العدد : ١٧٠٧٨ - الأربعاء ٢٥ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٤ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٧٨ - الأربعاء ٢٥ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٤ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

هوامش

عبدالله الأيوبي

ayoobi99@gmail.com

الإسراف العشوائي سلوك أم عادة؟

مع‭ ‬حلول‭ ‬شهر‭ ‬رمضان‭ ‬المبارك‭ ‬ومع‭ ‬كل‭ ‬استقبال‭ ‬وإحياء‭ ‬للعديد‭ ‬من‭ ‬المناسبات‭ ‬الدينية‭ ‬أو‭ ‬الاجتماعية‭ ‬الكبيرة،‭ ‬يدور‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬أهمية‭ ‬مراعاة‭ ‬الجانب‭ ‬الاستهلاكي‭ ‬الرزين‭ ‬والابتعاد‭ ‬عن‭ ‬حالة‭ ‬الإسراف‭ ‬التي‭ ‬تحولت‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬يشبه‭ ‬الظاهرة‭ ‬الاستهلاكية‭ ‬الضارة‭ ‬التي‭ ‬تلازم‭ ‬التعامل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬والأسري‭ ‬مع‭ ‬استقبال‭ ‬وإحياء‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬المناسبات‭ ‬السنوية،‭ ‬ورغم‭ ‬التطور‭ ‬والتحول‭ ‬النوعي‭ ‬في‭ ‬الوعي‭ ‬الاستهلاكي‭ ‬الفردي‭ ‬والأسري‭ ‬والمجتمعي،‭ ‬فإن‭ ‬درجة‭ ‬الإسراف‭ ‬في‭ ‬عملية‭ ‬الشراء‭ ‬والاستهلاك،‭ ‬الغذائي‭ ‬بالدرجة‭ ‬الأولى،‭ ‬تبقى‭ ‬مرتفعة‭ ‬وتنم‭ ‬عن‭ ‬أن‭ ‬الفرد‭ (‬الأسرة‭) ‬لم‭ ‬يتمكن‭ ‬بعد‭ ‬من‭ ‬ضبط‭ ‬هذه‭ ‬العادة‭ ‬السلبية‭ ‬في‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬احتياجاته‭ ‬الضرورية،‭ ‬بالآلية‭ ‬والطريقة‭ ‬التي‭ ‬تلبي‭ ‬الحاجة‭ ‬الحقيقية‭ ‬والابتعاد‭ ‬عن‭ ‬المظهرية‭ ‬في‭ ‬عملية‭ ‬الاستهلاك‭.‬

من‭ ‬المهم‭ ‬التنبيه‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬الاستهلاك‭ ‬غير‭ ‬المبرمج،‭ ‬أو‭ ‬بعبارة‭ ‬أصح،‭ ‬الإٍسراف‭ ‬في‭ ‬الاستهلاك‭ ‬المفرط،‭ ‬ليس‭ ‬مرتبطا‭ ‬باستقبال‭ ‬هذه‭ ‬المناسبة‭ ‬الدينية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬أو‭ ‬تلك،‭ ‬وإنما‭ ‬هو‭ ‬نتيجة‭ ‬لسلوك‭ ‬خاطئ‭ ‬يمارسه‭ ‬الفرد‭ (‬الأسرة‭ ‬والمجتمع‭) ‬بشكل‭ ‬شبه‭ ‬يومي،‭ ‬وهي‭ ‬إن‭ ‬صح‭ ‬التعبير،‭ ‬تعتبر‭ ‬عادة‭ ‬مجتمعية‭ ‬خاطئة‭ ‬تحتاج‭ ‬إلى‭ ‬جهود‭ ‬مختلفة‭ ‬لتغييرها،‭ ‬وهذه‭ ‬الجهود‭ ‬لا‭ ‬تقوم‭ ‬ولا‭ ‬تتوقف‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬التوعية‭ ‬العامة‭ ‬بخطأ‭ ‬هذه‭ ‬العادة،‭ ‬وإنما‭ ‬تعتمد‭ ‬بالدرجة‭ ‬الأولى‭ ‬على‭ ‬تحول‭ ‬نوعي‭ ‬في‭ ‬وعي‭ ‬الفرد‭ ‬ذاته،‭ ‬وبغض‭ ‬النظر‭ ‬سواء‭ ‬كان‭ ‬هذا‭ ‬الوعي‭ ‬ذاتيا،‭ ‬أي‭ ‬نتيجة‭ ‬تراكمات‭ ‬توعوية‭ ‬أو‭ ‬بسبب‭ ‬ظروف‭ ‬موضوعية‭ ‬تفرض‭ ‬على‭ ‬الفرد‭ (‬الأسرة‭) ‬اللجوء‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬يشبه‭ ‬التقنين‭ ‬في‭ ‬الاستهلاك‭.‬

قضية‭ ‬الاستهلاك‭ ‬الإسرافي‭ ‬تعاني‭ ‬منها‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬المجتمعات،‭ ‬والأمر‭ ‬لا‭ ‬يتعلق‭ ‬وليس‭ ‬مرتبطا‭ ‬بالحالة‭ ‬الاقتصادية‭ ‬أو‭ ‬على‭ ‬القدرة‭ ‬الشرائية‭ ‬للأسرة،‭ ‬فهناك‭ ‬مجتمعات‭ ‬تعاني‭ ‬من‭ ‬أوضاع‭ ‬اقتصادية‭ ‬صعبة‭ ‬ومداخيل‭ ‬متدنية‭ ‬تضغط‭ ‬على‭ ‬قدراتها‭ ‬الشرائية‭ ‬وتضعفها،‭ ‬ومع‭ ‬ذلك‭ ‬نجد‭ ‬ظاهرة‭ ‬الإسراف‭ ‬الاستهلاكي‭ ‬شبه‭ ‬متفشية،‭ ‬بل‭ ‬متأصلة‭ ‬لديها،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬لا‭ ‬تجد‭ ‬لمثل‭ ‬هذه‭ ‬الظاهرة‭ ‬وجودا‭ ‬لدى‭ ‬مجتمعات‭ ‬متطورة‭ ‬اقتصاديا‭ ‬ويتمتع‭ ‬الفرد‭ ‬فيها‭ ‬بقدرات‭ ‬شرائية‭ ‬قوية‭ ‬نتيجة‭ ‬الدخول‭ ‬المرتفعة،‭ ‬وبالتالي‭ ‬لا‭ ‬يجب‭ ‬إرجاع‭ ‬ظاهرة‭ ‬الاستهلاك‭ ‬الإسرافي‭ ‬المنتشرة‭ ‬في‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬المجتمعات،‭ ‬ومنها‭ ‬المجتمع‭ ‬البحريني،‭ ‬إلى‭ ‬القدرات‭ ‬الشرائية‭ ‬للأفراد‭.‬

عادة‭ ‬ما‭ ‬يرتبط‭ ‬ارتفاع‭ ‬الأصوات‭ ‬المنادية‭ ‬بعدم‭ ‬الاسراف‭ ‬والابتعاد‭ ‬عن‭ ‬الاستهلاك‭ ‬العشوائي،‭ ‬مع‭ ‬قدوم‭ ‬المناسبات‭ ‬الدينية‭ ‬السنوية،‭ ‬وهذا‭ ‬ربما‭ ‬يعود‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬وتيرة‭ ‬الاستهلاك‭ ‬العشوائي‭ ‬خلال‭ ‬هذه‭ ‬المناسبات‭ ‬ترتفع‭ ‬بشكل‭ ‬غير‭ ‬طبيعي،‭ ‬ولكن‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬الواقع،‭ ‬فإن‭ ‬الاستهلاك‭ ‬غير‭ ‬المنظم‭ ‬والعشوائي‭ ‬يمارس‭ ‬بشكل‭ ‬شبه‭ ‬يومي‭ ‬من‭ ‬الغالبية‭ ‬العظمى‭ ‬من‭ ‬الأسر،‭ ‬والأمر‭ ‬هنا‭ ‬لا‭ ‬يتعلق‭ ‬فقط‭ ‬بالإسراف‭ ‬الغذائي‭ ‬المفرط،‭ ‬وإنما‭ ‬بالكماليات‭ ‬أيضا،‭ ‬حيث‭ ‬نجد‭ ‬تهافتا‭ ‬متواصلا‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬جديد‭ ‬يطرح‭ ‬في‭ ‬الأسواق،‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬النظر‭ ‬إلى‭ ‬مدى‭ ‬حاجة‭ ‬الفرد‭ ‬إلى‭ ‬هذا‭ ‬الجديد،‭ ‬أو‭ ‬ما‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬‮«‬القديم‮»‬‭ ‬الموجود‭ ‬بين‭ ‬يديه‭ ‬يؤدي‭ ‬نفس‭ ‬الغرض‭ ‬ويسد‭ ‬الحاجة‭.‬

معالجة‭ ‬هذه‭ ‬الظاهرة،‭ ‬التي‭ ‬تعتبر‭ ‬بكل‭ ‬المقاييس‭ ‬مكلفة‭ ‬ماديا‭ ‬ومضرة‭ ‬بيئيا،‭ ‬معالجتها‭ ‬تحتاج‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬يشبه‭ ‬التشذيب‭ ‬اليومي،‭ ‬يبدأ‭ ‬من‭ ‬الفرد‭ ‬ذاته،‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬إحداث‭ ‬تراكمات‭ ‬كمية‭ ‬ونوعية‭ ‬لتعزيز‭ ‬الوعي‭ ‬المجتمعي،‭ ‬بشكل‭ ‬عام،‭ ‬والوعي‭ ‬الفردي‭ ‬بشكل‭ ‬خاص،‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬التغلب‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬الظاهرة‭ ‬وعزلها‭ ‬نهائيا‭ ‬عن‭ ‬السلوك‭ ‬الاستهلاكي‭ ‬للفرد‭ ‬والأسرة‭ ‬بشكل‭ ‬عام،‭ ‬فهناك‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬العادات‭ ‬الخاطئة‭ ‬التي‭ ‬استطاعت‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬المجتمعات‭ ‬التخلص‭ ‬منها‭ ‬واجتثاثها،‭ ‬وبالتالي‭ ‬ليس‭ ‬من‭ ‬المستحيل‭ ‬إنجاز‭ ‬ذلك‭ ‬مع‭ ‬ظاهرة‭ ‬الاستهلاك‭ ‬الإسرافي‭ ‬العشوائي‭ ‬المنتشر‭ ‬في‭ ‬أوساط‭ ‬أفراد‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬المجتمعات،‭ ‬ونحن‭ ‬واحد‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬المجتمعات‭.‬

رئيس‭ ‬قسم‭ ‬الموارد‭ ‬الطبيعية‭ ‬والبيئة‭ ‬في‭ ‬كلية‭ ‬الدراسات‭ ‬العليا‭ ‬بجامعة‭ ‬الخليج‭ ‬العربي‭ ‬الدكتورة‭ ‬سمية‭ ‬يوسف‭ ‬قالت‭ ‬خلال‭ ‬مشاركتها‭ ‬في‭ ‬المؤتمر‭ ‬الخليجي‭ ‬السادس‭ ‬لكفاءة‭ ‬المختبرات،‭ ‬الذي‭ ‬نظمته‭ ‬هيئة‭ ‬التقييس‭ ‬لدول‭ ‬مجلس‭ ‬التعاون‭ ‬لدول‭ ‬الخليج‭ ‬العربية‭ ‬في‭ ‬العاصمة‭ ‬السعودية‭ ‬الرياض‭ ‬في‭ ‬شهر‭ ‬أكتوبر‭ ‬من‭ ‬العام‭ ‬الماضي،‭ ‬‮«‬إن‭ ‬دول‭ ‬الخليج‭ ‬من‭ ‬الأعلى‭ ‬عالمياً‭ ‬في‭ ‬نصيب‭ ‬الفرد‭ ‬سنوياً‭ ‬من‭ ‬إنتاج‭ ‬مخلفات‭ ‬الأغذية‮»‬،‭ ‬مشيرة‭ ‬إلى‭ ‬‮«‬أن‭ ‬دول‭ ‬المجلس‭ ‬تنتج‭ ‬حوالي‭ ‬95‭ ‬مليون‭ ‬طن‭ ‬من‭ ‬المخلفات‭ ‬سنويا‭ ‬يتم‭ ‬دفن‭ ‬87%‭ ‬منها‭ ‬في‭ ‬المرادم،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬تبلغ‭ ‬كمية‭ ‬مخلفات‭ ‬الغذاء‭ ‬منها‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬40‭ ‬مليون‭ ‬طن‭ ‬سنويا،‭ ‬حيث‭ ‬إن‭ ‬ثلث‭ ‬الطعام‭ ‬المعد‭ ‬للاستهلاك‭ ‬يتم‭ ‬هدره‭ ‬سنويا‮»‬‭.‬

هذه‭ ‬الأرقام‭ ‬الكبيرة‭ ‬تتحدث‭ ‬عن‭ ‬الجانب‭ ‬المتعلق‭ ‬بهدر‭ ‬المواد‭ ‬الغذائية،‭ ‬وهو‭ ‬الهدر‭ ‬الناجم،‭ ‬بكل‭ ‬تأكيد،‭ ‬عن‭ ‬الاستهلاك‭ ‬غير‭ ‬المنظم،‭ ‬أي‭ ‬العشوائي،‭ ‬ومن‭ ‬المؤكد‭ ‬أن‭ ‬الهدر‭ ‬لا‭ ‬ينحصر‭ ‬فقط‭ ‬في‭ ‬جانب‭ ‬المواد‭ ‬الغذائية،‭ ‬وإنما‭ ‬في‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬المواد‭ ‬الاستهلاكية،‭ ‬ومنها‭ ‬الكماليات،‭ ‬فالأرقام‭ ‬ستكون‭ ‬بكل‭ ‬تأكيد‭ ‬جدا‭ ‬مفزعة،‭ ‬هذا‭ ‬الواقع‭ ‬الخاطئ‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬من‭ ‬تغييره‭.‬

إقرأ أيضا لـ"عبدالله الأيوبي"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا