العدد : ١٧٠٧٨ - الأربعاء ٢٥ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٤ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٧٨ - الأربعاء ٢٥ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٤ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

يوميات سياسية

السيـــــــد زهـــــــره

محكمة العدل والإرادة المشلولة

الرأي‭ ‬الذي‭ ‬أصدرته‭ ‬محكمة‭ ‬العدل‭ ‬الدولية‭ ‬حول‭ ‬الاحتلال‭ ‬الاسرائيلي‭ ‬للأراضي‭ ‬الفلسطينية‭ ‬له‭ ‬أهمية‭ ‬كبرى‭. ‬صحيح‭ ‬انه‭ ‬رأي‭ ‬استشاري‭ ‬الا‭ ‬ان‭ ‬أهميته‭ ‬تنبع‭ ‬من‭ ‬أنه‭ ‬يجسد‭ ‬إرادة‭ ‬المجتمع‭ ‬الدولي‭. ‬الرأي‭ ‬يجسد‭ ‬إرادة‭ ‬المجتمع‭ ‬الدولي‭ ‬لأنه‭ ‬صدر‭ ‬أساسا‭ ‬بناء‭ ‬على‭ ‬طلب‭ ‬من‭ ‬الجمعية‭ ‬العامة‭ ‬للأمم‭ ‬المتحدة‭. ‬واثناء‭ ‬الجلسات‭ ‬التي‭ ‬سبقت‭ ‬اصدار‭ ‬القرار‭ ‬عرضت‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬50‭ ‬دولة‭ ‬رؤيتها‭ ‬ورأيها‭ ‬وكلها‭ ‬أجمعت‭ ‬على‭ ‬نفس‭ ‬الرأي‭ ‬الذي‭ ‬أصدرته‭ ‬المحكمة‭ ‬باستثناء‭ ‬عدد‭ ‬محدود‭ ‬من‭ ‬الدول،‭ ‬على‭ ‬رأسها‭ ‬أمريكا‭ ‬وبريطانيا‭ ‬وكندا‭ ‬التي‭ ‬طلبت‭ ‬عدم‭ ‬اصدار‭ ‬رأي‭ ‬أصلا‭.‬

جوهر‭ ‬الرأي‭ ‬الذي‭ ‬أصدرته‭ ‬المحكمة‭ ‬لا‭ ‬جديد‭ ‬فيه‭ ‬بحد‭ ‬ذاته‭ ‬فقد‭ ‬استند‭ ‬أساسا‭ ‬الى‭ ‬ما‭ ‬يحتمه‭ ‬القانون‭ ‬الدولي‭. ‬جوهر‭ ‬الرأي‭ ‬هو‭ ‬ان‭ ‬الاحتلال‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬لكل‭ ‬الأراضي‭ ‬الفلسطينية‭ ‬بما‭ ‬فيها‭ ‬القدس‭ ‬غير‭ ‬قانوني،‭ ‬ويجب‭ ‬ان‭ ‬ينتهي‭ ‬في‭ ‬أسرع‭ ‬وقت‭. ‬كما‭ ‬نص‭ ‬على‭ ‬ان‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬فعلته‭ ‬إسرائيل‭ ‬في‭ ‬الأراضي‭ ‬المحتلة‭ ‬لا‭ ‬شرعية‭ ‬له،‭ ‬والمستوطنات‭ ‬بالذات‭ ‬لا‭ ‬شرعية‭ ‬لها‭ ‬ويجب‭ ‬ان‭ ‬تتم‭ ‬ازالتها‭ ‬كلها‭. ‬هذا‭ ‬هو‭ ‬ما‭ ‬يحتمه‭ ‬القانون‭ ‬الدولي‭ ‬الذي‭ ‬يجرم‭ ‬الاحتلال‭ ‬ويجرم‭ ‬أي‭ ‬تغيير‭ ‬يجريه‭ ‬الاحتلال‭ ‬في‭ ‬الأراضي‭ ‬المحتلة‭.‬

غير‭ ‬هذا،‭ ‬هناك‭ ‬ثلاثة‭ ‬امور‭ ‬نص‭ ‬عليها‭ ‬رأي‭ ‬المحكمة‭ ‬لها‭ ‬أهمية‭ ‬خاصة‭:‬

الأول‭: ‬أن‭ ‬سلطات‭ ‬الاحتلال‭ ‬الاسرائيلي‭ ‬ملزمة‭ ‬بدفع‭ ‬تعويضات‭ ‬للشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬عن‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬حل‭ ‬به‭ ‬منذ‭ ‬بدء‭ ‬الاحتلال‭. ‬أي‭ ‬انه‭ ‬ليس‭ ‬مطلوبا‭ ‬فقط‭ ‬بحكم‭ ‬القانون‭ ‬الدولي‭ ‬إزالة‭ ‬الاحتلال‭ ‬وكل‭ ‬آثاره‭ ‬وانما‭ ‬التعويض‭ ‬عن‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬ارتكبه‭ ‬الاحتلال‭.‬

والثاني‭: ‬أن‭ ‬كل‭ ‬دول‭ ‬العالم‭ ‬بلا‭ ‬استثناء،‭ ‬ومجلس‭ ‬الأمن‭ ‬والجمعية‭ ‬العامة‭ ‬للأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬مطالبة‭ ‬وبشكل‭ ‬ملزم‭ ‬بعدم‭ ‬الاعتراف‭ ‬بأي‭ ‬شرعية‭ ‬للاحتلال‭. ‬ويعني‭ ‬هذا‭ ‬بالطبع‭ ‬ان‭ ‬أي‭ ‬دولة‭ ‬لا‭ ‬تجرم‭ ‬الاحتلال‭ ‬ترتكب‭ ‬هي‭ ‬نفسها‭ ‬جريمة‭ ‬بحق‭ ‬القانون‭ ‬الدولي‭.‬

والثالث‭: ‬انه‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الإطار‭ ‬فإن‭ ‬كل‭ ‬دول‭ ‬العالم‭ ‬يجب‭ ‬ان‭ ‬تمتنع‭ ‬عن‭ ‬تقديم‭ ‬أي‭ ‬مساعدة‭ ‬او‭ ‬دعم‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬نوع‭ ‬للاحتلال‭ ‬ويكون‭ ‬من‭ ‬شأنه‭ ‬ابقاؤه‭ ‬في‭ ‬الأراضي‭ ‬المحتلة‭. ‬أي‭ ‬ان‭ ‬أي‭ ‬دولة‭ ‬تقدم‭ ‬أي‭ ‬دعم‭ ‬عسكري‭ ‬او‭ ‬سياسي‭ ‬او‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬نوع‭ ‬للكيان‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬ترتكب‭ ‬أيضا‭ ‬جريمة‭ ‬في‭ ‬حق‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬وفي‭ ‬حق‭ ‬القانون‭ ‬الدولي‭.‬

‭  ‬كما‭ ‬نرى،‭ ‬هذه‭ ‬الجوانب‭ ‬تجعل‭ ‬من‭ ‬رأي‭ ‬محكمة‭ ‬العدل‭ ‬تطورا‭ ‬في‭ ‬غاية‭ ‬الأهمية‭ ‬مبدئيا‭ ‬ونظريا‭ ‬ويضع‭ ‬كل‭ ‬دول‭ ‬العالم‭ ‬امام‭ ‬مسئولياتها‭ ‬في‭ ‬انهاء‭ ‬الاحتلال‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬وانصاف‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬بالحصول‭ ‬على‭ ‬حقوقه‭ ‬المشروعة‭.‬

بعد‭ ‬صدور‭ ‬هذا‭ ‬الرأي‭ ‬بهذا‭ ‬الحسم‭ ‬من‭ ‬المفروض‭ ‬ان‭ ‬تتكاتف‭ ‬إرادة‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن‭ ‬والجمعية‭ ‬العامة‭ ‬للأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬تنفيذه‭ ‬بإلزام‭ ‬السلطات‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬بإنهاء‭ ‬الاحتلال‭ ‬فورا‭ ‬وكل‭ ‬ما‭ ‬يترتب‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬تبعات‭ ‬على‭ ‬نحو‭ ‬ما‭ ‬ذكرت‭ ‬المحكمة‭.‬

لكن‭ ‬للأسف‭ ‬الشديد‭ ‬الكل‭ ‬يعلم‭ ‬ان‭ ‬هذا‭ ‬لن‭ ‬يحدث،‭ ‬والكل‭ ‬يعلم‭ ‬انه‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬ان‭ ‬هذا‭ ‬الرأي‭ ‬يجسد‭ ‬إرادة‭ ‬المجتمع‭ ‬الدولي،‭ ‬ويجسد‭ ‬حكم‭ ‬القانون‭ ‬الدولي‭ ‬وما‭ ‬يحتمه،‭ ‬فإن‭ ‬هذا‭ ‬الرأي‭ ‬لن‭ ‬ينفذ‭. ‬سيحدث‭ ‬هذا‭ ‬مثلما‭ ‬حدث‭ ‬مع‭ ‬عشرات‭ ‬القرارات‭ ‬الدولية‭ ‬الملزمة‭ ‬الشبيهة‭ ‬التي‭ ‬صدرت‭ ‬عبر‭ ‬العقود‭ ‬الماضية‭.‬

السبب‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬ان‭ ‬إرادة‭ ‬المجتمع‭ ‬الدولي‭ ‬مشلولة‭. ‬إرادة‭ ‬المجتمع‭ ‬الدولي‭ ‬تمت‭ ‬مصادرتها‭. ‬الكل‭ ‬يعلم‭ ‬ان‭ ‬أمريكا‭ ‬والدول‭ ‬الغربية‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬تشل‭ ‬إرادة‭ ‬المجتمع‭ ‬الدولي‭ ‬وتمنع‭ ‬تنفيذ‭ ‬القانون‭ ‬الدولي‭. ‬هي‭ ‬التي‭ ‬تحمي‭ ‬الكيان‭ ‬الاسرائيلي‭ ‬والاحتلال،‭ ‬وهي‭ ‬التي‭ ‬تدعمه‭ ‬وتمكنه‭ ‬من‭ ‬استمرار‭ ‬احتلاله‭ ‬ومواصلة‭ ‬ارتكاب‭ ‬جرائم‭ ‬الحرب‭ ‬والابادة‭ ‬التي‭ ‬يرتكبها‭. ‬والدول‭ ‬الغربية‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬تمنع‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن‭ ‬وكل‭ ‬المنظمات‭ ‬الدولية‭ ‬من‭ ‬لعب‭ ‬دورها‭ ‬في‭ ‬انهاء‭ ‬الاحتلال‭ ‬وانصاف‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬بهيمنته‭ ‬عليها‭.‬

حقيقة‭ ‬الأمر‭ ‬ان‭ ‬جرم‭ ‬الدول‭ ‬الغربية‭ ‬لا‭ ‬يقل‭ ‬جرما‭ ‬عن‭ ‬الاحتلال‭ ‬الاسرائيلي‭ ‬بل‭ ‬أكبر‭ ‬منه،‭ ‬ذلك‭ ‬انها‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬تمكن‭ ‬الاحتلال‭ ‬من‭ ‬الاستمرار‭ ‬ومن‭ ‬ارتكاب‭ ‬كل‭ ‬جرائمه‭.‬

إقرأ أيضا لـ"السيـــــــد زهـــــــره"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا