العدد : ١٧٠٨٢ - الأحد ٢٩ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٨ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٨٢ - الأحد ٢٩ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٨ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

الرأي الثالث

محميد المحميد

malmahmeed7@gmail.com

نواف الأحمد.. أمير التواضع والإنسانية

التواضع‭ ‬خلق‭ ‬رفيع،‭ ‬وهو‭ ‬احترام‭ ‬الناس‭ ‬وعدم‭ ‬الترفع‭ ‬عليهم‭.. ‬وقال‭ ‬عنه‭ ‬الرسول‭ ‬الكريم‭: ‬‮«‬ما‭ ‬تواضع‭ ‬أحد‭ ‬لله،‭ ‬إلا‭ ‬رفعه‭ ‬الله‮»‬‭.. ‬وحينما‭ ‬سُئل‭ ‬التابعي‭ ‬الجليل‭ ‬الحسن‭ ‬البصري‭: ‬أي‭ ‬شيء‭ ‬التواضع؟‭ ‬قال‭: ‬يخرج‭ ‬المرء‭ ‬من‭ ‬بيته‭ ‬فلا‭ ‬يلقى‭ ‬مسلما‭ ‬إلا‭ ‬ظن‭ ‬أنه‭ ‬خير‭ ‬منه‭.‬

ذات‭ ‬يوم‭ ‬سأل‭ ‬أحد‭ ‬المذيعين،‭ ‬سمو‭ ‬الشيخ‭ ‬نواف‭ ‬الأحمد‭ ‬الجابر‭ ‬الصباح‭ ‬أمير‭ ‬دولة‭ ‬الكويت‭ ‬الراحل‭ ‬عن‭ ‬المواقف‭ ‬التي‭ ‬تؤثر‭ ‬فيه؟‭ ‬أجاب‭ ‬قائلا‭: ‬‮«‬حينما‭ ‬أرى‭ ‬شيخا‭ ‬كبيرا‭ ‬يطلب‭ ‬المساعدة‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬شي،‭ ‬أو‭ ‬طفلا‭ ‬مريضا‭ ‬يتألم،‭ ‬فهذا‭ ‬الذي‭ ‬يؤثر‭ ‬فيني،‭ ‬ولا‭ ‬أطيق‭ ‬أن‭ ‬أرى‭ ‬إنسانا،‭ ‬إلا‭ ‬معافا‭ ‬ومستجابا‭ ‬لطلبه‮»‬‭.. ‬وحينما‭ ‬سأله‭ ‬المذيع‭: ‬متى‭ ‬آخر‭ ‬مرة‭ ‬أخذت‭ ‬فيها‭ ‬إجازة‭ ‬رسمية؟‭ ‬أجاب‭ ‬قائلا‭: ‬‮«‬إنني‭ ‬أعشق‭ ‬الكويت،‭ ‬ولا‭ ‬أحب‭ ‬السفر‭ ‬للخارج،‭ ‬وآخر‭ ‬إجازة‭ ‬رسمية‭ ‬أخذتها‭ ‬كانت‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1975‮»‬‭.‬

يروي‭ ‬أحد‭ ‬البرلمانيين‭ ‬في‭ ‬مجلس‭ ‬الأمة‭ ‬الكويتي،‭ ‬وكان‭ ‬أحد‭ ‬أبرز‭ ‬الشخصيات‭ ‬التي‭ ‬تنتقد‭ ‬أداء‭ ‬الحكومة،‭ ‬أنه‭ ‬تقدم‭ ‬بطلب‭ ‬لعلاج‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬المرضى‭ ‬إلى‭ ‬سمو‭ ‬الأمير‭ ‬الراحل‭ ‬حينما‭ ‬كان‭ ‬وزيرا،‭ ‬وكان‭ ‬البرلماني‭ ‬يتصور‭ ‬أن‭ ‬طلبه‭ ‬لن‭ ‬يوافق‭ ‬عليه‭ ‬نظرا‭ ‬لمواقفه‭ ‬السياسية،‭ ‬ولكن‭ ‬الشيخ‭ ‬نواف‭ ‬رحمه‭ ‬الله‭ ‬أبلغه‭ ‬بأنه‭ ‬قد‭ ‬وافق‭ ‬على‭ ‬الطلب‭ ‬فورا،‭ ‬لأن‭ ‬حاجات‭ ‬المواطنين‭ ‬ليست‭ ‬مجالا‭ ‬للمشاحنة‭ ‬السياسية،‭ ‬بل‭ ‬ويؤكد‭ ‬النائب‭ ‬الكويتي‭ ‬أن‭ ‬سموه‭ ‬رحمه‭ ‬الله‭ ‬كان‭ ‬دائم‭ ‬السؤال‭ ‬عن‭ ‬صحة‭ ‬المرضى‭.‬

ولا‭ ‬يزال‭ ‬أهل‭ ‬الكويت‭ ‬يتذكرون‭ ‬ما‭ ‬قاله‭ ‬رحمه‭ ‬الله‭ ‬حينما‭ ‬تقلد‭ ‬منصب‭ ‬وزير‭ ‬الشؤون‭ ‬الاجتماعية‭ ‬في‭ ‬2‭ ‬أبريل‭ ‬1991،‭ ‬في‭ ‬أول‭ ‬حكومة‭ ‬بعد‭ ‬تحرير‭ ‬الكويت‭ ‬من‭ ‬الغزو‭ ‬الغاشم‭: ‬‮«‬أنا‭ ‬جندي‭ ‬أقبل‭ ‬العمل‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬مكان‭ ‬يضعني‭ ‬فيه‭ ‬سمو‭ ‬أمير‭ ‬البلاد‮»‬‭. ‬وقد‭ ‬سارع‭ ‬سموه‭ ‬إلى‭ ‬اتخاذ‭ ‬قرارات‭ ‬إنسانية‭ ‬لرعاية‭ ‬الأرامل‭ ‬والأيتام‭ ‬والمسنين،‭ ‬كما‭ ‬استحدث‭ ‬مستشفى‭ ‬خاصا‭ ‬لنزلاء‭ ‬دور‭ ‬الرعاية‭.‬

وحينما‭ ‬تولى‭ ‬سموه‭ ‬رحمه‭ ‬الله‭ ‬مقاليد‭ ‬الحكم‭ ‬وأصبح‭ ‬أميرا‭ ‬للبلاد،‭ ‬نشر‭ ‬سمو‭ ‬الشيخ‭ ‬محمد‭ ‬بن‭ ‬راشد‭ ‬آل‭ ‬مكتوم،‭ ‬على‭ ‬حسابه‭ ‬في‭ ‬‮«‬تويتر‮»‬‭: ‬‮«‬دعواتنا‭ ‬بالتوفيق‭ ‬والسداد‭ ‬لصاحب‭ ‬السمو‭ ‬الشيخ‭ ‬نواف‭ ‬الأحمد‭ ‬الجابر‭ ‬الصباح‭ ‬أمير‭ ‬دولة‭ ‬الكويت‭.. ‬تواضعه‭ ‬وبساطته‭ ‬وقربه‭ ‬من‭ ‬الناس،‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬قيم‭ ‬أسرة‭ ‬آل‭ ‬الصباح‭ ‬الكريمة‮»‬‭..‬

ولطالما‭ ‬كانت‭ ‬صور‭ ‬ومشاهد‭ ‬حضور‭ ‬الأمير‭ ‬الراحل‭ ‬في‭ ‬مساجد‭ ‬دولة‭ ‬الكويت‭ ‬الشقيقة،‭ ‬ووقوفه‭ ‬للصلاة‭ ‬بين‭ ‬الناس،‭ ‬والسلام‭ ‬عليهم‭ ‬والتوقف‭ ‬معهم‭ ‬وتبادل‭ ‬الحديث‭ ‬بكل‭ ‬أريحية‭ ‬وتواضع،‭ ‬محل‭ ‬تقدير‭ ‬واعتزاز‭ ‬لدى‭ ‬الجميع‭.. ‬ويذكر‭ ‬أهالي‭ ‬مسجد‭ ‬بلال‭ ‬بن‭ ‬رباح‭ ‬في‭ ‬الكويت،‭ ‬ذلك‭ ‬المسجد‭ ‬الذي‭ ‬بناه‭ ‬سمو‭ ‬الأمير‭ ‬الراحل،‭ ‬أنه‭ ‬في‭ ‬أحد‭ ‬الأيام‭ ‬وكان‭ ‬الطقس‭ ‬حارا،‭ ‬وبعد‭ ‬أن‭ ‬قام‭ ‬سموه‭ ‬بالسلام‭ ‬على‭ ‬المصلين،‭ ‬أمر‭ ‬أن‭ ‬توزع‭ ‬كل‭ ‬المشروبات‭ ‬الباردة‭ ‬عليهم،‭ ‬ومن‭ ‬حسابه‭ ‬الخاص‭.. ‬ولا‭ ‬يزال‭ ‬أهالي‭ ‬المسجد‭ ‬يحتفظون‭ ‬بالكرسي‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬يصلي‭ ‬عليه،‭ ‬والمصحف‭ ‬الشريف‭ ‬الذي‭ ‬يقرأ‭ ‬منه،‭ ‬وقد‭ ‬تداول‭ ‬الناس‭ ‬بالأمس‭ ‬صورة‭ ‬الكرسي‭ ‬والمصحف،‭ ‬إجلالا‭ ‬واحتراما‭ ‬ووفاء‭ ‬للأمير‭ ‬الراحل‭.‬

تبقى‭ ‬نقطة‭ ‬مهمة،‭ ‬توقف‭ ‬عندها‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬المحللين‭ ‬السياسيين،‭ ‬خاصة‭ ‬الغربيين‭ ‬منهم،‭ ‬أن‭ ‬الانتقال‭ ‬في‭ ‬الحكم،‭ ‬الهادئ‭ ‬والدستوري،‭ ‬في‭ ‬دولة‭ ‬الكويت‭ ‬وفي‭ ‬الدول‭ ‬الخليجية‭ ‬عموما،‭ ‬درس‭ ‬رفيع‭ ‬للدول‭ ‬والشعوب،‭ ‬وكيف‭ ‬يكون‭ ‬قيم‭ ‬الحب‭ ‬والولاء‭ ‬من‭ ‬الشعوب‭ ‬للقادة‭ ‬والحكام‭ ‬والبلاد‭.. ‬هذا‭ ‬السر‭ ‬العجيب‭ ‬الذي‭ ‬تتمناه‭ ‬كل‭ ‬شعوب‭ ‬العالم‭.‬

واليوم‭ ‬نحن‭ ‬على‭ ‬ثقة‭ ‬تامة،‭ ‬بأن‭ ‬دولة‭ ‬الكويت‭ ‬الشقيقة،‭ ‬ستمضي‭ ‬قدما‭ ‬في‭ ‬مسيرة‭ ‬العمل‭ ‬والإنجاز‭.. ‬وأن‭ ‬سمو‭ ‬الأمير‭ ‬الشيخ‭ ‬مشعل‭ ‬الأحمد‭ ‬الصباح‭ ‬هو‭ ‬خير‭ ‬خلف‭ ‬لخير‭ ‬سلف‭.. ‬وأن‭ ‬ما‭ ‬بناه‭ ‬الأمير‭ ‬الراحل‭ ‬نواف‭ ‬الأحمد‭ ‬الصباح‭ ‬سيظل‭ ‬شاهدا‭ ‬وشامخا،‭ ‬لدولة‭ ‬قوية‭ ‬وآمنة،‭ ‬متماسكة‭ ‬ومزدهرة‭.‬

رحل‭ ‬الشيخ‭ ‬نواف‭ ‬الأحمد‭.. ‬أمير‭ ‬التواضع‭ ‬والإنسانية،‭ ‬وترك‭ ‬سيرة‭ ‬عطرة،‭ ‬وبصمات‭ ‬خالدة،‭ ‬وإسهامات‭ ‬بارزة،‭ ‬لبلده‭ ‬وشعبه‭ ‬وأمته‭.. ‬وندعو‭ ‬المولى‭ ‬عز‭ ‬وجل‭ ‬له‭ ‬بالرحمة‭ ‬والمغفرة،‭ ‬وأن‭ ‬يسكنه‭ ‬فسيح‭ ‬جناته‭.. ‬وخالص‭ ‬التعازي‭ ‬وصادق‭ ‬المواساة‭ ‬للكويت‭ ‬الحبيبة‭.‬

إقرأ أيضا لـ"محميد المحميد"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا