تأتي «رؤية البحرين الاقتصادية 2050»، التي تطلقها المملكة قبل نهاية العام الحالي 2024، ضمن التزام الحكومة بالتخطيط الاستراتيجي المستمر، حيث تُبني على ما تم إنجازه من عام 2008، بمقتضى «رؤية البحرين الاقتصادية 2030»، التي ارتكزت على 3 مبادئ هي: (الاستدامة، والعدالة، والتنافسية)، فيما انطلقت عملية المشاورات بين مكونات الدولة والمجتمع، لتأتي الرؤية الجديدة حصيلة توافق وطني، يلبي طموحات وتطلعات المملكة.
وفي حين مثلت «رؤية 2030» -التي جاء إطلاقها حصيلة نقاشات مكثفة استمرت لمدة 4 سنوات- بوصلة العمل الوطني، ونبراسه الهادي منذ إطلاقها؛ كذلك فإن «رؤية البحرين الاقتصادية 2050»، تضع –كسابقتها- الاستثمار في البشر والمواطن «ركيزة أساسية» لها، حيث تحولت المملكة عبر هذه الفترة الممتدة إلى دولة يقود القطاع غير النفطي اقتصادها، بعد أن انحسر دور القطاع النفطي في ناتجها المحلي الإجمالي إلى أقل من 17%، ويتوجه الاستثمار في البشر إلى جعل المواطن البحريني منتجًا أكثر منه مدعومًا، وهذا هو الدرب الذي سارت عليه الدول التي تقدمت، والذي تمهد له أيضا «خطة التعافي الاقتصادي 2022–2026»، التي تم إطلاقها في أكتوبر 2021، ورسمت خطى المملكة في التحول من التعافي إلى النمو المستدام.
ومنذ توليه أمانة الحكم في مارس 1999، حرص جلالة الملك «حمد بن عيسى آل خليفة»، على أن تكون للبحرين باستمرار، «رؤاها المستقبلية»، التي يصنعها التوافق الوطني، فكان «ميثاق العمل الوطني» في 2001، و«رؤية البحرين الاقتصادية 2030»، في 2008، ثم «الرؤية الاقتصادية 2050» في 2024، التي تستفيد من عملية التقييم، والقياس المستمرة للرؤية السابقة عليها، فيما تستشرف التحديات التي تواجه العمل الوطني، ما هو مستمر منها، وما هو مستجد.
ومن الاعتماد شبه المطلق على النفط، ركز العمل الاقتصادي بمقتضى «رؤية 2030»، على تطوير النجاح في قطاعات حققت فيها «المملكة»، «تميزًا واضحا»؛ مثل قطاع الخدمات المالية، والتصنيع، والخدمات اللوجستية، فيما استلزم تطوير هذا النجاح تعزيز البنية التحتية، وتنمية رأس المال البشري، وتواكب معه تعزيز الحماية الاجتماعية.
وفي ترجمة فعلية، استقر وضع «المملكة»، في قطاع الخدمات المالية، كمركز مال وأعمال المنطقة، يتواجد فيه أكثر من 370 مؤسسة مالية ومصرفية، وخدمات تأمين وتمويل إسلامي مشهود له بالكفاءة، كما حققت في قطاع التصنيع نموًا كبيرًا في صناعات؛ الألمونيوم، والبتروكيماويات، والحديد، والأغذية، خدمته العديد من المناطق الصناعية التي تم إنشاؤها، ومثلت مع التشريعات والبيئة المواتية، أهم عناصر جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة، فيما غدت السياحة تمثل «رافدًا قويًا»، للاقتصاد الوطني، وتقدمت المملكة كثيرًا في تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، ودمجتها في العملية التعليمية والخدمات الحكومية.
وما بين (2002 – 2022)، حقق الاقتصاد البحريني «نموا سنويا مركبا»، بنسبة 8%، وعبر هذه الفترة صار أكثر الاقتصادات الخليجية تنوعًا. ومنذ 2021، بلغت قيمة الاستثمارات الوافدة ما يزيد على 2.8 مليار دولار، متجاوزة هدف الأولوية الخاصة بتسهيل الإجراءات التجارية، وزيادة فعالياتها لاستقطاب 2.5 مليار دولار استثمارات أجنبية مباشرة بحلول 2023، وعززت الحكومة جودة الخدمات المقدمة للمواطنين، فتم توثيق أكثر من 1300 خدمة حكومية، وفق اتفاقية مستوى الخدمة، وإعادة هندسة أكثر من 650 خدمة أخرى، إلى جانب تدشين نظام للسجلات الإلكترونية «سجلات، وتدشين مشروع إصدار رخص البناء «بنايات»، واستفاد 29533 مواطنا من الفرص الوظيفية التي تم توفيرها في 2023، ما يزيد على 48% عن الهدف السنوي وهو توظيف 20 ألف بحريني سنويًا حتى 2024.
علاوة على ذلك، سجل القطاع غير النفطي نموًا بنسبة 6.6% بالأسعار الثابتة خلال عام 2022، وهي أعلى نسبة تتحقق له منذ 2012. وبينما كانت مساهمة القطاع النفطي في الناتج المحلي الإجمالي 42% في 2002، تراجعت إلى أقل من 17% في 2022، فيما تم تدريب 11078 مواطنا في 2023، ما يزيد بنسبة أكثر من 11% عن هدف خطة التعافي، وهو تدريب 10 آلاف مواطن حتى عام 2024، وتم الانتهاء من تنفيذ 12 مشروعا ضمن أولوية تنفيذ المشاريع التنموية الكبرى. وفي الفترة من (2002 – 2023)، ارتفع عدد الزوار القادمين إلى المملكة بغرض السياحة بنسبة 170%، وارتفعت الصادرات غير النفطية بنسبة 675%، وزادت أصول القطاع المصرفي بنسبة 222%، وارتفع رصيد الاستثمار الأجنبي المباشر بنسبة 582%. يأتي هذا فيما تستمر الجهود للبناء على ما تحقق من مشاريع تنموية كبرى في قطاعات السياحة، والخدمات اللوجستية، والصناعة.
وفي قطاع الطاقة، تم تدشين محطة الدور 2، ومشروع خط أنابيب النفطي الجديد، والعمل على توسعة مصفاة بابكو. وفي الصناعة، تدشين خط الصهر السادس لشركة ألومنيوم البحرين، والمرحلة الأولى من منطقة التجارة الأمريكية، والعمل على تدشين منطقة الصناعات التحويلية للألومنيوم. وفي الخدمات اللوجستية، إنجاز مشروع توسعة مطار البحرين الدولي، وميناء خليفة بن سلمان، ومرفأ البحرين للغاز المسال. وفي السياحة، تم إنشاء حلبة البحرين الدولية، ومركز البحرين العالمي للمعارض، فضلاً عن عدد من المنشآت السياحية. وفي المجال العقاري، تم تدشين منصة بنك المعلومات العقارية «عقاري»، التي تهدف إلى إنشاء مصدر وطني مركزي موثوق للمعلومات العقارية. وفي قطاع التجارة، ارتفع حجم تجارة البحرين مع العالم إلى 52 مليار دولار عام 2022، وهو ما يعادل 117% من الناتج المحلي الإجمالي للمملكة. وفي قطاع العمل، ارتفعت أعداد البحرينيين العاملين في القطاع الخاص إلى أكثر من 59% بين (2003–2023)، وأعداد البحرينيات العاملات في القطاع الخاص إلى أكثر من 126% في تلك الفترة، وازدادت أجور البحرينيين في القطاع الخاص بين (2002–2023)، بأكثر من 119%.
ووفق «رؤية 2030»، حرصت الحكومة على تحديث منظومة القوانين والتشريعات، بما يواكب متطلبات التنمية المستدامة، فتم إصدار 1885 قانونا وتشريعا، كما توجه إلى تعزيز ثقافة الإبداع والابتكار، والمحاسبة والمسؤولية، باعتبارها من ثوابت ومرتكزات العمل الحكومي، إلى جانب إطلاق العديد من المشاريع الخدمية في مختلف القطاعات، منها الإسكان، والتعليم، والصحة، وتمكين الشباب، وتعزيز تقدم المرأة.
ونتيجة لذلك، ارتفعت الطاقة الاستيعابية للمنشآت الصحية إلى 3428 سريرا في 2022، وتم تطوير البنية التحتية الصحية، وإنشاء مستشفى الملك حمد الجامعي، ومستشفى الملك حمد الإرسالية الأمريكية، ومركز محمد بن خليفة بن سلمان التخصصي للقلب. وفي التعليم، ارتفع عدد المدارس الحكومية والخاصة إلى 291 مدرسة في 2024، وتأسست هيئة جودة التعليم والتدريب، وكلية البحرين التقنية، وكلية البحرين للمعلمين، وبلغ عدد مؤسسات التعليم العالي نحو 15 مؤسسة حكومية وخاصة. وفي مجال الإسكان، بلغ عدد المستفيدين من الخدمات الإسكانية منذ 2002 أكثر من 55 ألف مواطن، وتم إنشاء العديد من المدن الإسكانية الجديدة كمدينة سلمان، وشرق الحد، وشرق سترة وخليفة، إضافة إلى إطلاق عدد من المشاريع الإسكانية؛ كمشروع الرملي، ووادي السير، واستقبلت المملكة في عام 2023، استثمارات أجنبية مباشرة بأكثر من 1.7 مليار دولار، توجهت لأكثر من 85 مشروعا استثماريا، تخلق أكثر من 5790 وظيفة.
وانعكاسًا لهذا النهج، احتلت «المملكة»، في ظل «رؤية 2030»، مراكز متقدمة في عدد من المؤشرات المرتبطة ببيئة الأعمال، والاستثمارات المباشرة، والمواهب؛ فحلت في المرتبة الأولى على مستوى الشرق الأوسط وشمال إفريقيا على صعيد حرية الاستثمار، والتجارة، والحرية المالية في «مؤشر الحرية الاقتصادية لمؤسسة هيرتدج»، وتصدرت البحرين دول الخليج في كفاءة التشريعات ضمن «مؤشر الحرية الاقتصادية الصادر عن معهد فريزر»، وجاءت في المرتبة 11 عالميًا في «مشاريع جرين فيلد للاستثمارات المباشرة»، وفقًا لمسح الاستثمارات المباشرة للفايننشيال تايمز، ومؤشر جرين فيلد لأداء الاستثمارات المباشرة 2022، فيما وضعت الحكومة أهداف التنمية المستدامة 2030، التي حددتها الأمم المتحدة في 2015، ضمن برامج عملها.
وتأتي «الرؤية الاقتصادية 2050»، لتستكمل هذه النجاحات الاقتصادية، وأهمها الأولويات التي وضعتها الحكومة في برنامج عملها (2023–2026)، (رفع المستوى المعيشي للمواطنين، وتحقيق العدالة، والأمن والاستقرار، والتعافي الاقتصادي، والتنمية المستدامة، وتوفير خدمات حكومية ذات جودة وتنافسية)، كما تستهدف استكمال مسيرة البحرين لتحقيق أهداف التنمية المستدامة 2030، والتي أنشأت لها المملكة وزارة معنية بها، كما تواجه التحديات المستجدة، التي يأتي في مقدمتها (التحدي المناخي، وتحولات الطاقة، وتوسع استخدامات الذكاء الاصطناعي، والتحول إلى اقتصاد ما بعد النفط)، وهي تحديات مشتركة بين البحرين وباقي أعضاء المنظومة الخليجية، ما يقتضي التنسيق المبكر، خاصة وأن هؤلاء الأعضاء متوجهون بالفعل لإعداد رؤاهم المستقبلية.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك