التكييف.. المواقف.. منافسة السوبرماركت.. والعمالة الأجنبية أبرز التحديات
عزوف الأبناء عن مهنة الآباء أسهم في هيمنة الأجانب على السوق
إعداد: مروة أحمد
تصوير: عبدالأمير السلاطنة
سوق المنامة المركزي محل الخضّـار والقصـاب والسمّاك ومحطتهم الرئيسية لبيـع المحصول والاسترزاق، ينطلق صـاحب الفرشة منذ الصبـاح الباكر لتفريغ حمولته في المحطة المخصصة في السوق، وسط اكتظاظها بالبضاعة وبين أصوات العمال والباعة وشاحنات النقل وتفريغ البضائع، ويسير الصيّـاد نحو السوق لترتيب فرشته وصفّ صيده استعدادًا لبيعه، ويتمشى القصّـاب لتعليق اللحوم ومشتقاتها في فرشته.. هذا السـوق القديم احتضن في شبابه قامات من التجّار البحرينيين وكان منارة العاصمة في التجارة ومنبعا للمنتج المحلي، إلا أن «المنامة المركزي» اليوم يعيش أوضاعا صعبة وهو مثقل بسبب الحـر وتهـالك جدرانه وتكسّر شوارعه وغيـاب روّاده وتقاعس بعض تجاره.
في جولة قامت بها «أخبار الخليج» داخل أروقة هذا السوق تعرّفت أبرز احتياجات التجار البحرينيين الموجودين، وأهم مُطالبات المواطنين الذين اعتادوا زيارة هذا السوق منذ أيـام عزّه، حيث اجتمع التجّار والروّاد على أن أهم عامل للبقـاء هو تطوير الخدمات الموجودة في السوق وعلى رأسها التكييف إلى جانب توسعة مسـاحة الفرشـات في بعض المحطـات، وصيـانة الشوارع المحيطة، وتوفير مواقف للسيارات، وتحدث بعضهم عن تواجد العمالة الاجنبية في هذا السوق واصفا وجود بعضهم بالخـانق، وأيّد حضورهم آخرون بسبب عزوف الجيل الجديد عن ممارسة مهنة التجارة في السوق المركزي ورفض بعض التجـار توريث هذه المهنة لأبنائهم لرغبتهم في وظائف مرموقة لهم.
ومن داخل سوق الخضـار والفواكه وقف التاجر محمد حسن فـاضل الذي واكب السوق منذ أكثر من عشرين سنة عندما كان يعمل مزارعًا يبيع محصوله في السوق، واليوم يعود لشراء مقتضياته وحاجاته المنزلية إلى نفس المكان الذي وقف فيه بائعًا يوما ما، انطلق محمد في حديثه بكلمة «التكييف».. كانت هذه الكلمة التي اتفق عليها أغلب التجّار ومرتادي السوق، وأضاف لهذه المشكلة معاناة المواقف التي بحاجة إلى تنظيم وإلى تكثيف، وتساءل عن سبب اكتظاظ السوق بالعمالة الأجنبية، حيث نوّع الاسباب ما بين قوّة تواجدهم وجدّهم في أداء عملهم أو تقاعس بعض التجـار الذي أدى إلى استحواذ هذه الفئة على السوق، وبيّن أن لبّ التقاعس انطلق من تـأجير الفرشات لهم.
كما أوضح أن الإقبال على سوق المنامة المركزي تراجع بسبب افتتاح البرادات الكبيرة والسوبرماركت التي تقوم بعرض منتجاتها في نقاط مبرّدة بالإضافة إلى أن هذه الأسواق أتاحت مواقف عديدة للمستهلكين، إضافةً إلى كثافة عروضها المرتبطة بنفس المنتجات المتاحة في سوق المنامة المركزي، وحتى وإن قامت هذه النقـاط برفع اسعارها عن أسعار المركزي فإنها مازالت محتفظة بمستهلكيها بسبب تطوّر الخدمات المطروحة للمرتادين، وتطرّق محمد إلى نقطة اضافية ساهمت في ضعف الاقبال على المركزي، وهي انتشار هذه البرادات الكبيرة في المناطق السكنية حيث صارت قريبة من بيوت الناس وسهّلت عليهم الوصول بدلًا من القدوم إلى هذا السوق.
وتحدث محمد يوسف الذي قضـى 45 سنة من عمره في هذا السوق عن التجار الأولين الذين كانوا قد تواجدوا في السوق وذاع صيتهم في عالم التجارة من خلاله، وأكد خلال حديثه مع «أخبار الخليج» أن السوق كان معروفا بتجاره البحرينيين، وبرر محمد عزوف التجار البحرينيين عن البيع في السوق بانعدام رغبة الأبناء في السير على نفس خُطى والديهم في السوق والبيع، وأشار إلى أن تخلي البحريني عن المهنة ساهم في انتشار العمالة الأجنبية في السوق حيث إن سوق الخضار والفواكه يفتقر إلى وجود التاجر البحريني.
ومن أمام فرشة التمر والرطب جلس عبدالله علي موجهًا مروحته التي غلب عليها الصدأ لتُحاكي سنوات طويلة عملت خلالها على تخفيف حرارة هذا السوق عليه، حيث أكد أنه عمل في السوق المركزي منذ عام 1978 حتى هذه الساعة وانطلق مشواره من الموقع القديم للسوق وصولًا إلى موقعه الحالي، وأوضح أن أهم احتياج قد يتفق عليه كل التجار المتواجدين في السوق هو التكييف، مضيفًا أن الجهات المعنية قد قامت مؤخرًا بفتح بعض المكيفات وجاء ذلك بعد مرور فترة الصيف الحارّة بدون تبريد.
وتحدث الحجي سـالم لـ«أخبار الخليج» عن تاريخه في هذا السوق والذي بدأ منذ افتتاحه في البحرين، ويمتد عمر تجارته في سوق المنامة المركزي إلى أكثر من خمسين سنة قضاها في بيع التمر، واليوم يتكلم عن أسوأ أوجه معاناة السوق الذي عاصره منذ أيـام شبابه والتي تمحورت حول الحرارة ونقص المكيفات إلى جانب تـأجير الفرشات ما ساهم في انتشار العمالة الأجنبية في السوق التي عملت على تضييق الحركة التجارية على التاجر البحريني.
ومن المرتادين وقفت إحدى النساء لاسترجاع ذكريات ترددها على هذا السوق مع المرحوم زوجها إلا أن وفاته حالت بينها وبين عودتها وعادت اليوم لترى أوجه التغيير التي طالت هذا السوق منها الحرارة الشديدة وافتقار المكان لأبرز الخدمات التي من شـأنها أن تحافظ على ديمومة قدوم المرتادين والمستهلكين.
ورشف فاضل بو حمد من استكانة شايه الأحمر الذي اعتاد شربه منذ 15 عامًا في المقهى الموجود في السوق على كرسيه الخشبي المطلي بالأبيض القديم والمكسو بقماش السجاد الأحمر، قائلا إن معضلة السوق الكبرى تكمن في التكييف، وبشـأن وجود العمالة الأجنبية في السوق قال: هو أمر لا بد منه بدءًا من مسـألة غسل السيارات إلى وجودهم في السوق، علاوة على ذلك تحدث عن رفض الآباء اليوم توريث هذه المهنة لأبنائهم والسبب النظرة الاجتماعية أو ضعف المدخول المادي من هذه المهنة البسيطة، وحول السبب فقد أكد بو حمد رغبته برؤية ابنه طبيبا أو مهندسا وليس هُنـا.
وقف التاجر ميرزا حسن سلمان في وسط فرشته في سوق الخضار والفواكه، بثوبه الأبيض وشماغه الأبيض الملفوف حول رأسه ليمنع قطرات العرق من الوصول إلى البضاعة، وقال إن مسيرته انطلقت في السوق المركزي منذ أن كان موقعه بالقرب من فندق عذاري، وحين سؤاله عن أبرز تطلعات التجار في السوق تحدث عن أولها والتي تمحورت حول كساد البضائع في السوق حيث طالب بآليات تسهم في سيرورة عملية البيع التي من شـأنها أن تمنع كساد هذه البضائع، معللًا ذلك بانتشار البرادات الكبيرة في الأحياء السكنية والتي لعبت دورًا مهمًا في كساد بضائع التجار في السوق المركزي.
ومن أسباب كساد بضاعة التاجر البحريني بيع الأجنبي بالجملة في السوق بدءًا من محطة تحميل البضائع وتفريغها، وينطلق هذا الأمر منذ الصباح الباكر، واستعرض ميرزا أبرز أسماء التجار البحرينيين التي لمعت في السوق المركزي مثل صالح الدرازي وحسن محمود وابراهيم القطري، وقد استبدلت هذه الأسماء بشركات الأجانب التي احتكرت الفرشات وانتشروا ما بين أروقة هذا السوق.
ومن سوق الخضـار والفواكه واصلت «أخبار الخليـج» الجولة وصولًا إلى سوق السمك، هذا السوق الذي كشف أصحاب فرشاته عن عدد المواطنين الذين صمدت فرشاتهم أمام غياب مقومات البقاء، وأمام انتشار العمالة الأجنبية الذين جاؤوا بسبب تأجير الآخرين لفرشاتهم حيث قال يوسف خلف من أمام فرشته التي توسطتها ثلاجات الروبيان والسمك الصافي وقضي فيها حوالي سبع سنوات أن عدد البحرينيين في سوق السمك قد يصل إلى عشرة فقط استطاعوا البقاء والبيع شخصيًا في فرشاتهم أمام عشرات الأجانب الذين يتوسطون السوق، حيث قال إن عدد الفرشات في هذا السوق قد يفوق الخمسين فرشة هيمن عليها الأجانب، وبشـأن مطالباتهم أكد ضرورة تهوئة هذا المبنى الذي تحتكره رائحة السمك وملوحة مـاء البحر مما قد يؤذي بعض الزوار الذين لا يفضلون أن تعلق هذه الرائحة بملابسهم.
كما أضاف خلـف أن سوق السمك في المركزي يحتاج إلى تمديد ساعات عمله لأن الأوقات التي يفتح فيها أبوابه ويغلقها تصادف أوقات عمل الكثير من المستهلكين والزوار الذين لا يستطيعون ترك عملهم والقدوم لشراء السمك، ومن هذا المنطلق دعـا لأن يكون وقت إغلاق السوق نحو العاشرة ليلًا ليستفيد الباعة الموجودون في السوق بدلًا من اغلاقه في الساعة الرابعة عصرًا.
وتطرّق السمّاك علي المطوع إلى أبرز أوجه الضعف التي يعاني منها سوق الأسماك المركزي بالمنامة والتي يعود أبرزها إلى غياب المواقف المخصصة للزوار والمستهلكين حيث تقوم الشاحنات الكبيرة باستغلال هذه المواقف لصالحها، وبسبب ذلك يواجه الزائر مشكلة في النزول والتبضع، ويعود ذلك إلى شح المواقف وكثرة المخالفات المرورية التي سببت عزوفا عن حضور الزوار والمشترين بسبب الخوف من الحصول على مخالفة مرورية لعدم وجود مواقف مخصصة لهم.
وفي ختام الجولة التقت «أخبار الخليج» أقدم الباعة البحرينيين في سوق اللحم والذي مضى على تواجده في هذا السوق حوالي 55 سنة، عبد علي رجب صـاحب النصيب الأكبر من فرشات السوق إلى جانب كونه البحريني المتواجد في فرشته مع عماله الأجانب، أكد أن أهم مطلب لصاحب فرشة اللحم في هذا السوق هو توسعتها بالإضافة إلى تغيير الثلاجات الموجودة لحفظ اللحم واستبدالها بالنوع الأجدّ حفاظًا على اللحوم في السوق وللزوار.
وكشف رجب أن سوق اللحم يفتقر للقصاب والبائع البحريني ويعود السبب إلى أن السوق على الرغم من كبر مساحته فإن عدد التجار البحرينيين لا يتجاوز الستـة أمام العشرات من الأجانب الذين تواجدوا بسبب تأجير البحريني فرشته لهذه الفئة، كما أكد أن هناك عددا من الأجانب المتسيبين موجودين في السوق.
على الرغم من مطالبة التجار والزوار بحل أزمة الحر وتجديد التكييف في السوق، رصدت «أخبار الخليج» تعميمًا صادرًا من أمانة العاصمة ينص على أنهم بصدد تركيب دفعة جديدة من المكيفات في مبنى السوق بالتعاون مع المقاول المسؤول، وخلال التعميم تم التـأكيد على ارتفاع نسبي مؤقت في درجة الحرارة نتيجة لأعمال التركيب والصيانة من دون الإشارة إلى الموعد المقرر للانتهاء من الصيانة والتركيب.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك