العدد : ١٧٠٧٨ - الأربعاء ٢٥ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٤ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٧٨ - الأربعاء ٢٥ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٤ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

يوميات سياسية

السيـــــــد زهـــــــره

سوريا.. دواع للقلق وتساؤلات مشروعة

تحدثت‭ ‬في‭ ‬مقال‭ ‬أمس‭ ‬عن‭ ‬شروط‭ ‬وضوابط‭ ‬يجب‭ ‬ان‭ ‬تضعها‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬لتحديد‭ ‬موقفها‭ ‬من‭ ‬الحكم‭ ‬الجديد‭ ‬في‭ ‬سوريا‭ ‬وتقديم‭ ‬الدعم‭ ‬العربي‭. ‬وقلت‭ ‬إن‭ ‬السبب‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬ان‭ ‬هناك‭ ‬مخاوف‭ ‬كثيرة‭ ‬ودواعي‭ ‬للقلق‭ ‬حول‭ ‬مواقف‭ ‬الحكم‭ ‬الجديد‭ ‬ومستقبل‭ ‬سوريا‭.‬

حتى‭ ‬الآن‭ ‬تبدو‭ ‬التصريحات‭ ‬الصادرة‭ ‬عن‭ ‬الجولاني‭ ‬الحاكم‭ ‬الفعلي‭ ‬الجديد‭ ‬لسوريا‭ ‬مطمئنة‭ ‬بشكل‭ ‬عام‭ ‬على‭ ‬الأقل‭ ‬في‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬القضايا‭ ‬الأساسية‭.. ‬نعني‭ ‬مواقفه‭ ‬من‭ ‬قضايا‭ ‬مثل‭ ‬ضرورة‭ ‬توحيد‭ ‬السوريين‭ ‬بعيدا‭ ‬عن‭ ‬انتماءاتهم‭ ‬الطائفية‭ ‬والعرقية،‭ ‬وعن‭ ‬الدعوة‭ ‬إلى‭ ‬حوار‭ ‬وطني‭ ‬حول‭ ‬الدستور‭ ‬الجديد‭ ‬وشكل‭ ‬الحكم،‭ ‬وحول‭ ‬ضرورة‭ ‬ان‭ ‬تكون‭ ‬سوريا‭ ‬دولة‭ ‬لكل‭ ‬موطنيها‭ ‬بلا‭ ‬تمييز‭.... ‬الخ

ومع‭ ‬هذا‭.. ‬هناك‭ ‬في‭ ‬تقديرنا‭ ‬مخاوف‭ ‬كثيرة‭ ‬حول‭ ‬مستقبل‭ ‬سوريا‭ ‬وطبيعة‭ ‬نظام‭ ‬الحكم‭ ‬الجديد‭. ‬هناك‭ ‬تساؤلات‭ ‬مشروعة‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬ان‭ ‬نطرحها‭.‬

بمقدورنا‭ ‬أن‭ ‬نلخص‭ ‬هذه‭ ‬المخاوف‭ ‬والتساؤلات‭ ‬المشروعة‭ ‬على‭ ‬النحو‭ ‬التالي‭:‬

بداية،‭ ‬يحق‭ ‬أن‭ ‬نتساءل‭: ‬ماذا‭ ‬عن‭ ‬انتماء‭ ‬سوريا‭ ‬العروبي،‭ ‬والتزامها‭ ‬بالتالي‭ ‬بالمصالح‭ ‬العربية‭ ‬العليا‭ ‬والأمن‭ ‬القومي‭ ‬العربي؟

من‭ ‬الملاحظ‭ ‬انه‭ ‬منذ‭ ‬سقوط‭ ‬نظام‭ ‬بشار‭ ‬الأسد‭ ‬كان‭ ‬الجولاني‭ ‬حريصا‭ ‬على‭ ‬ان‭ ‬يوجه‭ ‬تصريحات‭ ‬مطمئنة‭ ‬لأمريكا‭ ‬والغرب‭ ‬وإسرائيل،‭ ‬وأن‭ ‬يشيد‭ ‬بدور‭ ‬دول‭ ‬مثل‭ ‬تركيا،‭ ‬لكنه‭ ‬لم‭ ‬يتحدث‭ ‬بأي‭ ‬شكل‭ ‬من‭ ‬الوضوح‭ ‬حول‭ ‬عروبة‭ ‬سوريا‭ ‬وحول‭ ‬علاقاتها‭ ‬ومواقفها‭ ‬العربية‭.‬

فقط‭ ‬عندما‭ ‬أبدت‭ ‬صحيفة‭ ‬‮«‬الشرق‭ ‬الأوسط‮»‬‭ ‬هذه‭ ‬الملاحظة‭ ‬له‭ ‬في‭ ‬الحوار‭ ‬الذي‭ ‬أجرته‭ ‬معه،‭ ‬تحدث‭ ‬عن‭ ‬القضاء‭ ‬على‭ ‬نفوذ‭ ‬إيران‭ ‬في‭ ‬سوريا،‭ ‬وتجارب‭ ‬دول‭ ‬الخليج‭ ‬التنموية،‭ ‬وان‭ ‬سوريا‭ ‬في‭ ‬العهد‭ ‬الجديد‭ ‬لن‭ ‬تمثل‭ ‬أي‭ ‬خطر‭ ‬أو‭ ‬تهديد‭ ‬لأي‭ ‬دولة‭ ‬عربية،‭ ‬ولكنه‭ ‬لم‭ ‬يتحدث‭ ‬بأي‭ ‬قدر‭ ‬من‭ ‬الحماس‭ ‬عن‭ ‬انتماء‭ ‬سوريا‭ ‬العروبي‭ ‬أو‭ ‬عن‭ ‬المصالح‭ ‬العربية‭ ‬المشتركة‭ ‬والالتزام‭ ‬بها‭.‬

الخشية‭ ‬هنا‭ ‬هو‭ ‬ان‭ ‬يكون‭ ‬الانتماء‭ ‬الإسلامي‭ ‬المعروف‭ ‬للجولاني‭ ‬وجماعته‭ ‬‮«‬حركة‭ ‬تحرير‭ ‬الشام‮»‬‭ ‬وأيديولوجيتهم‭ ‬الإسلامية‭ ‬المتطرفة‭ ‬التي‭ ‬يقولون‭ ‬إنهم‭ ‬تخلوا‭ ‬عنها‭.. ‬ان‭ ‬يكون‭ ‬هذا‭ ‬الانتماء‭ ‬سببا‭ ‬يجعلهم‭ ‬لا‭ ‬يؤمنون‭ ‬حقا‭ ‬بالعروبة‭ ‬والانتماء‭ ‬القومي‭ ‬العربي‭ ‬عموما،‭ ‬وبالتالي‭ ‬فيما‭ ‬يتعلق‭ ‬بسوريا،‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬الحال‭ ‬بالنسبة‭ ‬للإخوان‭ ‬المسلمين‭ ‬مثلا‭.‬

ومن‭ ‬أكبر‭ ‬التساؤلات‭ ‬المثارة‭: ‬هل‭ ‬يمكن‭ ‬لنا‭ ‬ان‭ ‬نثق‭ ‬حقا‭ ‬بأن‭ ‬الجولاني‭ ‬وجماعته‭ ‬قد‭ ‬غيروا‭ ‬بالفعل‭ ‬فكرهم‭ ‬جذريا‭ ‬وتخلوا‭ ‬نهائيا‭ ‬عن‭ ‬أيديولوجيتهم‭ ‬الإسلامية‭ ‬المتطرفة‭ ‬تماما‭ ‬هكذا‭ ‬بين‭ ‬يوم‭ ‬وليلة‭ ‬كما‭ ‬يقولون؟

معروف‭ ‬أن‭ ‬الجولاني،‭ ‬وأفراد‭ ‬جماعته،‭ ‬تربوا‭ ‬تربية‭ ‬صارمة‭ ‬مع‭ ‬داعش‭ ‬ثم‭ ‬مع‭ ‬تنظيم‭ ‬القاعدة‭ ‬لسنين‭ ‬طويلة‭. ‬ولم‭ ‬تكن‭ ‬قناعات‭ ‬الجولاني‭ ‬أو‭ ‬معتقداته‭ ‬الداعشية‭ ‬والقاعدية‭ ‬مجرد‭ ‬قناعات‭ ‬نظرية‭ ‬فقط،‭ ‬وإنما‭ ‬ممارسة‭ ‬عملية‭ ‬اذ‭ ‬انخرط‭ ‬في‭ ‬أنشطة‭ ‬التنظيمين‭ ‬الإرهابيين‭ ‬لسنين‭ ‬طويلة‭ ‬بكل‭ ‬ما‭ ‬يعنيه‭ ‬ذلك‭ ‬على‭ ‬نحو‭ ‬ما‭ ‬نعرف‭. ‬

الآن‭ ‬هو‭ ‬يقول‭ ‬إن‭ ‬انتماءه‭ ‬هو‭ ‬وجماعته‭ ‬لداعش‭ ‬والقاعدة‭ ‬أصبح‭ ‬من‭ ‬الماضي‭.‬

وليس‭ ‬خافيا‭ ‬ان‭ ‬الإعلام‭ ‬الغربي،‭ ‬والأمريكي‭ ‬خصوصا،‭ ‬لعب‭ ‬دورا‭ ‬كبيرا‭ ‬في‭ ‬الترويج‭ ‬لهذا‭ ‬التحول،‭ ‬وفي‭ ‬تقديم‭ ‬الجولاني‭ ‬وجماعته‭ ‬في‭ ‬صورة‭ ‬جديدة‭ ‬تبدو‭ ‬معتدلة‭ ‬ومقبولة‭ ‬للسوريين‭ ‬والعالم‭. ‬هذا‭ ‬في‭ ‬حد‭ ‬ذاته‭ ‬أمر‭ ‬يثير‭ ‬الريبة‭.‬

المفهوم‭ ‬هنا‭ ‬أن‭ ‬أحاديث‭ ‬الجولاني‭ ‬عن‭ ‬تحولاته‭ ‬الفكرية‭ ‬والايديولوجية‭ ‬وإصراره‭ ‬على‭ ‬تصوير‭ ‬نفسه‭ ‬في‭ ‬صورة‭ ‬معتدلة‭ ‬بعيدا‭ ‬عن‭ ‬التطرف‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬المجالات‭ ‬فرضته‭ ‬اعتبارات‭ ‬الضرورة‭ ‬السياسية‭. ‬بمعنى‭ ‬ضرورة‭ ‬ان‭ ‬يكون‭ ‬مقبولا‭ ‬لدى‭ ‬السوريين‭ ‬والعالم‭ ‬وأهلا‭ ‬لحكم‭ ‬سوريا‭.‬

لكن‭ ‬السؤال‭ ‬المنطقي‭ ‬هنا‭: ‬هل‭ ‬هذا‭ ‬التحول‭ ‬حقيقي‭ ‬فعلا؟‭.. ‬هل‭ ‬من‭ ‬المنطقي‭ ‬أن‭ ‬يحدث‭ ‬مثل‭ ‬هذا‭ ‬التحول‭ ‬جذريا‭ ‬هكذا‭ ‬بالنسبة‭ ‬له‭ ‬او‭ ‬أي‭ ‬أحد‭ ‬آخر؟

الذي‭ ‬يثير‭ ‬القلق‭ ‬هنا‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬الالحاح‭ ‬على‭ ‬حدوث‭ ‬هذا‭ ‬التحول،‭ ‬وتعمد‭ ‬تأكيد‭ ‬الصورة‭ ‬المعتدلة‭ ‬والحديث‭ ‬عن‭ ‬تجاوز‭ ‬الطائفية‭ ‬والدعوة‭ ‬إلى‭ ‬التوحيد‭ ‬الوطني‭ ‬والايمان‭ ‬بالتعدد‭ ‬وما‭ ‬شابه‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬تصريحات‭ ‬مجرد‭ ‬اعتبارات‭ ‬فرضتها‭ ‬الضرورة‭ ‬الآنية‭ ‬فقط‭. ‬

بمعنى‭ ‬أدق‭.. ‬الخشية‭ ‬هي‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬هذا‭ ‬مجرد‭ ‬ضرورة‭ ‬حتى‭ ‬يتمكن‭ ‬الجولاني‭ ‬وجماعته‭ ‬من‭ ‬حكم‭ ‬سوريا‭ ‬وفرض‭ ‬سيطرتهم،‭ ‬ثم‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬يكشفون‭ ‬عن‭ ‬عودتهم‭ ‬لقناعاتهم‭ ‬القديمة‭.. ‬قناعات‭ ‬داعش‭ ‬والقاعدة‭. ‬إذا‭ ‬حدث‭ ‬هذا‭ ‬فستصبح‭ ‬سوريا‭ ‬بداهة‭ ‬قاعدة‭ ‬جديدة‭ ‬للتطرف‭ ‬والعنف‭ ‬وتهديد‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭.‬

كما‭ ‬نرى‭.. ‬هذه‭ ‬بعض‭ ‬دواعي‭ ‬القلق‭ ‬وتساؤلات‭ ‬مشروعة‭ ‬يجب‭ ‬طرحها‭.‬

هناك‭ ‬دواع‭ ‬أخرى‭ ‬للقلق‭ ‬أخطر‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬سنناقشها‭ ‬في‭ ‬المقال‭ ‬القادم‭ ‬بإذن‭ ‬الله‭.‬

إقرأ أيضا لـ"السيـــــــد زهـــــــره"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا