الرأي الثالث
محميد المحميد
malmahmeed7@gmail.com
سوريا.. واللعبة الأمريكية الجديدة
من يتابع مواقف بعض السياسيين الفنانين والإعلاميين وحتى الرياضيين في سوريا، يجد التحول الغريب والانقلاب السريع.. فمن كان يمدح ويبجل النظام السابق، ومن يدافع عنه ويحث الناس على دعمه، أصبح الآن يلعن تلك الفترة، ويحكي قصصا عن معاناته ومآسيه، يذرف الدموع ويشحت التعاطف من الناس.
هذا الوقف بالذات، يذكرني بموقف الإدارة الأمريكية وطريقتها الجديدة في التعامل مع الأوضاع في سوريا، وقد كتب الأستاذ عبداللطيف المناوي بالأمس مقال رصينا حول هذا الشأن، حيث كتب قائلا:
لقد ثارت زيارة الوفد الأمريكي الأخيرة إلى دمشق، ولقاؤها بممثلين عن «هيئة تحرير الشام» وزعيمها أبو محمد الجولاني، تساؤلات عميقة حول مستقبل السياسة الأمريكية في سوريا، أو بمعنى أدق اللعبة التي تنوي أمريكا خوضها في سوريا خلال الفترة المقبلة.
تأتي هذه الخطوة في سياق مرحلة انتقالية حرجة، حيث تسعى قوى إقليمية كثيرة إلى تقديم نفسها كلاعب رئيسي في الواقع السوري، بحثا عن نفوذ أو مصالح، وفي الوقت نفسه تسيطر على المجتمع هناك جماعات مسلحة ذات تاريخ نعرفه جيدا، تحاول إعادة تقديم نفسها كمتحكم أول وأوحد في الملعب السياسي السوري، ومن بينها هيئة تحرير الشام التي مازالت مصنفة كمنظمة إرهابية أجنبية من قبل الولايات المتحدة.
على الرغم من الازدواجية السياسية الواضحة التي تتعامل بها واشنطن مع هذا الملف، والتي لا تختلف عن حالات سابقة، فإن هذا التواصل يشير إلى تغير تدريجي في السياسة الأمريكية تجاه الجماعات المسلحة.
إذ تبدو واشنطن في العلن مستعدة للعمل مع «هيئة تحرير الشام» إذا استطاعت الأخيرة إظهار استعدادها للالتزام بالمعايير الدولية، مثل الحفاظ على القانون والنظام، ومكافحة الإرهاب، وضمان الشمولية في الحكم، وهذه أيضا طلبات في العلن، غير أن تاريخ الألعاب الأمريكية السابقة، وما يدور فعليا في الأروقة، يشير إلى استعداد أمريكا لدخول لعبة أخرى، سنعيش نتائجها بعد سنوات.
الزيارة الأمريكية، التي تأتي بالتزامن مع زيادة القوات العسكرية الأمريكية في سوريا، توضح أولويات واشنطن الحالية، وهي ضمان أمن القوات الأمريكية، ومنع عودة تنظيم «داعش»، والعمل على تحرير الرهائن الأمريكيين.
لكن التواصل مع «هيئة تحرير الشام» يحمل أيضًا رهانات أو ألعابا سياسية كبيرة. فقد سبق أن أظهرت الجماعة نزعات احتكارية، كما كان واضحًا فى تجربتها بإدلب. وإذا ما استمرت في هذه السياسات خلال المرحلة الانتقالية الحالية، فقد تواجه مقاومة محلية ودولية تعيق العملية برمتها.
في المقابل، لا يمكن إنكار أن «هيئة تحرير الشام» حققت خطوات ملموسة في تعزيز سيطرتها على معظم أنحاء سوريا، وتواصلت مع جهات دولية وإقليمية لضمان دعمها للعملية الانتقالية. لكن يبقى السؤال الأهم: هل تستطيع الجماعة تقديم نموذج حكم جديد يتجاوز إرثها الفكري والعقائدي؟.
الغريب في الأمر أن أمريكا أبدت استعدادها لتقييم «هيئة تحرير الشام» بناءً على أفعالها في الأسابيع المقبلة. فإذا أظهرت الجماعة التزامًا بتعهداتها، فقد يمهد ذلك الطريق لمزيد من التعاون الدولي. أما إذا استمرت في سياسات الإقصاء، فقد تجد نفسها معزولة دوليا، ما يعيد إنتاج الفوضى في سوريا.
وهناك حل آخر.. وهو أن تشارك أمريكا في اللعبة، وتغض الطرف عن أفعال الهيئة وقادتها، حتى تتفتت سوريا وتواجه المصير الأفغاني أو البلقاني، ثم تعود في النهاية لتلقي الطاولة على الهيئة بعد أن حققت المطلوب منها تماما. وما فعلته أمريكا بطالبان والقاعدة خير مثال.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك