العدد : ١٧٠٧٨ - الأربعاء ٢٥ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٤ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٧٨ - الأربعاء ٢٥ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٤ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

مواصفات «الترامبية الجديدة» وسؤال المستقبل؟

بقلم: د. أسعد عبدالرحمن

الجمعة ٠٦ ديسمبر ٢٠٢٤ - 02:00

‮«‬البنية‭ ‬الفكرية‭ ‬والسياسية‮»‬‭ ‬للرئيس‭ ‬الأمريكي‭ ‬السابق‭ (‬والقادم‭) ‬دونالد‭ ‬ترامب‭ ‬باتت‭ ‬أمراً‭ ‬معروفاً‭ ‬على‭ ‬نطاق‭ ‬عالمي‭. ‬وهذه‭ ‬البنية‭ ‬هي‭ ‬الجانب‭ ‬الأساسي‭ ‬المتعلق‭ ‬بشخص‭ ‬ترامب‭ ‬غير‭ ‬المختلف‭ ‬عليه‭ ‬ليس‭ ‬على‭ ‬صعيد‭ ‬العرب‭ ‬والإسرائيليين‭ ‬البارزين‭ ‬فحسب،‭ ‬وإنما‭ ‬أيضاً‭ ‬على‭ ‬صعيد‭ ‬البارزين‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬سواء‭ ‬كانوا‭ ‬سياسيين‭ ‬أو‭ ‬عسكريين‭ ‬أو‭ ‬اعلاميين‭ ‬أو‭ ‬باحثين‭.. ‬الخ‭. ‬

أما‭ ‬الأمر‭ ‬المختلف‭ ‬عليه‭ ‬بين‭ ‬معظم‭ ‬هؤلاء‭ ‬فينصّب‭ ‬تحديداً‭ ‬على‭ ‬طبيعة‭ ‬مفاعيل‭ ‬إفرازات‭ ‬خلايا‭ ‬دماغ‭ ‬الرئيس‭ ‬ترامب‭ ‬وأثرها‭ ‬على‭ ‬قراراته‭ ‬المستقبلية‭ ‬التي‭ ‬يصعب‭ ‬تقديرها‭ ‬أو‭ ‬تخمينها‭. ‬وهذا‭ ‬الواقع‭ ‬هو‭ ‬الذي‭ ‬جعل‭ ‬المحللين‭ ‬يخلصون‭ ‬دوما‭ ‬إلى‭ ‬وضع‭ ‬سيناريوهات‭ ‬بخصوص‭ ‬قراراته‭ ‬المستقبلية‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬توافر‭ ‬اي‭ ‬قدرة‭ ‬لدى‭ ‬هؤلاء‭ ‬المحللين‭ ‬على‭ ‬وضع‭ ‬الاصبع‭ ‬عليها‭ ‬بدقّة‭ ‬أو‭ ‬بيقين‭!‬

ومع‭ ‬كثرة‭ ‬المصادر‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬التي‭ ‬تحدثت‭ ‬عن‭ ‬حقيقة‭ ‬البنية‭ ‬الفكرية‭ ‬والسياسية‭ ‬لترامب،‭ ‬فإنني‭ ‬وجدت‭ ‬أن‭ ‬أشملها‭ ‬وأبلغها‭ ‬هو‭ ‬ما‭ ‬جاء‭ ‬في‭ ‬افتتاحية‭ ‬صحيفة‭ ‬‮«‬هآرتس‮»‬‭ ‬في‭ ‬عددها‭ ‬الصادر‭ ‬بتاريخ‭ ‬8‭/‬11‭/‬2024‭. ‬فلقد‭ ‬أجملت‭ ‬الافتتاحية‭ ‬مكونات‭ ‬تلك‭ ‬البنية‭ ‬على‭ ‬أساس‭ ‬أن‭ ‬ترامب‭ (‬ويشاركه‭ ‬فيها‭- ‬وفق‭ ‬استخلاص‭ ‬الافتتاحية‭- ‬رئيس‭ ‬وزراء‭ ‬إسرائيل‭ ‬بنيامين‭ ‬نتنياهو‭) ‬هو‭ ‬من‭ ‬المؤمنين‭ ‬بأفكار‭ ‬‮«‬انعزالية‭ ‬قومية‮»‬،‭ ‬وكراهية‭ ‬للأجانب،‭ ‬والاعجاب‭ ‬بالأثرياء،‭ ‬واحتقار‭ ‬المؤسسات‭ ‬والقواعد‭ ‬والقوانين‭.. ‬كي‭ ‬تكون‭ ‬سلطته‭ ‬هو‭ (‬وليس‭ ‬أحدا‭ ‬غيره‭) ‬سلطة‭ ‬بدون‭ ‬كوابح‭. ‬هذا،‭ (‬علاوة‭ ‬على‭ ‬نجاحه‭) ‬في‭ ‬تحويل‭ (‬الحزب‭ ‬الجمهوري‭ ‬الأمريكي‭) ‬إلى‭ ‬مشروع‭ ‬لعبادة‭ ‬الشخص‮»‬‭.!‬

وسواء‭ ‬أحببنا‭ ‬هذا‭ ‬الواقع‭ ‬أم‭ ‬كرهناه،‭ ‬فإن‭ ‬عودة‭ ‬الرئيس‭ ‬ترامب‭ ‬ستحمل‭ ‬في‭ ‬طياتها‭ ‬تغييرات‭ ‬جذرية‭ ‬ليس‭ ‬داخل‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬فحسب‭ ‬وإنما‭ ‬أيضاً‭ ‬على‭ ‬امتداد‭ ‬العالم‭ ‬خاصة‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬اضافت‭ ‬مواصفات‭ ‬هذه‭ ‬العودة‭ ‬الكثير‭ ‬الكثير‭ ‬لقوته‭. ‬

فهو‭ ‬الرئيس‭ ‬الثاني‭ (‬في‭ ‬التاريخ‭ ‬الأمريكي‭) ‬الذي‭ ‬خسر‭ ‬الرئاسة‭ ‬في‭ ‬دورة‭ ‬ثانية‭ ‬لكنه‭ ‬عاد‭ ‬ففاز‭ ‬فيها‭ ‬في‭ ‬دورة‭ ‬جديدة‭. ‬كما‭ ‬أن‭ ‬شعبيته،‭ ‬التي‭ ‬تتبدى‭ ‬في‭ ‬الحقائق‭ ‬والأرقام،‭ ‬جعلت‭ ‬منها‭ ‬شعبية‭ ‬كاسحة‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬الاصوات‭ ‬الاجمالية‭ ‬للمنتخبين‭ (‬ساحباً‭ ‬عديد‭ ‬الأصوات‭ ‬المحسوبة‭ ‬تاريخياً‭ ‬لصالح‭ ‬الحزب‭ ‬الديمقراطي‭ ‬المنافس‭) ‬فاكتسح‭ ‬جميع‭ ‬الولايات‭ ‬المتأرجحة‭.‬

والحال‭ ‬كذلك،‭ ‬انعقد‭ ‬لترامب‭ ‬ولتياره‭ ‬الانعزالي‭ ‬لواء‭ ‬الحزب‭ ‬الجمهوري‭ ‬ملغياً‭ ‬أو‭ ‬محجماً‭ ‬مختلف‭ ‬القيادات‭ ‬التاريخية‭ ‬أو‭ ‬الصاعدة‭ ‬في‭ ‬الحزب،‭ ‬وبالذات‭ ‬مع‭ ‬استيلائه،‭ ‬في‭ ‬عودته‭ ‬المظفرة،‭ ‬على‭ ‬السلطات‭ ‬الثلاث‭ (‬التنفيذية‭ ‬والتشريعية‭ ‬والمحكمة‭ ‬العليا‭)!‬

ومما‭ ‬راكم‭ ‬قوة‭ ‬استثنائية‭ ‬إضافية‭ ‬للرئيس‭ ‬القادم‭ ‬ترامب‭ ‬حقيقة‭ ‬أنه،‭ ‬بهذه‭ ‬الشعبية‭ ‬المذهلة،‭ ‬لربما‭ ‬ينجح‭ ‬في‭ ‬إكمال‭ ‬عملية‭ ‬تنظيف‭ ‬اسمه‭ ‬ومحو‭ ‬الفضائح‭ ‬التي‭ ‬واكبته‭ ‬تاريخياَ‭.‬

‭ ‬أما‭ ‬أنه‭ ‬لن‭ ‬يستطيع‭ (‬قانونيا‭) ‬الترشح‭ ‬لرئاسة‭ ‬قادمة،‭ ‬فإن‭ ‬ذلك‭ ‬يعزز‭ ‬من‭ ‬واقع‭ ‬أنه‭ ‬ليس‭ ‬ولن‭ ‬يكون‭ ‬مديناً‭ ‬لأحد‭ ‬في‭ ‬الحزب‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬خارجه،‭ ‬سواء‭ ‬على‭ ‬صعيد‭ ‬ترشحه‭ ‬أو‭ ‬على‭ ‬صعيد‭ ‬نجاحه‭ ‬الباهر،‭ ‬وخاصة‭ ‬أنه‭ -‬أصلاً‭- ‬كان‭ ‬قد‭ ‬جاء‭ ‬من‭ ‬خارج‭ ‬عالم‭ ‬السياسة‭ ‬الأمريكي‭ ‬وكذلك‭ ‬من‭ ‬خارج‭ ‬عالم‭ ‬السياسة‭ ‬الخاص‭ ‬بالحزب‭ ‬الجمهوري‭.‬

إزاء‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬التراكمات،‭ ‬فإن‭ ‬من‭ ‬الغريب‭ ‬وأيضاً‭ ‬الطريف،‭ ‬أن‭ ‬عدداً‭ ‬متنامياً‭ ‬من‭ ‬المحللين‭ ‬والمراقبين‭ ‬يراهنون‭ ‬الآن‭ ‬على‭ ‬مكونات‭ ‬القوة‭ ‬الاستثنائية‭ ‬التي‭ ‬أصبحت‭ ‬في‭ ‬يدي‭ ‬ترامب،‭ ‬محمولة‭ ‬على‭ ‬نرجسيته‭ ‬العالية‭ (‬ولربما‭ ‬المتفاقمة‭) ‬للاستنتاج‭ ‬بأن‭ ‬عصره‭ (‬بنسخته‭ ‬الجديدة‭) ‬سيكون‭ ‬عصراً‭ ‬ذهبياً‭ ‬يمارس‭ ‬فيه‭ ‬الرئيس‭ (‬العائد‭ ‬الى‭ ‬سدة‭ ‬حكم‭ ‬اقوى‭ ‬بلدان‭ ‬العالم‭) ‬دور‭ ‬المستعيد‭ ‬لعظمة‭ ‬أمريكا‭ ‬الجديدة‭ ‬داخلياً‭ ‬وخارجياً،‭ ‬مقروناً‭ ‬بدور‭ ‬مطفئ‭ ‬الحرائق‭ ‬على‭ ‬امتداد‭ ‬الكرة‭ ‬الأرضية‭.‬

يتواكب‭ ‬مع‭ ‬ذلك‭ ‬دوره‭ ‬المنشود‭ ‬بصفته‭ ‬صانع‭ ‬السلام‭ ‬العالمي‭ ‬بما‭ ‬يؤهله‭ ‬لنيل‭ ‬جائزة‭ ‬نوبل‭ ‬للسلام‭ (‬وهو‭ ‬أحد‭ ‬السيناريوهات‭ ‬التي‭ ‬أوردتها‭ ‬في‭ ‬مقالتي‭ ‬السابقة‭). ‬

فهل‭ ‬يتحقق‭ ‬هذا‭ ‬السيناريو‭ ‬المتفائل‭ ‬ويشمل‭ ‬في‭ ‬طياته‭ ‬الصراع‭ ‬الفلسطيني‭/ ‬الإسرائيلي‭ (‬الأخطر‭ ‬والمزمن‭ ‬في‭ ‬منطقتنا‭)‬،‭ ‬أم‭ ‬يسود‭ ‬السيناريو‭ ‬المتشائم‭ (‬وربما‭ ‬المرجح‭ ‬وبالذات‭ ‬بعد‭ ‬إعلانه‭ ‬عن‭ ‬تركيبة‭ ‬ادارته‭ ‬القادمة‭ ‬وهو‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يبشر‭ ‬بأي‭ ‬خير‭).‬

السؤال‭ ‬المطروح‭: ‬هل‭ ‬سنشهد‭ ‬سياسة‭ ‬أمريكية‭ ‬قوامها‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬ينطبق‭ ‬على‭ ‬العالم‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬الترامبية‭ ‬الجديدة،‭ ‬المتمتعة‭ ‬بل‭ ‬المستمتعة‭ ‬بفائض‭ ‬القوة،‭ ‬أم‭ ‬أن‭ ‬الأمر‭ ‬لا‭ ‬ينطبق‭ ‬علينا‭ ‬نحن‭ ‬معشر‭ ‬العرب‭ ‬والمسلمين‭ ‬بحيث‭ ‬نبقى‭ ‬مستثنيين‭ ‬من‭ ‬تطبيق‭ ‬نواميس‭ ‬الشرعية‭ ‬والقوانين‭ ‬الدولية‭ ‬وبالتالي‭ ‬عرضة‭ ‬لمخاطر‭ (‬أو‭ ‬تطرف‭) ‬الترامبية‭ ‬القديمة‭ ‬التي‭ ‬تمخض‭ ‬جبلها‭ ‬يوما‭ ‬فولد‭ ‬فأر‭ ‬صفقة‭ ‬القرن‭ ‬سيئة‭ ‬السمعة‭ ‬والصيت؟‭!‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا