العدد : ١٧٠٧٨ - الأربعاء ٢٥ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٤ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٧٨ - الأربعاء ٢٥ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٤ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

بوتين للغرب: لا تكرروا أخطاءكم معنا!

بقلم: د. نبيل العسومي

الجمعة ٠٦ ديسمبر ٢٠٢٤ - 02:00

يبدو‭ ‬أن‭ ‬الغرب‭ ‬بقيادة‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬لم‭ ‬يتعظوا‭ ‬من‭ ‬التاريخ‭ ‬ولم‭ ‬يستخلصوا‭ ‬الدروس‭ ‬المستفادة‭ ‬من‭ ‬علاقاتهم‭ ‬مع‭ ‬روسيا‭ ‬ولذلك‭ ‬يرتكبون‭ ‬الأخطاء‭ ‬تلو‭ ‬الأخطار‭ ‬في‭ ‬محاولة‭ ‬يائسة‭ ‬وعمل‭ ‬مستميت‭ ‬لإلحاق‭ ‬الضرر‭ ‬بروسيا‭ ‬بكل‭ ‬الطرق‭ ‬والوسائل‭ ‬غير‭ ‬مدركين‭ ‬أن‭ ‬أحداث‭ ‬التاريخ‭ ‬أكدت‭ ‬مرارا‭ ‬وتكرارا‭ ‬أن‭ ‬روسيا‭ ‬عصية‭ ‬عليهم‭ ‬بعد‭ ‬فشل‭ ‬كل‭ ‬المحاولات‭ ‬الغربية‭ ‬وعلى‭ ‬مدار‭ ‬القرون‭ ‬الماضية‭ ‬لاحتلال‭ ‬روسيا‭ ‬أو‭ ‬إلحاق‭ ‬الأذى‭ ‬بها‭ ‬بدءا‭ ‬من‭ ‬الاحتلال‭ ‬السويدي‭ ‬الذي‭ ‬احتل‭ ‬مدينة‭ ‬سانت‭ ‬بيترسبورغ‭ ‬وتم‭ ‬دحر‭ ‬القوات‭ ‬السويدية‭ ‬وتحرير‭ ‬المدينة‭ ‬على‭ ‬يد‭ ‬القائد‭ ‬بطرس‭ ‬الأكبر‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1703‭ ‬وإعادة‭ ‬بنائها‭ ‬إلى‭ ‬احتلال‭ ‬نابليون‭ ‬بونابرت‭ ‬لموسكو‭ ‬ودحره‭ ‬على‭ ‬يد‭ ‬المارشال‭ ‬الروسي‭ ‬غريجكوف‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1812‭ ‬وصولا‭ ‬إلى‭ ‬الاحتلال‭ ‬العثماني‭ ‬والاحتلال‭ ‬الألماني‭ ‬بقيادة‭ ‬هتلر‭ ‬الذي‭ ‬وصل‭ ‬إلى‭ ‬مشارف‭ ‬موسكو‭ ‬لدرجة‭ ‬أن‭ ‬القيادة‭ ‬السوفيتية‭ ‬كانت‭ ‬تسمع‭ ‬دوي‭ ‬الطائرات‭ ‬الألمانية‭ ‬وهي‭ ‬تجوب‭ ‬سماء‭ ‬العاصمة‭ ‬السوفيتية‭ ‬موسكو‭ ‬فوق‭ ‬الساحة‭ ‬الحمراء‭ ‬رمز‭ ‬دولة‭ ‬السوفييت‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬الجيش‭ ‬الأحمر‭ ‬السوفيتي‭ ‬استطاع‭ ‬هو‭ ‬الآخر‭ ‬دحر‭ ‬القوات‭ ‬الهتلرية‭ ‬وتحرير‭ ‬دول‭ ‬أوروبا‭ ‬الشرقية‭ ‬ودخول‭ ‬الرايخ‭ ‬الألماني‭ ‬‮«‬البرلمان‮»‬‭ ‬وإعلان‭ ‬استسلام‭ ‬ألمانيا‭ ‬النازية‭ ‬دون‭ ‬قيد‭ ‬أو‭ ‬شرط‭ ‬فكان‭ ‬مصيرها‭ ‬مصير‭ ‬من‭ ‬سبقوها‭.‬

ومع‭ ‬ذلك‭ ‬لا‭ ‬يزال‭ ‬الغرب‭ ‬يحاول‭ ‬بكل‭ ‬الطرق‭ ‬مناكفة‭ ‬روسيا‭ ‬الاتحادية‭ ‬وجعل‭ ‬الجمهوريات‭ ‬السوفيتية‭ ‬السابقة‭ ‬بعد‭ ‬تفكك‭ ‬الاتحاد‭ ‬السوفيتي‭ ‬خنجرا‭ ‬في‭ ‬خاصرة‭ ‬الدولة‭ ‬الروسية‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬إغرائهم‭ ‬بالمساعدات‭ ‬المختلفة‭ ‬وتشجيعهم‭ ‬على‭ ‬الانضمام‭ ‬إلى‭ ‬حلف‭ ‬الناتو‭ ‬والتمتع‭ ‬بخيرات‭ ‬‮«‬جنة‭ ‬الرأسمالية‮»‬‭ ‬الموعودة‭ ‬هذه‭ ‬الجمهوريات‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تشكل‭ ‬دولة‭ ‬عظمى‭ ‬تضم‭ ‬15‭ ‬جمهورية‭ ‬يحسب‭ ‬لها‭ ‬ألف‭ ‬حساب‭ ‬في‭ ‬العلاقات‭ ‬الدولية‭ ‬وكانت‭ ‬ندا‭ ‬قويا‭ ‬للغرب‭ ‬بقيادة‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬في‭ ‬عالم‭ ‬قائم‭ ‬على‭ ‬الثنائية‭ ‬القطبية‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬تنفرد‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬بشؤون‭ ‬العالم‭ ‬وتديره‭ ‬وفق‭ ‬مصالحها‭ ‬وأهدافها‭ ‬وأجندتها‭ ‬الخاصة‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬الدول‭ ‬والشعوب‭ ‬مستغلة‭ ‬نجاحها‭ ‬في‭ ‬تفكيك‭ ‬الاتحاد‭ ‬السوفيتي‭.‬

ولم‭ ‬يكتف‭ ‬الغرب‭ ‬بتفكيك‭ ‬الاتحاد‭ ‬السوفيتي‭ ‬بل‭ ‬حاول‭ ‬تفكيك‭ ‬روسيا‭ ‬الاتحادية‭ ‬على‭ ‬غرار‭ ‬ما‭ ‬حدث‭ ‬للاتحاد‭ ‬السوفيتي‭ ‬مستغلين‭ ‬المرحلة‭ ‬الانتقالية‭ ‬الصعبة‭ ‬التي‭ ‬مرت‭ ‬بها‭ ‬روسيا‭ ‬الاتحادية‭ ‬بعد‭ ‬الانهيار‭ ‬المدوي‭ ‬للاتحاد‭ ‬السوفيتي‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تقديم‭ ‬المساعدات‭ ‬المختلفة‭ ‬للقوى‭ ‬الانفصالية‭ ‬لدعمها‭ ‬في‭ ‬حربها‭ ‬ضد‭ ‬الدول‭ ‬الروسية،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬روسيا‭ ‬استطاعت‭ ‬أن‭ ‬تتجاوز‭ ‬هذه‭ ‬المرحلة‭ ‬الصعبة‭ ‬في‭ ‬تاريخها‭ ‬بأقل‭ ‬الخسائر‭ ‬وتمكنت‭ ‬من‭ ‬القضاء‭ ‬على‭ ‬الحركات‭ ‬الانفصالية‭ ‬وسحقها‭ ‬والمحافظة‭ ‬على‭ ‬كيان‭ ‬الدولة‭ ‬الروسية‭ ‬وسيادتها‭ ‬وتماسك‭ ‬شعبها‭.‬

وعندما‭ ‬وصل‭ ‬الرئيس‭ ‬الروسي‭ ‬فلاديمير‭ ‬بوتين‭ ‬إلى‭ ‬السلطة‭ ‬في‭ ‬روسيا‭ ‬خلفا‭ ‬للرئيس‭ ‬بوريس‭ ‬يلتسين‭ ‬مع‭ ‬بداية‭ ‬الألفة‭ ‬الجديدة‭ ‬استطاع‭ ‬هذا‭ ‬الرجل‭ ‬وفي‭ ‬فترة‭ ‬قياسية‭ ‬إعادة‭ ‬بناء‭ ‬الدولة‭ ‬واستعادة‭ ‬مكانتها‭ ‬على‭ ‬الساحة‭ ‬الدولية‭ ‬كدولة‭ ‬عظمى‭ ‬لتكون‭ ‬ندا‭ ‬للغرب‭ ‬لوضع‭ ‬حد‭ ‬للعالم‭ ‬القائم‭ ‬على‭ ‬أحادية‭ ‬القطبية،‭ ‬ومع‭ ‬ذلك‭ ‬لم‭ ‬تتوقف‭ ‬المحاولات‭ ‬الغربية‭ ‬لمحاصرة‭ ‬روسيا‭ ‬ولكن‭ ‬هذه‭ ‬المرة‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬العمل‭ ‬على‭ ‬توريطها‭ ‬في‭ ‬حرب‭ ‬مع‭ ‬شقيقتها‭ ‬الأزلية‭ ‬أوكرانيا‭ ‬بعد‭ ‬إعداد‭ ‬هذه‭ ‬الجمهورية‭ ‬السوفيتية‭ ‬السابقة‭ ‬وإمدادها‭ ‬بكل‭ ‬أنواع‭ ‬المساعدات‭ ‬المالية‭ ‬والعسكرية‭ ‬والحربية‭ ‬واللوجستية‭ ‬وفرض‭ ‬عقوبات‭ ‬جائرة‭ ‬وغير‭ ‬مسبوقة‭ ‬على‭ ‬روسيا‭ ‬ولم‭ ‬يشهدها‭ ‬عالمنا‭ ‬الحاضر‭ ‬تجاوزت‭ ‬7000‭ ‬عقوبة‭ ‬شملت‭ ‬مختلف‭ ‬نواحي‭ ‬الحياة‭ ‬حتى‭ ‬الرياضة‭ ‬والفن‭ ‬والإبداع‭ ‬والثقافة‭ ‬لم‭ ‬تسلم‭ ‬منها‭ ‬لإلحاق‭ ‬هزيمة‭ ‬استراتيجية‭ ‬بروسيا‭.‬

لكن‭ ‬مع‭ ‬اقتراب‭ ‬هذه‭ ‬الحرب‭ ‬من‭ ‬عامها‭ ‬الثالث‭ ‬بدأت‭ ‬بوادر‭ ‬الانتصار‭ ‬الروسي‭ ‬فيها‭ ‬تلوح‭ ‬في‭ ‬الأفق،‭ ‬ولذلك‭ ‬قرر‭ ‬الرئيس‭ ‬الأمريكي‭ ‬المنتهية‭ ‬ولايته‭ ‬السيد‭ ‬جو‭ ‬بايدن‭ ‬إنهاء‭ ‬ولايته‭ ‬بالسماح‭ ‬للقوات‭ ‬الأوكرانية‭ ‬بضرب‭ ‬العمق‭ ‬الروسي‭ ‬بصواريخ‭ ‬أتاكمز‭ ‬في‭ ‬تصعيد‭ ‬خطير‭ ‬وغير‭ ‬مبرر‭ ‬فكان‭ ‬الرد‭ ‬الروسي‭ ‬سريعا‭ ‬وقويا‭ ‬بضرب‭ ‬أكبر‭ ‬مصنع‭ ‬أوكراني‭ ‬في‭ ‬دنيبرو‭ ‬بصواريخ‭ ‬‮«‬شجرة‭ ‬البندق‮»‬‭ ‬الذي‭ ‬تفوق‭ ‬سرعتها‭ ‬سرعة‭ ‬الصوت‭ ‬ولا‭ ‬يستطيع‭ ‬أي‭ ‬رادار‭ ‬رصده‭ ‬حيث‭ ‬دُمر‭ ‬المصنع‭ ‬في‭ ‬ثوانٍ‭ ‬معدودة‭ ‬بعدها‭ ‬توعد‭ ‬الرئيس‭ ‬الروسي‭ ‬فلاديمير‭ ‬بوتين‭ ‬الغرب‭ ‬بالقول‭: ‬‮«‬لا‭ ‬تعبثوا‭ ‬بنا‮»‬‭ ‬في‭ ‬رسالة‭ ‬واضحة‭ ‬وقوية‭ ‬للغرب‭ ‬ذكرني‭ ‬بخطاب‭ ‬الزعيم‭ ‬السوفيتي‭ ‬ليونيد‭ ‬بريجنيف‭ ‬خلال‭ ‬خطابه‭ ‬أمام‭ ‬المؤتمر‭ ‬25‭ ‬للحزب‭ ‬الشيوعي‭ ‬السوفيتي‭ ‬في‭ ‬سبعينيات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭ ‬عندما‭ ‬قال‭ ‬مهددا‭ ‬الغرب‭ ‬ليست‭ ‬هذه‭ ‬اللغة‭ ‬التي‭ ‬يمكن‭ ‬التحدث‭ ‬بها‭ ‬مع‭ ‬الاتحاد‭ ‬السوفيتي‭.‬

على‭ ‬الغرب‭ ‬أخذ‭ ‬هذا‭ ‬التحذير‭ ‬الروسي‭ ‬مأخذ‭ ‬الجد‭ ‬لأن‭ ‬روسيا‭ ‬لن‭ ‬تسمح‭ ‬بأي‭ ‬حال‭ ‬من‭ ‬الأحوال‭ ‬العبث‭ ‬بأمنها‭ ‬الوطني‭ ‬وبسيادتها‭ ‬وهيبتها‭ ‬فإذا‭ ‬أراد‭ ‬الغرب‭ ‬تجنب‭ ‬نشوب‭ ‬حرب‭ ‬عالمية‭ ‬ثالثة‭ ‬التي‭ ‬يدق‭ ‬لها‭ ‬الطبول‭ ‬والتي‭ ‬سوف‭ ‬تأكل‭ ‬الأخضر‭ ‬واليابس‭ ‬لا‭ ‬سمح‭ ‬الله،‭ ‬فعلى‭ ‬الغرب‭ ‬التوقف‭ ‬عن‭ ‬استفزاز‭ ‬الدب‭ ‬الروسي‭ ‬والجلوس‭ ‬معه‭ ‬إلى‭ ‬طاولة‭ ‬المفاوضات‭ ‬للوصول‭ ‬إلى‭ ‬حل‭ ‬يرضي‭ ‬روسيا‭ ‬في‭ ‬المقام‭ ‬الأول‭ ‬وقبل‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬لإنهاء‭ ‬هذه‭ ‬الحرب‭ ‬العبثية‭ ‬التي‭ ‬ورط‭ ‬الغرب‭ ‬فيها‭ ‬كلا‭ ‬من‭ ‬روسيا‭ ‬وأوكرانيا،‭ ‬وذلك‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬الأمن‭ ‬والاستقرار‭ ‬الدوليين‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا