العدد : ١٧٠٨٢ - الأحد ٢٩ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٨ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٨٢ - الأحد ٢٩ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٨ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

سيناريوهات «الحرب المفتوحة» في الشرق الأوسط

بقلم: د. علي الدين هلال

الاثنين ١٢ أغسطس ٢٠٢٤ - 02:00

تقف‭ ‬منطقة‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط،‭ ‬وربما‭ ‬العالم،‭ ‬مترقبًا‭ ‬الحدث‭ ‬الكبير‭ ‬الذي‭ ‬يتوقع‭ ‬الجميع‭ ‬حدوثه،‭ ‬ولكن‭ ‬لا‭ ‬أحد‭ ‬يعرف‭ ‬متى‭ ‬يحدث؟‭ ‬ومكان‭ ‬حدوثه‭ ‬وتداعياته‭. ‬ويدعو‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬زعماء‭ ‬الدول‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬وخارجها‭ ‬إلى‭ ‬ضبط‭ ‬النفس‭ ‬وعدم‭ ‬التصعيد،‭ ‬لكن‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬تأثير‭ ‬واضح‭. ‬والحدث‭ ‬الكبير‭ ‬المرتقب‭ ‬هو‭ ‬رد‭ ‬فعل‭ ‬إيران‭ ‬وحزب‭ ‬الله‭ ‬اللبناني‭ ‬وحركة‭ ‬حماس‭ ‬على‭ ‬قيام‭ ‬إسرائيل‭ ‬بسلسلة‭ ‬من‭ ‬الاغتيالات‭ ‬النوعية‭ ‬المؤثرة‭ ‬لعدد‭ ‬من‭ ‬قادتها‭ ‬في‭ ‬طهران‭ ‬وبيروت‭ ‬وقطاع‭ ‬غزة‭. ‬وكان‭ ‬اغتيال‭ ‬إسماعيل‭ ‬هنية،‭ ‬رئيس‭ ‬المكتب‭ ‬السياسي‭ ‬لحركة‭ ‬حماس،‭ ‬في‭ ‬31‭ ‬يوليو‭ ‬2024،‭ ‬بمثابة‭ ‬إهانة‭ ‬وإحراج‭ ‬للدولة‭ ‬الإيرانية‭ ‬واستفزاز‭ ‬لها‭ ‬لعدم‭ ‬قدرتها‭ ‬على‭ ‬حماية‭ ‬ضيف‭ ‬رسمي،‭ ‬قَدم‭ ‬إليها‭ ‬للمشاركة‭ ‬في‭ ‬حفل‭ ‬تنصيب‭ ‬رئيسها‭ ‬الجديد،‭ ‬مسعود‭ ‬بزشكيان‭. ‬ويسود‭ ‬المنطقة‭ ‬شعور‭ ‬بالخوف‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬تؤدي‭ ‬ردود‭ ‬الفعل‭ ‬المتوقعة‭ ‬إلى‭ ‬تغيير‭ ‬قواعد‭ ‬الاشتباك‭ ‬بين‭ ‬إسرائيل‭ ‬وكل‭ ‬من‭ ‬إيران‭ ‬ووكلائها،‭ ‬والانجرار‭ ‬نحو‭ ‬حرب‭ ‬إقليمية‭ ‬مفتوحة‭.‬

1-‭ ‬رد‭ ‬إيران‭: ‬توعدت‭ ‬إيران‭ ‬بأن‭ ‬الرد‭ ‬قادم‭ ‬لا‭ ‬محالة،‭ ‬وأكد‭ ‬المرشد‭ ‬الأعلى،‭ ‬على‭ ‬خامنئي،‭ ‬في‭ ‬نفس‭ ‬يوم‭ ‬اغتيال‭ ‬هنية،‭ ‬أن‭ ‬الرد‭ ‬سيكون‭ ‬‮«‬قاسيًا‮»‬،‭ ‬وأن‭ ‬التصرف‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬مهد‭ ‬الطريق‭ ‬لمعاقبتها‭ ‬بقسوة‭. ‬وصرح‭ ‬الرئيس‭ ‬الإيراني،‭ ‬بزشكيان،‭ ‬بأن‭ ‬منفذي‭ ‬الاغتيال‭ ‬‮«‬سيرون‭ ‬قريبًا‭ ‬عواقب‭ ‬عملهم‭ ‬الجبان‮»‬‭. ‬وأعلن‭ ‬حزب‭ ‬الله‭ ‬على‭ ‬لسان‭ ‬أمينه‭ ‬العام،‭ ‬حسن‭ ‬نصر‭ ‬الله،‭ ‬في‭ ‬1‭ ‬أغسطس‭ ‬الجاري،‭ ‬أنه‭ ‬‮«‬على‭ ‬العدو‭ ‬ومن‭ ‬خلفه‭ ‬أن‭ ‬ينتظر‭ ‬ردنا‮»‬‭. ‬ووصف‭ ‬بيان‭ ‬حماس،‭ ‬في‭ ‬31‭ ‬يوليو‭ ‬الماضي،‭ ‬اغتيال‭ ‬هنية‭ ‬بأنه‭ ‬‮«‬حادث‭ ‬فارق‭ ‬وخطر‭ ‬وسينقل‭ ‬المعركة‭ ‬إلى‭ ‬أبعاد‭ ‬جديدة‮»‬‭.‬

وفي‭ ‬الأيام‭ ‬القليلة‭ ‬الماضية،‭ ‬ثارت‭ ‬أسئلة‭ ‬عديدة‭ ‬بشأن‭ ‬متى‭ ‬يكون‭ ‬هذا‭ ‬الرد؟‭ ‬وهل‭ ‬سيأتي‭ ‬منفردًا‭ ‬من‭ ‬جانب‭ ‬إيران‭ ‬أم‭ ‬يكون‭ ‬بالتنسيق‭ ‬مع‭ ‬حزب‭ ‬الله‭ ‬اللبناني‭ ‬ووكلاء‭ ‬طهران‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬وسوريا‭ ‬واليمن؟‭ ‬وهل‭ ‬يكتفي‭ ‬حزب‭ ‬الله‭ ‬بالاشتراك‭ ‬في‭ ‬عمل‭ ‬عسكري‭ ‬مع‭ ‬أطراف‭ ‬أخرى،‭ ‬أم‭ ‬يقدم‭ ‬على‭ ‬رد‭ ‬فعل‭ ‬مستقل؟

الطرف‭ ‬الأهم‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المعادلة‭ ‬هو‭ ‬إيران،‭ ‬التي‭ ‬تضع‭ ‬يدها‭ ‬على‭ ‬زناد‭ ‬الحرب‭ ‬الكبرى‭ ‬أو‭ ‬الشاملة‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭. ‬فهي‭ ‬دولة‭ ‬إقليمية‭ ‬كبيرة،‭ ‬لها‭ ‬رؤيتها‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬لمستقبل‭ ‬المنطقة‭ ‬ولدورها‭ ‬القيادي‭ ‬فيه،‭ ‬ولها‭ ‬حساباتها‭ ‬بشأن‭ ‬التوازنات‭ ‬بين‭ ‬القوى‭ ‬الفاعلة‭ ‬في‭ ‬الإقليم‭ ‬ومع‭ ‬القوى‭ ‬الكبرى‭ ‬في‭ ‬العالم‭. ‬ولن‭ ‬تقوم‭ ‬إيران‭ ‬بعمل‭ ‬متسرع‭ ‬خارج‭ ‬عن‭ ‬هذه‭ ‬الحسابات،‭ ‬أو‭ ‬مخالف‭ ‬لعقيدتها‭ ‬العسكرية‭ ‬تجاه‭ ‬إسرائيل،‭ ‬والتي‭ ‬تنهض‭ ‬على‭ ‬ثلاث‭ ‬ركائز‭: ‬الأولى‭ ‬أن‭ ‬المواجهة‭ ‬مع‭ ‬إسرائيل‭ ‬‮«‬طويلة‮»‬‭ ‬تعمل‭ ‬فيها‭ ‬إيران‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬تعيش‭ ‬إسرائيل‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬شعور‭ ‬دائم‭ ‬بالخطر‭ ‬وعدم‭ ‬الأمان،‭ ‬ومن‭ ‬هنا‭ ‬يأتي‭ ‬التزام‭ ‬طهران‭ ‬بسياسة‭ ‬‮«‬النفس‭ ‬الطويل‮»‬‭ ‬أو‭ ‬ما‭ ‬يُسمى‭ ‬بـ«الصبر‭ ‬الاستراتيجي‮»‬‭. ‬والثانية،‭ ‬حصار‭ ‬إسرائيل‭ ‬بعدد‭ ‬من‭ ‬التنظيمات‭ ‬المسلحة‭ ‬الموالية‭ ‬لإيران،‭ ‬التي‭ ‬تستطيع‭ ‬كل‭ ‬منها‭ ‬ضرب‭ ‬العمق‭ ‬الإسرائيلي،‭ ‬مما‭ ‬يُشكل‭ ‬‮«‬حلقة‭ ‬من‭ ‬النار‮»‬،‭ ‬بحسب‭ ‬التعبير‭ ‬الذي‭ ‬ورد‭ ‬في‭ ‬مقال‭ ‬بعنوان‭ ‬‮«‬إسرائيل‭ ‬على‭ ‬حافة‭ ‬الهاوية‮»‬‭ ‬في‭ ‬صحيفة‭ ‬‮«‬يديعوت‭ ‬أحرونوت‮»‬‭ ‬يوم‭ ‬1‭ ‬أغسطس‭ ‬الجاري؛‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬يُتيح‭ ‬لإيران‭ ‬اتباع‭ ‬سياسة‭ ‬‮«‬الضرب‭ ‬عن‭ ‬بُعد‮»‬‭. ‬والركيزة‭ ‬الثالثة‭ ‬هي‭ ‬تحاشي‭ ‬نشوب‭ ‬حرب‭ ‬مباشرة‭ ‬مع‭ ‬إسرائيل؛‭ ‬إذ‭ ‬تعلم‭ ‬طهران‭ ‬مُقدمًا‭ ‬أن‭ ‬واشنطن‭ ‬سوف‭ ‬تشارك‭ ‬فيها‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬تل‭ ‬أبيب‭.‬

والضغوط‭ ‬على‭ ‬إيران‭ ‬اليوم‭ ‬كثيرة‭ ‬ومتداخلة‭ ‬ومتقاطعة،‭ ‬فهي‭ ‬مصممة‭ ‬على‭ ‬القيام‭ ‬بعمل‭ ‬عسكري‭ ‬ردًا‭ ‬على‭ ‬انتهاك‭ ‬سيادتها‭ ‬واختراق‭ ‬حدودها،‭ ‬بحكم‭ ‬أن‭ ‬اغتيال‭ ‬هنية‭ ‬تم‭ ‬على‭ ‬أرض‭ ‬إيرانية‭. ‬ويزيد‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬التصميم،‭ ‬الآراء‭ ‬التي‭ ‬ذهبت‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬بعض‭ ‬أجهزة‭ ‬الأمن‭ ‬في‭ ‬إيران‭ ‬ربما‭ ‬تكون‭ ‬متورطة‭ ‬فيما‭ ‬حدث،‭ ‬وغضت‭ ‬النظر‭ ‬عنه‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تفاهمات‭ ‬مع‭ ‬واشنطن‭. ‬وسوف‭ ‬يكون‭ ‬الحكم‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬صحة‭ ‬هذه‭ ‬الآراء‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬جدية‭ ‬التحقيقات‭ ‬التي‭ ‬تجريها‭ ‬النيابة‭ ‬العامة‭ ‬في‭ ‬طهران،‭ ‬ثم‭ ‬في‭ ‬نوعية‭ ‬الرد‭ ‬العسكري‭ ‬الذي‭ ‬سوف‭ ‬تقوم‭ ‬به‭.‬

لكن‭ ‬الرد‭ ‬العسكري‭ ‬الإيراني‭ ‬يقيده‭ ‬عدم‭ ‬رغبة‭ ‬إيران‭ ‬في‭ ‬الدخول‭ ‬في‭ ‬حرب‭ ‬مع‭ ‬إسرائيل،‭ ‬وكسب‭ ‬مزيد‭ ‬من‭ ‬الوقت‭ ‬لاستكمال‭ ‬مشروع‭ ‬إنتاجها‭ ‬للسلاح‭ ‬النووي‭. ‬وسوف‭ ‬يتأثر‭ ‬القرار‭ ‬أيضًا‭ ‬بتولي‭ ‬رئيس‭ ‬جمهورية‭ ‬من‭ ‬التيار‭ ‬الإصلاحي‭ ‬السلطة،‭ ‬والذي‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬أول‭ ‬قراراته‭ ‬اختيار‭ ‬وزير‭ ‬الخارجية‭ ‬الأسبق،‭ ‬محمد‭ ‬جواد‭ ‬ظريف،‭ ‬مساعدًا‭ ‬للرئيس‭ ‬للشؤون‭ ‬الاستراتيجية،‭ ‬وهو‭ ‬من‭ ‬أبرز‭ ‬رموز‭ ‬الحوار‭ ‬مع‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬والغرب،‭ ‬ولا‭ ‬يرغب‭ ‬بزشكيان‭ ‬أن‭ ‬يبدأ‭ ‬فترة‭ ‬ولايته‭ ‬باتخاذ‭ ‬قرار‭ ‬حرب‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬السيطرة‭ ‬عليه‭.‬

أضف‭ ‬إلى‭ ‬ذلك،‭ ‬أن‭ ‬طهران‭ ‬لها‭ ‬تقديراتها‭ ‬بشأن‭ ‬موقف‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬تجاه‭ ‬الأحداث‭ ‬الجارية،‭ ‬وخاصةً‭ ‬في‭ ‬ضوء‭ ‬ما‭ ‬تم‭ ‬إعلانه‭ ‬في‭ ‬الاتصال‭ ‬بين‭ ‬الرئيس‭ ‬الأمريكي‭ ‬جو‭ ‬بايدن،‭ ‬ورئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬بنيامين‭ ‬نتنياهو،‭ ‬في‭ ‬1‭ ‬أغسطس،‭ ‬الذي‭ ‬جدد‭ ‬فيه‭ ‬بايدن‭ ‬التزامه‭ ‬بأمن‭ ‬إسرائيل‭ ‬ضد‭ ‬التهديدات‭ ‬من‭ ‬إيران‭ ‬وحماس‭ ‬وحزب‭ ‬الله‭ ‬والحوثيين،‭ ‬وأن‭ ‬واشنطن‭ ‬قامت‭ ‬فعلًا‭ ‬بزيادة‭ ‬وجودها‭ ‬العسكري‭ ‬في‭ ‬الخليج‭ ‬وشرق‭ ‬المتوسط‭ ‬والبحر‭ ‬الأحمر‭.‬

وتسعى‭ ‬إيران‭ ‬لمعاقبة‭ ‬إسرائيل‭ ‬وإثبات‭ ‬قدرتها‭ ‬على‭ ‬اختراق‭ ‬حدودها‭ ‬والدخول‭ ‬بطائراتها‭ ‬وصواريخها‭ ‬إلى‭ ‬العمق‭ ‬الإسرائيلي،‭ ‬وأن‭ ‬‮«‬القبة‭ ‬الحديدية‮»‬‭ ‬غير‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬وقفها،‭ ‬لكن‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يترتب‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬خسائر‭ ‬بشرية‭ ‬كبيرة‭ ‬أو‭ ‬الانزلاق‭ ‬إلى‭ ‬حرب‭ ‬بين‭ ‬الطرفين‭. ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬حدث‭ ‬بالضبط‭ ‬في‭ ‬الهجوم‭ ‬الإيراني‭ ‬على‭ ‬إسرائيل‭ ‬في‭ ‬13‭ ‬إبريل‭ ‬الماضي،‭ ‬ردًا‭ ‬على‭ ‬هجوم‭ ‬إسرائيل‭ ‬على‭ ‬مبنى‭ ‬القنصلية‭ ‬الإيرانية‭ ‬في‭ ‬دمشق‭ ‬قبلها‭ ‬بأسبوعين‭.‬

وقد‭ ‬يأتي‭ ‬رد‭ ‬إيران‭ ‬منفردًا،‭ ‬لتأكيد‭ ‬أنها‭ ‬تعاقب‭ ‬إسرائيل‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬قامت‭ ‬به‭ ‬على‭ ‬أراضيها‭. ‬وقد‭ ‬يأخذ‭ ‬شكل‭ ‬الهجوم‭ ‬السيبراني‭ ‬الموجه‭ ‬ضد‭ ‬أهداف‭ ‬حيوية‭ ‬إسرائيلية‭ ‬كخطوط‭ ‬الاتصالات‭ ‬والكهرباء،‭ ‬أو‭ ‬شكل‭ ‬الهجوم‭ ‬بالمُسيّرات‭ ‬والصواريخ‭ ‬ضد‭ ‬حقول‭ ‬الغاز‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬أو‭ ‬أهداف‭ ‬أخرى‭. ‬وهناك‭ ‬أيضًا‭ ‬سيناريو‭ ‬أن‭ ‬تقوم‭ ‬إيران‭ ‬بالرد‭ ‬بالتنسيق‭ ‬مع‭ ‬وكلائها‭ ‬لإلحاق‭ ‬أكبر‭ ‬قدر‭ ‬من‭ ‬الأضرار‭ ‬بإسرائيل،‭ ‬ولإضعاف‭ ‬قدرتها‭ ‬على‭ ‬توجيه‭ ‬ضربة‭ ‬مقابلة‭. ‬وفي‭ ‬جميع‭ ‬الأحوال،‭ ‬فإن‭ ‬طهران‭ ‬سوف‭ ‬تقوم‭ ‬بإدارة‭ ‬تصعيد‭ ‬محسوب‭ ‬يمكنها‭ ‬السيطرة‭ ‬عليه،‭ ‬ولا‭ ‬يضطر‭ ‬تل‭ ‬أبيب‭ ‬للرد‭ ‬عليها‭.‬

2-‭ ‬مغامرة‭ ‬إسرائيل‭: ‬في‭ ‬ظل‭ ‬قيادة‭ ‬نتنياهو،‭ ‬تبدو‭ ‬إسرائيل‭ ‬الطرف‭ ‬الأكثر‭ ‬مغامرة‭ ‬واستعدادًا‭ ‬للتصعيد،‭ ‬بحكم‭ ‬رغبتها‭ ‬في‭ ‬استعادة‭ ‬‮«‬قوة‭ ‬الردع‮»‬‭ ‬التي‭ ‬سقطت‭ ‬يومي‭ ‬7‭ ‬أكتوبر‭ ‬2023‭ ‬على‭ ‬يد‭ ‬حماس،‭ ‬و13‭ ‬إبريل‭ ‬2024‭ ‬على‭ ‬يد‭ ‬إيران،‭ ‬وتجلت‭ ‬في‭ ‬عدم‭ ‬إحجام‭ ‬حزب‭ ‬الله‭ ‬اللبناني‭ ‬عن‭ ‬الرد‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬ضربة‭ ‬إسرائيلية‭ ‬في‭ ‬جنوب‭ ‬لبنان‭. ‬وربما‭ ‬تخدم‭ ‬سياسة‭ ‬الاغتيالات‭ ‬واستعراض‭ ‬العضلات،‭ ‬رغبة‭ ‬نتنياهو‭ ‬وقادة‭ ‬الجيش‭ ‬في‭ ‬تحقيق‭ ‬انتصارات،‭ ‬يقدمونها‭ ‬للرأي‭ ‬العام‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬كتعويض‭ ‬عن‭ ‬تقصير‭ ‬يوم‭ ‬7‭ ‬أكتوبر‭. ‬وتسعى‭ ‬تل‭ ‬أبيب‭ ‬أيضًا‭ ‬للاستفادة‭ ‬من‭ ‬الارتباك‭ ‬السياسي‭ ‬في‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬قبل‭ ‬الانتخابات‭ ‬الرئاسية‭ ‬المقررة‭ ‬في‭ ‬نوفمبر‭ ‬المقبل،‭ ‬وهي‭ ‬متأكدة‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬واشنطن‭ ‬سوف‭ ‬تقف‭ ‬معها‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬مواجهة‭ ‬ضد‭ ‬طهران؛‭ ‬لذلك‭ ‬صرح‭ ‬نتنياهو‭ ‬بأن‭ ‬إسرائيل‭ ‬تخوض‭ ‬حربًا‭ ‬متعددة‭ ‬الجبهات‭ ‬وأنها‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬مواجهة‭ ‬أي‭ ‬هجوم‭ ‬عليها‭.‬

في‭ ‬المقابل،‭ ‬تؤكد‭ ‬إسرائيل‭ ‬أنها‭ ‬لا‭ ‬ترغب‭ ‬في‭ ‬توسيع‭ ‬نطاق‭ ‬الحرب‭ ‬لتصبح‭ ‬حربًا‭ ‬إقليمية،‭ ‬ربما‭ ‬لأن‭ ‬جيشها‭ ‬منهك‭ ‬بعد‭ ‬انخراطه‭ ‬في‭ ‬عمليات‭ ‬قتالية‭ ‬شهورا‭ ‬طويلة‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬توقف؛‭ ‬ولأنها‭ ‬تعاني‭ ‬نقصًا‭ ‬في‭ ‬الذخائر‭ ‬والمعدات‭ ‬العسكرية‭ ‬بسبب‭ ‬توتر‭ ‬العلاقات‭ ‬أحيانًا‭ ‬مع‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬ولتفاقم‭ ‬مشكلات‭ ‬الانقسام‭ ‬الاجتماعي‭ ‬بسبب‭ ‬ازدياد‭ ‬شهية‭ ‬اليمين‭ ‬الديني‭ ‬المتطرف‭ ‬وسعيه‭ ‬لفرض‭ ‬أفكاره‭ ‬على‭ ‬المجتمع‭ ‬والدولة‭.‬

3-‭ ‬قيود‭ ‬حزب‭ ‬الله‭: ‬سيتعين‭ ‬على‭ ‬حزب‭ ‬الله‭ ‬اللبناني‭ ‬أن‭ ‬يرد‭ ‬على‭ ‬اغتيال‭ ‬قائده‭ ‬العسكري‭ ‬فؤاد‭ ‬شكر،‭ ‬وهو‭ ‬يمتلك‭ ‬القدرات‭ ‬العسكرية‭ ‬التي‭ ‬تمكنه‭ ‬من‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬أهداف‭ ‬اقتصادية‭ ‬حيوية‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬الجليل‭ ‬وتل‭ ‬أبيب‭. ‬وقام،‭ ‬في‭ ‬4‭ ‬أغسطس‭ ‬الجاري،‭ ‬باستهداف‭ ‬مستوطنة‭ ‬‮«‬بيت‭ ‬هلل‮»‬‭ ‬لأول‭ ‬مرة‭ ‬بعشرات‭ ‬الصواريخ‭. ‬كما‭ ‬أكد،‭ ‬يوم‭ ‬5‭ ‬أغسطس،‭ ‬أنه‭ ‬استهدف‭ ‬عددًا‭ ‬من‭ ‬الثكنات‭ ‬والمواقع‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬بـ«المُسيَّرات‭ ‬الانقضاضية‮»‬،‭ ‬معلنًا‭ ‬إيقاع‭ ‬قتلى‭ ‬وجرحى‭. ‬ومع‭ ‬أن‭ ‬حزب‭ ‬الله‭ ‬يتمتع‭ ‬بمساحة‭ ‬معتبرة‭ ‬من‭ ‬حرية‭ ‬اتخاذ‭ ‬القرار،‭ ‬فإن‭ ‬رد‭ ‬فعله‭ ‬سوف‭ ‬يكون‭ ‬مقيدًا‭ ‬بالوضع‭ ‬المتردي‭ ‬في‭ ‬لبنان،‭ ‬وبالتقدير‭ ‬الإيراني‭ ‬للوضع‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭.‬

4-‭ ‬موقف‭ ‬حماس‭: ‬يشعر‭ ‬قادة‭ ‬حماس‭ ‬بالرغبة‭ ‬في‭ ‬الرد‭ ‬على‭ ‬اغتيال‭ ‬رئيس‭ ‬مكتبهم‭ ‬السياسي،‭ ‬ولكن‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬تتحدد‭ ‬بالوضع‭ ‬العسكري‭ ‬للحركة‭ ‬على‭ ‬الأرض،‭ ‬وحجم‭ ‬ما‭ ‬تمتلكه‭ ‬من‭ ‬أسلحة‭ ‬وذخائر،‭ ‬ومدى‭ ‬تماسكها‭ ‬التنظيمي‭ ‬في‭ ‬ضوء‭ ‬الضربات‭ ‬المتلاحقة‭ ‬التي‭ ‬أصابت‭ ‬عددًا‭ ‬من‭ ‬قادتها‭ ‬العسكريين،‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬إعلان‭ ‬إسرائيل‭ ‬مقتل‭ ‬محمد‭ ‬الضيف،‭ ‬قائد‭ ‬كتائب‭ ‬عز‭ ‬الدين‭ ‬القسام‭ ‬وهي‭ ‬الجناح‭ ‬العسكري‭ ‬للحركة،‭ ‬ونائبه‭ ‬مروان‭ ‬عيسى‭. ‬لذلك،‭ ‬فقد‭ ‬يكون‭ ‬رد‭ ‬حماس‭ ‬في‭ ‬شكل‭ ‬هجوم‭ ‬ضخم‭ ‬بالصواريخ‭ ‬على‭ ‬إسرائيل‭.‬

5-‭ ‬أطراف‭ ‬أخرى‭: ‬من‭ ‬المتصور‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬للأطراف‭ ‬الأخرى‭ ‬الداعمة‭ ‬لإيران‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬دور،‭ ‬فهي‭ ‬قد‭ ‬تتصرف‭ ‬لأسبابها‭ ‬الخاصة،‭ ‬مثل‭ ‬أن‭ ‬تقوم‭ ‬جماعة‭ ‬الحوثيين‭ ‬في‭ ‬اليمن‭ ‬بعمل‭ ‬عسكري‭ ‬ردًا‭ ‬على‭ ‬الضربة‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬ضد‭ ‬قواعدها‭ ‬في‭ ‬ميناء‭ ‬الحديدة،‭ ‬أو‭ ‬أن‭ ‬تقوم‭ ‬قوات‭ ‬الحشد‭ ‬الشعبي‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬بالرد‭ ‬على‭ ‬الهجمات‭ ‬الأمريكية‭ ‬على‭ ‬قواعدها‭ ‬واستهداف‭ ‬أحد‭ ‬قادتها‭. ‬وقد‭ ‬تتصرف‭ ‬بالتنسيق‭ ‬مع‭ ‬إيران‭ ‬ووكلائها‭ ‬للقيام‭ ‬بعمليات‭ ‬عسكرية‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه‭ ‬أو‭ ‬بشكل‭ ‬متتالٍ‭. ‬ويُشار‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الصدد‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬تردد‭ ‬عن‭ ‬نقل‭ ‬أسلحة‭ ‬إيرانية‭ ‬يوم‭ ‬4‭ ‬أغسطس‭ ‬الجاري‭ ‬عبر‭ ‬منطقة‭ ‬البوكمال‭ ‬من‭ ‬العراق‭ ‬إلى‭ ‬الفصائل‭ ‬الموالية‭ ‬لإيران‭ ‬في‭ ‬دير‭ ‬الزور‭ ‬شرقي‭ ‬سوريا‭. ‬كما‭ ‬أُصيب‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬يقل‭ ‬عن‭ ‬خمسة‭ ‬جنود‭ ‬أمريكيين‭ ‬في‭ ‬هجوم‭ ‬على‭ ‬قاعدة‭ ‬عين‭ ‬الأسد‭ ‬في‭ ‬غرب‭ ‬العراق‭ ‬يوم‭ ‬5‭ ‬أغسطس‭.‬

نحن‭ ‬لم‭ ‬نتحدث‭ ‬عن‭ ‬روسيا‭ ‬التي‭ ‬قام‭ ‬سكرتير‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن‭ ‬القومي‭ ‬فيها،‭ ‬سيرجي‭ ‬شويجو،‭ ‬بزيارة‭ ‬لطهران‭ ‬يوم‭ ‬5‭ ‬أغسطس‭ ‬الجاري،‭ ‬أو‭ ‬عن‭ ‬الصين‭ ‬واحتمالات‭ ‬التدخل‭ ‬لدعم‭ ‬الحليف‭ ‬الإيراني‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬قيام‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬بالمشاركة‭ ‬في‭ ‬هجوم‭ ‬على‭ ‬طهران‭. ‬وتبدو‭ ‬الصورة‭ ‬قاتمة‭ ‬وسط‭ ‬مناخ‭ ‬من‭ ‬الغموض‭ ‬وعدم‭ ‬اليقين‭. ‬والأرجح‭ ‬أن‭ ‬الأيام‭ ‬المقبلة‭ ‬سوف‭ ‬تشهد‭ ‬مزيدًا‭ ‬من‭ ‬العنف،‭ ‬وأن‭ ‬التطور‭ ‬سوف‭ ‬يأخذ‭ ‬شكل‭ ‬الضربات‭ ‬العنيفة‭ ‬المتبادلة‭ ‬بين‭ ‬إسرائيل‭ ‬والأطراف‭ ‬الأخرى؛‭ ‬بحيث‭ ‬تزداد‭ ‬ضراوة‭ ‬واستخدامًا‭ ‬لأسلحة‭ ‬أكثر‭ ‬تقدمًا‭. ‬أما‭ ‬الحرب‭ ‬الإقليمية‭ ‬الشاملة‭ ‬التي‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تمتد‭ ‬لتشمل‭ ‬المصالح‭ ‬الأمريكية‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬ومصادر‭ ‬النفط‭ ‬والمضائق‭ ‬المائية؛‭ ‬فإنها‭ ‬‮«‬سيناريو‭ ‬كارثي‭ ‬مروع‮»‬‭ ‬ولا‭ ‬يُرجح‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬طرفًا‭ ‬يريد‭ ‬أن‭ ‬يتحمل‭ ‬مسؤولية‭ ‬حدوثه‭.‬

 

{‭ ‬أستاذ‭ ‬العلوم‭ ‬السياسية‭ ‬بجامعة‭ ‬القاهرة

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا