العدد : ١٧٠٧٩ - الخميس ٢٦ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٥ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٧٩ - الخميس ٢٦ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٥ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

6 أكتوبر.. يوم الانتصار والافتخار الذي لا يُنسى

بقلم: د. ياسر عبد العزيز

الأربعاء ٠٩ أكتوبر ٢٠٢٤ - 02:00

في‭ ‬الذكري‭ ‬الـ51‭ ‬لاندلاع‭ ‬حرب‭ ‬السادس‭ ‬من‭ ‬أكتوبر،‭ ‬ما‭ ‬زال‭ ‬الحدث‭ ‬المفاجئ‭ ‬والخطير،‭ ‬الذي‭ ‬غير‭ ‬وجه‭ ‬منطقة‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط،‭ ‬يثير‭ ‬مشاعر‭ ‬الفخر‭ ‬والزهو‭ ‬لدى‭ ‬المصريين‭ ‬والعرب،‭ ‬وما‭ ‬زال‭ ‬أيضًا‭ ‬يوجع‭ ‬الإسرائيليين،‭ ‬ويُربكهم‭.‬

بأي‭ ‬طريقة‭ ‬منطقية‭ ‬لحساب‭ ‬نتيجة‭ ‬المعركة،‭ ‬وبأي‭ ‬تعريف‭ ‬للنصر،‭ ‬فإن‭ ‬مصر‭ ‬والعرب‭ ‬يحق‭ ‬لهم‭ ‬أن‭ ‬يحتفوا‭ ‬بهذا‭ ‬الإنجاز‭ ‬القومي‭ ‬الباهر،‭ ‬وأن‭ ‬نذكّر‭ ‬بدوره‭ ‬الحاسم‭ ‬في‭ ‬إعادة‭ ‬التوازن‭ ‬إلى‭ ‬الصراع‭ ‬مع‭ ‬إسرائيل،‭ ‬وتمهيد‭ ‬الطريق‭ ‬لاستعادة‭ ‬أرض‭ ‬سيناء‭ ‬السليبة‭ ‬عبر‭ ‬المفاوضات‭ ‬الشاقة‭. ‬يجتهد‭ ‬البعض‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الأوقات‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬عام‭ ‬في‭ ‬محاولة‭ ‬يائسة‭ ‬لإعادة‭ ‬تأطير‭ ‬المعركة،‭ ‬ورسم‭ ‬صورة‭ ‬مغايرة‭ ‬لها،‭ ‬وتُستخدم‭ ‬لتحقيق‭ ‬ذلك‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬الأدوات‭ ‬الدعائية،‭ ‬لتغليب‭ ‬سردية‭ ‬زائفة‭ ‬ومُحبطة‭ ‬عما‭ ‬جرى،‭ ‬لكن‭ ‬الوقائع‭ ‬على‭ ‬الأرض،‭ ‬والوثائق‭ ‬أيضًا،‭ ‬تفضح‭ ‬هذه‭ ‬المحاولات‭ ‬وتُفرغها‭ ‬من‭ ‬مضمونها‭.‬

ففي‭ ‬مثل‭ ‬تلك‭ ‬الأيام‭ ‬قبل‭ ‬51‭ ‬عامًا،‭ ‬كان‭ ‬أخوة‭ ‬وآباء‭ ‬لنا‭ ‬يخوضون‭ ‬واحدة‭ ‬من‭ ‬أشرس‭ ‬معارك‭ ‬العصر،‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬ظروف‭ ‬صعبة‭ ‬اعتبرها‭ ‬البعض‭ ‬نوعًا‭ ‬من‭ ‬المستحيل،‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬أن‭ ‬يستعيدوا‭ ‬الأرض،‭ ‬ويردوا‭ ‬لنا‭ ‬الاعتبار،‭ ‬ويضمنوا‭ ‬لنا‭ ‬الأمن‭ ‬والكرامة‭.‬

سيظل‭ ‬يوم‭ ‬6‭ ‬أكتوبر‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬عام‭ ‬قادرًا‭ ‬علي‭ ‬إلهام‭ ‬المصريين‭ ‬والعرب‭ ‬جميعًا،‭ ‬وتذكيرهم‭ ‬بواحدة‭ ‬من‭ ‬أعز‭ ‬الإشراقات‭ ‬التي‭ ‬سجلّوها‭ ‬بأرواحهم،‭ ‬وعمدوها‭ ‬بدمائهم،‭ ‬في‭ ‬تاريخهم‭ ‬الوطني‭ ‬الحافل‭ ‬والضارب‭ ‬في‭ ‬أعماق‭ ‬التاريخ‭.‬

إنه‭ ‬أحد‭ ‬الأيام‭ ‬التي‭ ‬تعز‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬أي‭ ‬شعب‭ ‬أو‭ ‬أمة،‭ ‬وترسخ‭ ‬في‭ ‬ذاكرته‭ ‬إلى‭ ‬الأبد،‭ ‬وتتحول‭ ‬من‭ ‬مجرد‭ ‬إطار‭ ‬زمني‭ ‬لواقعة‭ ‬من‭ ‬الوقائع‭ ‬إلى‭ ‬ذاكرة‭ ‬للأمة،‭ ‬وركيزة‭ ‬من‭ ‬ركائز‭ ‬فخرها‭ ‬الوطني‭ ‬والقومي،‭ ‬ودليل‭ ‬على‭ ‬قدرتها‭ ‬على‭ ‬البقاء‭ ‬والصمود‭ ‬ومغالبة‭ ‬المِحن‭ ‬الجسام‭ ‬وقهر‭ ‬الصعاب‭ ‬والانتصار‭ ‬للأمل‭.‬

كانت‭ ‬ملحمة‭ ‬أكتوبر‭ ‬ملحمة‭ ‬مصرية‭ ‬عربية‭ ‬متكاملة،‭ ‬صهرت‭ ‬في‭ ‬بوتقتها‭ ‬كل‭ ‬طاقة‭ ‬وقدرة‭ ‬تختلج‭ ‬في‭ ‬صدور‭ ‬المصريين‭ ‬والعرب،‭ ‬جيشًا‭ ‬وشعبًا‭ ‬وموارد،‭ ‬بحيث‭ ‬صار‭ ‬لهم‭ ‬جميعًا‭ ‬أن‭ ‬يتلقوا‭ ‬التهنئة‭ ‬والتقدير‭ ‬الواجب‭ ‬صبيحة‭ ‬يوم‭ ‬6‭ ‬أكتوبر‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬عام،‭ ‬وعليهم‭ ‬جميعًا‭ ‬أيضًا‭ ‬أن‭ ‬يحرسوا‭ ‬قيمته،‭ ‬ويشعلوا‭ ‬جذوته،‭ ‬وينزلوه‭ ‬موضعه‭ ‬اللائق‭ ‬بين‭ ‬غيره‭ ‬من‭ ‬الأيام‭ ‬المجيدة‭ ‬في‭ ‬التاريخ‭ ‬العربي‭.‬

كان‭ ‬يوم‭ ‬6‭ ‬أكتوبر‭ ‬من‭ ‬عام‭ ‬1973‭ ‬يومًا‭ ‬للفلاح‭ ‬المصري‭ ‬والمقاتل‭ ‬العربي‭ ‬البسيط،‭ ‬الذي‭ ‬استعاد‭ ‬ذاكرته‭ ‬الحضارية،‭ ‬وانخرط‭ ‬في‭ ‬جندية‭ ‬صارمة‭ ‬في‭ ‬انضباطها،‭ ‬واستوعب‭ ‬تسليحًا‭ ‬عصريًا‭ ‬ومعقدًا،‭ ‬فأذل‭ ‬محتلا‭ ‬غاصبا‭ ‬غادرًا‭ ‬ومتجبرًا‭ ‬ومسلحًا‭ ‬حتى‭ ‬الأسنان‭. ‬وكان‭ ‬هذا‭ ‬اليوم‭ ‬يومًا‭ ‬للشاب‭ ‬المتعلم‭ ‬الذي‭ ‬كرّس‭ ‬أفضل‭ ‬سنوات‭ ‬عمره‭ ‬لمقاتلة‭ ‬محتل‭ ‬غاشم‭ ‬روع‭ ‬وطنه‭ ‬واحتل‭ ‬أرضه،‭ ‬كما‭ ‬كان‭ ‬يومًا‭ ‬لكل‭ ‬المصريين‭ ‬والعرب‭ ‬الذين‭ ‬تعاهدوا‭ ‬على‭ ‬ربط‭ ‬الأحزمة،‭ ‬ومغالبة‭ ‬الأهواء،‭ ‬والانخراط‭ ‬في‭ ‬العمل‭ ‬المضنى‭ ‬الجاد‭ ‬لتحرير‭ ‬أرضهم‭.‬

في‭ ‬هذا‭ ‬اليوم‭ ‬كرست‭ ‬مصر‭ ‬دورها‭ ‬العربي،‭ ‬وعمقت‭ ‬المشاعر‭ ‬القومية‭ ‬لدي‭ ‬شقيقاتها‭ ‬العربيات،‭ ‬فراح‭ ‬الكل‭ ‬يشارك‭ ‬بالدم‭ ‬والسلاح‭ ‬والوجدان‭ ‬والتأييد‭ ‬الجارف‭.‬

في‭ ‬هذا‭ ‬اليوم‭ ‬توحد‭ ‬المصريون‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬كيان‭ ‬عدواني‭ ‬شرس‭ ‬يحظى‭ ‬بالدعم‭ ‬الأمريكي‭ ‬والغربي‭ ‬الوافر،‭ ‬وذلك‭ ‬انتصارًا‭ ‬لأمتهم‭ ‬التي‭ ‬تكالبت‭ ‬عليها‭ ‬المؤامرات،‭ ‬فيما‭ ‬كانت‭ ‬تريد‭ ‬أن‭ ‬تبني‭ ‬وطنًا‭ ‬قادرًا‭ ‬وأمة‭ ‬متحضرة،‭ ‬تحتل‭ ‬موقعها‭ ‬اللائق‭ ‬تحت‭ ‬الشمس‭.‬

كان‭ ‬هذا‭ ‬اليوم‭ ‬تلبية‭ ‬لنداء‭ ‬شعب‭ ‬عريق‭ ‬وضعته‭ ‬الظروف‭ ‬الشائكة‭ ‬في‭ ‬موضع‭ ‬المهزوم،‭ ‬وسُلبت‭ ‬منه‭ ‬أرضه‭ ‬في‭ ‬منازلة‭ ‬مباغتة،‭ ‬وسُلب‭ ‬معها‭ ‬شعوره‭ ‬بالعزة‭ ‬والكرامة،‭ ‬فغضب،‭ ‬وثار،‭ ‬ولم‭ ‬تهن‭ ‬عزيمته،‭ ‬ولم‭ ‬يُسلّم‭ ‬لليأس،‭ ‬ولم‭ ‬يركن‭ ‬إلى‭ ‬الاستسلام‭.‬

كان‭ ‬هذا‭ ‬اليوم‭ ‬يومًا‭ ‬للرجاء،‭ ‬وعنوانًا‭ ‬للتحدي‭ ‬والتمرد‭ ‬على‭ ‬الهزيمة،‭ ‬ودليلًا‭ ‬على‭ ‬صحة‭ ‬الأمة‭ ‬وتمام‭ ‬وعيها،‭ ‬وكان‭ ‬بابًا‭ ‬مفتوحًا‭ ‬على‭ ‬الأمل‭ ‬في‭ ‬استعادة‭ ‬كل‭ ‬حبة‭ ‬رمل‭ ‬سلبها‭ ‬المعتدي‭ ‬الغاصب‭.‬

ولذلك،‭ ‬فإن‭ ‬محاولات‭ ‬البعض‭ ‬النيل‭ ‬من‭ ‬قدر‭ ‬هذا‭ ‬اليوم‭ ‬أو‭ ‬التشويش‭ ‬عليه‭ ‬ليست‭ ‬عبثية،‭ ‬وإنما‭ ‬هي‭ ‬محاولات‭ ‬للنيل‭ ‬من‭ ‬المعاني‭ ‬التي‭ ‬يجسدها‭ ‬6‭ ‬أكتوبر‭ ‬في‭ ‬ضمير‭ ‬كل‭ ‬مصري‭ ‬وعربي‭ ‬مخلص‭. ‬لن‭ ‬تفلح‭ ‬المحاولات‭ ‬المتكررة‭ ‬لتزييف‭ ‬حقيقة‭ ‬ما‭ ‬جرى‭ ‬في‭ ‬حرب‭ ‬أكتوبر،‭ ‬وهي‭ ‬محاولات‭ ‬تجتهد‭ ‬إسرائيل‭ ‬بشتى‭ ‬الطرق‭ ‬لكي‭ ‬تشكك‭ ‬في‭ ‬الانتصار،‭ ‬أو‭ ‬تقلص‭ ‬أثره،‭ ‬أو‭ ‬تدعي‭ ‬أنه‭ ‬مجرد‭ ‬‮«‬هفوة‭ ‬نتجت‭ ‬عن‭ ‬مفاجأة،‭ ‬سرعان‭ ‬ما‭ ‬تم‭ ‬تداركها‮»‬،‭ ‬لأن‭ ‬نتائج‭ ‬الانتصار‭ ‬كانت‭ ‬ظاهرة‭ ‬بما‭ ‬يكفي،‭ ‬وعصية‭ ‬على‭ ‬النقض،‭ ‬وفي‭ ‬التحليل‭ ‬الأخير،‭ ‬فقد‭ ‬أعاد‭ ‬هذا‭ ‬الانتصار‭ ‬لمصر‭ ‬أرضها‭ ‬غير‭ ‬منقوصة،‭ ‬وأعاد‭ ‬لجيشها‭ ‬هيبته‭ ‬وسمعته،‭ ‬التي‭ ‬ما‭ ‬زالت‭ ‬تضعه‭ ‬بين‭ ‬أقوي‭ ‬الجيوش‭ ‬في‭ ‬العالم‭.‬

على‭ ‬المصريين‭ ‬والعرب‭ ‬أن‭ ‬يتذكروا‭ ‬6‭ ‬أكتوبر‭ ‬على‭ ‬الشكل‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬عليه‭ ‬دومًا،‭ ‬باعتباره‭ ‬عنوانًا‭ ‬لعزتهم‭ ‬وقدرتهم‭ ‬علي‭ ‬قهر‭ ‬العدوان‭ ‬علي‭ ‬إرادتهم،‭ ‬وعليهم‭ ‬أن‭ ‬يستعيدوا‭ ‬كل‭ ‬تفاصيله،‭ ‬ليدركوا‭ ‬كم‭ ‬كانوا‭ ‬عظماء‭ ‬ومناضلين‭ ‬أوفياء،‭ ‬وعليهم‭ ‬أن‭ ‬ينزلوه‭ ‬المكانة‭ ‬الواجبة‭ ‬في‭ ‬ضميرهم‭ ‬ووجدانهم،‭ ‬وعليهم‭ ‬أن‭ ‬يدافعوا‭ ‬عنه‭ ‬باعتباره‭ ‬وديعة‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تبقى‭ ‬للأبد،‭ ‬ولا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يطالها‭ ‬التشكيك‭ ‬أو‭ ‬النسيان‭.‬

{ أكاديمي‭ ‬إعلامي‭ ‬مصري

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا