ ‬الضروس،‭ ‬وتراجعت‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬والجامعات‭ ‬والمنظمات‭ ‬عن‭ ‬نشاطاتها‭ ‬المساندة‭ ‬بسبب‭ ‬التهديد‭ ‬أو‭ ‬الخوف‭ ‬أو‭ ‬الاحتواء‭. ‬انخفضت‭ ‬حدة‭ ‬الدعم‭ ‬والتأييد‭ ‬للشعب‭ ‬الفلسطيني،‭ ‬بسبب‭ ‬عدم‭ ‬وجود‭ ‬حاضنة‭ ‬عربية‭ ‬أو‭ ‬إسلامية‭ ‬وبسبب‭ ‬الهجوم‭ ‬المرتد‭ ‬العنيف‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬دوائر‭ ‬مختلفة‭. ‬إن‭ ‬نجاح‭ ‬اليمين‭ ‬المتطرف‭ ‬في‭ ‬أوروبا،‭ ‬‭ ‬إنّما‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬ريحاً‭ ‬غير‭ ‬طيبة‭ ‬تهب‭ ‬في‭ ‬أوروبا،‭ ‬فاليمين‭ ‬المتطرف‭ ‬وتحت‭ ‬شعارات‭ ‬معاداة‭ ‬المسلمين‭ ‬وطرد‭ ‬المهاجرين،‭ ‬وفي‭ ‬ظل‭ ‬الوقوع‭ ‬في‭ ‬براثن‭ ‬اللوبيات،‭ ‬والمافيات،‭ ‬وجماعات‭ ‬المصالح،‭ ‬فإن‭ ‬هذا‭ ‬اليمين‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬في‭ ‬وارد‭ ‬دعم‭ ‬وتأييد‭ ‬الحق‭ ‬الفلسطيني‭. ‬إن‭ ‬تحول‭ ‬أوروبا‭ ‬وأمريكا‭ ‬إلى‭ ‬اليمين‭ ‬المتطرف‭ ‬له‭ ‬أسباب‭ ‬سياسية‭ ‬واقتصادية‭ ‬وثقافية،‭ ‬ولكن‭ ‬هذا‭ ‬يعني‭ ‬أيضا‭ ‬أن‭ ‬أوروبا‭ ‬تنقلب‭ ‬على‭ ‬ليبراليتها،‭ ‬وتسامحها،‭ ‬وانفتاحها‭ ‬على‭ ‬العالم‭.‬

ويتمدد‭ ‬هذا‭ ‬الفشل،‭ ‬ليشمل‭ ‬أيضا‭ ‬فصائلنا‭ ‬الفلسطينية‭ ‬التي‭ ‬ضيعت‭ ‬عدة‭ ‬مرات‭ ‬إمكانية‭ ‬المصالحة،‭ ‬وتأسيس‭ ‬نظام‭ ‬سياسي‭ ‬جديد‭ ‬يحظى‭ ‬بالقبول‭ ‬والتمثيل‭ ‬الشرعي،‭ ‬ويشكل‭ ‬جسراً‭ ‬للمرور‭ ‬من‭ ‬دائرة‭ ‬الإنكار‭ ‬والتغييب‭ ‬ونقص‭ ‬التمثيل‭ ‬والشرعية‭.‬

إن‭ ‬هذه‭ ‬الحرب‭ ‬التي‭ ‬سقط‭ ‬فيها‭ ‬حتى‭ ‬الآن‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬120‭ ‬ألف‭ ‬فلسطيني‭ ‬بين‭ ‬شهيد‭ ‬ومفقود‭ ‬وجريح،‭ ‬لم‭ ‬يدفع‭ ‬بعد‭ ‬فصائلنا‭ ‬إلى‭ ‬العمل‭ ‬المشترك‭ ‬والموحد،‭ ‬لتفويت‭ ‬الفرصة‭ ‬على‭ ‬من‭ ‬يريد‭ ‬أن‭ ‬يفرض‭ ‬واقعاً‭ ‬جديداً‭ ‬في‭ ‬قطاع‭ ‬غزه‭ ‬يقوم‭ ‬على‭ ‬إعادة‭ ‬إنتاج‭ ‬الاحتلال‭ ‬والحصار،‭ ‬بمباركة‭ ‬دولية‭ ‬على‭ ‬الأقل‭. ‬هذه‭ ‬المرة،‭ ‬يريد‭ ‬المحتل‭ ‬أن‭ ‬يعود‭ ‬إلى‭ ‬قطاع‭ ‬غزة‭ ‬بعد‭ ‬تدميره‭ ‬بتفويضٍ‭ ‬واسعٍ‭ ‬من‭ ‬أطرافٍ‭ ‬عديدة،‭ ‬وبدون‭ ‬وحدة‭ ‬فلسطينية‭ ‬أهلية‭ ‬وفصائلية‭ ‬وسياسية،‭ ‬وقد‭ ‬ينجح‭ ‬المحتل‭ ‬في‭ ‬مسعاه‭ ‬هذا‭. ‬إن‭ ‬الإفشال‭ ‬المتعمد‭ ‬لكل‭ ‬الجهود‭ ‬لوقف‭ ‬إطلاق‭ ‬النار،‭ ‬إنما‭ ‬يعني‭ ‬التضحية‭ ‬بشعبنا‭ ‬على‭ ‬مذبح‭ ‬أوهام‭ ‬وأحلام‭ ‬جهنمية‭. ‬إن‭ ‬فشل‭ ‬كل‭ ‬الجهود‭ ‬أو‭ ‬معظمها‭ ‬لوقف‭ ‬إطلاق‭ ‬النار‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬معظم‭ ‬الأطراف‭ ‬لها‭ ‬حساباتها،‭ ‬البعيدة‭ ‬والقريبة،‭ ‬الداخلية‭ ‬والخارجية،‭ ‬وحتى‭ ‬لا‭ ‬يخدعنا‭ ‬أحد،‭ ‬لا‭ ‬الآن،‭ ‬ولا‭ ‬في‭ ‬المستقبل،‭ ‬نقول‭: ‬إن‭ ‬استمرار‭ ‬الحرب‭ ‬على‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬مع‭ ‬عدم‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬إيقافها‭ ‬ستؤدي‭ ‬بالضرورة‭ ‬إلى‭ ‬توسيع‭ ‬دائرتها‭ ‬لتشمل‭ ‬الصامتين،‭ ‬والمحايدين،‭ ‬والمعتدلين،‭ ‬والمنحازين،‭ ‬وما‭ ‬بين‭ ‬هذا‭ ‬وذاك،‭ ‬الحرب‭ ‬لن‭ ‬توفر‭ ‬أحداً‭ ‬كان‭ ‬عليه‭ ‬أن‭ ‬يتدخل‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬المناسب،‭ ‬وضاعت‭ ‬منه‭ ‬هذه‭ ‬الفرصة‭.‬

ما‭ ‬الفعل‭ ‬الصواب‭ ‬أصلا؟‭! ‬أليس‭ ‬هو‭ ‬الفعل‭ ‬الصواب‭ ‬في‭ ‬المكان‭ ‬والزمان‭ ‬الصواب؟‭!!‬

إن‭ ‬هذه‭ ‬الحرب‭ ‬التي‭ ‬سقط‭ ‬فيها‭ ‬حتى‭ ‬الآن‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬120‭ ‬ألف‭ ‬فلسطيني‭ ‬بين‭ ‬شهيد‭ ‬ومفقود‭ ‬وجريح،‭ ‬لم‭ ‬يدفع‭ ‬بعد‭ ‬فصائلنا‭ ‬إلى‭ ‬العمل‭ ‬المشترك‭ ‬والموحد،‭ ‬لتفويت‭ ‬الفرصة‭ ‬على‭ ‬من‭ ‬يريد‭ ‬أن‭ ‬يفرض‭ ‬واقعاً‭ ‬جديداً‭ ‬في‭ ‬قطاع‭ ‬غزة‭ ‬يقوم‭ ‬على‭ ‬إعادة‭ ‬إنتاج‭ ‬الاحتلال‭ ‬والحصار،‭ ‬بمباركة‭ ‬دولية‭ ‬على‭ ‬الأقل‭.‬

 

{‭ ‬رئيس‭ ‬مركز‭ ‬الدراسات‭ ‬

المستقبلية‭ ‬بجامعة‭ ‬القدس

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا