تطورات متسارعة على الساحة السورية، وهي سريعة إلى درجة تعجز وسائل الإعلام عن متابعتها، كما أن ما قد يكتب اليوم قد لا يصلح غدا. وفي الوقت نفسه من الصعب التوصل إلى استنتاجات مكتملة، ولكن الواقع العام يقول إن القوى المسلحة التي تقدمت بسرعة على الأرض في سوريا ونجحت في السيطرة على العاصمة دمشق خلال وقت قصير هي النقيض للقوى المحسوبة على إيران. بالمقابل كل هذه القوى المتناقضة فيما بينها تتبع دولا يمكن أن تعقد صفقات من الأعلى قد تؤثر مباشرة على مسار الأحداث، ولكن على أساس توازنات جديدة.
في نظرة للواقع السوري اليوم، نجد أن تركيا تقوم عمليا بمهمة تقليص النفوذ الايراني إذا لم يكن تصفيته تماما في سوريا، وهو ما يشير إلى أن هناك قرارا دوليا بإعادة إيران إلى داخل حدودها، وخصوصا بعد أن خسرت نفوذها في قطاع غزة، وتراجع نفوذها في لبنان.
وعلينا أن نتذكر أن التمدد الإيراني بدأ منذ اللحظة التي سقط فيها نظام صدام حسين في العراق، ومع الاحتلال الأمريكي لهذا البلد عام 2003، فقد كان هناك ما يشبه التحالف، أو التفاهم الضمني، تفاهم يعبر عن المصلحة المشتركة بين أمريكا وإيران في التخلص من صدام حسين.
ولاحقا تعمق التمدد الإيراني في المنطقة في إطار محاربة «داعش» والجماعات التكفيرية، فقد كان فريق الجنرال سليماني ضمن القوة البرية في هذه الحرب، وفي تلك المرحلة كان الدور الإيراني مرغوبا به على الأقل من القوى الكبرى التي توحدت حول هدف وحيد هو هزيمة «داعش».
وبعد أن تحققت هذه الهزيمة أصبحت طهران تشعر أن لديها فائض قوة يمكنها من خلالها فرض واقع جديد في المنطقة يخدم مصالحها، وخلال سنوات قليلة أصبحت إيران تتحكم في أربعة عواصم عربية، أو أن كان لها فيها كلمة قوية، بغداد ودمشق وبيروت وصنعاء، وامتلكت أذرعا مسلحة باتت تشكل تهديدا للعديد من الدول.
أما فيما يتعلق بالشعب الفلسطيني، فقد استخدمت إيران القضية الفلسطينية بشكل واسع وجعلت منها الورقة التي تمنحها شرعية للتمدد لمشروعها في المنطقة، الى أن وصلنا ليوم «الطوفان» في السابع من اكتوبر العام الماضي، والذي اعتبر انتهاكا لكل الخطوط الحمراء بالنسبة إلى الاحتلال الصهيوني، وبالتالي جاء القرار الدولي بتقليص التمدد الإيراني بل وإعادة إيران إلى ما كانت عليه قبل عام 2003.
ويمكن أن نشبه ما حدث في السابع من أكتوبر 2023 (الطوفان) بالمغامرة التي قادت إلى تغيير الوضع الاستراتيجي في المنطقة، وقادت إلى حرب غيرت وجه المنطقة. فالحرب التي بدأتها إسرائيل في قطاع غزة ومن ثم في لبنان غيرت عمليا موازين القوى في المنطقة، وهذا التطور بالتحديد قاد إلى ما يحدث في سوريا.
ما نراه على الأرض في المشهد السوري حتى الآن، أن الأكثر استهدافا هو بالأساس النفوذ الإيراني، فالزحف لن يتوقف على أبواب دمشق لإجراء الصفقات. فالمجموعات المسلحة مما يسمى «هيئة تحرير الشام» تجنبت الاشتباكات مع الروس، وركزت على تطهير المناطق التي ينتشر فيها النفوذ الإيراني.
وما يجعل المشهد أكثر تعقيدا أن هذه الجماعات وزعيمها أبو محمد الجولان هم مصنفون على قائمة الإرهاب الأمريكية والدولية، ما قد يشير إلى أن مهمة هذه الجماعات مرحليا ليس حكم سوريا وإنما «تنظيفها من النفوذ الإيراني.
مهما يكن الأمر، فإن بعض الجماعات التي يتم حسابها على الإسلام السياسي الذي تصدر المشهد في المنطقة عدة عقود، قابل للاستخدام مرة تلو أخرى لمحاربة بعضه البعض، والمشكلة أن هذه الحروب تخاض بالعرب وعلى أرض العرب خدمة لأجندات إقليمية ودولية. والمشكلة أننا كلما اعتقدنا أننا قد انتهينا من هذا الملف حتى يبرز من جديد.
{ كاتب من فلسطين
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك