العدد : ١٧٠٧٩ - الخميس ٢٦ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٥ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٧٩ - الخميس ٢٦ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٥ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

الثقافي

لون الصمت في الأدب المسرحي للكاتب عبدالحليم مهودر

بقلم: حيدر علي الأسدي

السبت ٢٣ مارس ٢٠٢٤ - 02:00

الكاتب‭ ‬المسرحي‭ ‬البصري‭ (‬عبدالحليم‭ ‬مهودر‭) ‬أحد‭ ‬أهم‭ ‬كتاب‭ ‬المسرح‭ ‬في‭ ‬البصرة‭ ‬والعراق‭ ‬والمهتمين‭ ‬بهذه‭ ‬الثقافة‭ ‬المهمة‭ ‬التي‭ ‬تختلف‭ ‬بعض‭ ‬الشيء‭ ‬عن‭ ‬أجناس‭ ‬الأدب‭ ‬الأخرى،‭ ‬فالكتابة‭ ‬هنا‭ ‬مقترنة‭ ‬بفعل‭ ‬عياني‭ ‬يتحول‭ ‬إلى‭ ‬مرئي‭ ‬وعرض‭ ‬متمظهر،‭ ‬فالكاتب‭ ‬حينما‭ ‬يشرع‭ ‬ببناء‭ ‬نصه‭ ‬فهو‭ ‬يفكر‭ ‬أحياناً‭ ‬بعقلية‭ ‬المخرج‭ ‬الذي‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يحول‭ ‬المسطور‭ ‬المكتوب‭ ‬إلى‭ ‬عرض‭ ‬عياني‭ ‬على‭ ‬الخشبة‭ ‬أو‭ ‬فضاءات‭ ‬الحياة‭ ‬المختلفة،‭ ‬عبدالحليم‭ ‬مهودر‭ ‬كاتب‭ ‬مسرحي‭ ‬تتمرأى‭ ‬لك‭ ‬في‭ ‬كتاباته‭ ‬فلسفة‭ (‬الصمت‭) ‬وتكرار‭ ‬هذه‭ ‬الثيمة‭ ‬هي‭ ‬محدد‭ ‬مهم‭ ‬لكشف‭ ‬طبيعة‭ ‬مسرحه‭ ‬ونتاجه‭ ‬المسرحي‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬الكتابة‭ ‬والرصد،‭ ‬في‭ ‬مجموعته‭ ‬المسرحية‭ (‬لون‭ ‬آخر‭ ‬من‭ ‬الصمت‭: ‬عتبة‭ ‬مسرحية‭) ‬يضعنا‭ ‬أمام‭ ‬خليط‭ ‬تعبيري‭ ‬من‭ ‬الأنواع‭ ‬المسرحية‭ ‬سواء‭ ‬أكانت‭ ‬التي‭ ‬تتصل‭ ‬بالمسرح‭ ‬الشعري‭ ‬الإذاعي‭ ‬وهو‭ ‬النوع‭ ‬المتفرد‭ ‬الذي‭ ‬يواجه‭ ‬الشحة‭ ‬والانقراض‭ ‬في‭ ‬كتابات‭ ‬أدبنا‭ ‬المسرحي‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ (‬مسرح‭ ‬الدمى‭) ‬أو‭ ‬فن‭ ‬المونودراما‭ ‬الجدلي‭ ‬والشائك‭ ‬في‭ ‬الكتابة‭ ‬المسرحية،‭ ‬أو‭ ‬مسرح‭ ‬الطفل‭ ‬بما‭ ‬فيه‭ ‬من‭ ‬قيم‭ ‬تربوية‭ ‬بناءة،‭ ‬فللصمت‭ ‬فلسفة‭ ‬في‭ ‬فكر‭ ‬مهودر‭ ‬تتصل‭ ‬بالمعنى‭ ‬الحياتي‭ ‬أحياناً‭ ‬وأحايين‭ ‬كثيرة‭ ‬بالمعنى‭ ‬التعبيري‭ ‬الجمالي،‭ ‬إن‭ ‬لغة‭ ‬الصمت‭ ‬ترتبط‭ ‬بطبيعة‭ ‬التجربة‭ ‬الوجودية‭ ‬للكاتب،‭ ‬التي‭ ‬تدفعها‭ ‬أحيانا‭ ‬إلى‭ ‬استنطاق‭ ‬هذا‭ ‬الصمت‭ ‬من‭ ‬رؤى‭ ‬مختلفة‭ ‬ومتنوعة‭ ‬في‭ ‬خضم‭ ‬توظيف‭ ‬التصورات‭ ‬الفكرية‭ ‬للكاتب‭ ‬للتفتيش‭ ‬عن‭ ‬قيمة‭ ‬الحياة‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬العالم،‭ ‬سواء‭ ‬أكان‭ ‬الصمت‭ ‬نابعاً‭ ‬من‭ ‬المعتقد‭ ‬الجمالي‭ ‬أو‭ ‬المعتقد‭ ‬الوظيفي،‭ ‬يحيلنا‭ ‬هذا‭ ‬الأمر‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬قاله‭ ‬البرت‭ ‬انشتاين‭: (‬الكون‭ ‬مثل‭ ‬غابات‭ ‬يسودها‭ ‬الصمت،‭ ‬وهي‭ ‬مدعاة‭ ‬للتأمل‭ ‬العميق،‭ ‬ولكنك‭ ‬تخشى‭ ‬منها‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬عتمة‭ ‬ذلك‭ ‬الصمت‭ ‬الهائل،‭ ‬ولكنك‭ ‬تفزع‭ ‬عندما‭ ‬يكسر‭ ‬الصمت‭ ‬بحركة‭ ‬أو‭ ‬رشقة‭ ‬أو‭ ‬رنين‭ ‬أو‭ ‬حفيف‭ ‬أو‭ ‬فرقعة‭ ‬عظيمة‭.. ‬تحدثها‭ ‬ظروف‭ ‬غامضة‭.. ‬إن‭ ‬التهيؤات‭ ‬لا‭ ‬شكل‭ ‬لها‭ ‬بتأثير‭ ‬كثافة‭ ‬التشيؤات‭.. ‬ولكن‭ ‬الأمور‭ ‬تبدو‭ ‬طبيعية‭ ‬عندما‭ ‬يعلن‭ ‬الصمت‭ ‬عن‭ ‬تعبيره‭ ‬بأشكال‭ ‬مستنيرة،‭ ‬فتتوالد‭ ‬أشياء‭ ‬جديدة‭ ‬لم‭ ‬نألفها‭.. ‬إن‭ ‬اختراقات‭ ‬الصمت‭ ‬قد‭ ‬تأتي‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬تصور‭ ‬الصمت‭ ‬من‭ ‬عدمه،‭ ‬لا‭ ‬غير،‭ ‬فالأصوات‭ ‬تكسر‭ ‬الصمت،‭ ‬ولكن‭ ‬التنوير‭ ‬يعبر‭ ‬عنه‭.. ‬الكون‭ ‬كله‭ ‬حالة‭ ‬كبرى‭ ‬ولكن‭ ‬الأرض‭ ‬هي‭ ‬حالة‭ ‬معينة‭ ‬من‭ ‬نوع‭ ‬آخر‭!)  ‬عتبة‭ ‬الصمت‭ ‬في‭ ‬الفلسفة‭ ‬التعبيرية‭ (‬الكتابة‭) ‬لدى‭ ‬مهودر‭ ‬تعد‭ ‬بديلاً‭ ‬للحياة‭ ‬وصلاة‭ ‬روحية‭ ‬لكسر‭ ‬النمطية‭ ‬التي‭ ‬تشوب‭ ‬المشهد‭ ‬الواقعي‭ ‬المتناقض‭ ‬وهي‭ ‬رياضة‭ ‬روحية‭ ‬تختلط‭ ‬بقيمة‭ ‬الكتابة‭ ‬والتعبير‭ ‬بخاصة‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬العتبات،‭  ‬أو‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬اتصال‭ ‬معنى‭ ‬الصمت‭ ‬بالمتون،‭ ‬الصمت‭ ‬لديه‭ ‬إشارات‭ ‬وإيحاءات‭ ‬دالة‭ ‬تتصل‭ ‬بالمشهد،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬الصمت‭ ‬لدى‭ ‬أفلاطون‭ ‬قد‭ ‬مثل‭ ‬عبر‭ ‬مقولة‭ ‬الجدل‭ ‬الصاعد‭ ‬بوصف‭ ‬الصمت‭ ‬جدل‭ ‬صاعد‭ ‬يبحث‭ ‬عن‭ ‬رسالة‭ ‬يحققها‭ ‬عبر‭ ‬خطاب‭ ‬النص،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬يبتغيه‭ ‬عبدالحليم‭ ‬مهودر‭ ‬وإن‭ ‬كان‭ ‬متأملا‭ ‬لقيم‭ ‬الحياة‭ ‬في‭ ‬بناء‭ ‬نصوصه‭ ‬المسرحية‭ ‬منطلقاً‭ ‬من‭ ‬أساس‭ ‬الصوت‭ (‬الخطاب‭) ‬عبر‭ (‬اس‭/‬الصمت‭) ‬وثمة‭ ‬رابط‭ ‬جمالي‭ ‬وفكري‭ ‬بين‭ ‬الصمت‭ ‬وبين‭ ‬المسرح‭ ‬الصامت‭ ‬أو‭ ‬البانتومايم‭ ‬الذي‭ ‬يكتبه‭ ‬مهودر‭ ‬للمسرح‭ ‬هذه‭ ‬قيمة‭ ‬الاتصال‭ ‬تتمثل‭ ‬بأن‭ ‬معاني‭ ‬الكلمات‭ ‬وقيمها‭ ‬الحقيقية‭ ‬الكبرى‭ ‬والدالة‭ ‬هي‭ ‬غالبا‭ ‬غير‭ ‬كلامية‭ ‬لا‭ ‬تتسم‭ ‬بالإثراء‭ ‬اللفظي‭ ‬المطول‭ ‬وإنما‭ ‬هي‭ ‬معان‭ ‬جسدية‭ ‬لأن‭ ‬التمثيل‭ ‬أصمت‭ ‬فعل‭ ‬سيمائي‭ ‬دال‭ ‬يقوم‭ ‬على‭ ‬الإيحاء‭ ‬اللغوي‭ ‬والجمالي‭ ‬ويعبر‭ ‬عن‭ ‬العواطف‭ ‬التي‭ ‬تنصهر‭ ‬دلالاتها‭ ‬ضمن‭ ‬بناها‭ ‬الداخلية،‭ ‬إحالة‭ ‬إلى‭ ‬كتاب‭ ‬عبدالحليم‭ ‬مهودر‭ ‬الموسوم‭ (‬الصمت‭ ‬إنه‭ ‬الصمت‭: ‬مسرحيات‭ ‬بانتومايم‭) ‬الصادر‭ ‬عن‭ ‬دار‭ ‬السامر‭ ‬2022‭. ‬بالعودة‭ ‬إلى‭ ‬المجموعة‭ ‬المسرحية‭ (‬لون‭ ‬آخر‭ ‬من‭ ‬الصمت‭: ‬عتبة‭ ‬مسرحية‭) ‬يعتمد‭ ‬الحوارات‭ ‬الموجزة‭ ‬الدالة‭ ‬بلغتها‭ ‬الشعرية‭ ‬ذات‭ ‬الإيقاع‭ ‬المتوالي‭ (‬مسرحية‭ ‬صوت‭ ‬الحجر‭: ‬مسرحية‭ ‬شعرية‭ ‬إذاعية‭ / ‬ص‭ ‬3‭) ‬تتسم‭ ‬بقصرها‭ ‬بطبيعة‭ ‬بنى‭ ‬النص‭ ‬المسرحي‭ ‬لدى‭ ‬مهودر‭ ‬القائم‭ ‬على‭ ‬الإيجاز‭ ‬والدلالة،‭ ‬مع‭ ‬التركيز‭ ‬على‭ ‬الارتكاز‭ ‬على‭ ‬المفردة‭ ‬واستنطاقها‭ (‬صوت‭ ‬الحجر‭/ ‬الحجر‭ ‬جماد‭ ‬لا‭ ‬صوت‭ ‬له‭ ‬فيزيقياً‭ / ‬الاستنطاق‭ ‬الحياتي‭ ‬لهذا‭ ‬الصوت‭ ‬وفقا‭ ‬لفلسفة‭ ‬الصمت‭ ‬والصوت‭ ‬لدى‭ ‬الكاتب‭ ‬المسرحي‭ ‬عبدالحليم‭ ‬مهودر‭) ‬ولأنه‭ ‬يدرك‭ ‬خصوصية‭ ‬التأليف‭ ‬لمسرح‭ ‬الطفل‭ ‬عبر‭ (‬مسرح‭ ‬الدمى‭) ‬فإن‭ ‬الإيجاز‭ ‬تعد‭ ‬سمة‭ ‬تسيطر‭ ‬على‭ ‬مفردة‭ ‬الجملة‭ ‬الحوارية‭ ‬في‭ ‬بناء‭ ‬النص‭ ‬المسرحي‭ ‬لدى‭ ‬مهودر،‭ ‬ومحاولة‭ ‬أنسنة‭ ‬الفعل‭ ‬للشخصيات‭ ‬الحيوانية‭ ‬التي‭ ‬تهيمن‭ ‬غالباً‭ ‬على‭ ‬مسرح‭ ‬الدمى‭ ‬لطبيعة‭ ‬هذا‭ ‬النوع‭ ‬المسرحي‭ ‬الذي‭ ‬يحافظ‭ ‬على‭ ‬محاولة‭ ‬رسم‭ ‬الشخصيات‭ ‬وفقاً‭ ‬لما‭ ‬تقدمه‭ ‬من‭ ‬قيم‭ ‬تسهم‭ ‬في‭ ‬بناء‭ ‬ثقافة‭ ‬الطفل‭ ‬وتنشئته‭ ‬على‭ ‬الجوانب‭ ‬التربوية‭ ‬المهمة‭ ‬في‭ ‬حياة‭ ‬الانسان،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬مهودر‭ ‬له‭ ‬قدرة‭ ‬في‭ ‬صياغة‭ ‬شخصية‭ ‬تتشظى‭ ‬أصواتها‭ ‬في‭ ‬المونودراما‭ ‬لمحاولة‭ ‬كسر‭ ‬نمطية‭ ‬الشخصية‭ ‬الواحدة‭ ‬والصوت‭ ‬الواحد‭ ‬فلابد‭ ‬من‭ ‬التنوع‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬الصوت‭ ‬والفكرة‭ ‬ويتحول‭ ‬الجدل‭ ‬من‭ ‬صراع‭ ‬خارجي‭ ‬إلى‭ ‬صراع‭ ‬داخلي‭ ‬تتشظى‭ ‬من‭ ‬خلالها‭ ‬شخصية‭ ‬المرأة‭ ‬في‭ ‬النص‭ ‬المسرحي‭ (‬قبل‭ ‬رحيل‭ ‬إبليس‭) (‬العجوز‭: ‬صباح‭ ‬الخير‭ ‬‭ ‬تبدأ‭ ‬بلين‭ ‬الكلام‭ ‬‭ ‬ترد‭ ‬على‭ ‬نفسها‭ ( ‬صباح‭ ‬النور‭- ‬أهلا‭ ‬وسهلاً‭) ‬هل‭ ‬تسمح‭ ‬لي‭ ‬بالجلوس‭. ‬تفضلي‭ ‬‭ ‬تفضلي‭- ‬وأنا‭ ‬والمحل‭ ‬في‭ ‬خدمتك‭ ‬أريد‭ ‬قماشاً‭ ‬ثميناً‭. ‬لي‭ ‬‭ ‬لا‭ ‬ليس‭ ‬لي‭. ‬أريده‭ ‬إلى‭ ‬شابة‭ ‬يا‭ ‬سيدي‭/ ‬ص‭ ‬41‭). ‬إن‭ ‬نصوص‭ ‬عبدالحليم‭ ‬مهودر‭ ‬باذخة‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬اللغة‭ ‬وتنسيق‭ ‬التواصل‭ ‬بين‭ ‬شخصياته‭ ‬بجمل‭ ‬وحوارات‭ ‬موجزة‭ ‬ذات‭ ‬قيمة‭ ‬تعبيرية‭ ‬وجمالية‭.‬

{ ناقد‭ ‬وأكاديمي‭ ‬من‭ ‬العراق

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا