العدد : ١٦٩٨٩ - الجمعة ٢٧ سبتمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٤ ربيع الأول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٦٩٨٩ - الجمعة ٢٧ سبتمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٤ ربيع الأول ١٤٤٦هـ

الثقافي

قصة قصيرة : الفقاعات

بقلم: دينا بوخمسين

السبت ٠٩ سبتمبر ٢٠٢٣ - 02:00

يااااااه،‭ ‬دوائر‭ ‬جميلة،‭ ‬ملونة،‭ ‬فقاعات،‭ ‬وفقاعات‭ ‬بلورية‭ ‬زرقاء،‭ ‬صفراء،‭ ‬برتقالية‭ ‬كبيرة،‭ ‬متوسطة،‭ ‬صغيرة،‭ ‬لطالما‭ ‬كنت‭ ‬أجد‭ ‬متعتي‭ ‬في‭ ‬النفخ‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الحلقة‭ ‬الدائرية‭ ‬فتتشكل‭ ‬البالونات‭ ‬المدهشة‭.‬

أخيراً‭ ‬جاء‭ ‬يوم‭ ‬الإجازة‭ ‬الأسبوعي،‭ ‬لقد‭ ‬كان‭ ‬اسبوعاً‭ ‬طويلاً‭ ‬ومملاً‭.‬

عند‭ ‬الظهيرة،‭ ‬داهمني‭ ‬شعور‭ ‬جامح،‭ ‬دفعني‭ ‬بأن‭ ‬أفعل‭ ‬شيئاً‭ ‬ما،‭ ‬شيء‭ ‬غير‭ ‬اعتيادي،‭  ‬مضى‭ ‬الكثير‭ ‬والكثير‭ ‬من‭ ‬الوقت‭ ‬وأنا‭ ‬لم‭ ‬أفعل‭ ‬شيئا‭ ‬جديدا،‭ ‬الحيوية‭ ‬تأتي‭ ‬إلى‭ ‬المرء‭ ‬عندما‭ ‬يكون‭ ‬في‭ ‬إجازة‭ ‬عن‭ ‬العمل،‭ ‬إنها‭ ‬فرصته‭ ‬للاسترخاء‭ ‬والاستجمام‭.‬

اقتحمت‭ ‬المطبخ،‭ ‬كالطفل‭ ‬الذي‭ ‬يتتبع‭ ‬أمه‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬مكان‭ ‬تتواجد،‭ ‬وجدت‭ ‬زوجتي‭ ‬تطهي‭ ‬الحساء،‭ ‬ترتدي‭ ‬مريلة‭ ‬الطهي‭ ‬وتتولى‭ ‬تحريك‭ ‬الحساء‭ ‬بملعقة‭ ‬خشبية،‭ ‬كانت‭ ‬رائحة‭ ‬البروكلي‭ ‬تنبعث‭ ‬فتنعش‭ ‬الجو‭ ‬نسيماً‭ ‬خلاباً،‭  ‬قرأت‭ ‬في‭ ‬وجهها‭ ‬آثار‭ ‬التعب،‭ ‬أردت‭ ‬أقنع‭ ‬نفسي‭ ‬بأنني‭ ‬طاه‭ ‬ماهر،‭ ‬أخبرتها‭: ‬هل‭ ‬يمكنني‭ ‬المساعدة؟‭ ‬نعم‭. ‬عليك‭ ‬أن‭ ‬تتولى‭ ‬تحريك‭ ‬الحساء‭ ‬على‭ ‬مهل‭ ‬ريثما‭ ‬انتهي‭ ‬من‭ ‬تحضير‭ ‬طبق‭ ‬السلطة‭ ‬وبعض‭ ‬الأعمال‭ ‬المنزلية،‭ ‬لا‭ ‬تنسى‭ ‬أن‭ ‬تطفئ‭ ‬النار‭ ‬بعد‭ ‬5‭ ‬دقائق‭.‬

حسناً‭..‬

عندئذ،‭ ‬غادرت‭ ‬المطبخ‭.‬

بكل‭ ‬ما‭ ‬أوتيت‭ ‬من‭ ‬قوة‭ ‬وبحماس‭ ‬أخذت‭ ‬مكانها،‭ ‬كالطفل‭ ‬الذي‭ ‬كوفئ‭ ‬بقطعة‭ ‬من‭ ‬الشكولاته‭ ‬اللذيذة‭. ‬

حينها،‭ ‬ومن‭ ‬كل‭ ‬حدب‭ ‬وصوب‭ ‬تهافتت‭ ‬علي‭ ‬ذكريات‭ ‬الطفولة‭ ‬كما‭ ‬يتساقط‭ ‬المطر‭ ‬بغزارة‭ ‬على‭ ‬الأرض‭ ‬الجرداء‭ ‬فينعشها،‭ ‬فتألق‭ ‬مزاجي‭ ‬وتوردت‭ ‬وجنتاي،‭ ‬كأني‭ ‬على‭ ‬مشارف‭ ‬أن‭ ‬ألج‭ ‬حديقة‭ ‬غناءً‭ ‬ستستقبلني‭ ‬بأحضانها،‭ ‬وبورود‭ ‬اللافندر،‭ ‬والأوركيد‭ ‬ياااه‭ ‬لجمالها،‭ ‬وفي‭ ‬وسطها‭ ‬تنتصب‭ ‬شتى‭ ‬أنواع‭ ‬الألعاب‭ ‬الرائعة،‭ ‬عندها‭ ‬تذكرت‭ ‬طفولتي،‭ ‬نعم‭ ‬طفولتي،‭ ‬وتحديداً‭ ‬في‭ ‬مدرستي‭ ‬في‭ ‬درس‭ ‬العلوم،‭ ‬وما‭ ‬يصفونه‭ ‬لنا‭ ‬عن‭ ‬الأحياء‭ ‬البحرية؟‭ ‬وكيف‭ ‬تتغذى‭ ‬الكائنات‭ ‬فيها،‭ ‬شيئاً‭ ‬ما‭ ‬أوقفني‭ ‬عن‭ ‬خيالات‭ ‬لبرهة،‭ ‬رائحة‭ ‬غريبة‭ ‬بدأت‭ ‬تتسلل‭ ‬إلى‭ ‬أنفي‭ ‬تمتزج‭ ‬بشيء‭ ‬من‭ ‬الشياط‭ ‬أو‭ ‬شيء‭ ‬ينم‭ ‬عن‭ ‬التماس‭ ‬كهربائي،‭ ‬لكني‭ ‬لم‭ ‬أعر‭ ‬الأمر‭ ‬أية‭ ‬اهتمام،‭ ‬فالذكريات‭ ‬الجميلة‭ ‬لازالت‭ ‬تسيطر‭ ‬علي‭ ‬بنداوتها،‭ ‬كنت‭ ‬مستمراً‭ ‬في‭ ‬التقليب‭ ‬ورائحة‭ ‬الشياط‭ ‬تزداد‭ ‬وتزداد،‭ ‬حتى‭ ‬غمر‭ ‬الفضاء‭ ‬أمامي‭ ‬بهالة‭ ‬سوداء،‭ ‬غير‭ ‬مكترث‭ ‬أغمضت‭ ‬عيني‭ ‬لأغوص‭ ‬في‭ ‬ذكريات‭ ‬أخرى،‭ ‬كأن‭ ‬المكان‭ ‬كان‭ ‬بلا‭ ‬إضاءة،‭  ‬ساهماً‭ ‬مشدوهاً،‭ ‬وانا‭ ‬أتنقل‭ ‬من‭ ‬فكرة‭ ‬الى‭ ‬اخرى،‭ ‬وفجأة‭ ‬كانت‭ ‬هناك‭ ‬إضاءة‭ ‬خافتة،‭ ‬تصغر‭ ‬وفجأة‭ ‬تكبر‭ ‬وتلتهب‭!‬

لغط‭ ‬أقراني‭ ‬في‭ ‬المدرسة‭ ‬لازال‭ ‬يتردد‭ ‬في‭ ‬أذناي،‭ ‬كان‭ ‬يتزامن‭ ‬رنين‭ ‬جرس‭ ‬انتهاء‭ ‬الدوام‭ ‬المدرسي‭ ‬بسمفونية‭ ‬لازالت‭ ‬تتردد‭ ‬في‭ ‬مخيلتي،‭ ‬تبهرنا‭ ‬نحن‭ ‬الأطفال،‭ ‬خاصةً‭ ‬بعد‭ ‬يوم‭ ‬دراسي‭ ‬طويل‭ ‬كنا‭ ‬لا‭ ‬نحتمله‭.‬

قلبي‭ ‬الصغير‭ ‬لازال‭ ‬يرفرف،‭ ‬عندما‭ ‬تقترب‭ ‬موسيقى‭ ‬سيارة‭ ‬الآيسكريم‭ ‬منا،‭ ‬والشاب‭ ‬بزيه‭ ‬الأزرق‭ ‬السماوي‭ ‬ذي‭ ‬الخطوط‭ ‬الوردية‭ ‬التي‭ ‬تذكرني‭ ‬بنكهات‭ ‬الآيسكريم‭ ‬والقبعة‭ ‬ذات‭ ‬الألوان‭ ‬التي‭ ‬تتناسق‭ ‬مع‭ ‬ذلك‭ ‬الزي‭.‬

هالة‭ ‬من‭ ‬النار‭ ‬ترتفع،‭ ‬تذكرت‭ ‬الألعاب‭ ‬النارية،‭ ‬كنا‭ ‬نذهب‭ ‬لمشاهدتها‭ ‬أيام‭ ‬احتفالات‭ ‬البلاد‭ ‬باليوم‭ ‬الوطني‭.‬

كانت‭ ‬الحشود‭ ‬تستأنس،‭ ‬وتصفر‭ ‬كلما‭ ‬كانت‭ ‬هيئة‭ ‬النار‭ ‬تتمثل‭ ‬في‭ ‬شكل‭ ‬مميز،‭ ‬باقة‭ ‬ورود،‭ ‬صورة‭ ‬لرئيس‭ ‬البلدة،‭ ‬وبعض‭ ‬الشخصيات‭ ‬المرموقة‭.‬

كنت‭ ‬أندهش‭ ‬حينها،‭ ‬وأكون‭ ‬منبهراً‭ ‬أشد‭ ‬انبهار‭.‬

حينها‭ ‬كنت‭ ‬أقف‭ ‬مع‭ ‬أختي‭ ‬ونتنافس‭ ‬في‭ ‬نفخ‭ ‬فقاعات‭ ‬الصابون‭ ‬بألوانها‭ ‬الرائعة،‭ ‬وتزداد‭ ‬ضحكاتنا‭ ‬وصياحنا،‭ ‬هههه‭.‬

فتحتُ‭ ‬عيناي،‭ ‬وأنا‭ ‬مازلت‭ ‬أنفخ‭ ‬في‭ ‬الفقاعات،‭ ‬ياااه‭ ‬أخيراً‭ ‬عادت‭ ‬الأنوار‭ ‬لتملاً‭ ‬المطبخ‭ ‬أكثر‭ ‬وأكثر،‭ ‬كنت‭ ‬مندهشاً‭ ‬ومبتسماً،‭ ‬اشحت‭ ‬بوجهي،‭ ‬لأرى‭ ‬دخانا‭ ‬وحريقا‭ ‬يلتهم‭ ‬المنزل‭ ‬المجاور‭.‬

سيارات‭ ‬الإطفاء،‭ ‬أبواق‭ ‬السيارات،‭ ‬حشود‭ ‬الناس‭ ‬المجتمعة،‭ ‬لغط‭ ‬العابرين‭.‬

وأنا‭ ‬مازلت‭ ‬أحرك‭ ‬قدح‭ ‬الحساء،‭ ‬أرى‭ ‬الجمع‭ ‬من‭ ‬حولي‭ ‬وانا‭ ‬مستمر‭ ‬في‭ ‬تأملاتي‭.‬

نظرت‭ ‬إلى‭ ‬القدر‭ ‬كانت‭ ‬النار‭ ‬مطفأة،‭ ‬هههه،‭ ‬لقد‭ ‬نسيت‭ ‬زوجتي‭ ‬أن‭ ‬تشعل‭ ‬النار‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا