يعد قطاع السياحة من أبرز القطاعات غير النفطية، التي يسهم في تحقيق النمو المستدام لمملكة البحرين، بفضل ما يتمتع به من مواهب سياحية مؤهلة، وما يتميز به الشعب البحريني من كرم الضيافة. وفي دلالة واضحة على ذلك، تم اختيار البحرين لاستضافة «المنتدى العالمي التاسع لمنظمة الأمم المتحدة للسياحة»، لسياحة فن الطهي، والذي شهد حضور أكثر من 500 مشارك من 50 دولة، كما تم اختيارها من قبل وزراء السياحة في دول مجلس التعاون الخليجي لتكون «عاصمة السياحة الخليجية في 2024». ويعكس هذا التميز، بدء الترويج للسياحة في البحرين والسعودية، كوجهة سياحية واحدة، وبدء العمل بالتأشيرة السياحية الخليجية الموحدة، ما يمكن البحرين من الاستفادة من التدفق السياحي على دول الخليج عمومًا.
وعليه، تصبح السياحة في المملكة من أهم محركات النشاط الاقتصادي، خاصة وأن نشاطها يُنشط العديد من المهن، فضلاً عن أنها أسرع من قطاعات التنمية التقليدية، كالصناعة والنفط، في توليد الدخل بالعملات الأجنبية، وهي نشاط كثيف للعمالة، فيما أخذت برامج التوعية والتدريب تزيد من ولوج العمالة البحرينية إلى هذا القطاع، وهو الذي كانت معظم الوظائف التي يخلقها تذهب إلى العمالة الوافدة.
ووفقا لموقع «ترافيل آند تورز وورلد»، ارتفعت السياحة إلى دول الخليج، في السبعة أشهر الأولى من عام ٢٠٢٤ بنسبة 26%، وغدت دول «مجلس التعاون»، تقود السياحة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وفقًا لتقرير السفر العالمي 2024، وأصبح السفر داخل المنظومة الخليجية أكثر انتشارًا. وتؤكد البحرين استفادتها من هذا الصعود في السياحة الخليجية، من خلال التركيز على تحديث البنية التحتية في المطار، وتسهيل إجراءات الدخول من خلال التأشيرات الإلكترونية. ومن ثمّ، شهد قطاع السياحة بها في الربع الأول من العام الحالي نموًا بنسبة 10.7%، وارتفع عدد السياح خلال السبع أشهر الأولى من العام الحالي بنسبة 45%، مقارنة بالفترة ذاتها في 2019.
ومع زيادة التركيز على السياحة الرياضية والثقافية، توقع «ترافيل آند تور وورلد»، أن تجذب البحرين ما يقرب من 14 مليون زائر سنويًا بحلول 2028، مع ارتفاع إيرادات السياحة إلى 3.6 مليارات دولار، وكانت الإيرادات التي حققها القطاع في عام 2023، قد بلغت 3.1 مليارات دولار. ويعد «مركز البحرين العالمي للمعارض»، ركيزة أساسية في تطوير قطاع السياحة، ويلعب دورًا محوريًا في جذب الفعاليات والمعارض الدولية والإقليمية، فيما تتطلع المملكة إلى توسيع نطاق الدول المستهدفة من خلال الترويج للسياحة في أسواق جديدة؛ كالصين وألمانيا، وتنظر المملكة للتنافس الإقليمي في مجال السياحة ليس كتحدٍ، ولكن كفرص تمكنها من تعزيز التحسين والابتكار في الخدمات المقدمة.
ومن بين أهم المؤتمرات التي دعمت تنافسية السياحة البحرينية في العام الحالي، مؤتمر «رودس وورلد» للنقل الجوي، الذي استضافت البحرين، نسخته الـ 29 في يونيو الماضي، بمشاركة أكثر من 2300 ممثل عن شركات الطيران والسياحة والسفر من مختلف دول العالم، وهو حدث عالمي يعزز من مكانتها، كوجهة محورية في مجال سياحة الأعمال على المستويين الإقليمي والدولي، كما يبرز مكانتها السياحية على الساحة العالمية، وكفاءتها في جذب الناقلات الدولية، وتنظيم الفعاليات العالمية.
علاوة على ذلك، تعد «سياحة الأعمال»، من أهم مكونات استراتيجية نهوض السياحة البحرينية، مستفيدة من حصول «مركز البحرين العالمي للمعارض»، على جائزة أفضل مركز معارض جديد في العالم في 2015. وفيما تعد سياحة الأعمال أيضًا من أهم أبواب جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة، ولتوفير عناصر الجذب لهذه السياحة؛ فقد ركزت «الاستراتيجية الوطنية»، على تنوع المنتج السياحي والترفيهي، وتعزيز جهود الترويج على المستويين الإقليمي والدولي.
كما كان من أهم الفعاليات التي عززت تنافسية البحرين السياحية في 2024، «دورة الألعاب المدرسية الدولية البحرين 2024»، التي استضافتها المملكة في الفترة من 23 – 31 أكتوبر، وحظيت برعاية ملكية سامية من جلالة الملك، وسط مشاركة تاريخية، وصلت إلى 5515 رياضيا من 71 دولة من مختلف أنحاء العالم يتنافسون في 16 رياضة. وتعد هذه النسخة هي الـ 17 لهذه الدورة، وتزامنًا معها احتضنت المملكة، اجتماع «الجمعية العمومية للاتحاد الدولي للرياضة المدرسية»، بمشاركة وفود من 92 دولة.
وارتباطًا بهذه الأحداث الرياضية، استقبلت المملكة نحو 97 ألف زائر، إلى فعاليات «مهرجان صيف البحرين للألعاب» في نسخته الأولى، والذي أقيم بمركز البحرين العالمي للمعارض، وكان ختامه في أغسطس الماضي. ومع نجاحه في نشاط حركة السياحة خلال الصيف تقرر أن يكون انعقاده سنويًا.
وفيما يسمي «الاتحاد العربي للإعلام السياحي»، البحرين، مملكة الجزر، فقد أشار إلى ما يشهده قطاع السياحة بها في 2024 من إضافات جديدة، شملت فندق «كونراد البحرين فايننشال هربر»، وهو أول فندق ضمن سلسلة فنادق كونراد البحرين، يتكون من 30 طابقا تطل على الواجهة البحرية، ومنتجع «حوار»، الذي يحول جزيرة «حوار»، إلى واجهة سياحية، وافتتاح فندقين في بلاج الجزائر: فندق أفاني وفندق تيفولي، ومطاعم جديدة: «تايم أوت ماركت البحرين»، ومسابح جديدة «أولا من سوليوشنز ليجر جروب»، واستضافة البحرين في 2024، حفل «كلفن هاريس الموسيقي»، ومعرض البحرين الدولي للطيران، وموسم أعياد البحرين في ديسمبر.
وفيما يسعى برنامج الحكومة (2023 – 2026)، إلى تعزيز نمو القطاع السياحي، فإنه يبني ذلك على بيانات دقيقة يحصلها من المسح السياحي، الذي بادرت إليه «هيئة المعلومات والحكومة الإلكترونية»، بالتعاون مع «هيئة البحرين للسياحة والمعارض»، والذي يقوم به فريق عمل، وقد بدأ هذا المسح منذ يناير ويستمر فيه حتى ديسمبر 2024، لتوفير قاعدة بيانات متكاملة تشمل كل ما يتعلق بقطاع السياحة.
وتضيف تنافسية قطاع السياحة في 2024، إلى ما تحقق في عامي 2022 و2023، ضمن استراتيجية قطاع السياحة (2022 – 2026)، التي سعت إلى تحقيق 4 أهداف استراتيجية هي: (إبراز مكانة البحرين كمركز سياحي عالمي، وزيادة مساهمة السياحة في الناتج المحلي الإجمالي، وزيادة عدد الدول المستهدفة لجذب المزيد من السياح، وتنويع المنتج السياحي).
يأتي هذا، فيما تستعد حلبة البحرين الدولية -موطن رياضة سباق السيارات في الشرق الأوسط- لانطلاق الموسم الرياضي الجديد 2024 – 2025، والذي بدأ في نوفمبر بسباق افتتاحي، حيث يشتمل هذا الموسم على عديد من البطولات الرياضية. وكانت الحلبة قد شهدت في فبراير الماضي انطلاق «سباق الفورمولا 1»، وانطلاق «جائزة البحرين الكبرى لطيران الخليج»، في نسختها 20. ويعد هذا السباق قوة دافعة للاقتصاد، ويولد إيرادات بنحو نصف مليار دولار سنويًا، حيث يأتي آلاف الزوار إلى المملكة؛ ما يرفع نسبة الإشغال الفندقي، أثناء فترة السباق وقبلها وبعدها، والتي قاربت 100%.
وقد رفعت تنافسية قطاع السياحة في 2024، جاذبية هذا القطاع للاستثمارات الأجنبية المباشرة، فاتجهت على سيبل المثال، العلامات التجارية الهندية المرموقة، إلى تأسيس حضور لها في السوق البحرينية، أو رفع مستوى المشاركة القائمة بالفعل، ومن بينها العلامة التجارية «تاج» عبر فندقين بالشراكة مع شركة مشاريع المملكة، والهايبر ماركت الحادي عشر لمجموعة «لولو»، فيما زادت تدفقات السياحة الهندية إلى البحرين بنسبة 44% بين عامي 2022 – 2023 فارتفعت من 735 ألف سائح، إلى أكثر من مليون سائح.
وفي حين تعد «الكويت»، أكبر مصدر للاستثمار الأجنبي المباشر في البحرين، فقد وقع الجانبان في أغسطس الماضي، البرنامج التنفيذي لاتفاق التعاون السياحي بين البلدين للأعوام من 2024 – 2026، والذي يشكل إطارًا يشجع المستثمرين على إقامة مشاريع سياحية مشتركة، وعرض المواقع الجاهزة للاستثمار السياحي.
ويخدم وفود هذه الاستثمارات، المناخ الاستثماري الجيد في المملكة، والنظم والتشريعات المحفزة للاستثمار، حيث قامت البحرين بعرض الفرص الاستثمارية في قطاع السياحة، لدى مشاركتها في مؤتمر «الاستثمار في السياحة.. فرص وتحديات التمويل المستدام»، والذي عقد على هامش الاجتماع الخمسين للجنة الإقليمية لمنطقة الشرق الأوسط لمنظمة الأمم المتحدة للسياحة في العاصمة العمانية مسقط في مايو.
وتشمل المشروعات الجديدة التي تم إطلاقها حتى عام 2026: (مشروع شاطئ خليج البحرين، الواجهة البحرية لساحل فيلالي، ومشروع التاكسي البحري)، ما يضيف إلى القطاع السياحي بنية تحتية، ومرافق سياحية متطورة ومتنوعة. وقد تمكنت المملكة من استقطاب 16 من أبرز الفنادق العالمية، لافتًتاح فروع لها في البحرين خلال الفترة من 2024 – 2026. وتضيف هذه التوسعات أكثر من 3600 غرفة فندقية جديدة، وتسهم هذه الاستثمارات في توفير فرص عمل جديدة للعمالة الوطنية، كما تدعم أصحاب المشاريع الصغيرة والمتوسطة من خلال خلق شبكات مع الموردين المحليين والمقاولين.
وتعزيزًا لتنافسية السياحة البحرينية في 2024، استقبل ميناء خليفة بن سلمان في 18 نوفمبر، أول سفينة سياحية لموسم 2024/2025، ما يمثل بداية فصل جديد لنمو قطاع السياحة والتجارة في المملكة.. شهادات دولية وإقليمية إذن عززت تنافسية السياحة البحرينية في 2024، ما يمثل «إنجازًا قويًا»، لخطة التعافي الاقتصادي، لجهة وضع الاقتصاد البحريني على طريق النمو المستدام.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك