العدد : ١٧٠٨٠ - الجمعة ٢٧ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٦ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٨٠ - الجمعة ٢٧ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٦ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

الثقافي

ربّان المسرح الخليجي وداعا..

د. إبراهيم غلوم في إحدى مؤتمرات التحكيم الخليجي.

بقلم: الدكتور عباس حسن

السبت ٣٠ سبتمبر ٢٠٢٣ - 02:00

القصاب‭ (‬تلميذ‭ ‬الراحل‭ ‬العزيز‭)‬

فقدت‭ ‬الساحة‭ ‬الأدبية‭ ‬العربية‭ ‬يوم‭ ‬أمس‭ ‬علما‭ ‬من‭ ‬أعلامها‭ ‬الكبار،‭ ‬وقامة‭ ‬من‭ ‬القامات‭ ‬السامقة‭ ‬في‭ ‬النقد‭ ‬العربي‭ ‬الحديث،‭ ‬وهو‭ ‬المرحوم‭ ‬فقيدنا‭ ‬الغالي‭ ‬أستاذنا‭ ‬الدكتور‭ ‬إبراهيم‭ ‬عبدالله‭ ‬غلوم‭ ‬الذي‭ ‬أثرى‭ ‬المكتبة‭ ‬العربية‭ ‬الأدبية‭ ‬والإبداعية‭ ‬والفكرية‭ ‬والثقافية‭ ‬بعدد‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬المؤلفات‭ ‬والمصنفات‭ ‬والدراسات‭ ‬العلمية‭ ‬الأكاديمية‭ ‬الرصينة‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬غنى‭ ‬لأي‭ ‬باحث‭ ‬عنها،‭ ‬وتعد‭ ‬من‭ ‬أهم‭ ‬المصادر‭ ‬والمراجع‭ ‬العربية‭ ‬التي‭ ‬تناولت‭ ‬القضايا‭ ‬الأدبية‭ ‬والفكرية‭ ‬بعمق‭ ‬الفكر‭ ‬واتساع‭ ‬الدراية‭ ‬وغزر‭ ‬الثقافة‭.‬

داخل‭ ‬أسوار‭ ‬الجامعة

لقد‭ ‬كان‭ ‬أحد‭ ‬أهم‭ ‬أساتذة‭ ‬الأدب‭ ‬العربي‭ ‬في‭ ‬جامعة‭ ‬البحرين‭ ‬العتيدة،‭ ‬فقد‭ ‬كان‭ ‬أستاذا‭ ‬أكاديميا‭ ‬رزينا‭ ‬بما‭ ‬للمعنى‭ ‬من‭ ‬كلمة،‭ ‬يتميز‭ ‬بالهدوء‭ ‬التام،‭ ‬والتفكير‭ ‬العميق‭ ‬في‭ ‬محاضراته،‭ ‬ويحرص‭ ‬كل‭ ‬الحرص‭ ‬على‭ ‬طرح‭ ‬المادة‭ ‬بأسلوب‭ ‬علمي‭ ‬راق،‭ ‬يجذب‭ ‬فيه‭ ‬طلبته‭ ‬بما‭ ‬يقدم‭ ‬من‭ ‬قضايا‭ ‬أدبية‭ ‬مختلفة،‭ ‬ولذا‭ ‬تخرج‭ ‬على‭ ‬يديه‭ ‬عدد‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬الطلبة‭ ‬الجامعيين،‭ ‬وتتلمذ‭ ‬على‭ ‬يديه‭ ‬اليوم‭ ‬نخبة‭ ‬من‭ ‬النخب‭ ‬الشبابية‭ ‬في‭ ‬الثقافة‭ ‬والنقد‭ ‬الذين‭ ‬قرأوا‭ ‬فكره،‭ ‬ودرسوا‭ ‬منهجه‭ ‬النقدي،‭ ‬واستمزجوا‭ ‬طرحه‭ ‬العلمي‭ ‬والأدبي،‭ ‬وكان‭ ‬كثيرا‭ ‬ما‭ ‬يفخر‭ ‬بهم،‭ ‬ويعتز‭ ‬بمجهوداتهم‭ ‬العلمية،‭ ‬حيث‭ ‬نهلوا‭ ‬من‭ ‬نبع‭ ‬محاضراته‭ ‬وبحوثه‭ ‬ودراساته‭ ‬الغنية‭ ‬التي‭ ‬رسمت‭ ‬لهم‭ ‬دروبا‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬تخصصاتهم‭ ‬الأدبية‭.‬

وثمة‭ ‬ما‭ ‬يميز‭ ‬فقيدنا‭ ‬الراحل‭ ‬في‭ ‬جهده‭ ‬الأكاديمي‭ ‬وبعيدا‭ ‬عن‭ ‬محاضراته‭ ‬لمختلف‭ ‬المراحل‭ ‬الجامعية،‭ ‬وهو‭ ‬الجهد‭ ‬الكبير‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬حريصا‭ ‬عليه‭ ‬في‭ ‬تطوير‭ ‬كلية‭ ‬الآداب،‭ ‬وما‭ ‬أجرى‭ ‬عليها‭ ‬من‭ ‬تغييرات‭ ‬تتناسب‭ ‬والدراسات‭ ‬الأدبية‭ ‬الحديثة،‭ ‬واقتراح‭ ‬المقررات‭ ‬والمساقات‭ ‬الأكاديمية‭ ‬التي‭ ‬تأخذ‭ ‬بيد‭ ‬طالب‭ ‬الآداب‭ ‬إلى‭ ‬عوالم‭ ‬أوسع‭ ‬وساحات‭ ‬أكاديمية‭ ‬أرحب،‭ ‬بجانب‭ ‬شغفه‭ ‬الكبير‭ ‬واهتمامه‭ ‬الراسخ‭ ‬في‭ ‬تطوير‭ ‬الدوريات‭ ‬الأكاديمية‭ ‬المحكمة‭ ‬التي‭ ‬تصدرها‭ ‬جامعة‭ ‬البحرين،‭ ‬حيث‭ ‬كان‭ ‬وفي‭ ‬شدة‭ ‬ظرفه‭ ‬الصحي‭ ‬يحرص‭ ‬كل‭ ‬الحرص‭ ‬على‭ ‬الحضور‭ ‬إلى‭ ‬الجامعة‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬متابعة‭ ‬إصدارها‭. ‬

شغف‭ ‬القراءة‭ ‬وعشق‭ ‬الكتابة

منذ‭ ‬أن‭ ‬صدمت‭ ‬بخبر‭ ‬رحيله،‭ ‬لم‭ ‬تفارقني‭ ‬صورته‭ ‬ممسكا‭ ‬بمكبرته‭ ‬التي‭ ‬تعينه‭ ‬على‭ ‬قراءة‭ ‬الكتب‭ ‬والدراسات،‭ ‬غير‭ ‬مكترث‭ ‬بصعوبة‭ ‬ذلك،‭ ‬إذ‭ ‬كان‭ ‬يمارس‭ ‬الكتابة‭ ‬بالطريقة‭ ‬نفسها،‭ ‬حيث‭ ‬كان‭ ‬يمسك‭ ‬المكبرة‭ ‬بيد،‭ ‬ويكتب‭ ‬بالأخرى،‭ ‬وبهذه‭ ‬الطريقة‭ ‬أنجز‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬مقالاته‭ ‬ودراساته‭ ‬ومنها‭ ‬دراسته‭ ‬الغزيرة‭ (‬مسرح‭ ‬القضية‭ ‬الأصلية‭: ‬البنية‭ ‬الفكرية‭ ‬في‭ ‬مسرح‭ ‬الدكتور‭ ‬سلكان‭ ‬بن‭ ‬محمد‭ ‬القاسمي‭)‬،‭ ‬حيث‭ ‬ازداد‭ ‬ضعف‭ ‬بصره‭ ‬بسبب‭ ‬مضاعفات‭ ‬داء‭ ‬السكر،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬ذلك‭ ‬لم‭ ‬ينل‭ ‬من‭ ‬عزيمته،‭ ‬ولم‭ ‬تثن‭ ‬من‭ ‬شغفه‭ ‬وولعه‭ ‬بالقراءة‭ ‬والكتابة‭ ‬ومتابعاته‭ ‬الإدارية‭ ‬والعلمية‭ ‬المختلفة،‭ ‬فقد‭ ‬كان‭ ‬باحثا‭ ‬وكاتبا‭ ‬ومؤلفا‭ ‬وإداريا‭ ‬في‭ ‬أقسى‭ ‬الظروف‭.‬

مفكر‭ ‬وناقد‭ ‬استثنائي

أغنى‭ ‬الراحل‭ ‬المكتبة‭ ‬العربية‭ ‬بمجموعة‭ ‬مهمة‭ ‬من‭ ‬المؤلفات‭ ‬القيمة‭ ‬في‭ ‬الفكر،‭ ‬والثقافة،‭ ‬والسرد،‭ ‬ومعشوقه‭ ‬المسرح،‭ ‬فقد‭ ‬كان‭ ‬ذا‭ ‬حس‭ ‬نقدي‭ ‬رهيف‭ ‬ودقيق،‭ ‬ينطلق‭ ‬من‭ ‬مناهج‭ ‬نقدية‭ ‬متينة،‭ ‬وفي‭ ‬دراسته‭ ‬المشهورة‭ ‬جدا‭ (‬المسرح‭ ‬والتغير‭ ‬الاجتماعي‭ ‬في‭ ‬الخليج‭ ‬العربي‭) ‬دليل‭ ‬صارخ‭ ‬على‭ ‬عمق‭ ‬الدراسة‭ ‬وجدية‭ ‬البحث‭ - ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬قِدمها‭ ‬نسبيا‭ (‬1986‭) - ‬إذ‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬لأي‭ ‬باحث‭ ‬في‭ ‬المسرح‭ ‬الخليجي‭ ‬اليوم‭ ‬وغدا‭ ‬إلا‭ ‬ويرجع‭ ‬إليها،‭ ‬ودعا‭ ‬المرحوم‭ ‬العزيز‭ ‬مرات‭ ‬بإعادة‭ ‬قراءة‭ ‬هذا‭ ‬المؤلف‭ ‬ومدارسته،‭ ‬حيث‭ ‬ما‭ ‬زال‭ ‬فيه‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬القضايا‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬تحسم‭ ‬حتى‭ ‬اليوم،‭ ‬وهكذا‭ ‬في‭ ‬بقية‭ ‬مؤلفاته‭ ‬ودراساته‭ ‬ومقالاته‭ ‬التخصصية‭.‬

اللجنة‭ ‬الدائمة‭ ‬للفرق‭ ‬المسرحية‭ ‬الأهلية‭ ‬في‭ ‬دول‭ ‬مجلس‭ ‬التعاون

يعد‭ ‬المرحوم‭ ‬هو‭ ‬تاريخ‭ ‬اللجنة‭ ‬وأيقونتها،‭ ‬التي‭ ‬أسسها‭ ‬مع‭ ‬زملائه،‭ ‬وجاهد‭ ‬كثيرا،‭ ‬وكابد،‭ ‬وعانى‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬مملكة‭ ‬البحرين‭ ‬مقرا‭ ‬دائما‭ ‬لها،‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬مما‭ ‬واجه‭ ‬من‭ ‬تحديات‭ ‬عصيبة،‭ ‬ولكن‭ ‬بحنكته‭ ‬وبعد‭ ‬نظره‭ ‬استطاع‭ ‬أن‭ ‬يبحر‭ ‬بهذه‭ ‬اللجنة‭ ‬إلى‭ ‬بر‭ ‬الأمان‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬إقامة‭ ‬مهرجان‭ ‬المسرح‭ ‬الخليجي‭ ‬لثلاث‭ ‬عشرة‭ ‬دورة‭ ‬متتالية‭ ‬ناجحة‭ ‬مبهرة،‭ ‬كان‭ ‬الراحل‭ ‬يوجهنا‭ ‬دائما‭ ‬بتوخي‭ ‬الدقة‭ ‬في‭ ‬العمل‭ ‬والاستعداد‭ ‬الكامل،‭ ‬والترتيب‭ ‬المثالي‭ ‬لتنفيذ‭ ‬برامج‭ ‬المهرجان‭ ‬على‭ ‬أكمل‭ ‬وجه،‭ ‬حيث‭ ‬كان‭ ‬يضحي‭ ‬بصحته،‭ ‬وجهده،‭ ‬وبأوقاته‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬المهرجان‭ ‬الخليجي‭ ‬غير‭ ‬عابئ‭ ‬بما‭ ‬تعترضه‭ ‬من‭ ‬عقبات‭ ‬وصعوبات‭ ‬شخصية‭ ‬وموضوعية،‭ ‬فكان‭ ‬همه‭ ‬الأول‭ ‬والأخير‭ ‬أن‭ ‬تستمر‭ ‬السفينة‭ ‬في‭ ‬إبحارها،‭ ‬وهو‭ ‬من‭ ‬رافقها‭ ‬مذ‭ ‬كانت‭ ‬قاربا‭ ‬صغيرا،‭ ‬واليوم‭ ‬أصبحت‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬هي‭ ‬عليه‭ ‬بفضل‭ ‬الله‭ ‬ثم‭ ‬بصيرته‭ ‬وإخلاصه‭ ‬في‭ ‬العمل‭ ‬المسرحي،‭ ‬حيث‭ ‬أشرقت‭ ‬تباشير‭ ‬استئناف‭ ‬المهرجان؛‭ ‬لتبحر‭ ‬السفينة‭ ‬من‭ ‬جديد؛‭ ‬لترسو‭ ‬في‭ ‬مدينة‭ ‬الرياض،‭ ‬ولكن‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬ربانها‭ ‬الكبير‭ ‬وفقيدنا‭ ‬العزيز‭ ‬رحمه‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬الذي‭ ‬سيبقى‭ ‬اسمه‭ ‬خالدا‭ ‬فيها‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا