العدد : ١٧٠٨٢ - الأحد ٢٩ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٨ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٨٢ - الأحد ٢٩ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٨ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

الأصولية اليهودية وخطرها على مستقبل المنطقة

بقلم: د. محمد كمال

الأربعاء ١٤ أغسطس ٢٠٢٤ - 02:00

مصطلح‭ ‬‮«‬الأصوليون‮»‬‭ ‬أو‭ ‬‮«‬المتشددون‭ (‬Fundamentalists‭)‬‮»‬‭ ‬ارتبط‭ ‬بالأساس‭ -‬وخاصة‭ ‬في‭ ‬العقلية‭ ‬الغربية‭- ‬بالأصولية‭ ‬الإسلامية،‭ ‬التي‭ ‬توصف‭ ‬بأنها‭ ‬تعيش‭ ‬في‭ ‬قالب‭ ‬فكري‭ ‬جامد،‭ ‬تعتبره‭ ‬مقدسا‭ ‬من‭ ‬الناحية‭ ‬الدينية،‭ ‬ويرتبط‭ ‬فكرها‭ ‬بالماضي،‭ ‬ويستمد‭ ‬شرعيته‭ ‬منه،‭ ‬ويسعى‭ ‬للعودة‭ ‬إليه؛‭ ‬أي‭ ‬أن‭ ‬الماضي‭ ‬وليس‭ ‬المستقبل‭ ‬هو‭ ‬محور‭ ‬المشروع‭ ‬الأصولي‭.‬

ما‭ ‬نشهده‭ ‬اليوم‭ ‬في‭ ‬ساحة‭ ‬منطقة‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬هو‭ ‬تصاعد‭ ‬نفوذ‭ ‬مشروع‭ ‬أصولي‭ ‬آخر،‭ ‬يرتبط‭ ‬هذه‭ ‬المرة‭ ‬باليهودية‭ ‬وليس‭ ‬بالإسلام،‭ ‬ويتسم‭ ‬بعقلية‭ ‬جامدة،‭ ‬تلغي‭ ‬الآخر،‭ ‬وترفض‭ ‬التعايش‭ ‬مع‭ ‬أي‭ ‬رؤية‭ ‬مغايرة،‭ ‬وتسعى‭ ‬للعودة‭ ‬إلى‭ ‬ماض‭ ‬سحيق،‭ ‬وعلى‭ ‬حساب‭ ‬المستقبل‭ ‬واعتبارات‭ ‬الواقع‭ ‬الذي‭ ‬نعيش‭ ‬فيه‭.‬

خطورة‭ ‬مشروع‭ ‬الأصولية‭ ‬اليهودية‭ ‬أنه‭ ‬موجود‭ ‬الآن‭ ‬في‭ ‬الحكومة‭ ‬الإسرائيلية،‭ ‬ويستخدم‭ ‬ما‭ ‬تملكه‭ ‬الدولة‭ ‬من‭ ‬سلاح‭ ‬لتحقيق‭ ‬رؤيته‭ ‬وتنفيذ‭ ‬مشروعه‭.‬

الصراع‭ ‬الدائر‭ ‬الآن‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط،‭ ‬ورفض‭ ‬وقف‭ ‬إطلاق‭ ‬النار،‭ ‬والحلقة‭ ‬الجهنمية‭ ‬من‭ ‬سفك‭ ‬الدائم‭ ‬والتصعيد‭ ‬المستمر،‭ ‬هي‭ ‬في‭ ‬أحد‭ ‬جوانبها‭ ‬تعبير‭ ‬عن‭ ‬صراع‭ ‬الأصوليات،‭ ‬مع‭ ‬التأكيد‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬قوى‭ ‬الأصولية‭ ‬اليهودية‭ ‬تتحمل‭ ‬الجانب‭ ‬الأكبر‭ ‬من‭ ‬المسؤولية‭ ‬عن‭ ‬استمراره‭.‬

خطورة‭ ‬صراع‭ ‬الأصوليات‭ ‬الدائر‭ ‬الآن‭ ‬أنه‭ ‬يشدنا‭ ‬نحو‭ ‬الماضي‭ ‬ويربطنا‭ ‬به،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬فإن‭ ‬أي‭ ‬حديث‭ ‬عن‭ ‬مستقبل‭ ‬المنطقة،‭ ‬أو‭ ‬محاولة‭ ‬بناء‭ ‬شرق‭ ‬أوسط‭ ‬جديد،‭ ‬سيكون‭ ‬كله‭ ‬أفكارا‭ ‬وهمية‭ ‬ومشاريع‭ ‬فاشلة‭ ‬إذا‭ ‬استمر‭ ‬نفوذ‭ ‬هذه‭ ‬الأصوليات‭ ‬التي‭ ‬تشدنا‭ ‬إلى‭ ‬الماضي،‭ ‬وخاصة‭ ‬الأصولية‭ ‬التي‭ ‬تحكم‭ ‬إسرائيل‭ ‬الآن‭.‬

الأصولية‭ ‬التي‭ ‬تعيش‭ ‬بيننا‭ ‬في‭ ‬العالمين‭ ‬العربي‭ ‬والإسلامي‭ ‬معروفة‭ ‬لدينا،‭ ‬ولذا‭ ‬من‭ ‬المهم‭ ‬تسليط‭ ‬الضوء‭ ‬بشكل‭ ‬أكبر‭ ‬على‭ ‬المشروع‭ ‬الأصولي‭ ‬اليهودي‭ ‬الذي‭ ‬يشارك‭ ‬الآن‭ ‬في‭ ‬حكم‭ ‬إسرائيل‭.‬

تصريحات‭ ‬نخبة‭ ‬الحكم‭ ‬في‭ ‬إسرائيل،‭ ‬بدءا‭ ‬من‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬بنيامين‭ ‬نتنياهو‭ ‬وعدد‭ ‬من‭ ‬أعضاء‭ ‬حكومته،‭ ‬تعبر‭ ‬عن‭ ‬هذا‭ ‬المشروع‭ ‬بشكل‭ ‬واضح،‭ ‬وتؤكد‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬التيار‭ ‬هو‭ ‬من‭ ‬يوجه‭ ‬عجلة‭ ‬الحكم‭ ‬في‭ ‬إسرائيل‭ ‬الآن‭.‬

على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال،‭ ‬يرفض‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬نتنياهو‭ ‬أن‭ ‬يصف‭ ‬الضفة‭ ‬الغربية‭ ‬بأنها‭ ‬أرض‭ ‬محتلة،‭ ‬لأنها‭ ‬وفقا‭ ‬له‭ ‬هي‭ ‬أرض‭ ‬أعطاها‭ ‬الرب‭ ‬للشعب‭ ‬اليهودي،‭ ‬وبالتالي‭ ‬فإن‭ ‬وجود‭ ‬إسرائيل‭ ‬فيها‭ ‬حق‭ ‬وليس‭ ‬احتلالا،‭ ‬وفي‭ ‬شهر‭ ‬يوليو‭ ‬الماضي‭ ‬رد‭ ‬نتنياهو‭ ‬على‭ ‬قرار‭ ‬محكمة‭ ‬العدل‭ ‬الدولية‭ ‬الذي‭ ‬أكد‭ ‬أن‭ ‬وجود‭ ‬إسرائيل‭ ‬في‭ ‬الأراضي‭ ‬الفلسطينية‭ ‬المحتلة‭ ‬‮«‬غير‭ ‬شرعي‮»‬‭ ‬ودعا‭ ‬لإنهائه،‭ ‬ببيان‭ ‬ذكر‭ ‬نتنياهو‭ ‬فيه‭ ‬أن‭ ‬‮«‬الشعب‭ ‬اليهودي‭ ‬لا‭ ‬يحتل‭ ‬أرضه‭ ‬ولا‭ ‬عاصمته‭ ‬القدس‭ ‬ولا‭ ‬أرض‭ ‬آبائنا‭ ‬وأجدادنا‭ ‬في‭ ‬يهودا‭ ‬والسامرة‮»‬،‭ ‬وهو‭ ‬الاسم‭ ‬الذي‭ ‬يطلقه‭ ‬نتنياهو‭ ‬والأصوليون‭ ‬اليهود‭ ‬على‭ ‬الضفة‭ ‬الغربية‭.‬

مقال‭ ‬نشر‭ ‬في‭ ‬جريدة‭ ‬هآرتس‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬منذ‭ ‬أسابيع‭ ‬قليلة‭ ‬يوضح‭ ‬مدى‭ ‬تأثير‭ ‬هذا‭ ‬التيار‭ ‬الأصولي‭. ‬المقال‭ ‬بعنوان‭ ‬‮«‬زمن‭ ‬المعجزات‭: ‬الأصوليون‭ ‬اليهود‭ ‬من‭ ‬اليمين‭ ‬المتطرف‭ ‬في‭ ‬إسرائيل‭ ‬يريدون‭ ‬الحرب‭ ‬والمستوطنات‭ ‬والانتفاضة‭. ‬ونتنياهو‭ ‬يسهّل‭ ‬لهم‭ ‬ذلك‮»‬‭.‬

المقال‭ ‬يشير‭ ‬إلى‭ ‬أنه‭ ‬بالرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الإسرائيليين،‭ ‬ومنذ‭ ‬7‭ ‬أكتوبر‭ ‬الماضي،‭ ‬يرون‭ ‬أن‭ ‬إسرائيل‭ ‬تعيش‭ ‬الفترة‭ ‬الأكثر‭ ‬مأساوية‭ ‬في‭ ‬تاريخها،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬مسؤولين‭ ‬إسرائيليين‭ ‬مثل‭ ‬وزيرة‭ ‬الاستيطان‭ ‬أوريت‭ ‬ستروك،‭ ‬يشعرون‭ ‬‮«‬أننا‭ ‬نعيش‭ ‬في‭ ‬زمن‭ ‬المعجزة‮»‬،‭ ‬وفي‭ ‬حديث‭ ‬لها‭ ‬مع‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬المستوطنين‭ ‬أشارت‭ ‬إلى‭ ‬السهولة‭ ‬التي‭ ‬تستطيع‭ ‬بها‭ ‬الآن‭ ‬هي‭ ‬وزملاؤها‭ ‬من‭ ‬الوزراء‭ ‬اليمينيين‭ ‬تفويض‭ ‬وتمويل‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬البناء‭ ‬الاستيطاني‭ ‬بسبب‭ ‬مزيج‭ ‬من‭ ‬سيطرتهم‭ ‬على‭ ‬المواقع‭ ‬الحكومية‭ ‬الرئيسية،‭ ‬والتركيز‭ ‬على‭ ‬الأحداث‭ ‬في‭ ‬أماكن‭ ‬أخرى‭ (‬حرب‭ ‬غزة‭ ‬والحدود‭ ‬الشمالية‭). ‬وقد‭ ‬أدى‭ ‬ذلك‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬إلى‭ ‬تمكين‭ ‬عمليات‭ ‬البناء‭ ‬الجديدة،‭ ‬بل‭ ‬إلى‭ ‬تهجير‭ ‬المجتمعات‭ ‬الفلسطينية‭ ‬الريفية‭ ‬المحلية‭.‬

وهناك‭ ‬من‭ ‬يرى‭ ‬أن‭ ‬حرب‭ ‬غزه‭ ‬تعد‭ ‬‮«‬فرصة‭ ‬سماوية‮»‬‭ ‬لتحقيق‭ ‬المزيد،‭ ‬مثل‭ ‬وزير‭ ‬المالية‭ ‬ورئيس‭ ‬حزب‭ ‬‮«‬الصهيونية‭ ‬الدينية‮»‬‭ ‬سموتريتش،‭ ‬فقد‭ ‬دعا‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬إلى‭ ‬مواصلة‭ ‬الحرب‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬‮«‬بكل‭ ‬قوة‮»‬،‭ ‬بل‭ ‬إلى‭ ‬الشروع‭ ‬في‭ ‬حرب‭ ‬أوسع‭ ‬في‭ ‬لبنان‭ ‬ضد‭ ‬حزب‭ ‬الله‭. ‬ويرى‭ ‬أن‭ ‬رقعة‭ ‬جديدة‭ ‬من‭ ‬أرض‭ ‬الوعد‭ ‬الكتابي‭ ‬تنفتح‭ ‬في‭ ‬جنوب‭ ‬لبنان‭.‬

ويستخدم‭ ‬سموتريتش‭ ‬صلاحياته‭ ‬كوزير‭ ‬للمالية‭ ‬لمحاولة‭ ‬تنفيذ‭ ‬خطته‭ ‬التي‭ ‬نُشرت‭ ‬عام‭ ‬2017،‭ ‬للإطاحة‭ ‬بالسلطة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬في‭ ‬الضفة‭ ‬الغربية،‭ ‬ويأمل‭ ‬في‭ ‬إثارة‭ ‬انتفاضة‭ ‬فلسطينية‭ ‬من‭ ‬شأنها‭ ‬أن‭ ‬تجبر‭ ‬إسرائيل‭ ‬على‭ ‬دخول‭ ‬جميع‭ ‬المناطق‭ ‬التي‭ ‬تسيطر‭ ‬عليها‭ ‬السلطة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬حاليا،‭ ‬والقضاء‭ ‬على‭ ‬اتفاق‭ ‬أوسلو‭ ‬1993‭.‬

ويشير‭ ‬المقال‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬إسرائيل‭ ‬تخوض‭ ‬الآن‭ ‬حربين‭: ‬الحرب‭ ‬الرسمية‭ ‬ضد‭ ‬حماس‭ ‬وبنيتها‭ ‬العسكرية‭ ‬التي‭ ‬يقودها‭ ‬الجنرالات،‭ ‬والحرب‭ ‬الأصولية‭ ‬الدينية‭ ‬التي‭ ‬يقودها‭ ‬اليمين‭ ‬المتطرف‭. ‬وأن‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬بنيامين‭ ‬نتنياهو‭ ‬يفهم‭ ‬تماما‭ ‬الحربين‭ ‬الجاري‭ ‬خوضهما‭. ‬ويدرك‭ ‬أن‭ ‬ائتلافه‭ ‬الحاكم‭ ‬يعتمد‭ ‬على‭ ‬أولئك‭ ‬الذين‭ ‬يخوضون‭ ‬حربًا‭ ‬أصولية،‭ ‬وعليه‭ ‬أن‭ ‬يبقيهم‭ ‬سعداء‭ ‬وإلا‭ ‬فسوف‭ ‬يسقطون‭ ‬حكومته‭.‬

لذا‭ ‬يوافق‭ ‬نتنياهو‭ ‬من‭ ‬ناحية‭ ‬على‭ ‬إرسال‭ ‬وفود‭ ‬إلى‭ ‬القاهرة‭ ‬والدوحة‭ ‬لإجراء‭ ‬محادثات‭ ‬حول‭ ‬وقف‭ ‬محتمل‭ ‬لإطلاق‭ ‬النار‭ ‬والإفراج‭ ‬عن‭ ‬الرهائن‭ ‬إرضاء‭ ‬للجنرالات‭ ‬والضغوط‭ ‬الدولية،‭ ‬بينما‭ ‬يتبنى‭ ‬سياسات‭ ‬تهدف‭ ‬إلى‭ ‬عرقلة‭ ‬تلك‭ ‬المحادثات‭.‬

باختصار،‭ ‬الغرب‭ ‬يتحدث‭ ‬دائما‭ ‬عن‭ ‬أن‭ ‬الأصولية‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬العربي‭ ‬والإسلامي‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬جزءا‭ ‬من‭ ‬المستقبل،‭ ‬ولكن‭ ‬بنفس‭ ‬المنطق‭ ‬فإن‭ ‬الأصولية‭ ‬التي‭ ‬تدير‭ ‬المشهد‭ ‬الآن‭ ‬في‭ ‬إسرائيل‭ ‬تناقض‭ ‬أي‭ ‬أفكار‭ ‬تتعلق‭ ‬بالسلام‭ ‬والتعايش،‭ ‬وأي‭ ‬شرق‭ ‬أوسط‭ ‬جديد‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا