العدد : ١٦٩٨٩ - الجمعة ٢٧ سبتمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٤ ربيع الأول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٦٩٨٩ - الجمعة ٢٧ سبتمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٤ ربيع الأول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

صفحات من أوراق جدي الصفراء.. الدروس الستة

بقلم: د. زكريا الخنجي

الأحد ٢٨ يوليو ٢٠٢٤ - 02:00

ذات‭ ‬يوم‭ ‬وأنا‭ ‬أبحث‭ ‬في‭ ‬صندوق‭ ‬جدي‭ ‬الحديدي‭ ‬وبين‭ ‬أوراقه‭ ‬الصفراء‭ ‬وجدت‭ ‬قصاصة‭ ‬ورقة‭ ‬صغيرة،‭ ‬فهو‭ ‬ليس‭ ‬من‭ ‬عادته‭ ‬رحمه‭ ‬الله‭ ‬أن‭ ‬يحتفظ‭ ‬بقصاصة‭ ‬ورقة‭ ‬صغيرة،‭ ‬فعادة‭ ‬حكاياته‭ ‬تتعدى‭ ‬الصفحة‭ ‬والصفحتين،‭ ‬ولكن‭ ‬هذه‭ ‬الورقة‭ ‬كانت‭ ‬صغيرة‭ ‬ومطوية،‭ ‬وكانت‭ ‬مخبأ‭ ‬بين‭ ‬كومة‭ ‬من‭ ‬الأوراق‭ ‬لذلك‭ ‬لم‭ ‬أجدها‭ ‬سابقًا،‭ ‬ففتحتها‭ ‬وإذ‭ ‬عنوانها‭ (‬وصايا‭ ‬أبي‭ ‬الستة‭)‬،‭ ‬ولا‭ ‬أعرف‭ ‬إن‭ ‬كان‭ ‬يقصد‭ ‬والده‭ ‬أم‭ ‬غير‭ ‬ذلك‭. ‬

عمومًا،‭ ‬أيًا‭ ‬من‭ ‬كان‭ ‬كاتب‭ ‬هذه‭ ‬القصاصة‭ ‬فدعونا‭ ‬نلقي‭ ‬نظرة‭ ‬عليها،‭ ‬وننقلها‭ ‬فهي‭ ‬تحوي‭ ‬بعض‭ ‬الأمور‭ ‬التي‭ ‬وجدتها‭ ‬رائعة‭ ‬ونحن‭ ‬اليوم‭ ‬في‭ ‬أمس‭ ‬الحاجة‭ ‬إليها،‭ ‬وسوف‭ ‬أنقلها‭ ‬اليكم‭ ‬بطريقتي‭ ‬الخاصة‭. ‬تقول‭ ‬القصاصة‭:‬

إن‭ ‬كنت‭ ‬تريد‭ ‬أن‭ ‬تعيش‭ ‬في‭ ‬سعادة‭ ‬وهدوء‭ ‬وراحة‭ ‬بال،‭ ‬فعليك‭ ‬اتباع‭ ‬الأمور‭ ‬الستة‭ ‬التالية،‭ ‬وهي‭: ‬

أولاً‭: ‬التغاضي‭ ‬عن‭ ‬الأمس‭ ‬ونسيانه؛‭ ‬تقول‭ ‬القصاصة‭ ‬‮«‬لا‭ ‬تعكر‭ ‬صفو‭ ‬يومك‭ ‬الجيد‭ ‬بالتفكير‭ ‬بيوم‭ ‬الأمس‭ ‬السيء‮»‬‭. ‬في‭ ‬الحقيقة‭ ‬كلنا‭ ‬تمر‭ ‬علينا‭ ‬أيام‭ ‬سيئة،‭ ‬أيام‭ ‬سيئة‭ ‬في‭ ‬العمل،‭ ‬وفي‭ ‬الأسرة‭ ‬وفي‭ ‬الحياة،‭ ‬مشاكل‭ ‬هنا‭ ‬ومشاكل‭ ‬هناك،‭ ‬فلا‭ ‬تخلو‭ ‬حياة‭ ‬إنسان‭ ‬من‭ ‬معاناة‭ ‬وجهد‭ ‬وتعب‭ ‬وإرهاق،‭ ‬وقد‭ ‬تصل‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬الأحيان‭ ‬إلى‭ ‬اليأس،‭ ‬وعندها‭ ‬تقف‭ ‬الحياة‭ ‬أمام‭ ‬عينيك‭ ‬فلا‭ ‬تتحرك،‭ ‬وتصبح‭ ‬كل‭ ‬الأمور‭ ‬جامدة‭ ‬وإن‭ ‬تحركت‭ ‬فإنها‭ ‬تتحرك‭ ‬ببطء‭ ‬شديد،‭ ‬أو‭ ‬هكذا‭ ‬تشعر‭ ‬أنت‭ ‬وحدك،‭ ‬ولكن‭ ‬الحياة‭ ‬لا‭ ‬تتوقف‭ ‬إلا‭ ‬تحت‭ ‬قدميك‭ ‬أنت‭ ‬وحدك،‭ ‬إذ‭ ‬انها‭ ‬مستمرة‭.‬

قد‭ ‬يكون‭ ‬يومنا‭ ‬هذا‭ ‬يومًا‭ ‬سيئًا‭ ‬لأسباب‭ ‬كثيرة،‭ ‬وقد‭ ‬يكون‭ ‬الغد‭ ‬وبعد‭ ‬الغد‭ ‬كذلك،‭ ‬ولكن‭ ‬ازرع‭ ‬في‭ ‬نفسك‭ ‬فكرة‭ ‬أنه‭ ‬حتمًا‭ ‬سيأتي‭ ‬يوم‭ ‬ستسعد‭ ‬فيه‭ ‬لأسباب‭ ‬كثيرة‭ ‬أيضًا،‭ ‬فنحن‭ ‬لسنا‭ ‬في‭ ‬الجنة،‭ ‬ففي‭ ‬الجنة‭ ‬هناك‭ ‬الحياة‭ ‬المثالية،‭ ‬أما‭ ‬في‭ ‬الأرض‭ ‬وفي‭ ‬هذه‭ ‬الدنيا‭ ‬فالحياة‭ ‬عبارة‭ ‬عن‭ ‬صراع‭ ‬دائم‭ ‬للبحث‭ ‬عن‭ ‬السعادة‭ ‬بأي‭ ‬صورة‭ ‬كانت‭. ‬وفي‭ ‬أحيان‭ ‬كثيرة‭ ‬تجد‭ ‬أن‭ ‬الحياة‭ ‬قد‭ ‬هزمتك،‭ ‬وأنك‭ ‬قد‭ ‬بدأت‭ ‬تتكسر،‭ ‬حينها‭ ‬تذكر‭ ‬قوله‭ ‬تعالى‭ ‬في‭ ‬سورة‭ ‬يونس‭ ‬‭ ‬الآية‭ ‬107‭ ‬‮«‬وَإِن‭ ‬يَمْسَسْكَ‭ ‬اللَّهُ‭ ‬بِضُرٍّ‭ ‬فَلَا‭ ‬كَاشِفَ‭ ‬لَهُ‭ ‬إِلَّا‭ ‬هُوَ‭ ‬وَإِن‭ ‬يُرِدْكَ‭ ‬بِخَيْرٍ‭ ‬فَلَا‭ ‬رَادَّ‭ ‬لِفَضْلِهِ‭ ‬يُصِيبُ‭ ‬بِهِ‭ ‬مَن‭ ‬يَشَاءُ‭ ‬مِنْ‭ ‬عِبَادِهِ‭ ‬وَهُوَ‭ ‬الْغَفُورُ‭ ‬الرَّحِيمُ‮»‬‭. ‬ولكن‭ ‬هذا‭ ‬لا‭ ‬يعني‭ ‬أبدًا‭ ‬أن‭ ‬نتغاضى‭ ‬عن‭ ‬الدروس‭ ‬التي‭ ‬نتعلمها‭ ‬من‭ ‬الأمس‭ ‬وأن‭ ‬يصيبنا‭ ‬اليأس،‭ ‬عندئذ‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬نستعد‭ ‬بصورة‭ ‬أفضل‭ ‬إلى‭ ‬الغد‭.‬

ثانيًا‭: ‬التجاهل؛‭ ‬تقول‭ ‬القصاصة‭ ‬‮«‬لا‭ ‬تستمع‭ ‬لسلبيات‭ ‬وإحباطات‭ ‬الآخرين،‭ ‬وإنما‭ ‬عش‭ ‬حياتًا‭ ‬تكون‭ ‬بها‭ ‬سعيدًا،‭ ‬وانطلق‭ ‬إلى‭ ‬الأمام‮»‬‭. ‬ربما‭ ‬هنا‭ ‬أستحضر‭ ‬قصة‭ ‬طريفة،‭ ‬تقول‭: ‬ذات‭ ‬يوم‭ ‬كان‭ ‬هناك‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬الضفادع‭ ‬يرغبون‭ ‬في‭ ‬الانتقال‭ ‬من‭ ‬بركتهم‭ ‬التي‭ ‬جفت‭ ‬بسبب‭ ‬الحر‭ ‬إلى‭ ‬بركة‭ ‬أخرى‭ ‬تحوي‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬المياه،‭ ‬وفي‭ ‬الطريق‭ ‬وهم‭ ‬يتقافزون‭ ‬سقطت‭ ‬ضفدعتان‭ ‬في‭ ‬واحدة‭ ‬من‭ ‬الآبار‭ ‬الجافة‭ ‬العميقة‭ ‬التي‭ ‬على‭ ‬الطريق،‭ ‬التفت‭ ‬جمع‭ ‬الضفادع‭ ‬حول‭ ‬البركة،‭ ‬بعضهم‭ ‬كان‭ ‬يصرخ‭ ‬ليشجعهم‭ ‬على‭ ‬القفز‭ ‬والخروج‭ ‬من‭ ‬البئر،‭ ‬لكن‭ ‬أغلبهم‭ ‬كان‭ ‬يصرخ‭ ‬ليحبطهم‭ ‬لأن‭ ‬البئر‭ ‬عميقة‭ ‬ولا‭ ‬يمكن‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬الحافة‭. ‬واحدة‭ ‬من‭ ‬الضفادع‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬في‭ ‬البئر‭ ‬سئمت‭ ‬من‭ ‬المحاولة‭ ‬لذلك‭ ‬قبعت‭ ‬في‭ ‬مكانها‭ ‬في‭ ‬قعر‭ ‬البئر،‭ ‬أما‭ ‬الأخرى‭ ‬فاستمرت‭ ‬بالمحاولة،‭ ‬مرات‭ ‬ومرات‭ ‬حتى‭ ‬في‭ ‬النهاية‭ ‬بلغت‭ ‬حافة‭ ‬البئر‭ ‬ونجت،‭ ‬وعندما‭ ‬سألت‭ ‬عن‭ ‬السبب‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الإمكانية‭ ‬وتجاهل‭ ‬أصوات‭ ‬المحبطين‭ ‬وُجد‭ ‬أنها‭ ‬خرساء‭ ‬لا‭ ‬تسمع،‭ ‬لذلك‭ ‬كانت‭ ‬تشاهد‭ ‬الضفادع‭ ‬حول‭ ‬البئر‭ ‬وترى‭ ‬أيدهم‭ ‬وألسنتهم‭ ‬فحسبتهم‭ ‬يشجعونها‭ ‬للخروج،‭ ‬وكلما‭ ‬شاهدت‭ ‬ذلك‭ ‬قاومت‭ ‬وتشجعت‭ ‬أكثر‭ ‬فأكثر،‭ ‬حتى‭ ‬انتصرت‭.‬

هكذا‭ ‬نحن‭ ‬اليوم،‭ ‬نحتاج‭ ‬إلى‭ ‬تجاهل‭ ‬كل‭ ‬الأصوات‭ ‬المحبطة‭ ‬التي‭ ‬تقلل‭ ‬من‭ ‬قدراتنا‭ ‬ومن‭ ‬إمكانياتنا‭ ‬في‭ ‬التقدم،‭ ‬ضع‭ ‬كل‭ ‬تلك‭ ‬الأصوات‭ ‬خلفك‭ ‬ووراء‭ ‬ظهرك‭ ‬وتقدم‭.‬

ثالثًا‭: ‬أعطي‭ ‬الأمر‭ ‬وقتًا؛‭ ‬تقول‭ ‬القصاصة‭ ‬‮«‬الحياة‭ ‬دروس،‭ ‬ومن‭ ‬هذه‭ ‬الدروس‭ ‬وتلك‭ ‬الصعاب‭ ‬نتعلم،‭ ‬لتصبح‭ ‬تلك‭ ‬الدروس‭ ‬دليلنا‭ ‬إلى‭ ‬المستقبل،‭ ‬ولكن‭ ‬كن‭ ‬صبورًا‮»‬‭. ‬في‭ ‬حياتنا‭ ‬نقع‭ ‬في‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الأخطاء‭ ‬والمصاعب،‭ ‬نواجه‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الصعاب‭ ‬حتى‭ ‬نصل‭ ‬إلى‭ ‬لحظات‭ ‬اليأس،‭ ‬فنلتفت‭ ‬نحو‭ ‬اليمين‭ ‬ونحو‭ ‬اليسار‭ ‬لعل‭ ‬أحدهم‭ ‬أسقط‭ ‬لنا‭ ‬حبلاً‭ ‬أو‭ ‬مد‭ ‬يدًا،‭ ‬ربما‭ ‬تجد‭ ‬صديقا‭ ‬أو‭ ‬أخا‭ ‬حاول،‭ ‬وتمر‭ ‬الأيام‭ ‬وحتمًا‭ ‬سيفرجها‭ ‬الله‭ ‬سبحانه‭ ‬وتعالى‭ ‬في‭ ‬وجوهنا‭ ‬ذات‭ ‬يوم‭.‬

ولكل‭ ‬خلال‭ ‬كل‭ ‬تلك‭ ‬الفترات،‭ ‬سواء‭ ‬أثناء‭ ‬المرور‭ ‬بالأزمات‭ ‬وحالات‭ ‬اليأس‭ ‬حاول‭ ‬ألا‭ ‬تتذمر،‭ ‬فكر‭ ‬وحاول‭ ‬بهدوء،‭ ‬ولكن‭ ‬لا‭ ‬تستسلم‭ ‬فالمطلوب‭ ‬منك‭ ‬أن‭ ‬تحاول‭ ‬وأن‭ ‬تطرق‭ ‬الأبواب،‭ ‬فليس‭ ‬المطلوب‭ ‬منك‭ ‬أن‭ ‬تضع‭ ‬رأسك‭ ‬بين‭ ‬كيفيك‭ ‬وتتذمر‭ ‬وتسب‭ ‬وتشتم‭ ‬الحظ‭ ‬السيئ،‭ ‬فلا‭ ‬توجد‭ ‬حظوظ‭ ‬سيئة‭ ‬وحظوظ‭ ‬جيدة‭ ‬وإنما‭ ‬هي‭ ‬أقدار‭ ‬الله‭ ‬سبحانه‭ ‬وتعالى،‭ ‬والله‭ ‬يدعوك‭ ‬للعمل‭ ‬وبذل‭ ‬الجهد،‭ ‬وهو‭ ‬من‭ ‬سيقوم‭ ‬بإفراج‭ ‬كل‭ ‬تلك‭ ‬المعاناة‭.‬

والوقت‭ ‬التي‭ ‬تمنحه‭ ‬لنفسك‭ ‬حتى‭ ‬تجتاز‭ ‬كل‭ ‬تلك‭ ‬المهام‭ ‬وكل‭ ‬تلك‭ ‬المشكلات‭ ‬وقت‭ ‬ثمين،‭ ‬وتجارب‭ ‬رائعة‭ ‬ذات‭ ‬قيمة،‭ ‬فلا‭ ‬تهدرها‭ ‬وإنما‭ ‬حاول‭ ‬أن‭ ‬تتعلم‭ ‬منها‭ ‬حتى‭ ‬لو‭ ‬كانت‭ ‬معلومة‭ ‬صغيرة،‭ ‬اسأل‭ ‬نفسك‭: ‬لماذا‭ ‬وقعت‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المشكلة؟‭ ‬من‭ ‬الأطراف‭ ‬المشاركين‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المشكلة؟‭ ‬كيف‭ ‬يمكن‭ ‬حل‭ ‬المشكلة؟‭ ‬تعلم‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬فربما‭ ‬تعود‭ ‬تلك‭ ‬المشكلة‭ ‬يومًا‭ ‬ما،‭ ‬ربما‭ ‬لك‭ ‬أو‭ ‬لصديقك‭ ‬الذي‭ ‬مد‭ ‬لك‭ ‬حبل‭ ‬الخروج‭ ‬أو‭ ‬لأحد‭ ‬أبنائك،‭ ‬حينها‭ ‬تكون‭ ‬أن‭ ‬مصدر‭ ‬الحل‭. ‬فتعلم‭ ‬أن‭ ‬السقوط‭ ‬واليأس‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬الرحلة‭ ‬فلا‭ ‬تهدرها‭ ‬في‭ ‬التذمر‭ ‬والإحباط‭ ‬وإنما‭ ‬تعلم‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬وطورك‭ ‬نفسك‭.‬

رابعًا‭: ‬لا‭ ‬تقارن‭ ‬نفسك‭ ‬بالآخرين؛‭ ‬تقول‭ ‬القصاصة‭ ‬‮«‬الشخص‭ ‬الوحيد‭ ‬الذي‭ ‬عليك‭ ‬محاولة‭ ‬أن‭ ‬تهزمه‭ ‬هو‭ ‬ما‭ ‬كنت‭ ‬عليه‭ ‬البارحة،‭ ‬فلا‭ ‬تفكر‭ ‬في‭ ‬الآخرين‮»‬‭. ‬مقارنة‭ ‬أنفسنا‭ ‬بالآخرين‭ ‬موضوع‭ ‬طبيعي‭ ‬جدًا،‭ ‬فليس‭ ‬بدعًا‭ ‬أن‭ ‬نقارن‭ ‬أو‭ ‬أن‭ ‬نفكر‭ ‬ونسأل‭ ‬أنفسنا‭: ‬لماذا‭ ‬نجح‭ ‬فلان‭ ‬ولم‭ ‬أنجح‭ ‬أنا؟‭ ‬لماذا‭ ‬فلان‭ ‬تمكن‭ ‬من‭ ‬بلوغ‭ ‬المرتبة‭ ‬أو‭ ‬الدرجة‭ ‬الفلانية‭ ‬ولم‭ ‬أتمكن‭ ‬أنا؟‭ ‬ومثل‭ ‬هذه‭ ‬الأسئلة‭ ‬كثيرًا‭ ‬ما‭ ‬تراودنا‭.‬

ولكن،‭ ‬هل‭ ‬سألنا‭ ‬أنفسنا‭ ‬لماذا‭ ‬فشلت‭ ‬أنا؟‭ ‬هل‭ ‬حاولت؟‭ ‬وإذا‭ ‬حاولنا‭ ‬لماذا‭ ‬لم‭ ‬أتمكن‭ ‬من‭ ‬النجاح؟‭ ‬هل‭ ‬واجهتني‭ ‬مشاكل؟‭ ‬وما‭ ‬تلك‭ ‬المشاكل؟‭ ‬حسنٌ،‭ ‬في‭ ‬المرات‭ ‬القادمة‭ ‬هل‭ ‬أستطيع‭ ‬تجاوز‭ ‬هذه‭ ‬المشاكل؟‭ ‬وإن‭ ‬لم‭ ‬أحاول‭ ‬فهل‭ ‬سألت‭ ‬نفسك،‭ ‬لماذا‭ ‬لم‭ ‬تحاول؟‭ ‬

هل‭ ‬فكرنا‭ ‬وتساءلنا‭: ‬كم‭ ‬بذل‭ ‬الآخرون‭ ‬من‭ ‬وقت‭ ‬وجهد‭ ‬وكم‭ ‬عانوا‭ ‬حتى‭ ‬يبلغوا‭ ‬النجاح؟‭ ‬كم‭ ‬تألموا،‭ ‬كم‭ ‬عانوا،‭ ‬كم‭ ‬سهروا‭.. ‬كم‭ ‬وكم؟‭ ‬نحن‭ ‬نشاهد‭ ‬نجاحات‭ ‬كل‭ ‬هؤلاء‭ ‬ولكننا‭ ‬لا‭ ‬نرى‭ ‬ماذا‭ ‬يدور‭ ‬خلف‭ ‬الكواليس،‭ ‬لا‭ ‬نرى‭ ‬كم‭ ‬تعبوا‭ ‬وكم‭ ‬أحبطوا‭ ‬وكم‭ ‬يئسوا،‭ ‬ولكننا‭ ‬نرى‭ ‬النجاح‭ ‬لذلك‭ ‬نقارن‭ ‬أنفسنا‭ ‬بهم‭. ‬

وكأننا‭ ‬أمام‭ ‬مسرحية،‭ ‬إننا‭ ‬نشاهد‭ ‬العرض‭ ‬النهائي،‭ ‬ولكن‭ ‬هذا‭ ‬العرض‭ ‬الذي‭ ‬يدور‭ ‬أمامك‭ ‬الآن‭ ‬أخذ‭ ‬من‭ ‬وقت‭ ‬المخرج‭ ‬والممثلين‭ ‬عدة‭ ‬أشهر‭ ‬حتى‭ ‬يبلغ‭ ‬هذه‭ ‬الدرجة‭ ‬من‭ ‬الكمال‭ ‬والرضا،‭ ‬ونحن‭ ‬في‭ ‬الصالة‭ ‬نضحك‭ ‬ونكركر،‭ ‬ولا‭ ‬نعرف‭ ‬ماذا‭ ‬جرى‭ ‬للممثلين‭ ‬والمخرج‭ ‬كل‭ ‬تلك‭ ‬الشهور‭.‬

وإن‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬من‭ ‬المقارنة،‭ ‬فاتخذهم‭ ‬قدوة‭ ‬للانطلاق‭ ‬والتقدم،‭ ‬استطاع‭ ‬فلان‭ ‬أن‭ ‬أصدر‭ ‬كتابًا،‭ ‬لذلك‭ ‬قل‭ ‬لنفسك‭ ‬‮«‬أنك‭ ‬تستطيع‭ ‬أن‭ ‬تنتج‭ ‬كتابًا‮»‬،‭ ‬لذلك‭ ‬قم‭ ‬واعمل‭. ‬فلان‭ ‬بنى‭ ‬منزلاً،‭ ‬قل‭ ‬لنفسك‭ ‬‮«‬أنك‭ ‬تستطيع‭ ‬أن‭ ‬تبني‭ ‬منزلاً‮»‬،‭ ‬قم‭ ‬اعمل‭ ‬حتى‭ ‬تبني‭ ‬منزلاً،‭ ‬لا‭ ‬تحسده‭ ‬وإنما‭ ‬اتخذه‭ ‬قدوة‭ ‬وأعمل،‭ ‬وتقدم‭. ‬

خامسًا‭: ‬ابق‭ ‬هادئًا؛‭ ‬تقول‭ ‬القصاصة‭ ‬‮«‬ليس‭ ‬عليك‭ ‬إصلاح‭ ‬الكون‭ ‬أو‭ ‬إصلاح‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬دفعة‭ ‬واحدة،‭ ‬وإنما‭ ‬جزء‭ ‬الأعمال‭ ‬وتقدم‭ ‬بهدوء‮»‬‭. ‬وهذا‭ ‬يذكرنا‭ ‬بالحديث‭ ‬النبوي‭ ‬الشريف‭ ‬الذي‭ ‬روته‭ ‬أم‭ ‬المؤمنين‭ ‬عائشة‭ ‬رضى‭ ‬الله‭ ‬عنها،‭ ‬فقد‭ ‬سئل‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ ‬عن‭ ‬أحب‭ ‬الأعمال‭ ‬إلى‭ ‬الله،‭ ‬فقال‭ (‬أَحَبُّ‭ ‬الأعمالِ‭ ‬إلى‭ ‬اللهِ‭ ‬أدْومُها‭ ‬وإن‭ ‬قَلَّ‭) ‬رواه‭ ‬البخاري‭ ‬والمسلم‭. ‬في‭ ‬حياتنا‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬التحديات‭ ‬والكثير‭ ‬من‭ ‬تلك‭ ‬التحديات‭ ‬والصعاب‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تؤدي‭ ‬بنا‭ ‬إلى‭ ‬فقدان‭ ‬أعصابنا‭ ‬والتهور‭ ‬في‭ ‬الكلام‭ ‬والتصرفات،‭ ‬وهذا‭ ‬أمر‭ ‬طبيعي‭.‬

ولكن‭ ‬من‭ ‬غير‭ ‬الطبيعي‭ ‬أن‭ ‬تسير‭ ‬حياتنا‭ ‬وفق‭ ‬هذا‭ ‬النهج،‭ ‬بمعنى‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬الغضب‭ ‬والتهور‭ ‬هو‭ ‬ديدننا،‭ ‬وأن‭ ‬يكون‭ ‬ضيق‭ ‬الصدر‭ ‬هو‭ ‬سبيلنا‭ ‬للحياة‭. ‬

وإنما‭ ‬الحياة‭ ‬تحتاج‭ ‬إلى‭ ‬صدر‭ ‬كبير،‭ ‬يسع‭ ‬للكثير‭ ‬ويسع‭ ‬الكثيرين،‭ ‬فالبشر‭ ‬من‭ ‬حولنا‭ ‬أصناف‭ ‬وأنماط‭ ‬فلا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬نغضب‭ ‬من‭ ‬فلان‭ ‬لأنه‭ ‬تصرف‭ ‬بطريقة‭ ‬لا‭ ‬تعجبني،‭ ‬فهو‭ ‬ربما‭ ‬في‭ ‬وجهة‭ ‬نظره‭ ‬لم‭ ‬يخطئ‭ ‬وإنما‭ ‬هكذا‭ ‬تسير‭ ‬الأمور،‭ ‬ولكن‭ ‬في‭ ‬وجهة‭ ‬نظرك‭ ‬فهو‭ ‬خاطئ،‭ ‬إذن‭ ‬من‭ ‬القديس‭ ‬هنا؟

يقول‭ ‬الإمام‭ ‬الشافعي‭ ‬رحمه‭ ‬الله‭ (‬رأيي‭ ‬صواب‭ ‬يحتمل‭ ‬الخطأ،‭ ‬ورأي‭ ‬غيري‭ ‬خطأ‭ ‬يحتمل‭ ‬الصواب‭)‬،‭ ‬فالآراء‭ ‬كلها‭ ‬تقبل‭ ‬الخطأ‭ ‬والصواب،‭ ‬وكذلك‭ ‬التصرفات،‭ ‬لذلك‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬هادئًا‭ ‬فهذا‭ ‬من‭ ‬صالحك‭ ‬أنت‭ ‬وليس‭ ‬من‭ ‬صالح‭ ‬غيرك،‭ ‬وحتى‭ ‬إن‭ ‬أخطأ‭ ‬عليك‭ ‬شخص‭ ‬ما‭ ‬في‭ ‬العمل‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬الطريق‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬مكان‭ ‬أبق‭ ‬هادئًا‭ ‬فلا‭ ‬تحرق‭ ‬أعصابك‭ ‬ولا‭ ‬تتلفها،‭ ‬لأنه‭ ‬هو‭ ‬ببساطة‭ ‬سيغادر‭ ‬ولن‭ ‬يفكر‭ ‬فيك‭. ‬

سادسًا‭: ‬الأمر‭ ‬متعلق‭ ‬بك؛‭ ‬تقول‭ ‬القصاصة‭ ‬‮«‬أنت‭ ‬الوحيد‭ ‬المسؤول‭ ‬عن‭ ‬سعادتك،‭ ‬لا‭ ‬تدع‭ ‬الآخرين‭ ‬يتحكمون‭ ‬بحياتك،‭ ‬افعل‭ ‬ما‭ ‬أنت‭ ‬شغوف‭ ‬به‭ ‬وقدم‭ ‬كل‭ ‬طاقتك‮»‬‭. ‬دائمًا‭ ‬وأبدًا‭ ‬مؤشر‭ ‬الميزان‭ ‬يبلغ‭ ‬قمته‭ ‬بين‭ ‬يديك،‭ ‬فأنت‭ ‬وحدك‭ ‬الذي‭ ‬تستطيع‭ ‬أن‭ ‬تسعد‭ ‬نفسك،‭ ‬فلا‭ ‬تنتظر‭ ‬من‭ ‬يمد‭ ‬لك‭ ‬يد‭ ‬المساعدة‭ ‬لإسعادك،‭ ‬ويجب‭ ‬هنا‭ ‬أن‭ ‬نتذكر‭ ‬المثل‭ ‬العربي‭ ‬الذي‭ ‬يقول‭ (‬ما‭ ‬حك‭ ‬جلدك‭ ‬مثل‭ ‬ظفرك‭)‬،‭ ‬ولكن‭ ‬هذا‭ ‬لا‭ ‬يعني‭ ‬أبدًا‭ ‬ألا‭ ‬تطلب‭ ‬المساعدة‭ ‬من‭ ‬الآخرين،‭ ‬فالأقرباء‭ ‬والأحباب‭ ‬والأصدقاء‭ ‬يساعدون‭ ‬ويقدمون‭ ‬لك‭ ‬يد‭ ‬المساعدة،‭ ‬ولكن‭ ‬تبقى‭ ‬أنت‭ ‬هو‭ ‬المحور‭ ‬والأساس‭.‬

هذه‭ ‬بعض‭ ‬الوصايا‭ ‬والدروس‭ ‬التي‭ ‬وجدتها‭ ‬في‭ ‬القصاصة‭ ‬مع‭ ‬بعض‭ ‬الإضافات‭ ‬التي‭ ‬تناسب‭ ‬الحياة‭ ‬اليوم‭. ‬

 

Zkhunji@hotmail‭.‬com

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا