تعد الأسرة البحرينية الدعامة الأساسية التي تنبض من خلالها حياة المجتمع واستقراره؛ فهي تمثل الصلة الوثيقة التي تحافظ على التماسك والتلاحم الاجتماعي. ومع ما يمر به العالم من تغيرات اجتماعية واقتصادية متسارعة، يصبح تحديث التشريعات الأسرية ضرورة ملحة، لضمان حفظ حقوق جميع أفراد الأسرة وتعزيز الحماية القانونية لهم. إن إنشاء وثيقة عقد زواج شاملة وتحديث قانون الأسرة يمكن أن يكونا بمثابة الأساس الذي يدعم الاستقرار الأسري ويؤمن مستقبلا أكثر ازدهارًا للأجيال القادمة.
رغم أن قانون الأسرة البحريني الصادر عام 2017 قد أسهم في وضع إطار قانوني مهم لتنظيم شؤون الأسرة، إلا أن التغيرات الاجتماعية المستمرة تشير إلى الحاجة إلى تحديث بعض مواده. فالتحديات الحديثة تتطلب تشريعات مرنة، تحافظ على القيم العائلية وتنسجم مع التحولات العصرية. هذا المقال يستعرض قصصا واقعية تبرز أهمية تحسين الأنظمة القانونية وتتيح لنا فهم احتياجاتنا الأسرية في مواجهة المتغيرات، ما يساعد على بلورة معالجات قانونية منصفة.
لنبدأ بقصة أمل، التي كانت شريكة حقيقية في بناء أسرتها. منذ بداية زواجها، كانت تتقاسم المسؤوليات المادية مع زوجها. ساهمت بمالها وجهدها في بناء المنزل الزوجي الذي كان من المفترض أن يحتضن حياتهما المشتركة. ومع تصاعد الخلافات الزوجية، انتهى الأمر بالطلاق.
أمل، التي كرست جزءًا كبيرًا من حياتها ومقدراتها لبناء هذا المنزل، وجدت نفسها خارجة من العلاقة دون استرجاع حصتها أو أي تعويض. هذه القصة تسلط الضوء على ضرورة وجود تشريعات تحمي حقوق كلا الزوجين عند الاستثمار في الأصول المشتركة أي الممتلكات والأموال التي يشترك فيها الزوجان.
كذلك، قصة زهراء، التي عاشت حياة زوجية مستقرة حتى قرر زوجها الاقتران بامرأة ثانية. دون أن يتمكن من الإنفاق الكافي عليها، بل وأسكن الزوجة الثانية في نفس المنزل. ما أثر في استقرار حياتها.
قصتها تعكس أهمية حماية حقوق المرأة في حالات الزواج المتعدد، وضمان عدم تعرضها للأذى النفسي أو المادي.
أما سكينة، فقد عانت طويلا من حياة زوجية صعبة مع زوج مدمن للكحول، تعرضت خلالها للعنف الجسدي. وعندما تقدمت بطلب الخلع، واجهت مطالب مالية تعجيزية من زوجها للموافقة على الخلع، قصتها تبرز الحاجة إلى تشريعات تضمن حقوق المرأة في حالات طلب الخلع دون أن تتعرض للابتزاز أو لضغوط مالية.
وتأتي هذه المبادرات كأحد سبل توطيد أطر العدالة والإنصاف في الأسرة، بما يتماشى مع مبادئنا الإسلامية التي تحث على حفظ الحقوق وتوفير السكينة لجميع أفرادها مستندة إلى مفاهيم الشراكة والرحمة، التي هي جوهر تعاليم ومبادئ ديننا الحنيف.
توضح هذه القصص الواقعية أهمية وجود وثيقة زواج شاملة وتطوير قانون الأسرة ليواكب التحولات الاجتماعية والاقتصادية الحديثة. ومن المهم أن تعكس الوثيقة مفهوم الشراكة وتحدد بوضوح إدارة الأصول المشتركة، وحماية حقوق المرأة في الزواج المتعدد، ومسائل الحضانة والنفقة، كي تصان حقوق الجميع.
يتطلب تطوير التشريعات الأسرية تعاونا مشتركا بين الجهات المعنية، يلعب المجلس الأعلى للمرأة دورًا محوريا في تعزيز مكانة المرأة البحرينية وحماية حقوقها. إلى جانب ذلك، يقوم الاتحاد النسائي البحريني ومؤسسات المجتمع المدني بجهود حثيثة لدعم الحوار المجتمعي، من خلال تنظيم الندوات وورش العمل التي تزيد من الوعي بأهمية حقوق وواجبات الأسرة، والدعوة إلى تحديث التشريعات بما يلبي تطلعات المجتمع واحتياجاته المتجددة.
كذلك فإنه سيكون من الأمور الجيدة الاستفادة من إشراك المختصين في مجال القانون والشريعة وعلم الاجتماع للعمل جنبا إلى جنب مع هذه الجهات، لضمان أن تكون التشريعات متوازنة وتعكس نبض الأسرة، مما يسهم في استقرارها واستدامتها.
إن هذه الخطوات ليست مجرد متطلبات قانونية، بل هي تدابير جوهرية لتعزيز التماسك الاجتماعي.
ومن خلال النظر إلى التجارب الدولية الناجحة مثل تجربة تونس والمغرب وتركيا، نستطيع استخلاص دروس مهمة لتحديث نظم قوانين الأسرة. ففي تونس، تم اعتماد قانون أسرة حديث يضمن للمرأة حقوقها الكاملة في الزواج، بما في ذلك حقها في التملك وحماية حقوقها المالية بعد الطلاق، ما ساهم في تقوية وضع المرأة الاجتماعي والاقتصادي داخل الأسرة.
أما في المغرب، فقد شهد قانون الأسرة إصلاحات مهمة تضمنت تحديد حقوق الزوجين ومسؤولياتهم بوضوح، ما أسفر عن تقليل النزاعات الزوجية وتسهيل إجراءات الطلاق والحضانة بشكل يراعي مصلحة جميع الأطراف، خصوصا الأطفال.
وفي تركيا، تم العمل على تطوير قانون الأسرة بشكل يعزز من مبدأ الشراكة المتساوية بين الزوجين، ووضع شروط بشأن الزواج المتعدد، مما أدى إلى ترسيخ الاستقرار الأسري وتحقيق العدالة الاجتماعية. هذه التجارب تقدم نماذج يمكن الاستفادة منها في تطوير وثيقة الزواج وقانون الأسرة في البحرين، بما يضمن ازدهار الأسرة.
نحن اليوم أمام فرصة تاريخية لتبني إصلاحات جريئة تضمن غدًا مشرقا لأبنائنا. هذه المساعي لن تحمي الأسرة في حاضرها فحسب، بل ستمهد الطريق لمستقبل يسوده الأمان، النمو، والإنصاف للجيل القادم، وبما يتناسب مع تطلعات نحو مستقبل أكثر ازدهارا.
rajabnabeela@gmail.com
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك