شهدت الأيام الأخيرة في حياة سوريا الجديدة عديدا من التحركات والزيارات واللقاءات التي تعطي بعض المؤشرات حول آفاق سوريا الجديدة وكذلك التحولات المحتملة في المرحلة القادمة.
على الصعيد الإقليمي من الواضح أن التحركات التركية تتصدر المشهد بوجه خاص من خلال الزيارات الرسمية التي يقوم بها مسؤولون أتراك إلى دمشق من بينهم رئيس المخابرات التركية وزيارة وزير الخارجية وربما حتى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وفق بعض المصادر الإعلامية والصحفية بما يؤشر إلى الدور التركي المتنامي سياسيا وأمنيا واقتصاديا ويمكن تقسيم هذا المؤشر إلى قسمين:
الأول: على المستوى السياسي الأمني يبدو أن تركيا ساعية بشكل حثيث وسريع إلى تحقيق الاستقرار في سوريا وتركيز نظام سياسي جديد يتوافق مع توجهاتها ذات الطابع الإسلامي العلماني بتعزيز قبضة جبهة تحرير الشام التي تتصدر المشهد السياسي السوري لأن هذا الاستقرار وهذا التوجه السياسي أمر أساسي لكسب الدعم الغربي عامة والولايات المتحدة الأمريكية خاصة ودعم دول الجوار باستثناء إسرائيل التي لها حسابات أخرى سنأتي على توضيحها.
إن تثبيت أقدام النظام السياسي الجديد بصورته التي توحي بالاعتدال والقبول بالتنوع واحترام الأقليات والأخذ بالتعددية السياسية واستيعاب كل الاتجاهات السياسية السورية بما في ذلك الأكراد والدروز والعلويين والمسيحيين هي الصورة المثالية المنشودة والتي تدفع تركيا والدول الغربية نحوها فهل تتمكن السلطة الحالية من تحقيق هذا الهدف وبناء نظام سياسي مقبول من مجمل السوريين ومن الدول الغربية ومن معظم دول الجوار على الأقل وهي صورة مأمولة ولكنها قد تكون على الأرجح صعبة التحقيق في ظل التعقيدات التي يشهدها الواقع السوري الحالي.
الثاني: على صعيد العلاقة مع الكيان الصهيوني فمن الواضح من خلال السلوك الإسرائيلي خلال الأسابيع القليلة الماضية أن إسرائيل لا تريد لسوريا الجديدة أن تستقر وأن تهدأ وأن يكون فيها نظام سياسي معتدل ومدعوم من الغرب ودول الجوار لأن ذلك من شأنه أن يكف يدها عن التدخل في سوريا والتوقف عن الاعتداءات اليومية خاصة أنها تستهدف بشكل معلن وواضح احتلال المزيد والمزيد من الأراضي السورية في جبل الشيخ وهضبة الجولان وربما في مناطق أخرى إضافة إلى حرية حركة الطيران في الأراضي والأجواء السورية ولذلك فإن الاعتقاد السائد بأن إسرائيل ستكون أكثر الدول انزعاجا وعملا على عدم استعادة الاستقرار في هذا البلد العربي الشقيق وقد قامت إسرائيل بتدمير الجيش عن بكرة أبيه.
الثالث: على صعيد العلاقة مع الدول الغربية وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية فإنه من الواضح خاصة بعد اللقاء بعدد من المسؤولين الأمريكان فإن الزعيم الجديد أحمد الشرع في دمشق وما صدر عن هذه اللقاءات من تأكيدات إيجابية بأن الولايات المتحدة الأمريكية تعترف بشكل أو بآخر بالنظام الجديد وراضون بمدى التزامه بالتعهدات الصادرة عن الشرع بإطلاق حوار وطني شامل بشأن المرحلة الانتقالية وآليات إدارة شؤون الدولة السورية الجديدة في المرحلة المقبلة بعد سقوط النظام، وربما أن أبرز ما جاء في التصريحات الأمريكية تتعلق بالتحولات في سوريا حيث أشار الأمريكان إلى أن الوضع قد تغير وأن الأكراد لم يكونوا مهددين وعليهم أن يكونوا جزءا من سوريا الموحدة والتفاوض مع النظام الجديد عن الوضع الخاص بالأكراد.
في العلاقة مع روسيا الاتحادية يبدو أن هذه العلاقة لم تتضح آفاقها بعد مع أنه من الواضح عدم وجود صدام بين النظام الجديد والقوات الروسية في قاعدتي حميم وطرطوس وهذا مؤشر إيجابي ولكن هل ستبقى هاتان القاعدتان في سوريا في المرحلة القادمة أم أن ضغوط غربية قد تؤدي إلى إلغاء الاتفاق السوري الروسي بشأن القاعدتين ولكن العديد من التحليلات السياسية والإعلامية تشير إلى أن الضغوط الأمريكية بالذات تدفع نحو الخروج النهائي للقوات الروسية من سوريا وبالتالي تتوقف روسيا تماما في أن تكون لاعبا سياسيا وعسكريا وأمنيا في هذه المنطقة الحيوية في المستقبل مع أن الروس قد أرسلوا رسائل عديدة إيجابية منها الاستفادة من القاعدتين لتقديم المعونات للشعب السوري سواء من الشحنات القادمة من روسيا أو من أي جهات أخرى.
إن التحركات التي تشهدها دمشق حاليا تفتح الباب أمام العديد من المسارات التي لا نعلم نهايتها ولكن نتوقع أن هذا الحراك الدولي الإقليمي بشان سوريا وتعدد الوفود التي تزور دمشق قد يفتح الباب أمام نوع من المصالحة الوطنية السورية والاتفاق على مجلس انتقالي وطني سوري يمثل كل المناطق والطوائف لإعداد دستور جديد بدعم من الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية وتركيا بوجه خاص تمهيدا للإعلان عن انتخابات رئاسية وتشريعية للمرحلة القادمة والتي قد تستمر ستة أشهر أو سنة كاملة حسب التقديرات المتداولة إعلاميا وسياسيا فهل تنجح سوريا الجديدة في الخروج من عنق الزجاجة وهل تنجو من الحرب الأهلية أو التقسيم؟ نتمنى ذلك فسوريا عزيزة على كل مواطن عربي.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك