العدد : ١٧٠٧٨ - الأربعاء ٢٥ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٤ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٧٨ - الأربعاء ٢٥ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٤ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

لماذا يدمرون (الأونروا).. «دولة» اللاجئين الفلسطينيين؟

بقلم: د. أسعد عبدالرحمن

الأحد ٠٨ ديسمبر ٢٠٢٤ - 02:00

في‭ ‬ظل‭ ‬أعمال‭ ‬القتل‭ ‬المباشرة‭ ‬للشعب‭ ‬الفلسطيني،‭ ‬تبرز‭ ‬الدولة‭ ‬الصهيونية‭ ‬مرة‭ ‬إضافية‭ ‬بإجراءاتها‭ ‬العنصرية‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬أعادت‭ ‬اكتشاف‭ ‬طريقة‭ ‬جديدة‭ ‬لقتل‭ ‬الفلسطينيين‭! ‬ففي‭ ‬خطوة‭ ‬تعدت‭ ‬حدود‭ ‬التصعيد‭ ‬العسكري؛‭ ‬قرر‭ ‬الكنيست‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬مؤخرًا‭ ‬تمرير‭ ‬قانونين‭ ‬يحظران‭ ‬عمل‭ ‬وكالة‭ ‬غوث‭ ‬وتشغيل‭ ‬اللاجئين‭ ‬الفلسطينيين‭ (‬الأونروا‭) ‬داخل‭ ‬إسرائيل‭. ‬هذه‭ ‬الخطوة‭ ‬ليست‭ ‬مجرد‭ ‬إجراء‭ ‬سياسي،‭ ‬بل‭ ‬تمثل‭ ‬جزءًا‭ ‬من‭ ‬استراتيجية‭ ‬أكبر‭ ‬تنسال‭ ‬طياتها‭ ‬تباعاً‭ ‬وتهدف‭ ‬إلى‭ ‬تجريد‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬من‭ ‬حقوقهم‭ ‬الحياتية‭ ‬والسياسية‭ ‬الأساسية،‭ ‬وعلى‭ ‬رأسها‭ ‬حق‭ ‬العودة،‭ ‬مما‭ ‬يزيد‭ ‬من‭ ‬معاناتهم‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬الظروف‭ ‬الإنسانية‭ ‬المأساوية‭ ‬التي‭ ‬يعيشونها‭.‬

لدى‭ ‬الأونروا‭ (‬التي‭ ‬تأسست‭ ‬بقرار‭ ‬أممي‭ ‬عام‭ ‬1949‭) ‬تفويض‭ ‬إنساني‭ ‬وتنموي‭ ‬بتقديم‭ ‬المساعدة‭ ‬والحماية‭ ‬للاجئي‭ ‬فلسطين‭ ‬ريثما‭ ‬يتم‭ ‬التوصل‭ ‬إلى‭ ‬حل‭ ‬عادل‭ ‬ودائم‭ ‬لمحنتهم‭. ‬وتقدم‭ ‬الأونروا‭ ‬المساعدة‭ ‬الإنسانية‭ ‬وتسهم‭ ‬في‭ ‬حماية‭ ‬اللاجئين‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تقديم‭ ‬الخدمات‭ ‬الأساسية،‭ ‬في‭ ‬المقام‭ ‬الأول‭ ‬في‭ ‬مجالات‭ ‬التعليم‭ ‬الأساسي‭ ‬والرعاية‭ ‬الصحية‭ ‬الأولية‭ ‬ورعاية‭ ‬الصحة‭ ‬العقلية‭ ‬والإغاثة‭ ‬والخدمات‭ ‬الاجتماعية‭ ‬والقروض‭ ‬الصغيرة‭ ‬والمساعدة‭ ‬الطارئة،‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬حالات‭ ‬النزاع‭ ‬المسلح،‭ ‬إلى‭ ‬الملايين‭ ‬من‭ ‬لاجئي‭ ‬فلسطين‭ ‬المسجلين‭ ‬والموجودين‭ ‬ضمن‭ ‬أقاليم‭ ‬عملياتها‭ ‬الخمسة‭ (‬الأردن،‭ ‬لبنان،‭ ‬سوريا،‭ ‬الضفة‭ ‬الغربية،‭ ‬التي‭ ‬تشمل‭ ‬القدس‭ ‬الشرقية،‭ ‬وغزة‭).‬

منذ‭ ‬منتصف‭ ‬القرن‭ ‬الماضي،‭ ‬تتحرك‭ (‬الأونروا‭) ‬على‭ ‬امتداد‭ ‬أربعة‭ ‬حقول‭ ‬مركزية‭ ‬تقوم‭ ‬فيها‭ ‬بما‭ ‬يشبه‭ ‬أعمال‭ ‬الفلاحة‭ ‬والزراعة‭.‬

أولها‭: ‬التعليم‭ ‬والتدريب‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬واحدة‭ ‬من‭ ‬أكبر‭ ‬شبكات‭ ‬التدريس‭ (‬أكثر‭ ‬من‭ ‬700‭ ‬مدرسة‭) ‬ويشمل‭ ‬التدريب‭ ‬إكساب‭ ‬الشباب‭ ‬مهارات‭ ‬العمل‭.‬

وثانيها،‭ ‬ضمان‭ ‬حياة‭ ‬مديدة‭ ‬وصحية‭ ‬لنصف‭ ‬أبناء‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ (‬من‭ ‬اللاجئين‭) ‬إذ‭ ‬هي‭ ‬تقدم‭ ‬خدمات‭ ‬صحية‭ ‬أساسية‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬شبكة‭ ‬أخرى‭ ‬كبيرة‭ ‬من‭ ‬مرافق‭ ‬الرعاية‭ ‬الصحية‭ ‬الأولية‭ ‬والعيادات‭ ‬المتنقلة‭. ‬كما‭ ‬تقدم‭ ‬خدمات‭ ‬وقائية‭ ‬وخدمات‭ ‬طبية‭ ‬ضرورية‭ ‬ورعاية‭ ‬اختصاصية‭ ‬لكل‭ ‬مرحلة‭ ‬من‭ ‬المراحل‭ ‬العمرية،‭ ‬وتعمل‭ ‬بشكل‭ ‬مستمر‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬تحقيق‭ ‬بيئة‭ ‬معيشة‭ ‬صحية‭ ‬للاجئي‭ ‬فلسطين‭.‬

وثالثها،‭ ‬ضمان‭ ‬مستوى‭ ‬لائق‭ ‬من‭ ‬المعيشة،‭ ‬مع‭ ‬التركيز‭ ‬على‭ ‬خدمات‭ ‬الحماية‭ ‬الاجتماعية‭ ‬للاجئين‭ ‬الأشد‭ ‬فقرا،‭ ‬وتقدم‭ ‬الإمدادات‭ ‬الغذائية‭ ‬الأساسية‭ ‬والإعانات‭ ‬النقدية‭ ‬علاوة‭ ‬على‭ ‬المنح‭ ‬النقدية‭ ‬الطارئة‭ ‬والمساكن‭ ‬الملائمة‭ ‬للاجئين‭ ‬الأشد‭ ‬عرضة‭ ‬للمخاطر‭. ‬ومع‭ ‬تحسين‭ ‬البيئة‭ ‬المادية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬في‭ ‬المخيمات‭.‬

أما‭ ‬رابعها،‭ ‬فهو‭ ‬إنساني‭ ‬مختلف‭ ‬عن‭ ‬الأهداف‭ ‬التنموية‭ ‬الثلاثة‭ ‬آنفة‭ ‬الذكر،‭ ‬حيث‭ ‬تقاتل‭ (‬الأونروا‭) ‬من‭ ‬أجل‭ ‬ضمان‭ ‬أقصى‭ ‬قدر‭ ‬من‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬للاجئين‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬في‭ ‬الظروف‭ ‬العادية‭ ‬وبالخصوص‭ ‬حين‭ ‬يتعرض‭ ‬اللاجئون‭ ‬للمخاطر‭. ‬

وفي‭ ‬هذا‭ ‬السياق،‭ ‬تحتفظ‭ (‬الأونروا‭) ‬بشبكة‭ ‬إضافية‭ ‬هدفها‭ ‬مراقبة‭ ‬وتوثيق‭ ‬الحوادث‭ ‬التي‭ ‬يتم‭ ‬فيها‭ ‬انتهاك‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬والتدخل‭ ‬لدى‭ ‬السلطات‭ ‬وأصحاب‭ ‬المصلحة‭ ‬الآخرين‭ ‬بشأنها‭. ‬وعليه،‭ ‬يتضح‭ ‬أن‭ (‬الأونروا‭) ‬هي‭ ‬بمثابة‭ ‬دولة‭ ‬ملايين‭ ‬اللاجئين‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬حرموا‭ (‬ومعهم‭ ‬باقي‭ ‬الفلسطينيين‭) ‬من‭ ‬وجود‭ ‬دولة‭ ‬خاصة‭ ‬بهم‭!‬

كما‭ ‬أن‭ ‬حظر‭ (‬الأونروا‭) ‬يمثل‭ ‬نوعًا‭ ‬من‭ ‬العقاب‭ ‬الجماعي،‭ ‬حيث‭ ‬يستهدف‭ ‬السكان‭ ‬المدنيين‭ ‬ويهدد‭ ‬بزيادة‭ ‬حالات‭ ‬الوفيات‭ ‬بين‭ ‬الأطفال،‭ ‬وفقًا‭ ‬لوكالات‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭. ‬وتشير‭ ‬التقديرات‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ (‬13000‭) ‬طفل‭ ‬استشهدوا‭ ‬منذ‭ ‬بداية‭ ‬العدوان‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬على‭ ‬غزة‭ ‬في‭ ‬7‭ ‬أكتوبر‭ ‬2023،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يزيد‭ ‬من‭ ‬القلق‭ ‬حيال‭ ‬الأثر‭ ‬الكارثي‭ ‬الذي‭ ‬سيخلفه‭ ‬حظر‭ (‬الأونروا‭) ‬على‭ ‬الحياة‭ ‬اليومية‭ ‬لهؤلاء‭ ‬الأطفال،‭ ‬مع‭ ‬تعذر‭ ‬نقل‭ ‬صلاحياتها‭ ‬إلى‭ ‬منظمات‭ ‬أخرى‭ ‬وفق‭ ‬ما‭ ‬تريده‭ ‬الحكومة‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬الساعية‭ ‬لإنهاء‭ (‬الأونروا‭) ‬وخدماتها‭ ‬وبالتالي‭ ‬تجويع‭ ‬اللاجئين‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬وتجريدهم‭ ‬من‭ ‬التعليم‭ ‬والرعاية‭ ‬الصحية،‭ ‬وهي‭ ‬طريقة‭ ‬مبتكرة‭ ‬جديدة‭ ‬لقتل‭ ‬الفلسطينيين‭.‬

إن‭ ‬قدرة‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬على‭ ‬المقاومة‭ ‬ستبقى‭ ‬قائمة،‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬محاولات‭ ‬الاحتلال‭ ‬لتجريدهم‭ ‬من‭ ‬هويتهم‭ ‬وحقوقهم‭. ‬أما‭ ‬المجتمع‭ ‬الدولي‭ ‬فهو‭ ‬أمام‭ ‬اختبار‭ ‬حقيقي‭ ‬لتحديد‭ ‬موقفه‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬السياسات،‭ ‬وفي‭ ‬ظل‭ ‬هذه‭ ‬الظروف،‭ ‬ينبغي‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬التحرك‭ ‬الفوري‭ ‬ضرورة‭ ‬قصوى‭ ‬لمنع‭ ‬تدمير‭ (‬الأونروا‭- ‬دولة‭ ‬اللاجئين‭ ‬الفلسطينيين‭).‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا