العدد : ١٧٠٧٨ - الأربعاء ٢٥ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٤ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٧٨ - الأربعاء ٢٥ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٤ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

بعيدا عن الأوهام.. كيف نستعد للتعامل مع سياسات ترامب؟

بقلم: د. أحمد رفيق عوض

السبت ٠٧ ديسمبر ٢٠٢٤ - 02:00

يقولون‭ ‬إنه‭ ‬تاجر‭ ‬يحب‭ ‬الصفقات‭ ‬ويكره‭ ‬الحروب،‭ ‬ويقولون‭ ‬إنه‭ ‬غير‭ ‬متوقع،‭ ‬وإنه‭ ‬سيكون‭ ‬متحرراً‭ ‬من‭ ‬الضغوط‭ ‬الصهيونية‭ ‬لإعادة‭ ‬انتخابه‭ ‬لأن‭ ‬هذه‭ ‬ستكون‭ ‬الولاية‭ ‬الثانية‭ ‬والأخيرة‭ ‬له‭ ‬دستوريا‭ ‬حتى‭ ‬الآن،‭ ‬وأن‭ ‬هذا‭ ‬قد‭ ‬يسهل‭ ‬عليه‭ ‬فرض‭ ‬تسوية‭ ‬على‭ ‬الجميع،‭ ‬ويقولون‭ ‬إنه‭ ‬نرجسي‭ ‬وعصبي‭ ‬وعدواني،‭ ‬وبالتالي‭ ‬سيصنع‭ ‬مجده‭ ‬بطريقته،‭ ‬وأضافوا‭ ‬أيضاً‭ ‬أنه‭ ‬حظي‭ ‬بأصوات‭ ‬العرب‭ ‬والمسلمين‭ ‬وأنه‭ ‬لذلك‭ ‬سيجاملهم‭ ‬بطريقة‭ ‬أو‭ ‬بأخرى،‭ ‬وقالوا‭ ‬أيضاً‭ ‬إنه‭ ‬يعود‭ ‬مره‭ ‬ثانية‭ ‬أكثر‭ ‬خبرة‭ ‬وأعمق‭ ‬تجربة،‭ ‬وقد‭ ‬يكون‭ ‬لهؤلاء‭ ‬بعض‭ ‬العذر‭ ‬أو‭ ‬بعض‭ ‬الفهم،‭ ‬فقد‭ ‬بلغ‭ ‬بنا‭ ‬الضعف‭ ‬والعجز‭ ‬والخور‭ ‬إلى‭ ‬درجة‭ ‬أن‭ ‬ننتظر‭ ‬الحلول‭ ‬من‭ ‬صانع‭ ‬الأزمات،‭ ‬وأن‭ ‬نرجو‭ ‬العون‭ ‬من‭ ‬أعدائنا‭ ‬وأصدقاء‭ ‬أعدائنا،‭ ‬فصار‭ ‬رئيس‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬أشبه‭ ‬بمن‭ ‬يأتي‭ ‬ومعه‭ ‬جبل‭ ‬من‭ ‬طعام‭ ‬وجبل‭ ‬من‭ ‬نار،‭ ‬بين‭ ‬يديه‭ ‬ثواب‭ ‬وعذاب،‭ ‬بحيث‭ ‬تتعلق‭ ‬القلوب‭ ‬والأبصار‭ ‬به‭ ‬ترجو‭ ‬عطفه‭ ‬وتتجنب‭ ‬غضبه،‭ ‬حتى‭ ‬أن‭ ‬مذيعة‭ ‬عربية‭ ‬سألته‭ ‬عن‭ ‬حفيده‭ ‬نصف‭ ‬العربي‭ ‬فتعطف‭ ‬الرجل‭ ‬وقال‭ ‬إن‭ ‬العرب‭ ‬أذكياء‭.. ‬شكرا‭ ‬لله‭ ‬سبحانه‭ ‬وتعالى،‭ ‬فهذا‭ ‬الوصف‭ ‬ينسف‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬70‭ ‬سنة‭ ‬من‭ ‬إلحاح‭ ‬استوديوهات‭ ‬هوليوود‭ ‬بأن‭ ‬العرب‭ ‬أغبياء‭ ‬ولا‭ ‬يستحقون‭ ‬ما‭ ‬يتمتعون‭ ‬به‭ ‬من‭ ‬ثروات‭.‬

يرى‭ ‬البعض‭ ‬أن‭ ‬ترامب‭ ‬تاجر‭ ‬حقاً‭ ‬ومفاجئ‭ ‬ونرجسي‭ ‬ويتجاوز‭ ‬المؤسسة‭ ‬الرسمية،‭ ‬ويحاول‭ ‬أن‭ ‬يقدم‭ ‬مضموناً‭ ‬جديداً‭ ‬للإدارة‭ ‬والمجتمع‭ ‬ولدور‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الجديد،‭ ‬وهو‭ ‬يعمل‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬إمبريالية‭ ‬جديدة‭ ‬عنيفة‭ ‬وعدوانية‭ ‬أكثر‭ ‬تدقيقاً‭ ‬وأنانية‭ ‬وانعزالاً،‭ ‬تعيد‭ ‬تشكيل‭ ‬ذاتها‭ ‬لتقليل‭ ‬الخسائر‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬كبير،‭ ‬إمبريالية‭ ‬تسعى‭ ‬إلى‭ ‬استعادة‭ ‬القوة‭ ‬والنفوذ‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬عمليات‭ ‬الاحتواء‭ ‬والمصالح‭ ‬المشتركة‭ ‬والصفقات‭ ‬المربحة‭.‬

إنه‭ ‬يسعى‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬إمبريالية‭ ‬مبادرة‭ ‬وسريعة‭ ‬وحاسمة،‭ ‬ولكنها‭ ‬عدوانية‭ ‬إلى‭ ‬أبعد‭ ‬حدود‭ ‬العدوانية،‭ ‬إمبريالية‭ ‬الشركات‭ ‬والبنوك‭ ‬والتكنولوجيا‭ ‬الفائقة،‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تعترف‭ ‬كثيراً‭ ‬بالخصوصيات‭ ‬والأحلام‭ ‬القومية‭ ‬والثقافية،‭ ‬ولهذا‭ ‬فهي‭ ‬إمبريالية‭ ‬تتحالف‭ ‬فيها‭ ‬نخب‭ ‬المال‭ ‬مع‭ ‬نخب‭ ‬السياسة‭ ‬التي‭ ‬ترى‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬مجرد‭ ‬ملعب‭ ‬جولف‭ ‬تتحرك‭ ‬فيه‭ ‬كما‭ ‬تريد‭ ‬لا‭ ‬تردعها‭ ‬حدود‭ ‬أو‭ ‬جماعات‭ ‬أو‭ ‬قانون‭.‬

ترامب‭ ‬بهذا‭ ‬المعنى‭ ‬يحيط‭ ‬نفسه‭ ‬بشخصيات‭ ‬تعكس‭ ‬ذلك‭ ‬كله‭ ‬وأكثر،‭ ‬شخصيات‭ ‬تدعي‭ ‬التطهرية‭ ‬الدينية‭ ‬والحماسة‭ ‬الإلهية‭ ‬وأنهم‭ ‬رسل‭ ‬السماء،‭ ‬تقع‭ ‬على‭ ‬أكتافهم‭ ‬تحقيق‭ ‬النبوءات‭ ‬وتجسيد‭ ‬كل‭ ‬البشارات،‭ ‬شخصيات‭ ‬لا‭ ‬تمتلك‭ ‬من‭ ‬الخبرة‭ ‬إلا‭ ‬أنهم‭ ‬يعشقون‭ ‬إسرائيل‭ ‬وأن‭ ‬إسرائيل‭ ‬تعشقهم،‭ ‬وأنهم‭ ‬متطرفون‭ ‬في‭ ‬حبها‭ ‬ومستعدون‭ ‬لفعل‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬من‭ ‬أجلها،‭ ‬وأنهم‭ ‬أعداء‭ ‬للشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬ولحقوقه‭ ‬وتاريخه‭ ‬ووجوده‭ ‬ونضاله،‭ ‬وهم‭ ‬بذلك‭ ‬ضد‭ ‬القانون‭ ‬الدولي‭ ‬وضد‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬صدر‭ ‬عن‭ ‬الهيئات‭ ‬الدولية،‭ ‬فيما‭ ‬يتعلق‭ ‬بهذا‭ ‬الصراع،‭ ‬وهم‭ ‬ضد‭ ‬كل‭ ‬المبادرات‭ ‬والاقتراحات‭ ‬حتى‭ ‬تلك‭ ‬التي‭ ‬أطلقها‭ ‬رؤساء‭ ‬أمريكيون‭ ‬سابقون،‭ ‬وهم‭ ‬ضد‭ ‬المزاج‭ ‬الشعبي‭ ‬العالمي،‭ ‬وضد‭ ‬الواقع‭ ‬وضد‭ ‬التاريخ‭.‬

هذا‭ ‬التطرف‭ ‬الذي‭ ‬يأتي‭ ‬به‭ ‬ترامب‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬إدارته‭ ‬الجديدة‭ ‬الثانية‭ ‬خطر‭ ‬جداً،‭ ‬ليس‭ ‬علينا‭ ‬فقط،‭ ‬وإنما‭ ‬حتى‭ ‬على‭ ‬الإسرائيليين‭ ‬وكيانهم‭ ‬كما‭ ‬قال‭ ‬أحد‭ ‬كتابهم‭.‬

التطرف‭ ‬الذي‭ ‬يتجلى‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬التعيينات‭ ‬وفي‭ ‬هذه‭ ‬الإدارة‭ ‬يوضح‭ ‬لنا‭ ‬أن‭ ‬ترامب‭ ‬يعود‭ ‬إلى‭ ‬البيت‭ ‬الأبيض‭ ‬مرة‭ ‬ثانية‭ ‬وهو‭ ‬أكثر‭ ‬وضوحاً‭ ‬في‭ ‬رؤيته‭ ‬المعادية‭ ‬للشعب‭ ‬الفلسطيني،‭ ‬وأكثر‭ ‬انحيازاً‭ ‬للرؤية‭ ‬المشيحانية‭ ‬الصهيونية،‭ ‬ولهذا‭ ‬احتفل‭ ‬المستوطنون‭ ‬وبعض‭ ‬السياسيين‭ ‬الإسرائيليين‭ ‬بانتصار‭ ‬ترامب،‭ ‬وأخذوا‭ ‬يتحدثون‭ ‬علناً‭ ‬عن‭ ‬ضم‭ ‬الضفة‭ ‬الغربية‭ ‬إلى‭ ‬السيادة‭ ‬الإسرائيلية‭.‬

إن‭ ‬التعيينات‭ ‬الجديدة‭ ‬في‭ ‬الإدارة‭ ‬الامريكية‭ ‬الجمهورية‭ ‬القادمة‭ ‬تعكس‭ ‬أن‭ ‬ترامب‭ ‬يأتي‭ ‬لإعطاء‭ ‬إسرائيل‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬حلمت‭ ‬به‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬يبدو،‭ ‬فلماذا‭ ‬نتوقع‭ ‬أن‭ ‬رجلاً‭ ‬في‭ ‬السبعينيات‭ ‬مثله‭ ‬سيتغير؟‭! ‬ولماذا‭ ‬نتوقع‭ ‬أن‭ ‬يتغير‭ ‬وهو‭ ‬يأتي‭ ‬من‭ ‬خلفيه‭ ‬أنجليكانية‭ ‬متطرفة،‭ ‬وهو‭ ‬يعبر‭ ‬عن‭ ‬جماعات‭ ‬التطرف‭ ‬الديني‭ ‬والإثني‭ ‬والطبقي،‭ ‬ولماذا‭ ‬نتوقع‭ ‬أن‭ ‬يتغير‭ ‬وهو‭ ‬ممول‭ ‬من‭ ‬لوبيات‭ ‬صهيونية‭ ‬يهودية‭ ‬بالغة‭ ‬التأثير؟‭! ‬ولماذا‭ ‬نتوقع‭ ‬أن‭ ‬يتغير‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬هناك‭ ‬من‭ ‬يضغط‭ ‬عليه‭ ‬من‭ ‬عرب‭ ‬ومسلمين؟‭!‬

لا‭ ‬داعي‭ ‬للأوهام‭ ‬حول‭ ‬هذا‭ ‬الرئيس،‭ ‬والأجدر‭ ‬والأفضل‭ ‬أن‭ ‬نستعد‭ ‬منذ‭ ‬الآن‭ ‬للتعامل‭ ‬مع‭ ‬ما‭ ‬قد‭ ‬تحمل‭ ‬هذه‭ ‬الإدارة‭ ‬من‭ ‬خطط‭ ‬قديمة‭ ‬وجديدة،‭ ‬ليس‭ ‬أخطرها‭ ‬ضم‭ ‬الضفة‭ ‬الغربية‭ ‬المحتلة،‭ ‬وإسقاط‭ ‬الحل‭ ‬عبر‭ ‬مشروع‭ ‬للتسوية‭ ‬وفي‭ ‬الوقت‭ ‬ذاته‭ ‬سيعمل‭ ‬على‭ ‬تغييب‭ ‬دور‭ ‬السلطة‭ ‬الوطنية‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬وتفكيك‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬ديموغرافياً‭ ‬وسياسياً‭.‬

ترامب‭ ‬يأتي‭ ‬محاطاً‭ ‬بشخصيات‭ ‬لا‭ ‬ترانا‭ ‬ولا‭ ‬تعترف‭ ‬بنا،‭ ‬وإذا‭ ‬لم‭ ‬نستعد‭ ‬لأمثال‭ ‬هؤلاء،‭ ‬فإن‭ ‬الأسوأ‭ ‬قادم،‭ ‬ولا‭ ‬حول‭ ‬ولا‭ ‬قوة‭ ‬إلا‭ ‬بالله‭.‬

 

{ رئيس‭ ‬مركز‭ ‬الدراسات‭ ‬المستقبلية‭ ‬بجامعة‭ ‬القدس

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا