منذ بداية الحرب في أوكرانيا كان تدخل أمريكا ومعها بقية دول الحلف الأطلسي الأوروبية شديد الوضوح، شديد السخاء، وشديد الإصرار على إلحاق هزيمة تامة وكاملة «بالمعتدي الروسي».
ومنذ البداية كان الدعم الأمريكي العملي والواقعي المباشر واسع التنوع في كل المجالات وأولها التسليح.
وكان، وما زال، التأييد والتشجيع والدعم الأمريكي قائماً. ومازال الضغط الأمريكي على دول حلف «الناتو» وغيرها من الدول الأوروبية قائماً للدخول المباشر والانخراط في مجريات الحرب اليومية والتنسيق في كل تفاصيلها، وعلى مستويات عالية ومتنوعة من الدعم والتنسيق وعلى جميع الصعد السياسية والعسكرية والأمنية والاقتصادية.
في أساس الموقف الأمريكي ومعه دول «الناتو» الأوروبية، ضرورة إلحاق هزيمة عسكرية بالدولة الروسية بما يمكن توظيفه لإسقاط صفتها وكونها أحد القطبين العالميين على المستوى الدولي الى جانب الولايات المتحدة، وبحيث تنفرد الأخيرة (الولايات المتحدة) بصفة القطب العالمي الأوحد.
هذه الخلفية والأساس تشكل مقوماً مهماً وأساسياً في الموقف الأمريكي ومعه الأوروبي الأطلسي في عدم المبادرة إلى التقدم بأي مشروع حل، ولا الدفع بأي من أصدقائهم للتقدم بمثل هذا المشروع. ويترافق أيضاً مع عدم التشجيع ولا التجاوب مع أي مقترحات أو حتى أفكار أولية لصالح الحل التفاوضي تأتي من أي جهة أو دولة.
كما يصل إلى فتح معارك مكملة في ميادين غير عسكرية ولكنها مؤثرة وفاعلة، مثل المعارك الاقتصادية والتمويلية والبنكية والتجارية وحتى الثقافية والرياضية والفنية.
وبالمقابل، وفي الفترات الأخيرة بدأت الصين تفرض وجودها على المستوى الدولي كبلد أساسي لا يمكن تجاهله ولا تجاهل تأثيره ودوره، ليس فقط على مستوى محيطه الجغرافي ولكن على المستوى العالمي، وخصوصاً أن فرض الوجود هذا لا يرجع فقط إلى عامل قوة الصين العسكرية، ولا إلى التحالفات أو المساعدات التي تقدمها ويقوم فرض وجودها على أساسها، وإنما يبدأ الوجود أولاً في التطور والانفتاح الذي تشهده دولة الصين نفسها مقترناً ومنسجماً مع تطور وتقدم اقتصادي لافت، ومقترناً أيضاً مع الاتساع في دور الصين ونجاحها في فرض حضور واسع ومؤثر لها من باب السياسة النشطة والمتوازنة، ومن باب التعاون والتبادل الاقتصادي والتجاري العادل والمنصف مع عدد واسع من دول العالم وبالذات في إفريقيا.
وقد عبر ذلك عن نفسه في حضور قوي للصين عبر تعاون تجاري استثماري في مشاريع استثمارية ثابتة وطويلة الأجل تراعي حاجة تلك البلاد إليها، ويقبل أهلها وحكوماتها بالتعاون معها بالترحيب بها.
كل هذا وغيره ما فرض للصين حضوراً قوياً وثقلاً مؤثراً على المستوى الدولي، ولم يعد بمستطاع دول العالم تجاهل هذا الحضور وتجاوزه.
وقد اعتبرت استراتيجية الأمن القومي الأمريكية الصادرة عن الرئيس جو بايدن، الصين مصدر تهديد للنظام العالمي الحالي أكبر من موسكو.
في هذا الوضع بدأ ويستمر الحديث والتعاطي عن دور للصين في الأزمة الأوكرانية. ويأخذ هذا الحديث والتعاطي أكثر من تعبير وأكثر من شكل معتمداً بدرجة عالية على الدور الذي يرجوه هذا الطرف او ذاك من وراء حديثه.
وتصل الأمور لدى بعض توابع الطرف الأمريكي إلى درجة الاتهام للصين بأنها أقرب في رؤيتها ومواقفها إلى الطرف الروسي، ويصل التطرف إلى حد الحديث عن تحالف روسي صيني في التعامل مع هذا الأمر. كما تصل إلى درجة الحديث عن مبادرة صينية لمعالجة الأزمة الأوكرانية وأنها مبادرة أقرب إلى الطرف الروسي.
لكن شيئاً من هذا لم يحصل في أرض الواقع ولا ظهرت أي من تعبيراته وتفاصيله المحددة.
بالمحصلة وحتى الآن، فإن الأزمة والصراع الدموي القائم والمستمر حول أوكرانيا وبعض مقاطعاتها بشكل خاص مازال مستمراً، ومازالت عناوين الصراع هي ذاتها ومازال الوضع العام بعيداً عن الحسم لصالح أي طرف، ومازال التدخل الصيني مطلوباً بمبادرة تملك إمكانية قبول أفضل وأكثر من غيرها.
ومازال ثقل الوزن الصيني في توازنات القوى العالمية إلى تزايد باتجاه واحتمال أن تفرض الصين نفسها كقطب عالمي ثالث على قدم المساواة مع أمريكا ومع روسيا وفي توازن بينهما يصعب تجاوزه وتخطيه.
{ كاتب من فلسطين
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك