العدد : ١٧٠٧٧ - الثلاثاء ٢٤ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٣ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٧٧ - الثلاثاء ٢٤ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٣ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

يوميات سياسية

السيـــــــد زهـــــــره

من بشار إلى الجولاني .. ماذا ينتظر سوريا؟

تحدثت‭ ‬في‭ ‬مقال‭ ‬أمس‭ ‬عن‭ ‬بعض‭ ‬دواعي‭ ‬القلق‭ ‬وتساؤلات‭ ‬مشروعة‭ ‬يجب‭ ‬طرحها‭ ‬حول‭ ‬مستقبل‭ ‬سوريا‭ ‬ومواقف‭ ‬وسياسات‭ ‬الجولاني‭ ‬الحاكم‭ ‬الفعلي‭ ‬الجديد‭ ‬لسوريا‭ ‬وجماعته‭. ‬وتساءلنا‭ ‬خصوصا‭ ‬عن‭ ‬حقيقة‭ ‬إيمانهم‭ ‬بعروبة‭ ‬سوريا،‭ ‬وحقيقة‭ ‬تخليهم‭ ‬فعلا‭ ‬عن‭ ‬قناعاتهم‭ ‬الإسلامية‭ ‬المتطرفة‭.‬

لا‭ ‬بد‭ ‬أن‭ ‬نلفت‭ ‬النظر‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬السياق‭ ‬إلى‭ ‬بعض‭ ‬إشارات‭ ‬وممارسات‭ ‬قد‭ ‬تبدو‭ ‬بسيطة‭ ‬لكنها‭ ‬مهمة‭ ‬وقد‭ ‬أثارت‭ ‬قلق‭ ‬السوريين‭ ‬بالفعل‭. ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬مثلا‭ ‬رفض‭ ‬الجولاني‭ ‬التصوير‭ ‬مع‭ ‬صحفية‭ ‬إلا‭ ‬إذا‭ ‬ارتدت‭ ‬الحجاب‭. ‬في‭ ‬حديثه‭ ‬مع‭ ‬البي‭ ‬بي‭ ‬سي‭ ‬حين‭ ‬سئل‭ ‬عن‭ ‬هذه‭ ‬الواقعة،‭ ‬قال‭ ‬إن‭ ‬‮«‬هذه‭ ‬حريتي‭ ‬الشخصية‭. ‬أريد‭ ‬أن‭ ‬أتصور‭ ‬بالطريقة‭ ‬التي‭ ‬تناسبني‮»‬‭.‬

الأمر‭ ‬الذي‭ ‬يبدو‭ ‬طريفا،‭ ‬وهو‭ ‬ليس‭ ‬كذلك،‭ ‬أن‭ ‬الجولاني‭ ‬تخلى‭ ‬عن‭ ‬‮«‬حريته‭ ‬الشخصية‮»‬‭ ‬وعن‭ ‬‮«‬الطريقة‭ ‬التي‭ ‬تناسبه‮»‬‭ ‬حين‭ ‬التقى‭ ‬مساعدة‭ ‬وزير‭ ‬الخارجية‭ ‬لشؤون‭ ‬الشرق‭ ‬الأدنى،‭ ‬باربرا‭ ‬ليف،‭ ‬ووقف‭ ‬يتصور‭ ‬معها‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬ترتدي‭ ‬الحجاب‭ ‬طبعا‭.‬

كما‭ ‬ذكرت‭ ‬هذه‭ ‬وقائع‭ ‬بسيطة‭ ‬لها‭ ‬دلالات‭ ‬مهمة‭. ‬موقف‭ ‬الجولاني‭ ‬من‭ ‬الصحفية‭ ‬يبدو‭ ‬هو‭ ‬موقفه‭ ‬الحقيقي،‭ ‬وموقفه‭ ‬مع‭ ‬المسؤولة‭ ‬الأمريكية‭ ‬هو‭ ‬ما‭ ‬تفرضه‭ ‬الضرورة‭ ‬السياسية‭ ‬التي‭ ‬يعتزم‭ ‬التخلي‭ ‬عنها‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬وقت‭.‬

واقعة‭ ‬أخرى‭ ‬أثارت‭ ‬بالفعل‭ ‬قلق‭ ‬السوريين‭ ‬عندما‭ ‬ظهر‭ ‬رئيس‭ ‬الحكومة‭ ‬المؤقتة‭ ‬الذي‭ ‬عينه‭ ‬الجولاني‭ ‬جالسا‭ ‬ووراءه‭ ‬علم‭ ‬سوريا‭ ‬وبجواره‭ ‬علم‭ ‬‮«‬هيئة‭ ‬تحرير‭ ‬الشام‮»‬‭ ‬الذي‭ ‬يشبه‭ ‬علم‭ ‬طالبان‭.‬

هذا‭ ‬أمر‭ ‬يثير‭ ‬القلق‭ ‬بالفعل‭ ‬ويطرح‭ ‬التساؤل‭: ‬ولاء‭ ‬الجولاني‭ ‬لمن‭ ‬بالضبط؟‭.. ‬لسوريا‭ ‬أم‭ ‬لجماعته‭ ‬الضيقة؟

قضية‭ ‬أخرى‭ ‬تثير‭ ‬التساؤلات‭ ‬تتعلق‭ ‬بالموقف‭ ‬من‭ ‬الانفراد‭ ‬بحكم‭ ‬سوريا‭ ‬ومن‭ ‬القوى‭ ‬المعارضة‭ ‬الأخرى‭ ‬غير‭ ‬جبهة‭ ‬تحرير‭ ‬الشام‭.‬

الذي‭ ‬يجعل‭ ‬القضية‭ ‬مثارة‭ ‬أنه‭ ‬حتى‭ ‬الآن‭ ‬يلاحظ‭ ‬الجميع‭ ‬توجها‭ ‬للانفراد‭ ‬بالحكم‭ ‬واستبعاد‭ ‬قوى‭ ‬وجماعات‭ ‬المعارضة‭ ‬الأخرى‭ ‬التي‭ ‬شاركت‭ ‬في‭ ‬إسقاط‭ ‬نظام‭ ‬الأسد‭.‬

الجولاني‭ ‬نصب‭ ‬نفسه‭ ‬حاكما‭ ‬فعليا‭ ‬وحيدا‭. ‬ورئيس‭ ‬الحكومة‭ ‬الانتقالية‭ ‬الذي‭ ‬تم‭ ‬تعيينه‭ ‬وكل‭ ‬الوزراء‭ ‬الذي‭ ‬تم‭ ‬اختيارهم‭ ‬ينتمون‭ ‬إلى‭ ‬جبهة‭ ‬تحرير‭ ‬الشام‭ ‬فقط‭. ‬ولا‭ ‬نسمع‭ ‬عن‭ ‬أي‭ ‬دور‭ ‬لممثلين‭ ‬عن‭ ‬القوى‭ ‬الأخرى‭.‬

قوى‭ ‬المعارضة‭ ‬السورية‭ ‬اشتكت‭ ‬علنا‭ ‬بالفعل‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬من‭ ‬عدم‭ ‬مشاركتهم‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المرحلة،‭ ‬وإنما‭ ‬من‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬يتم‭ ‬التشاور‭ ‬معهم‭ ‬أصلا‭ ‬أو‭ ‬أخذ‭ ‬رأيهم‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬قرارات‭ ‬او‭ ‬خطوات‭ ‬يتخذها‭ ‬الجولاني‭.‬

بطبيعة‭ ‬الحال‭ ‬يثير‭ ‬هذا‭ ‬التوجه‭ ‬خوفا‭ ‬من‭ ‬نزعة‭ ‬استبدادية‭ ‬بالسلطة‭ ‬على‭ ‬عكس‭ ‬ما‭ ‬يعلنه‭ ‬الجولاني‭.‬

وكما‭ ‬أشرت‭ ‬في‭ ‬مقال‭ ‬سابق‭.. ‬من‭ ‬أخطر‭ ‬القضايا‭ ‬على‭ ‬الإطلاق‭ ‬موقف‭ ‬الجولاني‭ ‬من‭ ‬الاحتلال‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬للأراضي‭ ‬السورية‭ ‬ومن‭ ‬قيام‭ ‬إسرائيل‭ ‬بتدمير‭ ‬كل‭ ‬القوة‭ ‬العسكرية‭ ‬السورية‭.‬

إسرائيل‭ ‬دمرت‭ ‬كل‭ ‬قدرات‭ ‬سوريا‭ ‬العسكرية،‭ ‬واحتلت‭ ‬أراضي‭ ‬سورية‭ ‬واسعة‭ ‬وكل‭ ‬يوم‭ ‬توسع‭ ‬احتلالها‭.‬

الجولاني‭ ‬لم‭ ‬نسمع‭ ‬منه‭ ‬تصريحا‭ ‬واحدا‭ ‬عن‭ ‬هذا‭ ‬العدوان‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬السافر‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬السوريين‭ ‬في‭ ‬الأراضي‭ ‬التي‭ ‬احتلتها‭ ‬إسرائيل‭ ‬أطلقوا‭ ‬نداءات‭ ‬استغاثة‭ ‬مما‭ ‬يتعرضون‭ ‬له‭ ‬على‭ ‬يد‭ ‬الاحتلال‭.‬

أيضا‭ ‬لم‭ ‬نسمع‭ ‬من‭ ‬الجولاني‭ ‬أي‭ ‬تعليق‭ ‬عن‭ ‬احتلال‭ ‬تركيا‭ ‬لأراض‭ ‬سورية‭.‬

الخوف‭ ‬هنا‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬هذا‭ ‬الصمت‭ ‬مؤشرا‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬الحكم‭ ‬الجديد‭ ‬في‭ ‬سوريا‭ ‬قد‭ ‬سلم‭ ‬بالتقسيم‭ ‬الفعلي‭ ‬للبلاد‭. ‬صحيح‭ ‬أن‭ ‬سوريا‭ ‬مناطق‭ ‬نفوذ‭ ‬منذ‭ ‬سنوات‭ ‬طويلة،‭ ‬لكن‭ ‬هناك‭ ‬فارق‭ ‬بين‭ ‬هذا‭ ‬الوضع‭ ‬وبين‭ ‬قبول‭ ‬التقسيم‭ ‬الفعلي‭ ‬للبلاد‭ ‬وهدر‭ ‬سيادتها‭ ‬واستقلالها‭ ‬كدولة‭ ‬موحدة‭.‬

هناك‭ ‬جوانب‭ ‬أخرى‭ ‬كثيرة‭ ‬تثير‭ ‬تساؤلات‭ ‬قد‭ ‬نعود‭ ‬اليها‭ ‬في‭ ‬مقالات‭ ‬قادمة‭.‬

البعض‭ ‬يرى‭ ‬أن‭ ‬الحكم‭ ‬الجديد‭ ‬مازال‭ ‬في‭ ‬بدايته،‭ ‬وأنه‭ ‬ورث‭ ‬أوضاعا‭ ‬صعبة‭ ‬ويجب‭ ‬إعطاؤه‭ ‬الفرصة‭ ‬كاملة‭ ‬كي‭ ‬يرتب‭ ‬أموره‭ ‬وأمور‭ ‬البلاد‭ ‬في‭ ‬مرحلة‭ ‬انتقالية‭ ‬قبل‭ ‬إصدار‭ ‬حكم‭ ‬نهائي‭ ‬عليه‭.‬

ولا‭ ‬بأس‭ ‬في‭ ‬هذا‭. ‬لكن‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه‭ ‬من‭ ‬المهم‭ ‬التعبير‭ ‬عن‭ ‬هذه‭ ‬المخاوف‭ ‬وإثارة‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬التساؤلات‭.‬

القلق‭ ‬على‭ ‬مستقبل‭ ‬سوريا‭ ‬حقيقي،‭ ‬والسوريون‭ ‬أنفسهم‭ ‬بدأوا‭ ‬يعبرون‭ ‬عنه‭. ‬ويمكن‭ ‬تلخيص‭ ‬أهم‭ ‬ما‭ ‬يقلق‭ ‬حول‭ ‬مستقبل‭ ‬سوريا‭ ‬على‭ ‬النحو‭ ‬التالي‭:‬

هل‭ ‬تنتقل‭ ‬سوريا‭ ‬من‭ ‬حكم‭ ‬الفرد‭ ‬الاستبدادي‭ ‬بشار‭ ‬الأسد‭ ‬إلى‭ ‬حكم‭ ‬استبدادي‭ ‬آخر‭ ‬مع‭ ‬الجولاني؟

هل‭ ‬تنتقل‭ ‬سوريا‭ ‬من‭ ‬حكم‭ ‬حزب‭ ‬البعث‭ ‬إلى‭ ‬حكم‭ ‬جبهة‭ ‬تحرير‭ ‬الشام؟

هل‭ ‬تنتقل‭ ‬سوريا‭ ‬من‭ ‬تسليم‭ ‬مقادير‭ ‬البلاد‭ ‬إلى‭ ‬إيران‭ ‬إلى‭ ‬تسلميها‭ ‬إلى‭ ‬إسرائيل‭ ‬وتركيا؟

هل‭ ‬تنتقل‭ ‬من‭ ‬مناطق‭ ‬نفوذ‭ ‬الأمر‭ ‬الواقع‭ ‬إلى‭ ‬التقسيم‭ ‬الفعلي؟

إقرأ أيضا لـ"السيـــــــد زهـــــــره"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا