العدد : ١٧٠٧٧ - الثلاثاء ٢٤ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٣ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٧٧ - الثلاثاء ٢٤ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٣ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

مشاركة الأعياد.. جسرٌ بين الثقافات والقلوب

بقلم: نبيلة رجب

الاثنين ٢٣ ديسمبر ٢٠٢٤ - 02:00

الأعياد‭ ‬والمناسبات‭ ‬جزء‭ ‬أساسي‭ ‬من‭ ‬حياة‭ ‬جميع‭ ‬الشعوب،‭ ‬حيث‭ ‬تستلهم‭ ‬من‭ ‬ثقافاتهم‭ ‬ومعتقداتهم‭ ‬وتجاربهم‭ ‬الإنسانية‭. ‬لكل‭ ‬عيد‭ ‬معانيه‭ ‬وقيمه‭ ‬التي‭ ‬تعكس‭ ‬جوهر‭ ‬المجتمع‭ ‬الذي‭ ‬تنتمي‭ ‬له،‭ ‬بحيث‭ ‬تعمل‭ ‬على‭ ‬تقوية‭ ‬الروابط‭ ‬الاجتماعية،‭ ‬إحياء‭ ‬التقاليد،‭ ‬وتعزيز‭ ‬التواصل‭ ‬بين‭ ‬كافة‭ ‬الأفراد‭. ‬وتعد‭ ‬هذه‭ ‬المناسبات‭ ‬فرصة‭ ‬ثمينة‭ ‬للتلاقي‭ ‬بين‭ ‬أصحاب‭ ‬الثقافة‭ ‬الواحدة‭ ‬وكذلك‭ ‬الثقافات‭ ‬المختلفة،‭ ‬حيث‭ ‬تتيح‭ ‬للناس‭ ‬التعرف‭ ‬على‭ ‬القيم‭ ‬الكامنة‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مناسبة‭ ‬واحتفال،‭ ‬كما‭ ‬ترسخ‭ ‬معرفة‭ ‬الآخر‭ ‬وكسر‭ ‬حواجز‭ ‬الريبة‭ ‬ورهاب‭ ‬الاختلاف،‭ ‬ليصبح‭ ‬التنوع‭ ‬مصدرًا‭ ‬للإثراء‭ ‬الإنساني‭.‬

في‭ ‬البحرين،‭ ‬يعتبر‭ ‬العيش‭ ‬المشترك‭ ‬بين‭ ‬المواطنين‭ ‬والجاليات‭ ‬المختلفة‭ ‬المقيمة،‭ ‬سمة‭ ‬بارزة،‭ ‬تظهر‭ ‬قيم‭ ‬الالفة‭ ‬وقبول‭ ‬التنوع‭ ‬بروح‭ ‬منفتحة‭. ‬هذه‭ ‬القيمة‭ ‬تتجلى‭ ‬في‭ ‬التفاعل‭ ‬في‭ ‬المناسبات‭ ‬والأعياد،‭ ‬حيث‭ ‬يحرص‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬المواطنين‭ ‬على‭ ‬تبادل‭ ‬التهاني‭ ‬ومشاركة‭ ‬الاحتفال‭ ‬مع‭ ‬الفئات‭ ‬المقيمة‭ ‬من‭ ‬خلفيات‭ ‬متنوعة،‭ ‬هذا‭ ‬التفاعل‭ ‬يجسد‭ ‬معاني‭ ‬الأخوة‭ ‬والمحبة‭ ‬التي‭ ‬تعبر‭ ‬عن‭ ‬هوية‭ ‬البحرين‭ ‬الجامعة‭ ‬والمتعددة‭. ‬من‭ ‬خلال‭ ‬هذه‭ ‬اللحظات،‭ ‬يبرز‭ ‬المجتمع‭ ‬البحريني‭ ‬متانة‭ ‬الروابط‭ ‬الإنسانية،‭ ‬ويظهر‭ ‬كيف‭ ‬يمكن‭ ‬للتنوع‭ ‬أن‭ ‬يصبح‭ ‬عاملا‭ ‬للتآلف‭ ‬الانسجام‭ ‬مع‭ ‬الجميع‭.‬

على‭ ‬صعيد‭ ‬آخر،‭ ‬يحتفل‭ ‬بعض‭ ‬المقيمين‭ ‬بمناسبات‭ ‬ثقافية‭ ‬ودينية‭ ‬متنوعة‭ ‬تعكس‭ ‬تراثهم‭ ‬وتقاليدهم‭. ‬من‭ ‬أبرزها‭ ‬عيد‭ ‬الميلاد،‭ ‬الذي‭ ‬يحتفى‭ ‬به‭ ‬كذكرى‭ ‬لميلاد‭ ‬السيد‭ ‬المسيح‭ ‬عليه‭ ‬السلام،‭ ‬ويعتبر‭ ‬مناسبة‭ ‬تحمل‭ ‬معاني‭ ‬السلام‭ ‬والحب‭. ‬يحرص‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الجالية‭ ‬المسيحية‭ ‬على‭ ‬الاحتفال‭ ‬به‭ ‬بروح‭ ‬من‭ ‬الفرح‭ ‬والتقدير‭. ‬كما‭ ‬يحتفل‭ ‬المقيمين‭ ‬من‭ ‬الجالية‭ ‬الصينية‭ ‬برأس‭ ‬السنة‭ ‬الصينية،‭ ‬التي‭ ‬تعبر‭ ‬عن‭ ‬بداية‭ ‬جديدة‭ ‬وأفق‭ ‬مشرق‭. ‬وبالنسبة‭ ‬لبعض‭ ‬الجاليات‭ ‬المشرقية‭ ‬والمجموعات‭ ‬ذات‭ ‬الجذور‭ ‬الثقافية‭ ‬المشتركة‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬مناطق‭ ‬غرب‭ ‬آسيا،‭ ‬تعد‭ ‬ليلة‭ ‬يلدا‭ ‬وعيد‭ ‬النيروز‭ ‬من‭ ‬المناسبات‭ ‬الثقافية‭ ‬البارزة‭. ‬ليلة‭ ‬يلدا،‭ ‬التي‭ ‬تصادف‭ ‬أطول‭ ‬ليلة‭ ‬في‭ ‬السنة‭ ‬وفق‭ ‬التقويم‭ ‬الشمسي،‭ ‬تمثل‭ ‬بداية‭ ‬النور‭ ‬والأمل‭ ‬بعد‭ ‬طول‭ ‬انتظار،‭ ‬بينما‭ ‬يمثل‭ ‬عيد‭ ‬النيروز‭ ‬بداية‭ ‬العام‭ ‬الجديد‭ ‬وفق‭ ‬التقويم‭ ‬الشمسي‭ ‬أيضا‭ ‬واحتفاءً‭ ‬بالحياة‭ ‬والتفاؤل‭. ‬هذه‭ ‬المناسبات،‭ ‬وإن‭ ‬كانت‭ ‬خاصة‭ ‬بمجتمعات‭ ‬معينة،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬التعرف‭ ‬عليها‭ ‬واستيعاب‭ ‬معانيها‭ ‬يثري‭ ‬التفاعل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬ويعزز‭ ‬التقارب‭ ‬بين‭ ‬الثقافات،‭ ‬مما‭ ‬يسهم‭ ‬في‭ ‬بناء‭ ‬روابط‭ ‬إنسانية‭ ‬أقوى‭ ‬تمتد‭ ‬بين‭ ‬الأجيال‭.‬

مجالس‭ ‬رمضان‭ ‬لدينا‭ ‬تقدم‭ ‬نموذجا‭ ‬حيا‭ ‬للوئام،‭ ‬حيث‭ ‬تفتح‭ ‬أبوابها‭ ‬للجميع‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬تمييز،‭ ‬لتستقبل‭ ‬زوارًا‭ ‬من‭ ‬مختلف‭ ‬الأطياف‭. ‬هذه‭ ‬اللقاءات‭ ‬الرمضانية‭ ‬تظهر‭ ‬روح‭ ‬الكرم‭ ‬البحريني‭ ‬والانفتاح‭ ‬على‭ ‬الآخر،‭ ‬وتجسد‭ ‬كيف‭ ‬أن‭ ‬الانفتاح‭ ‬على‭ ‬الآخر‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬أساسا‭ ‬وجسرا‭ ‬للتواصل‭ ‬الحقيقي‭ ‬وبناء‭ ‬سبل‭ ‬المودة‭ ‬والسلام‭.‬

على‭ ‬المستوى‭ ‬العالمي،‭ ‬تعد‭ ‬سنغافورة‭ ‬نموذجا‭ ‬رائدا‭ ‬في‭ ‬تعزيز‭ ‬التعددية‭ ‬الثقافية‭. ‬هذه‭ ‬الدولة‭ ‬الصغيرة،‭ ‬التي‭ ‬تجمع‭ ‬بين‭ ‬أعراق‭ ‬متعددة‭ ‬مثل‭ ‬الصينيين،‭ ‬الماليزيين،‭ ‬والهنود،‭ ‬نجحت‭ ‬في‭ ‬بناء‭ ‬مجتمع‭ ‬متناغم‭ ‬عبر‭ ‬تقديم‭ ‬مبادرات‭ ‬تركز‭ ‬على‭ ‬التقارب‭ ‬الثقافي‭. ‬تقام‭ ‬هناك‭ ‬احتفالات‭ ‬مشتركة‭ ‬طوال‭ ‬العام‭ ‬تشمل‭ ‬الأعياد‭ ‬الدينية‭ ‬والثقافية‭ ‬الرئيسية‭ ‬مثل‭ ‬عيد‭ ‬الفطر،‭ ‬الكريسماس‭ ‬وغيرها‭ ‬حيث‭ ‬تشجع‭ ‬الحكومة‭ ‬الجميع‭ ‬على‭ ‬المشاركة‭. ‬المدارس‭ ‬في‭ ‬سنغافورة‭ ‬تدمج‭ ‬تعليم‭ ‬القيم‭ ‬الثقافية‭ ‬والتقبل‭ ‬في‭ ‬المناهج،‭ ‬مما‭ ‬يسهم‭ ‬في‭ ‬غرس‭ ‬مبادئ‭ ‬تقدير‭ ‬الآخر‭ ‬منذ‭ ‬الصغر‭. ‬هذه‭ ‬السياسات‭ ‬جعلت‭ ‬التنوع‭ ‬مصدر‭ ‬قوة‭ ‬وركيزة‭ ‬أساسية‭ ‬في‭ ‬بناء‭ ‬مجتمع‭ ‬متماسك‭ ‬ومزدهر‭.‬

كما‭ ‬تعبر‭ ‬هذه‭ ‬الأسس‭ ‬بوضوح‭ ‬على‭ ‬القيم‭ ‬التي‭ ‬أكد‭ ‬عليها‭ ‬القرآن‭ ‬الكريم‭ ‬في‭ ‬قوله‭ ‬تعالى‭: ‬يا‭ ‬أَيها‭ ‬الناس‭ ‬إِنا‭ ‬خلقناكم‭ ‬من‭ ‬ذكر‭ ‬وَأُنثى‭ ‬وجعلناكم‭ ‬شعوبا‭ ‬وَقبائل‭ ‬لتعارَفوا‭ ‬إِن‭ ‬أَكرمكم‭ ‬عند‭ ‬اللَّه‭ ‬أَتقاكم‭.‬

‭(‬سورة‭ ‬الحجرات‭: ‬13‭).‬

تؤكد‭ ‬الآية‭ ‬الكريمة‭ ‬على‭ ‬أهمية‭ ‬التعارف‭ ‬بين‭ ‬الناس‭ ‬وقبول‭ ‬الاختلاف‭ ‬باعتباره‭ ‬جزءًا‭ ‬من‭ ‬حكمة‭ ‬الله‭ ‬التي‭ ‬تهدف‭ ‬لتعزيز‭ ‬التآلف‭ ‬والسلام‭.‬

هذه‭ ‬المناسبات‭ ‬لا‭ ‬تقتصر‭ ‬على‭ ‬الاحتفالات‭ ‬فقط،‭ ‬بل‭ ‬تشكل‭ ‬منصة‭ ‬مهمة‭ ‬لتأصيل‭ ‬مفاهيم‭ ‬الانفتاح‭ ‬والاحترام‭ ‬بين‭ ‬الأجيال‭ ‬الجديدة‭. ‬عندما‭ ‬يشاهد‭ ‬الأطفال‭ ‬آباءهم‭ ‬يهنئون‭ ‬جيرانهم‭ ‬أو‭ ‬يشاركونهم‭ ‬مشاعر‭ ‬السعادة‭ ‬والاحتفاء‭ ‬في‭ ‬مناسباتهم‭ ‬المختلفة،‭ ‬فإنهم‭ ‬يتعلمون‭ ‬أن‭ ‬الاختلاف‭ ‬والتعددية‭ ‬ليست‭ ‬عقبة‭ ‬بل‭ ‬فرصة‭ ‬لفهم‭ ‬العالم‭ ‬بعيون‭ ‬أوسع‭. ‬هذه‭ ‬القيم‭ ‬تغرس‭ ‬فيهم‭ ‬مفاهيم‭ ‬التعايش‭ ‬والتقارب‭ ‬التي‭ ‬تسهم‭ ‬في‭ ‬بناء‭ ‬مجتمعات‭ ‬أكثر‭ ‬قوة‭ ‬وتماسكا‭ ‬وسلاما‭.‬

ما‭ ‬نزرعه‭ ‬اليوم‭ ‬من‭ ‬قيم‭ ‬القبول‭ ‬والتواصل‭ ‬سينعكس‭ ‬في‭ ‬مستقبل‭ ‬مجتمعنا‭. ‬كل‭ ‬مناسبة‭ ‬نحتفل‭ ‬ونشاطر‭ ‬الآخرين‭ ‬بها،‭ ‬تعد‭ ‬خطوة‭ ‬نحو‭ ‬تعزيز‭ ‬التناغم‭ ‬وإبراز‭ ‬الجوانب‭ ‬الجميلة‭ ‬في‭ ‬حياتنا‭ ‬المشتركة‭. ‬ومع‭ ‬اقتراب‭ ‬العام‭ ‬الجديد،‭ ‬تحمل‭ ‬هذه‭ ‬المناسبات‭ ‬رسالة‭ ‬مهمة‭ ‬تعيد‭ ‬إلى‭ ‬أذهاننا‭ ‬أن‭ ‬الفرح‭ ‬والتآلف‭ ‬هما‭ ‬القاسم‭ ‬المشترك‭ ‬الذي‭ ‬يوحدنا‭ ‬كبشر‭. ‬دعونا‭ ‬نستقبل‭ ‬العام‭ ‬الجديد‭ ‬بقلوب‭ ‬منفتحة،‭ ‬وأيد‭ ‬ممدودة،‭ ‬مما‭ ‬يجعله‭ ‬عاما‭ ‬بردًا‭ ‬وسلاما‭ ‬على‭ ‬الجميع‭.‬

 

rajabnabeela@gmail‭.‬com

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا