العدد : ١٧٠٧٨ - الأربعاء ٢٥ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٤ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٧٨ - الأربعاء ٢٥ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٤ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

يوميات سياسية

السيـــــــد زهـــــــره

سرُّ ثورة 23 يوليو

مِن‭ ‬بين‭ ‬كل‭ ‬الثورات‭ ‬في‭ ‬التاريخ‭ ‬العربي‭ ‬تبقى‭ ‬ثورة‭ ‬23‭ ‬يوليو‭ ‬هي‭ ‬الحاضرة‭ ‬دوما‭ ‬في‭ ‬الوعي‭ ‬والوجدان‭ ‬المصري‭ ‬والعربي‭. ‬في‭ ‬كل‭ ‬عام‭ ‬في‭ ‬ذكرى‭ ‬الثورة‭ ‬يتجدد‭ ‬الاحتفاء‭ ‬بها‭ ‬وبإنجازاتها‭ ‬على‭ ‬كافة‭ ‬المستويات‭ ‬الشعبية‭ ‬والرسمية‭.‬

ما‭ ‬سرُّ‭ ‬هذه‭ ‬المكانة‭ ‬الفريدة‭ ‬التي‭ ‬تحتلها‭ ‬ثورة‭ ‬23‭ ‬يوليو؟

السرُّ‭ ‬يكمن‭ ‬في‭ ‬عوامل‭ ‬كثيرة،‭ ‬لكن‭ ‬في‭ ‬مقدمتها‭ ‬ثلاثة‭ ‬كبرى‭:‬

أولا‭: ‬شخصية‭ ‬زعيم‭ ‬الثورة،‭ ‬جمال‭ ‬عبدالناصر‭.‬

لم‭ ‬يكن‭ ‬جمال‭ ‬عبدالناصر‭ ‬زعيما‭ ‬عاديا‭. ‬كان‭ ‬من‭ ‬نوع‭ ‬القيادات‭ ‬الفذة‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تتكرر‭ ‬كثيرا‭ ‬في‭ ‬التاريخ‭.‬

زعامة‭ ‬عبدالناصر‭ ‬لم‭ ‬تأت‭ ‬من‭ ‬فراغ‭. ‬كانت‭ ‬محصلة‭ ‬لحظة‭ ‬تاريخية‭ ‬فارقة،‭ ‬وخصال‭ ‬فريدة‭ ‬تمتع‭ ‬بها،‭ ‬وأدوار‭ ‬مشهودة‭ ‬لعبها‭.‬

لم‭ ‬يحدث‭ ‬في‭ ‬التاريخ‭ ‬العربي‭ ‬أن‭ ‬حظي‭ ‬زعيمٌ‭ ‬بالشعبية‭ ‬التي‭ ‬حظي‭ ‬بها‭ ‬عبدالناصر‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭.. ‬الشعوب‭ ‬العربية‭ ‬اعتبرت‭ ‬عبدالناصر‭ ‬دوما‭ ‬رمزا‭ ‬للوطنية‭ ‬والعروبة‭ ‬والإخلاص‭ ‬والنزاهة‭ ‬والشرف‭.. ‬إلى‭ ‬آخر‭ ‬الخصال‭ ‬التي‭ ‬تتطلع‭ ‬إليها‭ ‬الشعوب‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬زعامة‭ ‬وطنية‭.‬

حتى‭ ‬أعداء‭ ‬عبدالناصر‭ ‬والثورة،‭ ‬وحتى‭ ‬الذين‭ ‬يتحدثون‭ ‬فقط‭ ‬عن‭ ‬أخطاء‭ ‬ارتكبها،‭ ‬يجمعون‭ ‬على‭ ‬احترامه‭ ‬وتقديره‭. ‬الكل‭ ‬يجمع‭ ‬على‭ ‬تجرده‭ ‬ووطنيته‭ ‬ونزاهته‭ ‬وإخلاصه‭.‬

ثانيا‭: ‬إن‭ ‬ثورة‭ ‬يوليو‭ ‬سعت‭ ‬إلى‭ ‬تحقيق‭ ‬أكبر‭ ‬ما‭ ‬تطمح‭ ‬إليه‭ ‬الشعوب؛‭ ‬أي‭ ‬العدل‭ ‬الاجتماعي‭. ‬

بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬الشعب‭ ‬المصري،‭ ‬هذا‭ ‬أكبر‭ ‬إنجازات‭ ‬الثورة‭ ‬على‭ ‬الإطلاق‭. ‬الثورة‭ ‬أنصفت‭ ‬الفقراء‭. ‬فلولا‭ ‬الثورة‭ ‬وبرامجها‭ ‬وسياساتها‭ ‬للإصلاح‭ ‬والتغيير‭ ‬الاجتماعي‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬عشرات‭ ‬الملايين‭ ‬من‭ ‬المصريين‭ ‬قد‭ ‬أتيحت‭ ‬لهم‭ ‬فرص‭ ‬التعليم‭ ‬المجاني،‭ ‬والرعاية‭ ‬الصحية،‭ ‬والعمل‭.. ‬إلخ‭.‬

المصريون‭ ‬لا‭ ‬ينسون‭ ‬أبدا‭ ‬إرث‭ ‬الثورة‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬العدل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬خصوصا‭ ‬عندما‭ ‬يـتأملون‭ ‬التطورات‭ ‬التي‭ ‬حدثت‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المجال‭.‬

ثالثا‭: ‬إن‭ ‬الثورة‭ ‬تمثل‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬الشعوب‭ ‬العربية‭ ‬رمزا‭ ‬للتحرر‭ ‬والاستقلال‭ ‬والعزة‭ ‬والكرامة‭ ‬العربية‭.‬

الثورة‭ ‬اندلعت‭ ‬في‭ ‬مرحلة‭ ‬فاصلة‭ ‬في‭ ‬التاريخ‭ ‬العربي‭. ‬مرحلة‭ ‬انحسار‭ ‬الاستعمار‭ ‬والسعي‭ ‬إلى‭ ‬التحرر‭ ‬والاستقلال‭ ‬وبناء‭ ‬الدولة‭ ‬العربية‭. ‬في‭ ‬تلك‭ ‬المرحلة‭ ‬الفاصلة‭ ‬قاد‭ ‬عبدالناصر‭ ‬معركة‭ ‬الاستقلال‭ ‬العربية‭ ‬بكل‭ ‬قوة،‭ ‬وباسم‭ ‬العرب‭ ‬تعامل‭ ‬مع‭ ‬قادة‭ ‬الدول‭ ‬الكبرى‭ ‬من‭ ‬موقع‭ ‬الند‭ ‬مدافعا‭ ‬عن‭ ‬حرية‭ ‬واستقلال‭ ‬وكرامة‭ ‬العرب‭. ‬

ورسخ‭ ‬عبدالناصر‭ ‬لدى‭ ‬الشعوب‭ ‬العربية‭ ‬قيم‭ ‬الحرية‭ ‬والاعتزاز‭ ‬والفخر‭ ‬بالعروبة‭ ‬والانتماء‭ ‬إلى‭ ‬الأمة‭ ‬العربية،‭ ‬ورسخ‭ ‬القناعة‭ ‬بأن‭ ‬العرب‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يحتلوا‭ ‬مكانتهم‭ ‬اللائقة‭ ‬على‭ ‬خريطة‭ ‬العالم‭. ‬وكان‭ ‬عبدالناصر‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬ملهما‭ ‬لحركة‭ ‬التحرٌّرِ‭ ‬الوطني‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬الثالث‭ ‬كله،‭ ‬وكانت‭ ‬شعوبٌ‭ ‬كثيرةٌ‭ ‬في‭ ‬إفريقيا‭ ‬وغيرها‭ ‬يعتبرونه‭ ‬معبرا‭ ‬عنهم‭ ‬وعن‭ ‬آمالهم‭ ‬التحررية‭.‬

هذه‭ ‬باختصار‭ ‬شديد‭ ‬بعض‭ ‬العوامل‭ ‬الأساسية‭ ‬التي‭ ‬تجعل‭ ‬ثورة‭ ‬يوليو‭ ‬حاضرة‭ ‬دوما‭ ‬في‭ ‬الوعي‭ ‬والوجدان‭ ‬العربي‭.‬

بالطبع‭ ‬أن‭ ‬يتحدث‭ ‬كثيرون‭ ‬باستمرار‭ ‬كلما‭ ‬أتى‭ ‬ذكر‭ ‬ثورة‭ ‬يوليو‭ ‬عن‭ ‬الأخطاء‭ ‬الفادحة‭ ‬التي‭ ‬ارتكبتها‭ ‬الثورة‭.. ‬وهذا‭ ‬صحيح‭.. ‬صحيح‭ ‬أن‭ ‬الثورة‭ ‬كانت‭ ‬لها‭ ‬أخطاء‭ ‬كثيرة‭ ‬بعضها‭ ‬فادح،‭ ‬لكن‭ ‬في‭ ‬المحصلة‭ ‬النهائية‭ ‬تظل‭ ‬الثورة‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬المواطنين‭ ‬العرب،‭ ‬أو‭ ‬أغلبيتهم‭ ‬الساحقة،‭ ‬نموذجا‭ ‬يعتزون‭ ‬به‭ ‬ويفتخرون‭ ‬في‭ ‬تاريخنا‭ ‬العربي‭.‬

اليوم‭ ‬والشعوب‭ ‬العربية‭ ‬تتابع‭ ‬ما‭ ‬يجري‭ ‬على‭ ‬ساحة‭ ‬فلسطين‭ ‬والأراضي‭ ‬العربية‭ ‬من‭ ‬مآسٍ،‭ ‬وما‭ ‬وصل‭ ‬إليه‭ ‬حالنا‭ ‬من‭ ‬مهانة‭ ‬وعجز،‭ ‬فإنها‭ ‬تتطلع‭ ‬إلى‭ ‬هذه‭ ‬العوامل‭ ‬التي‭ ‬بسببها‭ ‬تعلقت‭ ‬بثورة‭ ‬يوليو‭.. ‬تتطلع‭ ‬إلى‭ ‬زعامة‭ ‬وطنية‭ ‬توحِّد‭ ‬الأمة‭ ‬وتدافع‭ ‬عن‭ ‬الكرامة‭ ‬العربية‭ ‬والاستقلال‭.. ‬تتطلع‭ ‬إلى‭ ‬العدل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬وإنصاف‭ ‬الفقراء‭ ‬وحمايتهم‭.. ‬وتتطلع‭ ‬إلى‭ ‬ردِّ‭ ‬الاعتبار‭ ‬لقيم‭ ‬الحرية‭ ‬والكرامة‭ ‬والعزة‭ ‬العربية‭.. ‬تتطلع‭ ‬إلى‭ ‬أمة‭ ‬عربية‭ ‬لها‭ ‬مكانة‭ ‬تليق‭ ‬بها‭ ‬في‭ ‬العالم‭.‬

إقرأ أيضا لـ"السيـــــــد زهـــــــره"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا