العدد : ١٧٠٧٨ - الأربعاء ٢٥ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٤ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٧٨ - الأربعاء ٢٥ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٤ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

هوامش

عبدالله الأيوبي

ayoobi99@gmail.com

لطمة سياسية إفريقية للسياسة «الإسرائيلية»

قبل‭ ‬عدة‭ ‬أسابيع‭ ‬مضت‭ ‬صوَّت‭ ‬برلمان‭ ‬جنوب‭ ‬أفريقيا‭ ‬على‭ ‬مشروع‭ ‬قرار‭ ‬تقدم‭ ‬به‭ ‬حزب‭ ‬الحرية‭ ‬الوطني،‭ ‬خفضت‭ ‬جمهورية‭ ‬جنوب‭ ‬أفريقيا‭ ‬مستوى‭ ‬العلاقات‭ ‬الدبلوماسية‭ ‬مع‭ ‬‮«‬إسرائيل‮»‬‭ ‬من‭ ‬مستوى‭ ‬سفارة‭ ‬إلى‭ ‬مكتب‭ ‬اتصال،‭ ‬والقرار‭ ‬يأتي‭ ‬تنفيذا‭ ‬لقرار‭ ‬سابق‭ ‬اتخذه‭ ‬حزب‭ ‬المؤتمر‭ ‬الوطني‭ ‬الأفريقي‭ ‬قبل‭ ‬نحو‭ ‬عام‭ ‬تقريبا‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الخصوص،‭ ‬تضامنا‭ ‬مع‭ ‬نضال‭ ‬الشعب‭ ‬العربي‭ ‬الفلسطيني،‭ ‬حيث‭ ‬أكدت‭ ‬وزيرة‭ ‬الخارجية‭ ‬الأفريقية‭ ‬لينديوي‭ ‬سيسولو‭ ‬أن‭ ‬بلادها‭ ‬لن‭ ‬تعين‭ ‬ممثلا‭ ‬في‭ ‬‮«‬إسرائيل‮»‬‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬سفير‭ ‬وستحتفظ‭ ‬بمكتب‭ ‬اتصال،‭ ‬فيما‭ ‬قال‭ ‬حزب‭ ‬الحرية‭ ‬الوطني‭ ‬بعد‭ ‬التصويت‭ ‬على‭ ‬المشروع‭ ‬أن‮ «‬هذه‭ ‬لحظة‭ ‬سيفخر‭ ‬بها‭ ‬نيلسون‭ ‬مانديلا‭ ‬الذي‭ ‬قال‭ ‬دائما‭ ‬إن‭ ‬حريتنا‭ ‬غير‭ ‬مكتملة‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬حرية‭ ‬الفلسطينيين‮»‬‭.‬

هذه‭ ‬الخطوة‭ ‬الدبلوماسية‭ ‬ذات‭ ‬المعنى‭ ‬والمغزى‭ ‬والبعد‭ ‬السياسي‭ ‬الكبير‭ ‬التي‭ ‬صدرت‭ ‬عن‭ ‬جمهورية‭ ‬جنوب‭ ‬أفريقيا،‭ ‬تعكس‭ ‬بدقة‭ ‬الموقف‭ ‬المبدئي‭ ‬لهذه‭ ‬الجمهورية‭ ‬الأفريقية‭ ‬التي‭ ‬دفع‭ ‬شعبها‭ ‬ثمنا‭ ‬باهظا‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬حريته‭ ‬ونيل‭ ‬استقلاله‭ ‬والتخلص‭ ‬من‭ ‬نظام‭ ‬الفصل‭ ‬العنصري‭ ‬‮«‬الأبارتهايد‮»‬،‭ ‬الموقف‭ ‬المبدئي‭ ‬من‭ ‬نضال‭ ‬الشعب‭ ‬العربي‭ ‬الفلسطيني‭ ‬الذي‭ ‬يعاني‭ ‬من‭ ‬نفس‭ ‬السياسة‭ ‬العنصرية‭ ‬التي‭ ‬عانى‭ ‬منها‭ ‬سكان‭ ‬جنوب‭ ‬أفريقيا‭ ‬السود،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬أكده‭ ‬حزب‭ ‬الحرية‭ ‬والعدالة‭ ‬صاحب‭ ‬المشروع‭ ‬حيث‭ ‬قال‭ ‬إن‭ ‬هذه‭ ‬الخطوة،‭ ‬أي‭ ‬خفض‭ ‬مستوى‭ ‬العلاقات‭ ‬الدبلوماسية،‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬الممكن‭ ‬أن‭ ‬تحظى‭ ‬بدعم‭ ‬رمز‭ ‬محاربة‭ ‬الفصل‭ ‬العنصري‭ (‬الأبارتهايد‭)‬،‭ ‬الراحل‭ ‬نيلسون‭ ‬مانديلا‭.‬

جمهورية‭ ‬جنوب‭ ‬أفريقيا‭ ‬سارعت‭ ‬إلى‭ ‬إقامة‭ ‬علاقات‭ ‬دبلوماسية‭ ‬رسمية‭ ‬مع‭ ‬فلسطين‭ ‬بعد‭ ‬عام‭ ‬واحد‭ ‬فقط‭ ‬من‭ ‬انتهاء‭ ‬نظام‭ ‬الفصل‭ ‬العنصري‭ ‬في‭ ‬الدولة‭ ‬الأفريقية‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1994،‭ ‬وبالتالي‭ ‬فإن‭ ‬هذه‭ ‬الخطوة‭ ‬الجديدة‭ ‬التي‭ ‬صدرت‭ ‬عن‭ ‬برلمان‭ ‬جنوب‭ ‬أفريقيا‭ ‬إنما‭ ‬تأتي‭ ‬انسجاما‭ ‬ومتماشية‭ ‬تماما‭ ‬مع‭ ‬الموقف‭ ‬المبدئي‭ ‬والثابت‭ ‬لدولة‭ ‬المناضل‭ ‬نيلسون‭ ‬مانديلا،‭ ‬وللعلم‭ ‬فقد‭ ‬سبق‭ ‬لهذه‭ ‬الجمهورية‭ ‬الأفريقية‭ ‬أن‭ ‬خفضت‭ ‬تمثيلها‭ ‬الدبلوماسي‭ ‬عام‭ ‬2019‭ ‬وسحبت‭ ‬سفيرها‭ ‬من‭ ‬‮«‬إسرائيل‮»‬،‭ ‬بسبب‭ ‬‮«‬الفظائع‭ ‬التي‭ ‬ترتكبها‭ ‬إسرائيل‭ ‬في‭ ‬حق‭ ‬الفلسطينيين‮»‬،‭ ‬كما‭ ‬جاء‭ ‬في‭ ‬البيان‭ ‬الذي‭ ‬تلا‭ ‬قرار‭ ‬التخفيض‭.‬

الشعب‭ ‬في‭ ‬جنوب‭ ‬أفريقيا‭ ‬عانى‭ ‬من‭ ‬سياسة‭ ‬الفصل‭ ‬العنصري‭ ‬ومن‭ ‬الاضطهاد‭ ‬والتنكيل‭ ‬والزج‭ ‬بأبنائه‭ ‬في‭ ‬غياهب‭ ‬سجون‭ ‬النظام‭ ‬العنصري‭ ‬البغيض‭ ‬الذي‭ ‬جثم‭ ‬على‭ ‬صدور‭ ‬أبنائه‭ ‬زهاء‭ ‬نصف‭ ‬قرن‭ (‬نظام‭ ‬الفصل‭ ‬أنشأه‭ ‬الحزب‭ ‬الوطني‭ ‬الذي‭ ‬سيطر‭ ‬على‭ ‬الحياة‭ ‬السياسية‭ ‬في‭ ‬البلاد‭ ‬من‭ ‬عام‭ ‬1948‭ ‬حتى‭ ‬1994‭)‬،‭ ‬وبالتالي‭ ‬من‭ ‬الطبيعي‭ ‬جدا‭ ‬أن‭ ‬تأتي‭ ‬مواقف‭ ‬حكومتهم‭ ‬داعمة‭ ‬ومؤيدة‭ ‬لنضال‭ ‬الشعب‭ ‬العربي‭ ‬الفلسطيني‭ ‬وهم‭ ‬يرونه‭ ‬يعاني‭ ‬من‭ ‬نفس‭ ‬السياسة‭ ‬العنصرية‭ ‬والاضطهاد‭ ‬السياسي‭ ‬الذي‭ ‬عانى‭ ‬منه‭ ‬شعب‭ ‬جنوب‭ ‬أفريقيا‭ ‬خلال‭ ‬سنوات‭ ‬نظام‭ ‬الفصل‭ ‬العنصري‭.‬

هناك‭ ‬عامل‭ ‬آخر‭ ‬له‭ ‬تأثير‭ ‬في‭ ‬سياسة‭ ‬حكومة‭ ‬جنوب‭ ‬أفريقيا‭ ‬والغالبية‭ ‬الساحقة‭ ‬من‭ ‬شعبها‭ ‬فيما‭ ‬يتعلق‭ ‬بالموقف‭ ‬من‭ ‬السياسة‭ ‬‮«‬الإسرائيلية‮»‬‭ ‬تجاه‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬والحقوق‭ ‬المشروعة‭ ‬للشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬بشكل‭ ‬عام،‭ ‬وهو‭ ‬أن‭ ‬نظام‭ ‬الفصل‭ ‬العنصري‭ ‬الذي‭ ‬جثم‭ ‬على‭ ‬صدورهم‭ ‬كان‭ ‬يتلقى‭ ‬الدعم‭ ‬من‭ ‬‮«‬إسرائيل‮»‬‭ ‬وهناك‭ ‬تحالف‭ ‬قوي‭ ‬بين‭ ‬النظامين،‭ ‬فليس‭ ‬من‭ ‬السهولة‭ ‬أن‭ ‬ينسى‭ ‬أو‭ ‬يتجاهل‭ ‬أبناء‭ ‬الجمهورية‭ ‬الأفريقية‭ ‬هذه‭ ‬المواقف‭ ‬العدوانية‭ ‬من‭ ‬جانب‭ ‬‮«‬إسرائيل‮»‬‭ ‬تجاههم‭ ‬وتجاه‭ ‬نضالهم‭ ‬ضد‭ ‬نظام‭ ‬الفصل‭ ‬العنصري‭ ‬في‭ ‬بلادهم‭.‬

فهناك‭ ‬قواسم‭ ‬مشتركة‭ ‬ومتشابهة‭ ‬بين‭ ‬الشعبين‭ ‬الفلسطيني‭ ‬وشعب‭ ‬جنوب‭ ‬أفريقيا،‭ ‬وكما‭ ‬يلتقي‭ ‬الشعبان‭ ‬في‭ ‬أهداف‭ ‬يسعون‭ ‬إلى‭ ‬تحقيقها‭ ‬من‭ ‬وراء‭ ‬نضالهم‭ ‬البطولي،‭ ‬فإن‭ ‬هناك‭ ‬صفات‭ ‬مشتركة‭ ‬بين‭ ‬سياسة‭ ‬نظام‭ ‬الفصل‭ ‬العنصري‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬قائما‭ ‬في‭ ‬جنوب‭ ‬أفريقيا‭ ‬تجاه‭ ‬سكان‭ ‬البلد‭ ‬الأفارقة،‭ ‬وسياسة‭ ‬‮«‬إسرائيل‮»‬‭ ‬تجاه‭ ‬أبناء‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬ونضالهم‭ ‬المشروع‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬استرداد‭ ‬حقوقهم‭ ‬المشروعة،‭ ‬وفي‭ ‬المقدمة‭ ‬منها‭ ‬حقهم‭ ‬في‭ ‬الحرية‭ ‬والاستقلال‭ ‬وإقامة‭ ‬دولتهم‭ ‬المستقلة‭ ‬أسوة‭ ‬بباقي‭ ‬شعوب‭ ‬المعمورة‭.‬

الشعب‭ ‬العربي‭ ‬الفلسطيني،‭ ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الظروف‭ ‬الصعبة،‭ ‬حيث‭ ‬اليمين‭ ‬العنصري‭ ‬المتطرف‭ ‬الحاكم‭ ‬في‭ ‬‮«‬إسرائيل‮»‬‭ ‬يقود‭ ‬حملة‭ ‬ممنهجة‭ ‬وشرسة‭ ‬لتصفية‭ ‬ما‭ ‬تبقى‭ ‬من‭ ‬حقوق‭ ‬فلسطينية‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬إفراغ‭ ‬المدن‭ ‬والقرى‭ ‬والتجمعات‭ ‬السكانية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬في‭ ‬الضفة‭ ‬الغربية‭ ‬المحتلة‭ ‬من‭ ‬أبنائها‭ ‬الشرعيين،‭ ‬عبر‭ ‬القضم‭ ‬التدريجي‭ ‬لأراضيهم‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬التوسع‭ ‬الاستيطاني‭ ‬وإقامة‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬المستوطنات‭ ‬فوق‭ ‬هذه‭ ‬الأراضي،‭ ‬في‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الظروف‭ ‬فإن‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬بحاجة‭ ‬ماسة‭ ‬إلى‭ ‬مواقف‭ ‬الدعم‭ ‬السياسية،‭ ‬فعلا‭ ‬وليس‭ ‬قولا،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬ذهبت‭ ‬إليه‭ ‬جمهورية‭ ‬جنوب‭ ‬أفريقيا‭.‬

إقرأ أيضا لـ"عبدالله الأيوبي"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا