تتمتع دول مجلس التعاون الخليجي بمكانة رائدة في قطاع الطاقة العالمي، إذ تمثل نحو 20% من الطلب العالمي اليومي على صادرات النفط الخام. وفي ظل التحول العالمي نحو الطاقة المتجددة النظيفة والمستدامة، تبنت دول الخليج هذا التوجه، كجزء أساسي من خططها الاقتصادية طويلة الأجل، مستثمرة مليارات الدولارات بشكل جماعي في تطوير مشاريع توليد الطاقة المتجددة.
وإلى جانب الطاقة الكهرومائية وطاقة الرياح، تحتل الطاقة الشمسية الصدارة بين مصادر توليد الطاقة المتجددة. وبفضل الموقع الجغرافي والمناخ المميز لدول الخليج، يشير مراقبو قطاع الطاقة، مثل كارين يونج، ولي تشين سيم، من معهد الشرق الأوسط، إلى المزايا الكبيرة التي تتمتع بها المنطقة في هذا المجال.
وفي تقييمهما لمشهد الطاقة الشمسية في المنطقة، أشارت الباحثتان إلى التناقض بين الأهداف الاستراتيجية والظروف المواتية للطاقة الشمسية في الخليج، ومستوى التوسع الفعلي، لهذا المصدر الحيوي للطاقة. ولتجاوز هذه التحديات، قدّمتا عدة توصيات، أبرزها إجراء تعديلات تنظيمية يُعتقد أنها ستُحسن الكفاءة وتُسهم في تقليل العوائق المتبقية أمام التوسع الكبير في توليد الطاقة الشمسية، في جميع دول مجلس التعاون الخليجي.
وفيما يتعلق بالمشهد الحالي للطاقة الشمسية في الشرق الأوسط، وخاصة الخليج العربي، ورغم استفادة المنطقة من موارد الطاقة المتجددة بمستوى يفوق المتوسط العالمي؛ إلا أن إنتاجها من الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، لا يزال متأخرًا، مقارنة ببقية العالم، حيث يمثل إنتاج المنطقة 0.9% فقط من إجمالي توليد الطاقة المتجددة بالعالم في 2023.
ومع تحديد كل دولة من دول الخليج مواعيد لتحقيق أهداف طموحة للانبعاثات الصفرية الصافية، وأهداف نسبية لخفض انبعاثات الكربون، وزيادة مساهمة مصادر الطاقة المتجددة في إجمالي إنتاجها من الطاقة، مثل (تقليل الانبعاثات بنسبة 30% بحلول 2035، ورفع مساهمة الطاقة المتجددة إلى20% على الأقل بحلول 2030 في حالة البحرين، إلى جانب الاعتماد على توليد الهيدروجين، والطاقة الكهرومائية، وطاقة الرياح، والطاقة النووية)؛ تظل الطاقة الشمسية، واحدة من الوسائل الرئيسية لتحقيق هذه الأهداف الطموحة.
ووفقًا للتصنيف العالمي الأخير لـإمكانات الطاقة الكهروضوئية حسب البلد، الصادر عن برنامج المساعدة على إدارة قطاع الطاقة، تتمتع المنطقة بإمكانات مميزة في مجال الطاقة الشمسية، حيث احتلت سلطنة عُمان، المرتبة السادسة عالميًا، والسعودية، السابعة، والإمارات، الرابعة عشرة، وقطر، الثالثة والعشرين، والبحرين، التاسعة والعشرين، والكويت، الحادية والأربعين. وبالإضافة إلى هذه الظروف المناخية المواتية، أشارت يونج، وسيم، إلى امتلاك المنطقة أراضي صحراوية متاحة، أو منخفضة التكلفة لإنشاء محطات الطاقة الشمسية على نطاق واسع، فضلاً عن ظروف تمويل مواتية من الشركات المملوكة للدولة.
وعلى الرغم من أن روبن ميلز، من جامعة كولومبيا، قد أشار إلى أن دول مجلس التعاون الخليجي، تمثل حاليًا 0.7% فقط من توليد الطاقة الشمسية عالميًا، فقد وصفت كل من يونج، وسيم، الإمارات بأنها الاستثناء من اتجاه الأداء الضعيف، استنادًا إلى تحقيقها نصف طاقتها الشمسية المتوقعة، وتفوقها على نظيراتها الخليجية في توليد 4% من الكهرباء المتجددة في عام 2021، فضلًا عن امتلاكها أكثر من 60% من إجمالي القدرة الإنتاجية للطاقة المتجددة في المنطقة، وحوالي 70% من استثمارات الطاقة المتجددة. وبحلول عام 2050، من المتوقع أن ترتفع حصتها من إنتاج الطاقة النظيفة (بما في ذلك الطاقة الشمسية، وطاقة الرياح، والطاقة النووية)، إلى 44% من إجمالي إنتاجها.
وكما أوضح الباحث فإن الطلب على الكهرباء في منطقة الخليج يهيمن عليه استخدام المباني، وخاصة لتكييف الهواء في الصيف، مما يجعل الألواح الشمسية وسيلة واضحة لتعزيز إنتاج الطاقة خلال هذه الفترة من العام. وعلى الرغم من تأثر كفاءة هذه الألواح بدرجات الحرارة المرتفعة؛ فإن هذا يتم تعويضه بطول اليوم في فصل الصيف، فيما تسعى دول المنطقة باستمرار لافتتاح المزيد من محطات الطاقة الشمسية الجديدة.
وفي هذا الصدد، أشار ميلز، إلى كيف تمكنت البحرين -على الرغم من مساحتها المحدودة -من الوصول إلى 57 «ميغاواط» من الطاقة الشمسية المركبة بنهاية 2023، ومن المتوقع أن تشهد قريبًا مشروعًا جديدًا للطاقة الشمسية؛ يهدف إلى توليد 72 «ميغاواط»، بمنطقة الصخير؛ مما سيعزز من قدرتها على إنتاج الطاقة المتجددة.
وفي سياق التوسع العالمي لقطاع الطاقة الشمسية المتجددة، يبرز الاستطلاع الذي أجرته شركة بيرو فيريتاس، عام 2023 على 8000 خبير دولي في مجال الطاقة، والذي أظهر أن 98% من المشاركين اعتبروا أن القضايا التنظيمية، تشكل العائق الأساسي أمام توسيع استخدام الطاقة الشمسية. وبالتالي، وضعوا أهمية لهذا العنصر تفوق العناصر المتعلقة بتحديد المواقع المحتملة للتوليد (50%)، والتخوفات المتعلقة بمرونة سلسلة التوريد (34%).
وفي حالة دول الخليج، فبالرغم من التحسينات التي طرأت على اللوائح الإقليمية، والقضايا التنظيمية، والتي جعلت قطاع الطاقة المتجددة في المنطقة أكثر جذبًا للمستثمرين خلال السنوات الأربع الماضية؛ إلا أن يونج، وسيم، أشارتا إلى وجود عوامل مؤسسية وسوقية وفنية وثقافية، إضافة إلى تحديات البنية التحتية، التي حالت دون ارتفاع نسبة توليد الطاقة الشمسية، بما يتناسب مع إمكانات هذه الدول حتى الآن. وعلى سبيل المثال، أوضحتا أن السعودية، وسلطنة عمان، لديهما بالفعل جهات إصدار معتمدة ومعترف بها عالميًا لشهادات الطاقة المتجددة القابلة للتداول، في حين بدأت البحرين برنامجًا تجريبيًا لإصدار هذه الشهادات اعتبارًا من ديسمبر2024. ومع ذلك، لم تتوفر هذه المنتجات حتى الآن في الكويت أو قطر. أما في الإمارات، فمن المتوقع أن تسهم التعديلات التنظيمية الأخيرة، التي تقلل الحد الأقصى للسعة المركبة للألواح الشمسية على الأسطح المتصلة بالشبكة الوطنية، في إبطاء وتيرة التوسع اللافتة التي حققتها دبي حتى الآن في مجال الطاقة الشمسية.
وبناءً على ذلك، قدمت يونج، وسيم، عدة توصيات لتحسين البيئة التنظيمية لتوليد الطاقة الشمسية في منطقة الخليج، والتي تتضمن الحاجة إلى تنفيذ سياسات موحدة على مستوى الدولة؛ لتحفيز انتشار الطاقة الشمسية، وأبرزها تبسيط ودمج عمليات تقديم الطلبات والموافقة على مرافق الألواح الشمسية الجديدة، حيث تؤكدان أن هذه الخطوة ستقلل من الوقت والجهد المطلوبين للتعامل مع عديد من المؤسسات ذات مستويات الحوكمة المتداخلة نوعًا ما، وتحد من تأخير المشروعات.
وفيما يتعلق بشبكة الكهرباء الإقليمية المتصلة في المنطقة، والتي تديرها هيئة الربط الكهربائي، لدول مجلس التعاون الخليجي؛ دعت الباحثتان إلى تعزيز الاستثمارات في هذا المجال؛ لتمكين الشبكة من استيعاب وتوزيع الأحمال العالية من مصادر الطاقة باستخدام تقنيات إدارة الشبكات الحديثة، وأشارتا أيضًا إلى أن الخطط التي تهدف إلى الربط مع الدول المجاورة، وتسهيل تجارة الكهرباء عبر الحدود بشكل أكثر كفاءة، قد تحقق فوائد كبيرة للمنطقة، بما في ذلك توفير ما بين 17 و25 مليار دولار، وتقليل الطلب على استهلاك الطاقة بما يصل إلى 33 «جيجاواط».
من جهة أخرى، حثت الباحثتان دول الخليج على أن تكون قدوة، عبر إلزام تركيب الألواح الشمسية على المباني العامة المؤهلة، بالإضافة إلى تحسين بيئة العمل للمطورين من القطاع الخاص من خلال توجيهات سياسية واضحة، وحوافز مالية، ودعم تنظيمي. وفي المقابل، اقترحتا التخفيض التدريجي للدعم الموجه للوقود الأحفوري، ما يتيح لمصادر الطاقة المتجددة، كالألواح الشمسية، فرصة للتنافس بشكل عادل على فرص الاستثمار المتاحة حاليًا.
وعلى الجانب التقني، واستمرارا لجهود كل من منصة معهد مصدر للطاقة الشمسية في الإمارات، وجامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية؛ اقترحتا إنشاء مراكز أبحاث شمسية مخصصة للابتكار والتكيف، واختبار تكنولوجيا الطاقة الشمسية للظروف المحلية، مع التركيز بشكل خاص على تحسين الكفاءة، وخفض التكاليف، وتسويق تقنيات إعادة التدوير، وتوسيع عمر المنشآت الشمسية.
إلى جانب هذه التوصيات، أشار ميلز، إلى أنه في حالة البحرين، ومع استهدافها توليد 20% من الطاقة من مصادر متجددة بحلول عام 2035، فإن الجمع بين زيادة الألواح الشمسية الموزعة على الأسطح، ومرافق الطاقة الشمسية العائمة؛ سيسهم في تعزيز استغلال إمكانات الرياح البحرية، فيما سيكون الاستثمار في محطات توليد الطاقة في بلدان الخليج المجاورة، ضروريًا، لتحقيق مثل هذا الهدف. وبحسب الباحث، فإن تحقيق دول الخليج لأهدافها الطموحة في صافي الانبعاثات الصفرية، وزيادة توليد الطاقة المتجددة خلال العقود المقبلة؛ يتطلب تسريعًا كبيرًا في وتيرة التنمية الحالية. وينطبق هذا بشكل خاص على تطوير قطاع الطاقة الشمسية، حيث دعا إلى زيادة الاهتمام الحكومي، وفتح المجال أمام مشاركة أوسع من القطاع الخاص.
على العموم، أشارت يونج، وسيم، إلى أن دول مجلس التعاون الخليجي تمر بنقطة محورية في رحلة تحول الطاقة؛ لأن تسخير إمكانات الطاقة الشمسية الهائلة في المنطقة، يمكن أن يحقق أمن الطاقة على المدى الطويل، والاستقرار البيئي، والتنويع الاقتصادي في آنٍ واحد، وأكدتا أن توصياتهما -المذكورة أعلاه- تهدف إلى إنشاء إطار عمل يتماشى مع أفضل الممارسات العالمية، مع مراعاة الظروف الفريدة لدول مجلس التعاون الخليجي.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك