العدد : ١٧٠٧٨ - الأربعاء ٢٥ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٤ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٧٨ - الأربعاء ٢٥ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٤ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

هوامش

عبدالله الأيوبي

ayoobi99@gmail.com

الحقوق التاريخية لا تخفيها جرائم الاغتصاب

لم‭ ‬تمض‭ ‬بعد‭ ‬عدة‭ ‬أسابيع‭ ‬فقط‭ ‬على‭ ‬التحريض‭ ‬على‭ ‬ارتكاب‭ ‬جريمة‭ ‬إبادة‭ ‬جماعية‭ ‬بحق‭ ‬سكان‭ ‬بلدة‭ ‬حوارة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬دعوته‭ ‬إلى‭ ‬محو‭ ‬القرية،‭ ‬حتى‭ ‬خرج‭ ‬وزير‭ ‬مالية‭ ‬سلطات‭ ‬الاحتلال‭ ‬‮«‬الإسرائيلي‮»‬‭ ‬بتسلئيل‭ ‬سموتريتش‭ ‬بتصريحات‭ ‬عنصرية‭ ‬بغيضة‭ ‬بحق‭ ‬الشعب‭ ‬العربي‭ ‬الفلسطيني‭ ‬عندما‭ ‬قال‭ ‬بعبارات‭ ‬عنصرية‭ ‬صريحة‭ ‬أنه‭ ‬‮«‬لا‭ ‬يوجد‭ ‬فلسطينيون‭ ‬لأنه‭ ‬لا‭ ‬يوجد‭ ‬شعب‭ ‬فلسطيني‮»‬،‭ ‬أطلق‭ ‬الوزير‭ ‬‮«‬الإسرائيلي‮»‬‭ ‬هذه‭ ‬الهرطقة‭ ‬العنصرية‭ ‬من‭ ‬عاصمة‭ ‬الدولة‭ ‬التي‭ ‬تجرم‭ ‬قوانينها‭ ‬الترويج‭ ‬لأي‭ ‬شكل‭ ‬من‭ ‬اشكال‭ ‬الأفكار‭ ‬العنصرية،‭ ‬أي‭ ‬فرنسا‭ ‬التي‭ ‬هي‭ ‬واحدة‭ ‬من‭ ‬عدة‭ ‬دول‭ ‬أوربية‭ ‬تجرم‭ ‬قوانينها‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الأفكار‭ ‬والدعوات‭ ‬التحريضية‭ ‬التي‭ ‬من‭ ‬شأنها‭ ‬أن‭ ‬تتسبب‭ ‬في‭ ‬ارتكاب‭ ‬جرائم‭ ‬ترقى‭ ‬إلى‭ ‬مصاف‭ ‬جرائم‭ ‬الإبادة‭ ‬الجماعية‭.‬

وجود‭ ‬الشعب‭ ‬العربي‭ ‬الفلسطيني‭ ‬وانتماءه‭ ‬للأرض‭ ‬التي‭ ‬عاش‭ ‬عليها‭ ‬منذ‭ ‬آلاف‭ ‬السنين‭ ‬ليس‭ ‬بحاجة‭ ‬إلى‭ ‬اعتراف‭ ‬من‭ ‬جاء‭ ‬من‭ ‬أصقاع‭ ‬مختلفة‭ ‬من‭ ‬المعمورة،‭ ‬فالشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬الذي‭ ‬قال‭ ‬الوزير‭ ‬‮«‬الإسرائيلي‮»‬‭ ‬إن‭ ‬العرب‭ ‬أوجدوه‭ ‬قبل‭ ‬مائة‭ ‬عام،‭ ‬متمسك‭ ‬بأرضه‭ ‬وبحقوقه‭ ‬التاريخية‭ ‬فيها‭ ‬رغم‭ ‬ما‭ ‬يتعرض‭ ‬له‭ ‬من‭ ‬تنكيل‭ ‬وجرائم‭ ‬قتل‭ ‬يومية،‭ ‬بهدف‭ ‬قطع‭ ‬جذوره‭ ‬الضاربة‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الأراض،‭ ‬رغم‭ ‬كل‭ ‬ذلك،‭ ‬فإن‭ ‬هذا‭ ‬الشعب‭ ‬أثبت‭ ‬أنه‭ ‬أقوى‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬تهزه‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الجرائم‭ ‬أن‭ ‬تحرفه‭ ‬عن‭ ‬الطريق‭ ‬التي‭ ‬اختارها‭ ‬دفاعا‭ ‬عن‭ ‬حقوقه‭ ‬وكرامته‭ ‬وانتماءه‭ ‬للأرض‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬تستطع‭ ‬كل‭ ‬محاولات‭ ‬التحريف‭ ‬التاريخية‭ ‬أن‭ ‬تغير‭ ‬حقائقها‭.‬

ليس‭ ‬مستغربا،‭ ‬ولم‭ ‬تكن‭ ‬هذه‭ ‬هي‭ ‬المرة‭ ‬الأولى‭ ‬ولن‭ ‬تكون‭ ‬الأخيرة،‭ ‬التي‭ ‬تصدر‭ ‬فيها‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬التصريحات‭ ‬من‭ ‬شخص‭ ‬تربى‭ ‬في‭ ‬كهنوت‭ ‬مدارس‭ ‬الفكر‭ ‬الاستئصالي‭ ‬المتطرف‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يرى‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬العالم‭ ‬سوى‭ ‬أبناء‭ ‬عجينته،‭ ‬فهم‭ ‬وحدهم‭ ‬الذين‭ ‬يستحقون‭ ‬الحياة،‭ ‬أما‭ ‬غيرهم‭ ‬فليسوا‭ ‬سوى‭ ‬كائنات‭ ‬حية‭ ‬هامشية،‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬المواقف‭ ‬والتصريحات‭ ‬العنصرية‭ ‬البغيضة‭ ‬لن‭ ‬تتوقف‭ ‬وسوف‭ ‬تستمر‭ ‬طالما‭ ‬استمر‭ ‬هذا‭ ‬الفكر‭ ‬الاجرامي‭ ‬دون‭ ‬ما‭ ‬أي‭ ‬محاسبة‭ ‬أو‭ ‬مساءلة‭ ‬من‭ ‬المجتمع‭ ‬الدولي‭ ‬الذي‭ ‬اكتفت‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬دوله‭ ‬بالتعبير‭ ‬عن‭ ‬‮«‬الأسف‮»‬‭ ‬على‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬التصريحات‭ ‬‮«‬غير‭ ‬المسؤولة‮»‬‭.‬

لم‭ ‬يكتف‭ ‬الوزير‭ ‬‮«‬الإسرائيلي‮»‬‭ ‬بهرطقة‭ ‬إنكار‭ ‬وجود‭ ‬الشعب‭ ‬العربي‭ ‬الفلسطيني،‭ ‬بل‭ ‬تعدى‭ ‬على‭ ‬سيادة‭ ‬المملكة‭ ‬الأردنية‭ ‬الهاشمية‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬إنكاره‭ ‬حقيقة‭ ‬الوجود‭ ‬الجغرافي‭ ‬المستقل‭ ‬للمملكة‭ ‬الأردنية من‭ ‬خلال‭ ‬استخدامه‭ ‬واستشهاده‭ ‬بخريطة‭ ‬تضم‭ ‬حدود‭ ‬المملكة‭ ‬الأردنية‭ ‬وفلسطين‭ ‬على‭ ‬أنها‭ ‬الحدود‭ ‬الجغرافية‭ ‬الخاضعة‭ ‬للسيطرة‭ ‬السياسية‭ ‬والعسكرية‭ ‬لسلطات‭ ‬الاحتلال،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬دفع‭ ‬بمجلس‭ ‬النواب‭ ‬الأردني‭ ‬إلى‭ ‬التصويت‭ ‬بالأغلبية‭ ‬على‭ ‬قرار‭ ‬بطرد‭ ‬سفير‭ ‬سلطات‭ ‬الاحتلال‭ ‬من‭ ‬عمان،‭ ‬باعتبار‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬اقدم‭ ‬عليه‭ ‬الوزير‭ ‬‮«‬الإسرائيلي‮»‬،‭ ‬هو‭ ‬تعد‭ ‬سافر‭ ‬على‭ ‬السيادة‭ ‬الأردنية،‭ ‬وهذا‭ ‬هو‭ ‬ابسط‭ ‬ما‭ ‬يمكن‭ ‬اتخاذه‭ ‬إزاء‭ ‬هذا‭ ‬الاستهتار‭ ‬من‭ ‬جانب‭ ‬مسئولي‭ ‬سلطات‭ ‬الاحتلال‭. ‬

‮«‬من‭ ‬أمن‭ ‬العقوبة‭ ‬أساء‭ ‬الأدب‮»‬،‭ ‬هذا‭ ‬المسئول‭ ‬وأمثاله‭ ‬كثيرون‭ ‬الذين‭ ‬هم‭ ‬الآن‭ ‬يقودون‭ ‬سياسة‭ ‬سلطات‭ ‬الاحتلال‭ ‬‮«‬الإسرائيلي‮»‬،‭ ‬على‭ ‬قناعة‭ ‬تامة‭ ‬من‭ ‬أنهم‭ ‬فوق‭ ‬المساءلة‭ ‬والمحاسبة‭ ‬القانونية،‭ ‬ليس‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬الأجهزة‭ ‬القانونية‭ ‬والجنائية‭ ‬في‭ ‬كيانهم،‭ ‬وإنما‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬المؤسسات‭ ‬الدولية،‭ ‬وفي‭ ‬مقدمتها‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن‭ ‬الدولي‭ ‬المنوط‭ ‬به‭ ‬فرض‭ ‬المساءلة‭ ‬والمحاسبة‭ ‬على‭ ‬الانتهاكات‭ ‬التي‭ ‬يتعرض‭ ‬لها‭ ‬القانون‭ ‬الدولي‭ ‬والجرائم‭ ‬التي‭ ‬ترتكب‭ ‬بحق‭ ‬الشعوب‭ ‬والجماعات،‭ ‬وكذلك‭ ‬المحكمة‭ ‬الجنائية‭ ‬الدولية‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬يجف‭ ‬بعد،‭ ‬حبر‭ ‬مذكرتها‭ ‬بشأن‭ ‬توقيف‭ ‬الرئيس‭ ‬الروسي‭ ‬فلاديمير‭ ‬بوتين،‭ ‬لكن‭ ‬هذه‭ ‬المؤسسات‭ ‬الدولية‭ ‬مشلولة‭ ‬تماما‭ ‬فيما‭ ‬يخص‭ ‬أي‭ ‬إجراء‭ ‬مطلوب‭ ‬اتخاذه‭ ‬تجاه‭ ‬الكيان‭ ‬وأي‭ ‬من‭ ‬قادته،‭ ‬والسبب‭ ‬الوحيد‭ ‬هو‭ ‬فيتو‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬وحلفائها‭ ‬الغربيين‭.‬

ما‭ ‬أطلقه‭ ‬الوزير‭ ‬‮«‬الإسرائيلي‮»‬‭ ‬من‭ ‬دعوات‭ ‬عنصرية‭ ‬ومن‭ ‬تحريض‭ ‬مباشر‭ ‬على‭ ‬ارتكاب‭ ‬جريمة‭ ‬الإبادة‭ ‬الجماعية،‭ ‬لا‭ ‬يجب‭ ‬الاكتفاء‭ ‬باستنكاره‭ ‬أو‭ ‬التعبير‭ ‬عن‭ ‬‮«‬الامتعاض‮»‬‭ ‬وعدم‭ ‬قبول‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬المواقف‭ ‬‮«‬غير‭ ‬المسؤولة‮»‬،‭ ‬فهذه‭ ‬المواقف‭ ‬والتصريحات‭ ‬لم‭ ‬تصدر‭ ‬عن‭ ‬شخص‭ ‬عادي،‭ ‬وإنما‭ ‬صدرت‭ ‬عن‭ ‬عضو‭ ‬من‭ ‬أعضاء‭ ‬حكومة‭ ‬تمتلك‭ ‬علاقات‭ ‬واتصالات‭ ‬مع‭ ‬دول‭ ‬كثيرة‭ ‬في‭ ‬العالم،‭ ‬وفي‭ ‬مقدمتها‭ ‬الدول‭ ‬التي‭ ‬تتشدق‭ ‬بمحاربة‭ ‬الأفكار‭ ‬المتطرفة‭ ‬والنزعات‭ ‬العنصرية‭ ‬والاستئصالية،‭ ‬وليس‭ ‬مقبولا‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الدول‭ ‬أن‭ ‬تلوذ‭ ‬بما‭ ‬يشبه‭ ‬الصمت‭ ‬إزاء‭ ‬ما‭ ‬صدر‭ ‬عن‭ ‬الوزير‭ ‬‮«‬الإسرائيلي‮»‬‭ ‬من‭ ‬تصريحات‭ ‬ودعوات‭ ‬إجرامية‭.‬

إقرأ أيضا لـ"عبدالله الأيوبي"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا