العدد : ١٧٠٣٨ - الجمعة ١٥ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٣ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٣٨ - الجمعة ١٥ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٣ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس

jafasid09@hotmail.com

عن الغطرسة الذكورية

كثيرا‭ ‬ما‭ ‬يسمع‭ ‬الراغبون‭ ‬من‭ ‬الرجال‭ ‬في‭ ‬الزواج‭ ‬بنظريات‭ ‬عجيبة،‭ ‬من‭ ‬بعض‭ ‬نظرائهم‭ ‬الرجال‭: ‬لا‭ ‬تتزوج‭ ‬بواحدة‭ ‬أكبر‭ ‬منك‭ ‬سنا‭ ‬ولو‭ ‬بيوم‭ ‬واحد،‭ ‬ولا‭ ‬بواحدة‭ ‬درجتها‭ ‬التعليمية‭ ‬أو‭ ‬الوظيفية‭ ‬أعلى‭ ‬من‭ ‬درجتك‭. ‬باختصار‭: ‬لا‭ ‬تتزوج‭ ‬بواحدة‭ ‬تتفوق‭ ‬عليك‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬مجال‭ (‬ربما‭ ‬عدا‭ ‬مجال‭ ‬المال‭).‬

في‭ ‬إحدى‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬قضت‭ ‬محكمة‭ ‬بتطليق‭ ‬سيدة‭ ‬طلقة‭ ‬بائنة،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬طالبت‭ ‬هي‭ ‬بذلك،‭ ‬وقبلت‭ ‬التنازل‭ ‬عن‭ ‬كل‭ ‬حقوقها‭ (‬لا‭ ‬نفقة‭ ‬لا‭ ‬بطيخ‭) ‬مقابل‭ ‬الانعتاق‭ ‬من‭ ‬زوجها‭ ‬الذي‭ ‬تعرفت‭ ‬عليه‭ ‬خلال‭ ‬عمل‭ ‬كليهما‭ ‬بالتدريس‭ ‬في‭ ‬نفس‭ ‬المدرسة‭ ‬لتسع‭ ‬سنوات،‭ ‬ورغم‭ ‬أن‭ ‬الزوجين‭ ‬أقاما‭ ‬في‭ ‬شقة‭ ‬ملحقة‭ ‬بمسكن‭ ‬عائلة‭ ‬الزوج،‭ ‬فإن‭ ‬السنوات‭ ‬الأولى‭ ‬من‭ ‬الزواج‭ ‬كانت‭ ‬هادئة‭ ‬وناعمة،‭ ‬ولكن‭ ‬وبحسب‭ ‬إفادة‭ ‬الزوجة‭ ‬أمام‭ ‬المحكمة،‭ ‬فإنها‭ ‬نالت‭ ‬الترقية‭ ‬تلو‭ ‬الأخرى‭ ‬حتى‭ ‬صارت‭ ‬مديرة‭ ‬إدارة‭ ‬كبرى‭ ‬تابعة‭ ‬لوزارة‭ ‬التربية،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬ظل‭ ‬سي‭ ‬السيد‭ ‬مدرسا‭ ‬و«بس‮»‬،‭ ‬وخلال‭ ‬سنوات‭ ‬الزواج‭ ‬التسع‭ ‬رزق‭ ‬الزوجان‭ ‬بولد‭ ‬واحد،‭ ‬ويفترض‭ ‬نظريا‭ ‬أن‭ ‬الزوجة‭ ‬تنال‭ ‬ترقية‭ ‬معنوية‭ ‬عندما‭ ‬تتحول‭ ‬إلى‭ ‬أم،‭ ‬بمعنى‭ ‬أن‭ ‬حصتها‭ ‬من‭ ‬احترام‭ ‬الزوج‭ ‬ترتفع‭ ‬لكونها‭ ‬صارت‭ ‬الزوجة‭ ‬وأم‭ ‬العيال،‭ ‬ولكن‭ ‬زوج‭ ‬صاحبتنا‭ ‬هذه‭ ‬نظر‭ ‬إلى‭ ‬الأمور‭ ‬من‭ ‬زاوية‭ ‬‮«‬مريضة‮»‬‭: ‬صدقت‭ ‬إنك‭ ‬مديرة؟‭ ‬أنت‭ ‬هنا‭ ‬في‭ ‬البيت‭ ‬خادمة‭! ‬لا‭ ‬بأس،‭ ‬فكثير‭ ‬من‭ ‬النساء‭ ‬العاملات‭ ‬يقمن‭ ‬بكل‭ ‬الأعباء‭ ‬المنزلية‭ ‬التي‭ ‬يسندها‭ ‬البعض‭ ‬إلى‭ ‬الخادمات،‭ ‬ولكن‭ ‬هذا‭ ‬الزوج‭ ‬المريض‭ ‬لم‭ ‬يكتف‭ ‬فقط‭ ‬بجعل‭ ‬زوجته‭ ‬تطبخ‭ ‬وتكنس‭ ‬وتغسل‭ ‬لكل‭ ‬أفراد‭ ‬عائلته،‭ ‬بل‭ ‬أصبح‭ ‬يرغمها‭ ‬على‭ ‬استخدام‭ ‬خرق‭ ‬بالية‭ ‬وجردل‭ (‬سطل‭) ‬مثقوب‭ ‬لكنس‭ ‬ومسح‭ ‬السلالم‭ (‬ومن‭ ‬منا‭ ‬لا‭ ‬يعرف‭ ‬رجلا‭ ‬لا‭ ‬يفتأ‭ ‬يذكر‭ ‬زوجته‭ ‬بأنه‭ ‬اقترن‭ ‬بها‭ ‬منشان‭ ‬تخدمي‭ ‬الوالدة؟‭).‬

والدرس‭ ‬المستفاد‭ ‬هنا‭ ‬يا‭ ‬أعزائي،‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬التكافؤ‭ ‬بين‭ ‬الزوجين‭ ‬مهم،‭ ‬وفي‭ ‬الحكاية‭ ‬أعلاه‭ ‬كان‭ ‬هناك‭ ‬تكافؤ‭ ‬بين‭ ‬الزوجين‭ ‬عندما‭ ‬ارتبطا‭ ‬بالزواج،‭ ‬ولكن‭ ‬اختل‭ ‬الميزان‭ ‬عندما‭ ‬أثبتت‭ ‬الزوجة‭ ‬كفاءتها‭ ‬في‭ ‬مجالي‭ ‬التدريس‭ ‬والإدارة،‭ ‬ونالت‭ ‬منصبا‭ ‬رفيعا،‭ ‬بينما‭ ‬ما‭ ‬بارح‭ ‬الزوج‭ ‬مكانه‭ ‬في‭ ‬السلم‭ ‬الوظيفي،‭ ‬وهذا‭ ‬أمر‭ ‬يحدث‭ ‬في‭ ‬غالبية‭ ‬الزيجات،‭ ‬فقد‭ ‬يكون‭ ‬سعيد‭ ‬غلبانا‭ ‬وتعبانا‭ ‬عندما‭ ‬تزوج‭ ‬بسعيدة‭ ‬التي‭ ‬تنتمي‭ ‬إلى‭ ‬أسرة‭ ‬ميسورة‭ ‬الحال‭ ‬نسبيا،‭ ‬ثم‭ ‬كد‭ ‬وجد‭ ‬واجتهد‭ ‬حتى‭ ‬صار‭ ‬في‭ ‬عداد‭ ‬الأثرياء،‭ ‬وقد‭ ‬يتزوج‭ ‬طبيب‭ ‬بطبيبة‭ ‬وتنجح‭ ‬الزوجة‭ ‬في‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬رتبة‭ ‬اختصاصي‭ ‬أو‭ ‬استشاري‭ ‬بينما‭ ‬الزوج‭ ‬يظل‭ ‬ممارسا‭ ‬عاما‭ ‬إما‭ ‬لأنه‭ ‬لا‭ ‬يرغب‭ ‬في‭ ‬التخصص‭ ‬وإما‭ ‬لأنه‭ ‬حاول‭ ‬ولم‭ ‬يوفق،‭ ‬وحدوث‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الأمور‭ ‬بعد‭ ‬الزواج‭ ‬لا‭ ‬يسمى‭ ‬‮«‬عدم‭ ‬تكافؤ‮»‬،‭ ‬فهكذا‭ ‬حال‭ ‬الدنيا‭: ‬البنت‭ ‬الصغيرة‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬سكرتيرة‭ ‬في‭ ‬شركة‭ ‬صغيرة‭ ‬عندما‭ ‬تزوجت‭ ‬بها‭. ‬اجتهدت‭ ‬وثابرت‭ ‬ونالت‭ ‬مؤهلات‭ ‬علمية‭ ‬وعملية‭ ‬عالية‭ ‬وصارت‭ ‬مديرة،‭ ‬والولد‭ ‬الذي‭ ‬نجح‭ ‬في‭ ‬جمع‭ ‬المهر‭ ‬بعد‭ ‬خمس‭ ‬سنوات‭ ‬من‭ ‬الادخار‭ ‬والاقتراض‭ ‬أصبح‭ ‬بعد‭ ‬خمس‭ ‬سنوات‭ ‬من‭ ‬الزواج‭ ‬رجل‭ ‬أعمال‭ ‬ناجحا‭.‬

ولكن‭ ‬الشاهد‭ ‬في‭ ‬حكايتنا‭ ‬اليوم‭ ‬هي‭ ‬العُقد‭ ‬المرضية،‭ ‬فالمدرس‭ ‬هذا‭ ‬لم‭ ‬يفرح‭ ‬لنجاح‭ ‬زوجته،‭ ‬بل‭ ‬تعمد‭ ‬إذلالها،‭ ‬لا‭ ‬لأنها‭ ‬سيئة‭ ‬الأدب‭ ‬أو‭ ‬السلوك،‭ ‬ولكن‭ ‬لأنها‭ ‬صارت‭ ‬أعلى‭ ‬منه‭ ‬درجة‭ ‬وظيفية،‭ ‬وهكذا،‭ ‬وعندما‭ ‬وجدها‭ ‬لا‭ ‬تمانع‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬تخدم‭ ‬جميع‭ ‬أفراد‭ ‬عائلته،‭ ‬بحث‭ ‬عن‭ ‬طريقة‭ ‬لإذلالها‭ ‬فكان‭ ‬أن‭ ‬أجبرها‭ ‬على‭ ‬مسح‭ ‬السلالم،‭ ‬وفي‭ ‬التحليل‭ ‬الأخير‭ ‬فإنه‭ ‬هو‭ ‬من‭ ‬تعرض‭ ‬للإذلال‭ ‬وفي‭ ‬العلن‭ ‬وأمام‭ ‬الصحف‭ ‬ووسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬عندما‭ ‬أنصف‭ ‬القضاء‭ ‬الزوجة،‭ ‬وعندما‭ ‬وجهت‭ ‬إليه‭ ‬الزوجة‭ ‬لطمة‭ ‬بأنها‭ ‬لا‭ ‬تريد‭ ‬منه‭ ‬نفقة‭ ‬بل‭ ‬يكفيها‭ ‬ألا‭ ‬ترى‭ ‬وجهه،‭ ‬فلا‭ ‬شيء‭ ‬يجعل‭ ‬الزوج‭ ‬الفظ‭ ‬المتغطرس‭ ‬يموت‭ ‬غيظا‭ ‬كأن‭ ‬تبادر‭ ‬الزوجة‭ ‬إلى‭ ‬طلب‭ ‬الطلاق‭ ‬ثم‭ ‬تقول‭ ‬للقاضي‭: ‬تنازلت‭ ‬له‭ ‬عن‭ ‬حقوقي‭ ‬الشرعية‭ ‬ويكفيني‭ ‬ألا‭ ‬أتعامل‭ ‬معه‭ ‬أبدا‭!!‬

والشاهد‭ ‬الآخر‭ ‬هو‭ ‬أنه‭ ‬يستحسن‭ ‬أن‭ ‬يقوم‭ ‬الزواج‭ ‬أيضا‭ ‬على‭ ‬التكافؤ‭ ‬الفكري‭ ‬بمعنى‭ ‬أنه‭ ‬لو‭ ‬كان‭ ‬هناك‭ ‬تقارب‭ ‬وتطابق‭ ‬في‭ ‬طريقة‭ ‬تفكير‭ ‬الطرفين‭ ‬وفهمهما‭ ‬لمختلف‭ ‬الأمور‭ ‬لكان‭ ‬ذلك‭ ‬ضمانة‭ ‬لاستمرار‭ ‬سلس‭ ‬للحياة‭ ‬الزوجية‭.‬

إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا