في إطار ما اعتبره «ستانلي ريد»، في صحيفة «نيويورك تايمز»، «جهدًا مضاعفا من جانب «أوبك بلس»، لتعديل إنتاجها، من أجل مواجهة تراجع أسعار النفط في سوق الطاقة العالمي؛ أعلنت «السعودية»، خفضا جديدا للإنتاج من جانب واحد، فيما وصفه وزيرها للطاقة، «الأمير عبد العزيز بن سلمان»، بأنه «هدية سعودية»؛ لتحقيق استقرار السوق وسط خلافات حول السياسة النفطية المستقبلية للمجموعة، الأمر الذي رأي المعلقون أنه يهدف إلى «دعم الأسعار لبقية العام»، قبيل ما وصفه «جيس كلارك»، في صحيفة «الجارديان»، بـ«تخمة في الإمدادات تلوح في الأفق».
وعقب اجتماعها الأخير في «فيينا»، أوائل يونيو 2023، تمت الإشارة إلى الانقسامات داخل هيكل «أوبك بلس»، من قبل المراقبين. وأوضح «ديفيد شيبرد»، و«توم ويلسون»، في صحيفة «فاينانشيال تايمز»، أن التجمع بات قضية «منقسمة»، بينما وصفته «بينوا فوكون» و«سمر سعيد»، في صحيفة «وول ستريت جورنال»، أنه «أحد أكثر اجتماعات الإنتاج إثارة للجدل خلال السنوات الأخيرة»، حيث انقسم الأعضاء حول أفضل السبل لحماية مصالحهم الاقتصادية المشتركة.
وكما كان الحال مع تخفيضات «أوبك بلس»، السابقة؛ من المتوقع أن يتبع قرار الخفض تصاعد في التوترات مع «الولايات المتحدة»، والاقتصادات الغربية الأخرى، بالنظر إلى تفضيل هؤلاء المستهلكين لتكاليف أقل، خاصةً وسط تحذيرات من حالة عدم اليقين الاقتصادي طويلة الأمد، وإجراء الانتخابات الرئاسية الأمريكية في نوفمبر 2024، ما من شأنه أن يزيد من احتمالية توتر العلاقات بين «واشنطن»، وشركائها الخليجيين.
ومنذ اندلاع «حرب أوكرانيا»، شرعت المجموعة في إجراء سلسلة من تخفيضات الإنتاج، كان أهمها في النصف الأخير من عام 2022. فيما وافقت على خفض إجمالي إنتاج النفط المشترك إلى 3.66 ملايين برميل يوميًا، وفقًا لأحدث اتفاقية في أبريل 2023، مع خفض 1.6 مليون برميل من السوق العالمية. وفي يونيو تم إعلان المزيد من التغييرات، وأبرزها نية السعودية، خفض إنتاجها بمقدار مليون برميل يوميًا، بدءًا من شهر يوليو.
وبالفعل، وصل إنتاج «الرياض»، اليومي إلى حوالي 9 ملايين برميل يوميًا. وكتب «جيمس تيتكومب»، في صحيفة «التليغراف»، أنه «قرار منفرد مفاجئ» من جانبها. ووفقًا لـ«جيوفاني ستونوفو»، من مجموعة «يو بي إس»، فإن التخفيض هو «بيان قوي وواضح»، عن رغبتها في إرساء «سوق آمن»، مع اعتبار مستويات الإنتاج المستقبلية، «منخفضة جدًا في سياق أننا لسنا في حالة ركود عالمي». وبالمثل، قدرت «هيليما كروفت»، من مصرف «ار بي سي كابيتال ماركتس»، أن استعداد «المملكة»، «لتحمل» تخفيضات أوبك للإنتاج «يزيد من مصداقية الخفض، ويشير إلى خروج إنتاج براميل من السوق».
وعلى النقيض من خفض السعودية إنتاجها للعام المقبل، ستزيد حصص الإنتاج للإمارات إلى 200 ألف برميل يوميًا حتى نهاية عام 2024، وفقًا لصحيفة «فاينانشيال تايمز». وفي حين تردد أعضاء أوبك الآخرين في احتمال خفض إنتاجهم، تماشيا مع قرار المملكة؛ فقد وافقوا في النهاية على تمديد شروط خفض الإنتاج المتفق عليه في أبريل من هذا العام حتى نهاية عام 2024، مع الإشارة إلى أن «الرياض»، هي واحدة من الدول القليلة التي لديها القدرة، سواء على تقليل الإنتاج أو الإبقاء على مستويات إنتاج قوية.
وفي ضوء هذه الديناميكيات، شدد المعلقون الغربيون على تأثير انخفاض الأسعار، واستمرار حالة عدم اليقين الاقتصادي العالمي، والرغبة القوية في استقرار سوق الطاقة الدولي. وأشار «ريد»، إلى أن «التشاؤم سيطر على سوق النفط في الأسابيع الأخيرة».
واستمرارًا، أوضحت «جيما ديمبسي»، من شبكة «بي بي سي»، أن اجتماع فيينا، «جاء في ظل انخفاض أسعار الطاقة». بينما وصلت أسعار النفط إلى ذروتها عند 125 دولارًا للبرميل خلال عام 2022، فيما انخفضت الأسعار بشكل مطرد منذ ذلك الحين. وفي «الولايات المتحدة»، انخفضت أسعار البنزين بنسبة 25% في العام الماضي، بينما في «المملكة المتحدة»، انخفض متوسط أسعار الديزل بمستوى قياسي في مايو 2023. وبحلول بداية يونيو 2023، انخفض السعر الدولي لخام برنت إلى حوالي 76 دولارًا للبرميل، أي أقل من سعر النفط عندما بدأت الحرب الأوكرانية في فبراير 2022.
وعليه، أشارت «ديمبسي»، إلى أن خفض الإنتاج، هو «محاولة لدعم الأسعار المتراجعة». وأضاف «سمير هاشمي»، من شبكة «بي بي سي»، أن القرار السعودي كان «غير متوقع، ولم يكن مفاجأة كبيرة»، وأنه من «الأهمية بمكان»، أن يظل سعر خام برنت فوق 80 دولارًا للبرميل «لتحقيق التعادل»؛ استنادًا إلى تقييم «صندوق النقد الدولي»، بأن المطلوب أن يصل سعر البرميل إلى 80.90 دولاراً للرياض للوفاء بالتزامات الإنفاق، وأهداف التنويع الاقتصادي.
علاوة على ذلك، تمت الإشارة أيضًا إلى الخلافات داخل «أوبك بلس». وذكر «تيتكومب»، أن «اجتماع فيينا»، كان «متوترًا»، و«شابه خلافات بين المجموعة»، لا سيما حول «الحصص»، ما ينفي خططها لإعلان خفض مليون برميل يوميًا لجميع الأعضاء.
وبالمثل، رأى «شيبرد»، و«ويلسون»، أن عملية خفض الإنتاج -كانت ولا زالت – «مثيرة للجدل»؛ لأن العديد من البلدان الإفريقية «قاومت في البداية الجهود المبذولة لمراجعة خطوط الأساس لديها، وهي مستويات إنتاج النفط التي يتم على أساسها حساب التخفيضات؛ «لأنها تعاني للوصول إلى أهدافها الحالية، و«كانت مترددة في إجراء تخفيضات أكبر». وأضاف «كلارك»، أنه في الاجتماع الأخير، انخرطت مجموعة من الدول بقيادة السعودية في سلسلة من «الاجتماعات الجانبية»، مع القادة الأفارقة، لا سيما قادة «نيجيريا»، و«أنجولا»؛ لإقناعهم بـ «تحقيق أهداف إنتاجية أكثر واقعية للظروف الاقتصادية المواتية».
بالإضافة إلى ذلك، أشارت «فوكون»، و«سعيد»، إلى تباين في وجهات النظر بين السعودية وروسيا، حيث «تضخ الأخيرة إمدادات هائلة من النفط الخام الأرخص في الأسواق العالمية»، وهو ما يقوض محاولات الأولى لتحقيق الاستقرار في الأسعار. ومع ذلك، فإنه مع موافقة «موسكو»، على تمديد تدابير خفض الإنتاج السابقة، - على الرغم من السياسات التنافسية الراهنة – فقد أظهرت «أوبك»، أنها «لا تزال موحدة»، حيث يتشارك أعضاؤها «هدفا واحدا»، هو «الحفاظ على توازن سوق النفط».
ومع ذلك، ورغم الاتفاقيات التي أبرمت خلال اجتماعات فيينا، فقد كتب «بن كاهيل»، من «مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية»، أن «أوبك+ بلس»، لا تزال «تواجه معضلة»، بشأن مصداقية روسيا في خفض الإنتاج، بما يتماشى مع رؤى الأعضاء الآخرين بالمنظمة، خاصة مع توقع «وكالة الطاقة الدولية»، «توازنات سوق أكثر إحكامًا وشحًا في النصف الثاني من العام الحالي»، ناهيك عن أن المزايا الإنتاجية التي تتسم بها «موسكو»، يمكن أن تثبط عزيمة منافسيها الآخرين في السوق، إزاء تدابير التخفيضات المقررة.
ومع إشارة «بوب مكنالي»، من «رابيديان إنرجي جروب»، إلى أن السوق «لم يتوقع القرار السعودي»، فإنه على المدى القصير، أدى إعلان ارتفاع أسعار النفط الخام على النحو المنشود. وفي رد فعل فوري على القرار، ارتفع سعر خام برنت بنسبة 2%، إلى ما يقرب من 78 دولارًا للبرميل. ويعد هذا أقل من الزيادة التي حدثت في أبريل 2023، والتي شهدت ارتفاعًا إلى 87 دولارًا للبرميل. وفي هذا السياق أوضح «كلارك»، أن «الأسعار تراجعت بسرعة، بعد ذلك تحت ضغط المخاوف بشأن معدلات النمو الاقتصادي العالمية، ومستوى الطلب». وفي غضون ذلك، ارتفع سعر خام غرب تكساس الوسيط بنسبة 4.6%.
ومع ذلك، فإنه على المدى الطويل، من غير الواضح إلى أي مدى قد يؤثر خفض الإنتاج في الأسعار العالمية، لا سيما في ضوء السوابق الأخيرة. وأشارت «ديمبسي»، إلى أن الجولة الأخيرة من تخفيضات «أوبك بلس»، في أبريل 2023، «أخفقت في تحقيق انتعاش مستقر»، لسعر النفط الخام. وأوضحت «فوكون»، و«سعيد»، أن أسعار النفط شهدت انخفاضًا بنسبة 20% منذ إعلان المجموعة لأول مرة خفض الإنتاج في أكتوبر 2022. وأكد «فيكتور كاتونا»، من شركة «كبلر»، أن «احتمالات رؤية سعر خام برنت أقل من 70 دولارًا للبرميل واردة، بصورة أكثر بكثير من التوقعات التي تترقب سوقا أقل توازناً»، لاسيما وأن رغبة مصدري الطاقة – بما في ذلك دول الخليج في زيادة أسعار النفط – تنبثق من تحقيق الاستقرار في أجنداتهم الاقتصادية.
علاوة على ذلك، فإنه مع إصرار وزير الطاقة السعودي، على أن «المملكة»، «ستفعل كل ما هو ضروري لتحقيق الاستقرار في السوق»، فقد أشار «مكنالي»، إلى أن قرارها الأخير، «يوضح مرة أخرى أنها مستعدة للعمل من جانب واحد؛ لتحقيق الاستقرار في أسعار النفط»؛ مع أن هذا الأمر «من المرجح أن يؤجج التوترات مع واشنطن»، التي كثيرا ما شجعت على زيادة الإنتاج، بلا قيود لإبقاء الأسعار منخفضة.
ومع تعليق «خورخي ليون»، من شركة «ريستاد إنيرجي»، بأن المستهلكين في «الولايات المتحدة»، يمكن أن يتوقعوا احتمالات شراء بنزين «أغلى بشكل هامشي»، قبيل الانتخابات الأمريكية القادمة؛ فمن المرجح أن يزداد الضغط السياسي على «بايدن»، لاتخاذ إجراء ما. وأشار «شيبرد»، و«ويلسون»، إلى أن «واشنطن»، «متفائلة»، بشأن معالجة مسألة تخفيضات إنتاج الطاقة المقررة مستقبلاً من «أوبك»؛ حيث من المقرر أن يزور وزير الخارجية الأمريكي، «أنتوني بلنكين»، المملكة قريبًا لإجراء مزيد من المناقشات، بشأن سياسة نفط متوازنة في إطار مناقشة أوسع لتعزيز «التعاون الاستراتيجي» بين البلدين.
وبشكل عام، يرى «تيتكومب»، أن تخفيضات منتجي النفط – السابقة والحالية والمستقبلية– «تهدد بإعادة إرتفاع التضخم في أنحاء بريطانيا وأوروبا»، وهناك احتمال أن تؤدي إلى التأثير على العلاقات بين الدول الغربية والخليج، والتي كانت قد ازدهرت في العام الماضي، مثل «المملكة المتحدة»، و«فرنسا»، و«ألمانيا»، و«الاتحاد الأوروبي» ككل، والتي أكدت وثيقة شراكته الاستراتيجية مع دول مجلس التعاون الخليجي في مايو 2022، أمن الطاقة، باعتباره «عنصرا رئيسيا»، لتعزيز العلاقات السياسية والاقتصادية المستقبلية.
على العموم، يعكس قرار خفض إنتاج «أوبك بلس» الأخير، «حجم التوقعات غير المؤكدة لمستوى الطلب على الوقود في الأشهر المقبلة»، لا سيما وسط مخاوف متزايدة بشأن مستقبل الاقتصاد العالمي، وكيف أن هذا يضع مزيدًا من الضغوط على مصدري الطاقة، ليكونوا أكثر قدرة على التعامل مع تغيرات السوق.
وعلى الرغم من أن الخبراء مثل «ستونوفو»، قد أشاروا إلى أن خفض السعودية الإنتاج بمقدار مليون برميل يوميًا، هو بيان «قوي»، يوضح صدق النوايا، التي تسعى إلى تحقيق استقرار أسعار السوق والحفاظ على سعر خام برنت فوق الـ80 دولارًا للبرميل؛ فإن هناك تعليقات تشكك في تأثير هذا القرار على الأسعار العالمية، خاصة وأن التوقعات بشأن مستقبل الاقتصاد العالمي، تشير إلى احتمالات انخفاض الطلب وانخفاض الأسعار في آن واحد.
وعليه، فإنه حتى حلول اجتماع «أوبك» القادم في فيينا، والمقرر له 26 نوفمبر 2023، ربما تكون قد تغيرت قواعد أسواق صادرات الطاقة ونفوذ مستهلكيها. وفي غضون ذلك، أشار «كاهيل»، إلى أن المجموعة يمكن أن تركز الجهود على حث «أعضائها على الامتثال بشكل أقوى – وفي مقدمتها روسيا – لسياسات إنتاج النفط المتفق عليها لحماية المصالح المشتركة لأعضائها».
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك