الإبداعُ والابتكارُ من الصفات الحميدة التي يسعى الإنسانُ إلى تحقيقها، وَهُمَا مِنَ الأسُس المتينة والرّكائزِ المُهمّة لنجاح أيّ مشروع، كمَا أنّ الجودةَ والإتقانَ للعمل ضرورةٌ شرعيةٌ، وَمِنَ الأمور المستحسنة لدى البشر بشكلٍ عام، وهذه هي المثالية الجيّدة والطموح الصّحيح.
وعلى العكس من ذلك تأتي المثالية السلبية وهي المبنيّة على المبالغة وتجاوز الحدّ في الاستعداد لدرجة التشتت وفقْدِ القُدرة على البدء؛ فتَجدُ البعض يُحجِمُ عن الانطلاق في المجال الذي يُجيدُه ويتميّز فيه، بسببِ شَغَفِه الزائد بالمثالية، وإصرارهِ على الانتظار، وخوفه على اهتزاز الثقة من جراء حُدوثِ خطأٍ أوْ نَقْصٍ أو عفويّة في عمله؛ حيثُ يعد ذلك عيْباً، لكنّه في الحقيقة قَيْدٌ وجحر عثرة في وجه تقّدمه.
ولا شك أن هذا النوع من الأشخاص يضعون نصب أعينهم توقّعاتٍ غير واقعية، ومنها: أن يكونوا في المركز الأول، وفي المقدمة دائما وفي كلّ مجال!! وبالتالي يغلبُ عليهم الأرق والتردّد والفوضى الداخلية، وضياع الفُرص لعدم أخذ القرار، والضياع في متاهات البحث عن الكمال.
ومن الحلول المقترحة للخروج من فخّ المثالية الزائدة:
1- الانطلاقةُ والمغامرةُ:
حدّد أهدافك بوضوح، وباشر عملك الآن، واكسر حاجز الخوف بالمغامرة، واترك النتائج على الله تعالى، وبذلك تَنْجو مِنَ التسويف والتأجيل، وداء العجز والكسل، وتتخلّص مِنْ أخوات (ليتَ) و (لعلّ) و(عسى).
2- عدم انتظارِ ردّة الفعل:
اعمل لله، ولا تعمل للناس، واعلم أنّ كلمات الإطراء والمجاملة لا تضيف قيمة حقيقية إلى عملك وعطائك، فاعمل ولا تنتظر ردّة فعل من أحد، فَرِضَا الناس غايةٌ لا تُدْرَك، ورِضَا اللهِ غايةٌ لا تُتْرك.
3- التزامُ المرونة:
التزم المرونة في حياتك، وخَفّضْ نسبة التّوقعات، ولا ترهق نفسك فوق طاقتها، فكلّ شيء له حدود، (ولا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا) (البقرة: 286)، وارضَ بالموجودِ بَعْدَ أنْ بذلتَ المجهود.
4- الاستثمارُ في الخطأ:
الخطأ جزءٌ لا يتجزأ مِنْ أيّ عمل، والذي لا يخطئ هو الذي لا يعمل، تعلّم مِنْ أخطائك، وتذكّر أنّ الخطأ ليس عارًا، بل هو فرصةٌ للنمّو والتحسين، فكلّنا بشر نصيبُ ونخطئ، وكلّنا كالقمر له جانبٌ مشرق والأخر مظلم، حوّل كلّ خطأ إلى فرصةٍ جديدة للاستفادة.
5- البداياتُ الصغيرة:
تذكّر أن مسيرة الألف ميل تبدأ بخطوةٍ، وأنّ جميع المشاريع العملاقة التي تشاهدها انطلقت مِنْ فكرةٍ صغيرةٍ، وأنّ كثيرا مِنَ العُظماء بدأوا بخطواتٍ متواضعة، فابدأ بخطوةٍ صغيرة وستحقّق نتائج كبيرة إن شاء الله تعالى، فالكون بدأ ذرّة، والسّيل قطرة، والغابة بذرة.
6- الرضا النفسي:
تصالح مع نفسك وتقبلّها كما هي بضعفها وقوّتها، وسجيّتها وفطرتها، وَقُدْها إلى المعالي والعظائم، باعتدال ومرونة (ولكن ساعة وساعة) ولا تتوّقع منها المستحيلات، كنْ عفويا، بسيطا، قريبا من الناس، محبّا لهم، فرْدا مِنَ المْجتمع، بعيداً عن التّكلف والتّصنع في عملك وأدائك، ففي الحديث «نُهينا عن التكلّف» (أخرجه البخاري: 7293).
7-غيّر أفكارك:
عندما تغيّر طريقة تفكيرك فأنت تغيّر حياتك للأفضل، واعلم أنّ شخصيتك ومكانتك في الحياة تتشكّل من خلال ما يدور في عقلك، وكيفما تفكّروا تكونوا كما يقول علماء النفس، فلا تكن مثاليّتُك الزائدة حاجزا أمام بدء مشروعك!
شمعة أخيرة:
الناس لا يتوقّعون منك أن تكون الأوّل دائما وتصُنعَ المستحيلات، فلماذا تتوقع من نفسك ذلك؟
يكفيك أن تبذل قصارى جهدك في إتقان العمل ومباشرته،
ثم تترك النتائج على الله واثقا مؤمنا صادقا.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك