العدد : ١٧٠٩٦ - الأحد ١٢ يناير ٢٠٢٥ م، الموافق ١٢ رجب ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٩٦ - الأحد ١٢ يناير ٢٠٢٥ م، الموافق ١٢ رجب ١٤٤٦هـ

مقالات

بليني الأكبر.. ومسار اللؤلؤ

بقلم: الدكتور حمد إبراهيم العبدالله

الأحد ١٢ يناير ٢٠٢٥ - 02:00

قليلةٌ‭ ‬هي‭ ‬الكتابات‭ ‬التي‭ ‬تعرضت‭ ‬لشخصية‭ ‬بليني‭ ‬الأكبر‭ ‬على‭ ‬الرُغم‭ ‬من‭ ‬أنه‭ ‬أشهر‭ ‬كُتاب‭ ‬عصره‭ ‬وأغزرهم‭ ‬إنتاجًا‭ ‬في‭ ‬التدوين،‭ ‬وصاحب‭ ‬إسهاماتٍ‭ ‬علميةٍ‭ ‬تمثلت‭ ‬في‭ ‬تأليف‭ ‬عددٍ‭ ‬كبيرٍ‭ ‬من‭ ‬المُجلدات‭ ‬التي‭ ‬شكلت‭ ‬موسوعةً‭ ‬اعتمد‭ ‬فيها‭ ‬على‭ ‬مصادر‭ ‬متنوعة‭ ‬وتطرقت‭ ‬إلى‭ ‬مجالاتٍ‭ ‬مُختلفة،‭ ‬والمُلفت‭ ‬للانتباه‭ ‬في‭ ‬كتابات‭ ‬بليني‭ ‬الأكبر‭ ‬العلمية‭ ‬أن‭ ‬موسوعته‭ ‬ذكرت‭ ‬‮«‬تايلوس‮»‬‭ ‬في‭ ‬عدة‭ ‬محطات،‭ ‬وتضمنت‭ ‬وصفًا‭ ‬لطبيعتها‭ ‬وثرواتها،‭ ‬واشتهارها‭ ‬باللآلئ‭. ‬

وُلد‭ ‬غايوس‭ ‬بلينيوس‭ ‬سيكوندوس‭ ‬المُلقب‭ ‬بـ‭ ‬‮«‬بليني‭ ‬الأكبر‮»‬‭ ‬أو‭ ‬‮«‬بلينيوس‭ ‬الأكبر‮»‬‭ ‬نحو‭ ‬عام‭ ‬23م،‭ ‬وهو‭ ‬عالمٌ‭ ‬رومانيٌ‭ ‬مُتعدد‭ ‬التخصصات‭ ‬خدم‭ ‬في‭ ‬السلك‭ ‬العسكري،‭ ‬ولُقب‭ ‬ببليني‭ ‬الأكبر‭ ‬حتى‭ ‬يتسنى‭ ‬التفريق‭ ‬بينه‭ ‬وبين‭ ‬ابن‭ ‬أخيه‭ ‬الذي‭ ‬اشتهر‭ ‬وُعرف‭ ‬باسم‭ ‬‮«‬بليني‭ ‬الصغير‮»‬،‭ ‬ولبليني‭ ‬الأكبر‭ ‬عددٌ‭ ‬من‭ ‬المؤلفات‭ ‬من‭ ‬بينها‭ ‬‮«‬تاريخ‭ ‬الحروب‭ ‬الجرمانية‮»‬،‭ ‬فيما‭ ‬تُعد‭ ‬موسوعته‭ ‬التي‭ ‬حملت‭ ‬عنوان‭ ‬‮«‬التاريخ‭ ‬الطبيعي‮»‬‭ (‬Naturalis‭ ‬Historia‭) ‬أبرز‭ ‬الأعمال‭ ‬العلمية‭ ‬التي‭ ‬قام‭ ‬بإنجازها‭ ‬في‭ ‬حياته‭.‬

فاليوم‭ ‬أصبح‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬أيةِ‭ ‬معلومةٍ‭ ‬علميةٍ‭ ‬لا‭ ‬تستدعي‭ ‬كثيرًا‭ ‬من‭ ‬المشقة‭ ‬على‭ ‬عكس‭ ‬ماضينا‭ ‬القريب،‭ ‬حيث‭ ‬كان‭ ‬يستوجب‭ ‬على‭ ‬المرء‭ ‬الذهاب‭ ‬إلى‭ ‬مكتبةٍ‭ ‬عامةٍ‭ ‬أو‭ ‬مُتخصصةٍ‭ ‬والبحث‭ ‬عن‭ ‬موسوعاتٍ‭ ‬مثل‭ ‬الموسوعة‭ ‬البريطانية‭ ‬الشهيرة‭ ‬وتُعرف‭ ‬اختصارًا‭ ‬باسم‭ ‬‮«‬موسوعة‭ ‬بريتانيكا‮»‬،‭ ‬وموسوعاتٍ‭ ‬أُخرى‭ ‬مثل‭ ‬الموسوعة‭ ‬الأمريكية‭ ‬أو‭ ‬موسوعة‭ ‬كولير،‭ ‬وذلك‭ ‬للاطلاع‭ ‬على‭ ‬المعلومة‭ ‬التي‭ ‬يبتغيها‭ ‬أي‭ ‬فرد‭.  ‬

أما‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬تاريخ‭ ‬الموسوعات‭ ‬عالميًّا‭ ‬فهناك‭ ‬جدلٌ‭ ‬حول‭ ‬أي‭ ‬كتابٍ‭ ‬من‭ ‬المُمكن‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬قد‭ ‬حمل‭ ‬ملامح‭ ‬وخصائص‭ ‬الموسوعة،‭ ‬ولعل‭ ‬أولى‭ ‬ملامح‭ ‬الكتاب‭ ‬الذي‭ ‬حمل‭ ‬تلك‭ ‬الخصائص‭ ‬يعود‭ ‬الى‭ ‬العالم‭ ‬الإغريقي‭ ‬إسبوزيبوس‭ ‬الذي‭ ‬وُلد‭ ‬عام‭ ‬408ق‭.‬م‭ ‬والمتوفى‭ ‬عام‭ ‬339ق‭.‬م،‭ ‬حيث‭ ‬سعى‭ ‬لجمع‭ ‬معلوماتٍ‭ ‬حول‭ ‬عددٍ‭ ‬من‭ ‬العلوم‭ ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬أثر‭ ‬لعمله‭ ‬اليوم‭. ‬ومن‭ ‬بعد‭ ‬إسبوزيبوس‭ ‬حاول‭ ‬عددٌ‭ ‬من‭ ‬الرومان‭ ‬مثل‭ ‬ماركوس‭ ‬بورسيوس‭ ‬كاتو‭ (‬كاتو‭ ‬الأكبر‭)‬،‭ ‬وماركوس‭ ‬تيرينتيوس‭ ‬فارو‭ ‬من‭ ‬جمع‭ ‬المعلومات‭ ‬حول‭ ‬عددٍ‭ ‬من‭ ‬العلوم‭ ‬الأساسية‭.‬

بالرُغم‭ ‬من‭ ‬تلك‭ ‬المساعي‭ ‬فإن‭ ‬الفضل‭ ‬الرئيس‭ ‬لإعداد‭ ‬موسوعةٍ‭ ‬مُتكاملةٍ‭ ‬يعود‭ ‬بشكلٍ‭ ‬أساسيٍ‭ ‬إلى‭ ‬بليني‭ ‬الأكبر،‭ ‬حيث‭ ‬تمكن‭ ‬من‭ ‬تدوين‭ ‬37‭ ‬مُجلدًا‭ ‬في‭ ‬موسوعته‭ ‬‮«‬التاريخ‭ ‬الطبيعي‮»‬،‭ ‬ولإنجاز‭ ‬هذا‭ ‬العمل‭ ‬قام‭ ‬المؤلف‭ ‬بالاطلاع‭ ‬على‭ ‬نحو‭ ‬ألفي‭ ‬كتابٍ‭ ‬تم‭ ‬تدوينهم‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬مائة‭ ‬كاتبٍ‭ ‬تُغطي‭ ‬ما‭ ‬يقرب‭ ‬من‭ ‬20‭ ‬ألف‭ ‬موضوع‭ ‬كما‭ ‬بين‭ ‬صاحب‭ ‬الموسوعة‭. ‬

ويفتخر‭ ‬بأنه‭ ‬أول‭ ‬من‭ ‬قام‭ ‬بجمع‭ ‬هذا‭ ‬القدر‭ ‬الكبير‭ ‬من‭ ‬الموضوعات‭ ‬في‭ ‬مؤلفٍ‭ ‬واحد،‭ ‬وفي‭ ‬الواقع‭ ‬يذكر‭ ‬بليني‭ ‬بحسب‭ ‬ما‭ ‬أورده‭ ‬الباحثون‭ ‬في‭ ‬كتابه‭ ‬أنه‭ ‬ذكر‭ ‬أنه‭ ‬استعان‭ ‬بـ‭ ‬473‭ ‬مؤلفا،‭ ‬ولكن‭ ‬وبعد‭ ‬حصر‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬ذكرهم‭ ‬في‭ ‬موسوعتهم‭ ‬تبين‭ ‬أن‭ ‬عدد‭ ‬أولئك‭ ‬الذين‭ ‬استعان‭ ‬بهم‭ ‬أكثر‭ ‬بكثير،‭ ‬كما‭ ‬أكد‭ ‬بليني‭ ‬الأكبر‭ ‬في‭ ‬موسوعته‭ ‬رغبته‭ ‬في‭ ‬الابتعاد‭ ‬عن‭ ‬المُحسنات‭ ‬اللفظية‭ ‬والتعبيرية‭ ‬رغبةً‭ ‬منه‭ ‬بأن‭ ‬يصل‭ ‬الكتاب‭ ‬إلى‭ ‬الجميع‭ ‬باختلاف‭ ‬خلفياتهم‭ ‬العلمية‭ ‬والتعليمية،‭ ‬واستغل‭ ‬فترة‭ ‬التوتر‭ ‬التي‭ ‬شهدها‭ ‬حُكم‭ ‬الإمبراطور‭ ‬نيرون‭ (‬54‭ ‬‭ ‬68م‭) ‬للاعتزال‭ ‬والتفرغ‭ ‬للكتابة،‭ ‬فيما‭ ‬أهدى‭ ‬بليني‭ ‬الأكبر‭ ‬مُقدمة‭ ‬موسوعته‭ ‬إلى‭ ‬الإمبراطور‭ ‬الروماني‭ ‬فسبازيان‭ (‬69‭ ‬‭ ‬79م‭). ‬

وقد‭ ‬جمعت‭ ‬الموسوعة‭ ‬شتى‭ ‬التخصصات‭ ‬المعروفة‭ ‬آنذاك‭ ‬مثل‭: ‬علم‭ ‬الفلك،‭ ‬والجغرافيا،‭ ‬وعلم‭ ‬الحيوان،‭ ‬والحياة‭ ‬البحرية،‭ ‬والأنثروبولوجيا،‭ ‬وعلم‭ ‬الطيور،‭ ‬وعلم‭ ‬الحشرات،‭ ‬وعلم‭ ‬الشجر،‭ ‬والطب،‭ ‬والمعادن،‭ ‬والأحجار‭ ‬الكريمة،‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬العلوم،‭ ‬ويدعي‭ ‬بليني‭ ‬الأكبر‭ ‬أن‭ ‬مؤلفه‭ ‬يُعد‭ ‬الأول‭ ‬من‭ ‬نوعه‭ ‬الذي‭ ‬غطى‭ ‬عددًا‭ ‬كبيرًا‭ ‬من‭ ‬المجالات‭ ‬والعلوم‭.   ‬

اتبع‭ ‬بليني‭ ‬الأكبر‭ ‬منهج‭ ‬جمع‭ ‬المعلومات‭ ‬كافة‭ ‬حتى‭ ‬وإن‭ ‬كانت‭ ‬تبدو‭ ‬غير‭ ‬واقعيةٍ‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬قبيل‭ ‬الأساطير،‭ ‬فقد‭ ‬ذكر‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭ ‬لا‭ ‬الحصر‭ ‬وجود‭ ‬حورياتٍ‭ ‬في‭ ‬البحر،‭ ‬وأن‭ ‬هُناك‭ ‬أقوامًا‭ ‬برؤوس‭ ‬كلاب‭ ‬وأجسام‭ ‬بشر،‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬المخلوقات‭ ‬الغريبة،‭ ‬وقد‭ ‬التزم‭ ‬بهذا‭ ‬النهج‭ ‬من‭ ‬مبدأ‭ ‬حرصه‭ ‬على‭ ‬ذكر‭ ‬كُل‭ ‬ما‭ ‬تم‭ ‬تدوينه‭ ‬حول‭ ‬موضوعٍ‭ ‬ما‭ ‬لطالما‭ ‬قام‭ ‬أحدٌ‭ ‬بذكره‭ ‬أو‭ ‬تدوينه‭ ‬مُسبقًا،‭ ‬فضلًا‭ ‬على‭ ‬أنه‭ ‬استعان‭ ‬بما‭ ‬قد‭ ‬أشار‭ ‬إليه‭ ‬الرحالة‭ ‬والتُجار‭ ‬أثناء‭ ‬تجوالهم‭ ‬في‭ ‬أرجاء‭ ‬المعمورة‭.‬

فيما‭ ‬يخص‭ ‬تاريخ‭ ‬تايلوس‭ ‬فبعد‭ ‬التقصي‭ ‬يتبين‭ ‬أن‭ ‬بليني‭ ‬الأكبر‭ ‬قد‭ ‬ذكر‭ ‬تايلوس‭ ‬بكتابه‭ ‬في‭ ‬ثلاث‭ ‬محطاتٍ‭ ‬رئيسة،‭ ‬المحطة‭ ‬الأولى‭ ‬في‭ ‬الكتاب‭ ‬السادس،‭ ‬والثانية‭ ‬في‭ ‬الكتاب‭ ‬العاشر،‭ ‬والثالثة‭ ‬في‭ ‬الكتاب‭ ‬الثاني‭ ‬عشر،‭ ‬فيما‭ ‬نوه‭ ‬بليني‭ ‬في‭ ‬كتابه‭ ‬السادس‭ ‬حول‭ ‬تايلوس،‭ ‬قائلًا‭ ‬إنها‭: ‬‮«‬تشتهر‭ ‬بكثرة‭ ‬لآلئها‭...‬‮»‬،‭ ‬وهذا‭ ‬يدل‭ ‬على‭ ‬قدم‭ ‬تجارة‭ ‬اللؤلؤ‭ ‬في‭ ‬تايلوس‭ ‬ومنطقة‭ ‬الخليج‭ ‬العربي،‭ ‬ومكانتها‭ ‬كمصدرٍ‭ ‬رئيسٍ‭ ‬للثروات‭ ‬الطبيعية،‭ ‬وجاذبية‭ ‬المنطقة‭ ‬للتجارة‭.‬

ويذكر‭ ‬بليني‭ ‬الأكبر‭ ‬أيضًا‭ ‬حول‭ ‬تايلوس‭ ‬ما‭ ‬يأتي‭: ‬‮«‬وفي‭ ‬نفس‭ ‬الخليج‭ (‬ويقصد‭ ‬الخليج‭ ‬العربي‭) ‬تقع‭ ‬جزيرة‭ ‬تايلوس،‭ ‬التي‭ ‬تغطيها‭ ‬غابةٌ‭ ‬من‭ ‬الجانب‭ ‬المُطلِ‭ ‬على‭ ‬الشرق،‭ ‬حيث‭ ‬تغسلها‭ ‬مياه‭ ‬البحر‭ ‬أيضًا‭ ‬عند‭ ‬ارتفاع‭ ‬المد،‭ ‬ويبلغ‭ ‬حجم‭ ‬كُل‭ ‬شجرةٍ‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الأشجار‭ ‬حجم‭ ‬شجرة‭ ‬التين؛‭ ‬وتتمتع‭ ‬أزهارها‭ ‬بحلاوةٍ‭ ‬لا‭ ‬توصف،‭ ‬وتشبه‭ ‬ثمارها‭ ‬شكل‭ ‬نبات‭ ‬الترمس،‭ ‬ولكنها‭ ‬خشنةٌ‭ ‬وشائكةٌ‭ ‬إلى‭ ‬الحد‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يمسها‭ ‬أي‭ ‬حيوان،‭ ‬وعلى‭ ‬هضبةٍ‭ ‬أكثر‭ ‬ارتفاعًا‭ ‬من‭ ‬نفس‭ ‬الجزيرة،‭ ‬نجد‭ ‬أشجارًا‭ ‬تنتج‭ ‬الصوف،‭ ‬ولكنها‭ ‬تختلف‭ ‬في‭ ‬طبيعتها‭ ‬عن‭ ‬صوف‭ ‬أشجار‭ ‬السرو؛‭ ‬إذ‭ ‬لا‭ ‬تنتج‭ ‬أوراق‭ ‬هذه‭ ‬الأشجار‭ ‬أي‭ ‬شيءٍ‭ ‬على‭ ‬الإطلاق،‭ ‬بل‭ ‬قد‭ ‬نعتبرها‭ ‬بسهولةٍ‭ ‬أوراقًا‭ ‬للكرمة،‭ ‬لولا‭ ‬أنها‭ ‬أصغر‭ ‬حجمًا،‭ ‬وهي‭ ‬تنتج‭ ‬نوعًا‭ ‬من‭ ‬القرع،‭ ‬بحجم‭ ‬حبة‭ ‬السفرجل‭ ‬تقريبًا‭...‬‮»‬‭. ‬إن‭ ‬ما‭ ‬ذكره‭ ‬بليني‭ ‬يؤشر‭ ‬بوضوحٍ‭ ‬إلى‭ ‬وفرة‭ ‬الثروات‭ ‬الطبيعية‭ ‬الأخرى‭ ‬في‭ ‬تايلوس‭ ‬وطبيعتها‭ ‬الخلابة‭ ‬وتنوع‭ ‬خيراتها‭.‬

وقد‭ ‬أشار‭ ‬الأستاذ‭ ‬الدكتور‭ ‬جريجوري‭ ‬ألدريت،‭ ‬الأستاذ‭ ‬الفخري‭ ‬في‭ ‬التاريخ‭ ‬والدراسات‭ ‬الإنسانية‭ ‬بجامعة‭ ‬ويسكونسن‭ ‬‭ ‬جرين‭ ‬باي‭ ‬الأمريكية،‭ ‬أن‭ ‬بليني‭ ‬الأكبر‭ ‬كان‭ ‬يعتبر‭ ‬أن‭ ‬الخلود‭ ‬إلى‭ ‬النوم‭ ‬مضيعةٌ‭ ‬للوقت،‭ ‬حيث‭ ‬إنه‭ ‬ومن‭ ‬الأفضل‭ ‬استغلال‭ ‬ذلك‭ ‬الوقت‭ ‬للعمل‭ ‬وطلب‭ ‬العلم،‭ ‬وذكر‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الصدد‭ ‬في‭ ‬مُقدمته‭ ‬الشهيرة‭ ‬ما‭ ‬يأتي‭: ‬‮«‬نحن‭ ‬نُضيف‭ ‬ساعاتٍ‭ ‬إلى‭ ‬حياتنا‭ ‬‭ ‬فمن‭ ‬المؤكد‭ ‬أن‭ ‬كوننا‭ ‬على‭ ‬قيد‭ ‬الحياة‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬نكون‭ ‬مُستيقظين‮»‬،‭ ‬وبناءً‭ ‬على‭ ‬فكره‭ ‬فقد‭ ‬كان‭ ‬يخلد‭ ‬مُبكرًا‭ ‬إلى‭ ‬النوم‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬يستيقظ‭ ‬في‭ ‬مُنتصف‭ ‬الليل‭ ‬ليبدأ‭ ‬العمل‭ ‬على‭ ‬بحوثه،‭ ‬وفي‭ ‬الصباح‭ ‬الباكر‭ ‬يذهب‭ ‬لأداء‭ ‬مهامه‭ ‬الوظيفية‭.  ‬

والعديد‭ ‬من‭ ‬تلك‭ ‬التفاصيل‭ ‬التي‭ ‬أبرزت‭ ‬حرصه‭ ‬وعمله‭ ‬وشغفه‭ ‬الدؤوب‭ ‬في‭ ‬المُطالعة‭ ‬والمُثابرة‭ ‬قد‭ ‬رُصدت‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬ابن‭ ‬أخيه‭ ‬المُلقب‭ ‬بـ‭ ‬‮«‬بليني‭ ‬الصغير‮»‬،‭ ‬الذي‭ ‬ذكر‭ ‬بأن‭ ‬عمه‭ ‬كان‭ ‬يعتبر‭ ‬أمورًا‭ ‬مثل‭ ‬تناول‭ ‬وجبة‭ ‬الطعام‭ ‬أو‭ ‬السفر‭ ‬بقصد‭ ‬السياحة‭ ‬والترفيه‭ ‬مضيعةً‭ ‬للوقت،‭ ‬حتى‭ ‬أنه‭ ‬وعلى‭ ‬طاولة‭ ‬الطعام‭ ‬كان‭ ‬يطلب‭ ‬من‭ ‬أحد‭ ‬العاملين‭ ‬لديه‭ ‬قراءة‭ ‬كتابٍ‭ ‬له،‭ ‬وآخرٍ‭ ‬يقوم‭ ‬بتدوين‭ ‬مُلاحظاته‭ ‬الشفوية‭ ‬حول‭ ‬ما‭ ‬ورد‭ ‬في‭ ‬الكتاب‭ ‬المقروء‭ ‬ريثما‭ ‬يتناول‭ ‬وجبة‭ ‬الطعام‭!  ‬

ويذكر‭ ‬بليني‭ ‬الصغير‭ ‬أيضًا‭ ‬كيف‭ ‬كان‭ ‬عمه‭ ‬بليني‭ ‬الأكبر‭ ‬يوبخه‭ ‬عندما‭ ‬كان‭ ‬يعتزم‭ ‬المشي‭ ‬لساعاتٍ‭ ‬طوال،‭ ‬مُعتبرًا‭ ‬الفعل‭ ‬مضيعةً‭ ‬للوقت،‭ ‬وأن‭ ‬عليه‭ ‬بدلًا‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬يركب‭ ‬كُرسيًا‭ ‬محمولًا‭ ‬على‭ ‬أكتاف‭ ‬العاملين‭ ‬لديه‭ ‬ليتسنى‭ ‬له‭ ‬كسب‭ ‬الوقت‭ ‬للقراءة‭ ‬والمُطالعة‭!  ‬وليس‭ ‬من‭ ‬الغريب‭ ‬أن‭ ‬شخصيةً‭ ‬مثل‭ ‬بليني‭ ‬الأكبر‭ ‬لم‭ ‬يتزوج‭ ‬أو‭ ‬يكون‭ ‬قد‭ ‬أنجب‭ ‬أولادًا،‭ ‬حيث‭ ‬كان‭ ‬يرى‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬عائقًا‭ ‬نحو‭ ‬مساعيه‭ ‬لطلب‭ ‬العلم‭ ‬والمعرفة‭. ‬ويذكر‭ ‬بليني‭ ‬الصغير‭ ‬أنه‭ ‬ومن‭ ‬خلال‭ ‬نمط‭ ‬الحياة‭ ‬التي‭ ‬تبناها‭ ‬عمه‭ ‬فقد‭ ‬نجح‭ ‬في‭ ‬كتابة‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الكُتب‭ ‬والمدونات‭ ‬المُختلفة‭.‬

وتُمثل‭ ‬مسيرة‭ ‬بليني‭ ‬الأكبر‭ ‬مصدر‭ ‬إلهامٍ‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬حرصه‭ ‬على‭ ‬البحث‭ ‬والاستقصاء‭ ‬ومُثابرته‭ ‬على‭ ‬المعرفة‭ ‬للعديد‭ ‬من‭ ‬الباحثين‭ ‬للسير‭ ‬على‭ ‬خُطاه‭ ‬وتكريس‭ ‬جُل‭ ‬وقتهم‭ ‬لمُلاحقة‭ ‬شغفهم‭ ‬وتجويد‭ ‬نتاجهم‭ ‬العلمي‭ ‬بعملٍ‭ ‬تخلد‭ ‬ذكره‭ ‬للآلاف‭ ‬السنوات،‭ ‬مُحتذين‭ ‬حذو‭ ‬بليني‭ ‬الذي‭ ‬ما‭ ‬زال‭ ‬مصدرًا‭ ‬للباحثين‭ ‬عن‭ ‬تلك‭ ‬الحقبة‭ ‬من‭ ‬الزمن‭. ‬

لاقت‭ ‬موسوعة‭ ‬بليني‭ ‬الأكبر‭ ‬رواجًا‭ ‬كبيرًا‭ ‬لأكثر‭ ‬من‭ ‬1500‭ ‬عام،‭ ‬وقد‭ ‬تمت‭ ‬طباعتها‭ ‬على‭ ‬نطاقٍ‭ ‬واسعٍ‭ ‬بعد‭ ‬ظهور‭ ‬اختراع‭ ‬المُخترع‭ ‬الألماني‭ ‬يوهان‭ ‬غوتنبرغ‭ ‬الآلة‭ ‬الطباعة‭ ‬وانتشارها‭ ‬في‭ ‬أوروبا،‭ ‬وظلت‭ ‬الموسوعة‭ ‬مُتداولةٌ‭ ‬حتى‭ ‬قام‭ ‬الفرنسي‭ ‬دنيس‭ ‬ديدرو‭ ‬بنشر‭ ‬موسوعته‭ ‬في‭ ‬مُنتصف‭ ‬القرن‭ ‬الثامن‭ ‬عشر‭ ‬الميلادي،‭ ‬وهذه‭ ‬حكايةٌ‭ ‬أُخرى‭ ‬لمقالٍ‭ ‬آخر‭.  ‬

توفي‭ ‬بليني‭ ‬الأكبر‭ ‬على‭ ‬إثر‭ ‬ثوران‭ ‬جبل‭ ‬بُركان‭ ‬فيزوف‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬79م،‭ ‬حيث‭ ‬من‭ ‬الأرجح‭ ‬أن‭ ‬الفضول‭ ‬قد‭ ‬دفعه‭ ‬إلى‭ ‬التوجه‭ ‬لموقع‭ ‬الحدث‭ ‬للاطلاع،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬الأقدار‭ ‬شاءت‭ ‬بأن‭ ‬يتوفى‭ ‬بسبب‭ ‬الاختناق،‭ ‬وأن‭ ‬لا‭ ‬يتمكن‭ ‬من‭ ‬تدوين‭ ‬ما‭ ‬رآه‭ ‬في‭ ‬الحادثة،‭ ‬وتوفي‭ ‬عن‭ ‬عُمرٍ‭ ‬ناهز‭ ‬55‭ ‬عامًا،‭ ‬وبالرُغم‭ ‬من‭ ‬قصر‭ ‬عُمره‭ ‬فإن‭ ‬انتاجه‭ ‬ما‭ ‬زال‭ ‬حيًّا‭ ‬حتى‭ ‬وقتنا‭ ‬هذا‭.  ‬

إن‭ ‬مسار‭ ‬اللؤلؤ‭ ‬الذي‭ ‬تم‭ ‬تصنيفه‭ ‬ضمن‭ ‬أفضل‭ ‬مائة‭ ‬موقعٍ‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬للزيارة‭ ‬والاستكشاف‭ ‬يُمثل‭ ‬إطلالةً‭ ‬واسعةً‭ ‬على‭ ‬تاريخ‭ ‬مملكة‭ ‬البحرين‭ ‬المُمتد‭ ‬إلى‭ ‬التاريخ‭ ‬القديم،‭ ‬وما‭ ‬أنجزه‭ ‬بليني‭ ‬الأكبر‭ ‬في‭ ‬موسوعته‭ ‬وإشارته‭ ‬الى‭ ‬اللؤلؤ‭ ‬في‭ ‬تايلوس‭ ‬وثرواتها‭ ‬هو‭ ‬علامةٌ‭ ‬فارقةٌ‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬المنطقة‭ ‬باعتباره‭ ‬رائد‭ ‬زمانه‭ ‬في‭ ‬العلم‭ ‬والمعرفة‭.‬

 

{‭  ‬المدير‭ ‬التنفيذي‭ ‬لمركز‭ ‬البحرين‭ ‬للدراسات‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬والدولية‭ ‬والطاقة‭ ‬‮«‬دراسات‮»‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا