العدد : ١٧٠٧٨ - الأربعاء ٢٥ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٤ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٧٨ - الأربعاء ٢٥ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٤ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

هوامش

عبدالله الأيوبي

ayoobi99@gmail.com

سوريا في طريقها إلى حضنها الطبيعي

في‭ ‬شهر‭ ‬فبراير‭ ‬الماضي‭ ‬وخلال‭ ‬مشاركته‭ ‬في‭ ‬مؤتمر‭ ‬الأمن‭ ‬الذي‭ ‬احتضنته‭ ‬مدينة‭ ‬ميونيخ‭ ‬الألمانية‭ ‬قال‭ ‬وزير‭ ‬الخارجية‭ ‬السعودي‭ ‬الأمير‭ ‬فيصل‭ ‬بن‭ ‬فرحان‭ ‬آل‭ ‬سعود‭: ‬‮«‬إن‭ ‬إجماعا‭ ‬بدأ‭ ‬يتشكل‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬العربي‭ ‬على‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬جدوى‭ ‬من‭ ‬عزل‭ ‬سوريا،‭ ‬وأن‭ ‬الحوار‭ ‬مع‭ ‬دمشق‭ ‬مطلوب‮»‬،‭ ‬قبل‭ ‬هذا‭ ‬التصريح‭ ‬الصادر‭ ‬عن‭ ‬وزير‭ ‬الخارجية‭ ‬السعودي،‭ ‬كان‭ ‬هناك‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬المؤشرات‭ ‬والقرائن،‭ ‬بل‭ ‬والأدلة،‭ ‬التي‭ ‬تؤكد‭ ‬أن‭ ‬الجمود،‭ ‬بل‭ ‬القطيعة،‭ ‬التي‭ ‬خيمت‭ ‬على‭ ‬علاقات‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬مع‭ ‬سوريا‭ ‬منذ‭ ‬اندلاع‭ ‬الأحداث‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬البلد‭ ‬العربي‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2011‭ ‬والتي‭ ‬تفجرت‭ ‬تزامنا‭ ‬مع‭ ‬ما‭ ‬شهدته‭ ‬بعض‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬من‭ ‬أحداث‭ ‬فيما‭ ‬يعرف‭ ‬بــ«الربيع‭ ‬العربي‮»‬،‭ ‬هذا‭ ‬الجمود‭ ‬تسارع‭ ‬في‭ ‬الذوبان‭ ‬في‭ ‬الآونة‭ ‬الأخيرة‭ ‬وأن‭ ‬مياه‭ ‬العلاقات‭ ‬العربية‭ ‬مع‭ ‬دمشق‭ ‬أخذت‭ ‬تعود‭ ‬إلى‭ ‬مجاريها‭ ‬الطبيعية‭.‬

من‭ ‬يتابع‭ ‬مسار‭ ‬العلاقات‭ ‬السورية‭ ‬وتطوره‭ ‬مع‭ ‬بعض‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬التي‭ ‬اتسمت‭ ‬علاقاتها‭ ‬مع‭ ‬دمشق‭ ‬بالجمود‭ ‬وأخرى‭ ‬بالقطيعة،‭ ‬يلاحظ‭ ‬أن‭ ‬عجلة‭ ‬تقارب‭ ‬علاقات‭ ‬هذه‭ ‬الدول‭ ‬مع‭ ‬سوريا‭ ‬أخذت‭ ‬في‭ ‬الدوران‭ ‬وبوتيرة‭ ‬أسرع‭ ‬مما‭ ‬كان‭ ‬متوقعا،‭ ‬فالعديد‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الدول‭ ‬أعادت‭ ‬علاقاتها‭ ‬كاملة‭ ‬مع‭ ‬دمشق‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬إعادة‭ ‬فتح‭ ‬سفاراتها‭ ‬في‭ ‬العاصمة‭ ‬السورية‭ ‬دمشق،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬الرئيس‭ ‬السوري‭ ‬بشار‭ ‬الأسد‭ ‬قام‭ ‬بعدة‭ ‬زيارات‭ ‬إلى‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬سلطنة‭ ‬عمان‭ ‬ودولة‭ ‬الإمارات‭ ‬العربية‭ ‬المتحدة،‭ ‬آخرها‭ ‬تلك‭ ‬التي‭ ‬تمت‭ ‬للعاصمة‭ ‬الإماراتية‭ ‬أبوظبي،‭ ‬مباشرة‭ ‬بعد‭ ‬انتهاء‭ ‬زيارته‭ ‬الرسمية‭ ‬إلى‭ ‬روسيا‭ ‬الاتحادية‭ ‬في‭ ‬منتصف‭ ‬مارس‭ ‬الجاري‭.‬

وكالة‭ ‬‮«‬سبوتنيك‮»‬‭ ‬الروسية‭ ‬نقلت‭ ‬عن‭ ‬مصادر‭ ‬لم‭ ‬تسمها‭ ‬تفيد‭ ‬بأن‭ ‬المملكة‭ ‬العربية‭ ‬السعودية‭ ‬ستستأنف‭ ‬العمل‭ ‬في‭ ‬قنصليتها‭ ‬بالعاصمة‭ ‬السورية‭ ‬دمشق،‭ ‬بعد‭ ‬عيد‭ ‬الفطر‭ ‬القادم،‭ ‬يسبقها‭ ‬زيارة‭ ‬يقوم‭ ‬بها‭ ‬وزير‭ ‬الخارجية‭ ‬السعودي‭ ‬إلى‭ ‬سوريا،‭ ‬مشيرة‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬وساطة‭ ‬روسية‭ ‬إماراتية‭ ‬أفضت‭ ‬إلى‭ ‬تذليل‭ ‬العقبات‭ ‬أمام‭ ‬البلدين‭ ‬العربيين،‭ ‬وبعيدا‭ ‬عن‭ ‬مدى‭ ‬صحة‭ ‬توقيت‭ ‬تبادل‭ ‬فتح‭ ‬المقرات‭ ‬الدبلوماسية‭ ‬للبلدين،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬تصريح‭ ‬وزير‭ ‬الخارجية‭ ‬السعودي‭ ‬سالف‭ ‬الذكر‭ ‬يؤكد‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬تحولا‭ ‬سياسيا‭ ‬يجري‭ ‬الآن‭ ‬وبسرعة‭ ‬بين‭ ‬الرياض‭ ‬ودمشق‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬لم‭ ‬يرق‭ ‬للولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬التي‭ ‬دعت‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬مرة‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬وغيرها‭ ‬إلى‭ ‬عدم‭ ‬التطبيع‭ ‬مع‭ ‬النظام‭ ‬في‭ ‬سوريا‭.‬

الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬لها‭ ‬حساباتها‭ ‬الخاصة‭ ‬بمصالحها‭ ‬الاستراتيجية،‭ ‬وهذه‭ ‬المصالح‭ ‬تقوم‭ ‬على‭ ‬دق‭ ‬الأسافين‭ ‬في‭ ‬العلاقات‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬بعضها‭ ‬البعض،‭ ‬فعزل‭ ‬سوريا‭ ‬عن‭ ‬محيطها‭ ‬العربي‭ ‬يخدم‭ ‬مصالح‭ ‬واشنطن‭ ‬وحليفها‭ ‬الإستراتيجي،‭ ‬أي‭ ‬‮«‬إسرائيل‮»‬‭ ‬فالشماعة‭ ‬التي‭ ‬تعلقها‭ ‬عليها‭ ‬واشنطن‭ ‬حججها‭ ‬تجاه‭ ‬سوريا،‭ ‬أي‭ ‬‮«‬حرية‭ ‬الشعب‭ ‬السوري‮»‬،‭ ‬هذه‭ ‬الشماعة‭ ‬انهارت‭ ‬تماما‭ ‬نتيجة‭ ‬دعم‭ ‬واشنطن‭ ‬لمشروع‭ ‬تدمير‭ ‬سوريا‭ ‬على‭ ‬أيدي‭ ‬الجماعات‭ ‬الإرهابية،‭ ‬ودعمها‭ ‬المطلق‭ ‬لسياسة‭ ‬سلطات‭ ‬الاحتلال‭ ‬‮«‬الإسرائيلي‮»‬‭ ‬ورفض‭ ‬هذه‭ ‬السلطات‭ ‬الاعتراف‭ ‬والإقرار‭ ‬بالحقوق‭ ‬المشروعة‭ ‬للشعب‭ ‬العربي‭ ‬الفلسطيني‭.‬

رغم‭ ‬مواقف‭ ‬واشنطن‭ ‬المناهضة‭ ‬لعودة‭ ‬سوريا‭ ‬إلى‭ ‬حضنها‭ ‬العربي،‭ ‬فإن‭ ‬العواصم‭ ‬العربية‭ ‬لم‭ ‬تكترث‭ ‬حتى‭ ‬الآن‭ ‬لهذا‭ ‬الموقف،‭ ‬فالدول‭ ‬العربية‭ ‬أدركت‭ ‬أن‭ ‬عزل‭ ‬سوريا‭ ‬ومقاطعتها‭ ‬لا‭ ‬يخدم‭ ‬المصالح‭ ‬العربية‭ ‬تماما،‭ ‬بل‭ ‬على‭ ‬العكس‭ ‬من‭ ‬ذلك،‭ ‬فإنه‭ ‬يصب‭ ‬في‭ ‬مصلحة‭ ‬سلطات‭ ‬الاحتلال‭ ‬‮«‬الإسرائيلي‮»‬‭ ‬بالدرجة‭ ‬الأولى‭ ‬ومصالح‭ ‬واشنطن‭ ‬أيضا،‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تنظر‭ ‬على‭ ‬الإطلاق‭ ‬إلى‭ ‬المصالح‭ ‬العربية،‭ ‬بل‭ ‬على‭ ‬العكس‭ ‬من‭ ‬ذلك،‭ ‬فإنها‭ ‬تسعى‭ ‬إلى‭ ‬تخريب‭ ‬هذه‭ ‬المصالح‭ ‬وتدمير‭ ‬دولنا‭ ‬واحدة‭ ‬تلو‭ ‬الأخرى،‭ ‬والأمثلة‭ ‬ساطعة‭ ‬أمامنا‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬وليبيا،‭ ‬وكذلك‭ ‬في‭ ‬سوريا‭ ‬أيضا‭.‬

ليس‭ ‬هناك‭ ‬من‭ ‬خيار‭ ‬عقلاني‭ ‬وسليم‭ ‬سوى‭ ‬الترحيب‭ ‬ودعم‭ ‬عودة‭ ‬سوريا‭ ‬إلى‭ ‬حضنها‭ ‬العربي،‭ ‬فعجلة‭ ‬التطبيع‭ ‬العربية‭ ‬مع‭ ‬دمشق‭ ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬هناك‭ ‬أسباب‭ ‬أو‭ ‬جدوى‭ ‬لإيقافها،‭ ‬فالمصالح‭ ‬العربية‭ ‬القومية‭ ‬تدعم‭ ‬هذا‭ ‬التوجه‭ ‬الصحيح‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬فيما‭ ‬يخص‭ ‬علاقاتها‭ ‬مع‭ ‬سوريا،‭ ‬فالشعب‭ ‬السوري‭ ‬الشقيق‭ ‬عانى‭ ‬من‭ ‬ويلات‭ ‬الحرب‭ ‬التي‭ ‬فرضت‭ ‬عليه‭ ‬والتي‭ ‬حولت‭ ‬بلاده‭ ‬إلى‭ ‬واحدة‭ ‬من‭ ‬أكبر‭ ‬ساحات‭ ‬الإرهاب‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬وعرضت‭ ‬السيادة‭ ‬السورية‭ ‬لخطر‭ ‬التمزيق‭ ‬الجيوسياسي‭ ‬والديموغرافي،‭ ‬وهذا‭ ‬إن‭ ‬تحقق،‭ ‬فإنه‭ ‬لن‭ ‬يخدم‭ ‬المصالح‭ ‬القومية‭ ‬العربية،‭ ‬بل‭ ‬ومن‭ ‬شأنه‭ ‬أن‭ ‬يعرض‭ ‬الأمن‭ ‬القومي‭ ‬العربي‭ ‬للخطر،‭ ‬وتجربة‭ ‬الغزو‭ ‬الأمريكي‭ ‬للعراق‭ ‬والتداعيات‭ ‬التي‭ ‬نجمت‭ ‬عنه‭ ‬تؤكد‭ ‬هذه‭ ‬الحقيقة‭.‬

المنطقة‭ ‬بشكل‭ ‬عام‭ ‬تشهد‭ ‬تحولات‭ ‬سياسية‭ ‬كبيرة،‭ ‬يأتي‭ ‬في‭ ‬مقدمتها‭ ‬الاتفاق‭ ‬السعودي‭ ‬الإيراني‭ ‬الذي‭ ‬تم‭ ‬برعاية‭ ‬جمهورية‭ ‬الصين‭ ‬الشعبية‭ ‬والذي‭ ‬أفضى‭ ‬إلى‭ ‬اتفاق‭ ‬الرياض‭ ‬وطهران‭ ‬على‭ ‬إعادة‭ ‬العلاقات‭ ‬الدبلوماسية‭ ‬بين‭ ‬البلدين‭ ‬في‭ ‬غضون‭ ‬شهرين،‭ ‬وبالتالي‭ ‬فإن‭ ‬تطبيع‭ ‬علاقات‭ ‬بعض‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬مع‭ ‬دمشق‭ ‬والدفع‭ ‬باتجاه‭ ‬عودتها‭ ‬إلى‭ ‬حضنها‭ ‬العربي،‭ ‬يأتي‭ ‬في‭ ‬سياق‭ ‬هذه‭ ‬التحولات،‭ ‬وهي‭ ‬بالطبع‭ ‬تحولات‭ ‬إيجابية‭ ‬تخدم‭ ‬مصالح‭ ‬جميع‭ ‬دول‭ ‬المنطقة‭ ‬وتغلق‭ ‬الأبواب‭ ‬أمام‭ ‬السياسات‭ ‬الانتهازية‭ ‬لقوى‭ ‬دولية‭ ‬وإقليمية‭ ‬تلعب‭ ‬على‭ ‬حبل‭ ‬الخلافات‭ ‬بين‭ ‬دول‭ ‬المنطقة‭ ‬وتستفيد‭ ‬منها‭ ‬أيضا‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬مصالح‭ ‬شعوبنا‭ ‬ودولنا‭.‬

إقرأ أيضا لـ"عبدالله الأيوبي"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا