العدد : ١٦٩٨٩ - الجمعة ٢٧ سبتمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٤ ربيع الأول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٦٩٨٩ - الجمعة ٢٧ سبتمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٤ ربيع الأول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

إلى الباحثين عن اليقين!

بقلم: عبدالرحمن علي البنفلاح

الأحد ١٨ أغسطس ٢٠٢٤ - 02:00

الآيات‭ ‬ثلاث‭ -‬كما‭ ‬يقول‭ ‬الشيخ‭ ‬محمد‭ ‬متولي‭ ‬الشعراوي‭- ‬آيات‭ ‬كونية،‭ ‬وآيات‭ ‬قرآنية،‭ ‬وآيات‭ ‬معجزات،‭ ‬أما‭ ‬الآيات‭ ‬الكونية،‭ ‬فنجدها‭ ‬في‭ ‬قوله‭ ‬تعالى‭: ‬‮«‬أفلا‭ ‬ينظرون‭ ‬إلى‭ ‬الإبل‭ ‬كيف‭ ‬خلقت‭ (‬‮١٧‬‭) ‬وإلى‭ ‬السماء‭ ‬كيف‭ ‬رفعت‭ (‬‮١٨‬‭) ‬وإلى‭ ‬الجبال‭ ‬كيف‭ ‬نصبت‭ (‬‮١٩‬‭) ‬وإلى‭ ‬الأرض‭ ‬كيف‭ ‬سطحت‭ (‬‮٢٠‬‭)‬‮»‬‭ ‬سورة‭ ‬الغاشية‭. ‬والسؤال‭ ‬بصيغة‭ ‬‮«‬كيف‮»‬‭ ‬يستفز‭ ‬العقل‭ ‬الراشد،‭ ‬فيصل‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تدبره‭ ‬لهذه‭ ‬الآيات‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬أسئلة‭ ‬ليست‭ ‬بسيطة،‭ ‬بل‭ ‬هي‭ ‬أسئلة‭ ‬عميقة‭ ‬تقدم‭ ‬منهجًا‭ ‬في‭ ‬البحث‭ ‬العلمي‭ ‬يتوسل‭ ‬به‭ ‬الإنسان‭ ‬إلى‭ ‬معنى‭ ‬الوجود‭ ‬من‭ ‬حوله‭ ‬لإدراك‭ ‬مقاصد‭ ‬هذه‭ ‬الآيات،‭ ‬ويتساءل‭ ‬عن‭ ‬الحكمة‭ ‬من‭ ‬وراء‭ ‬خلق‭ ‬هذه‭ ‬المخلوقات‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬الهيئة،‭ ‬فالشمس‭ ‬التي‭ ‬تضيئ‭ ‬هذه‭ ‬الأكوان،‭ ‬وتملؤها‭ ‬دفئًا‭ ‬ونورًا‭ ‬كيف‭ ‬رفعها‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬الهيئة‭ ‬حيث‭ ‬جعلها‭ ‬سقفًا‭ ‬محفوظًا‭ ‬رُغمَ‭ ‬انها‭ ‬تبدو‭ ‬للناظر‭ ‬إليها‭ ‬كأنها‭ ‬بغير‭ ‬عمد،‭ ‬يقول‭ ‬تعالى‭: ‬‮«‬وجعلنا‭ ‬السماء‭ ‬سقفًا‭ ‬محفوظًا‭ ‬وهم‭ ‬عن‭ ‬آياتها‭ ‬معرضون‮»‬‭ ‬الأنبياء‭/‬‮٣٢‬‭.‬

والسؤال‭ ‬الذي‭ ‬قد‭ ‬يثور‭ ‬أمام‭ ‬هذا‭ ‬البيان‭ ‬الإلهي‭ ‬المعجز‭ ‬هو‭: ‬ما‭ ‬الذي‭ ‬جعلها‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬الهيئة‭ ‬حيث‭ ‬يشعر‭ ‬الإنسان‭ ‬فيها‭ ‬بالأمان‭ ‬والاطمئنان،‭ ‬فنتنبه‭ ‬إلى‭ ‬قوله‭ ‬سبحانه‭: ‬‮«‬والسماء‭ ‬رفعها‭ ‬ووضع‭ ‬الميزان‭ (‬‮٧‬‭) ‬ألا‭ ‬تطغوا‭ ‬في‭ ‬الميزان‭ (‬‮٨‬‭) ‬وأقيموا‭ ‬الوزن‭ ‬بالقسط‭ ‬ولا‭ ‬تخسروا‭ ‬الميزان‭ (‬‮٩‬‭)‬‮»‬‭ ‬سورة‭ ‬الرحمن‭.‬

هذا‭ ‬التلازم‭ ‬العجيب‭ ‬بين‭ ‬السماء‭ ‬في‭ ‬علوها‭ ‬وشموخها‭ ‬وبين‭ ‬الميزان‭ ‬كأداة‭ ‬لضبط‭ ‬العلاقات‭ ‬بين‭ ‬المخلوقات،‭ ‬والتي‭ ‬يستلزم‭ ‬السؤال‭ ‬عنها‭ ‬لمعرفة‭ ‬أسرارها،‭ ‬ويصبح‭ ‬السؤال‭ ‬بـ«كيف‮»‬،‭ ‬وليس‭ ‬بـ«لماذا‮»‬‭ ‬لأن‭ ‬السؤال‭ ‬بـ‭(‬لماذا‭) ‬يفيد‭ ‬معرفة‭ ‬الغاية‭ ‬من‭ ‬خلق‭ ‬هذه‭ ‬المخلوقات،‭ ‬وهذه‭ ‬قد‭ ‬يفهمها‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الناس‭ ‬حتى‭ ‬من‭ ‬لهم‭ ‬شيء‭ ‬قليل‭ ‬من‭ ‬المعرفة‭ ‬أما‭ ‬السؤال‭ ‬بـ‭(‬كيف‭) ‬فهو‭ ‬يحتاج‭ ‬إلى‭ ‬إرث‭ ‬علمي‭ ‬يتوارثه‭ ‬الأبناء‭ ‬عن‭ ‬الآباء‭ ‬والأجداد‭.‬

أما‭ ‬الآيات‭ ‬القرآنية،‭ ‬فقد‭ ‬سبق‭ ‬أن‭ ‬قلنا‭: ‬إنها‭ ‬تدور‭ ‬حول‭ ‬الأحكام‭ ‬الفقهية‭ ‬نجد‭ ‬ذلك‭ ‬واضحًا‭ ‬في‭ ‬سورة‭ ‬النور‭ ‬في‭ ‬قوله‭ ‬تعالى‭: ‬‮«‬سورة‭ ‬أنزلناها‭ ‬وفرضناها‭ ‬وأنزلنا‭ ‬فيها‭ ‬آيات‭ ‬بينات‭ ‬لعلكم‭ ‬تذكرون‮»‬‭ ‬سورة‭ ‬النور‭/‬‮١‬‭. ‬ثم‭ ‬تستفيض‭ ‬السورة‭ ‬الجليلة‭ ‬في‭ ‬ذكر‭ ‬الأحكام‭ ‬الفقهية‭ ‬في‭ ‬الحلال‭ ‬والحرام‭ ‬مما‭ ‬ينتج‭ ‬عنها،‭ ‬ويتحقق‭ ‬من‭ ‬خلالها‭ ‬نظامًا‭ ‬كاملًا‭ ‬يجعل‭ ‬الحياة‭ ‬أيسر‭ ‬لتحقيق‭ ‬نظام‭ ‬أسري‭ ‬سليم،‭ ‬وهناك‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬السور‭ ‬والآيات‭ ‬المبثوثة‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬القرآن‭ ‬الكريم‭ ‬مثل‭ ‬سورة‭ ‬النساء‭ ‬وسورة‭ ‬الطلاق‭ ‬وسورة‭ ‬الأنعام،‭ ‬يقول‭ ‬تعالى‭: ‬‮«‬الحمد‭ ‬لله‭ ‬الذي‭ ‬خلق‭ ‬السماوات‭ ‬والأرض‭ ‬وجعل‭ ‬الظلمات‭ ‬والنور‭ ‬ثم‭ ‬الذين‭ ‬كفروا‭ ‬بربهم‭ ‬يعدلون‮»‬‭ ‬الأنعام‭ / ‬‮١‬‭. ‬ثم‭ ‬يتلو‭ ‬ذلك‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬حقيقة‭ ‬الإنسان‭ ‬وكيفية‭ ‬خلقه،‭ ‬ثم‭ ‬تتوالى‭ ‬الآيات‭ ‬عن‭ ‬معالم‭ ‬الصراط‭ ‬الذي‭ ‬تأمرنا‭ ‬السورة‭ ‬باتباعه‭ ‬وعدم‭ ‬التفريط‭ ‬فيه،‭ ‬يقول‭ ‬تعالى‭: ‬‮«‬قل‭ ‬تعالوا‭ ‬أتل‭ ‬ما‭ ‬حرم‭ ‬ربكم‭ ‬عليكم‭ ‬ألا‭ ‬تشركوا‭ ‬به‭ ‬شيئًا‭ ‬وبالوالدين‭ ‬إحسانًا‭ ‬ولا‭ ‬تقتلوا‭ ‬أولادكم‭ ‬من‭ ‬إملاق‭ ‬نحن‭ ‬نرزقكم‭ ‬وإياهم‭ ‬ولا‭ ‬تقربوا‭ ‬الفواحش‭ ‬ما‭ ‬ظهر‭ ‬منها‭ ‬وما‭ ‬بطن‭ ‬ولا‭ ‬تقتلوا‭ ‬النفس‭ ‬التي‭ ‬حرم‭ ‬الله‭ ‬إلا‭ ‬بالحق‭ ‬ذلكم‭ ‬وصاكم‭ ‬به‭ ‬لعلكم‭ ‬تعقلون‭ (‬‮١٥١‬‭) ‬ولا‭ ‬تقربوا‭ ‬مال‭ ‬اليتيم‭ ‬إلا‭ ‬بالتي‭ ‬هي‭ ‬أحسن‭ ‬حتى‭ ‬يبلغ‭ ‬أشده‭ ‬وأوفوا‭ ‬الكيل‭ ‬والميزان‭ ‬بالقسط‭ ‬لا‭ ‬نكلف‭ ‬نفسًا‭ ‬إلا‭ ‬وسعها‭ ‬وإذا‭ ‬قلتم‭ ‬فاعدلوا‭ ‬ولو‭ ‬كان‭ ‬ذا‭ ‬قربى‭ ‬وبعهد‭ ‬الله‭ ‬أوفوا‭ ‬ذلكم‭ ‬وصاكم‭ ‬به‭ ‬لعلكم‭ ‬تذكرون‭ (‬‮١٥٢‬‭) ‬وأن‭ ‬هذا‭ ‬صراطي‭ ‬مستقيمًا‭ ‬فاتبعوه‭ ‬ولا‭ ‬تتبعوا‭ ‬السبل‭ ‬فتفرق‭ ‬بكم‭ ‬عن‭ ‬سبيله‭ ‬ذلكم‭ ‬وصاكم‭ ‬به‭ ‬لعلكم‭ ‬تتقون‭ (‬‮١٥٣‬‭)‬‮»‬‭  ‬سورة‭ ‬الأنعام‭.‬

أما‭ ‬عن‭ ‬أعلام‭ ‬الصراط‭ ‬الذين‭ ‬لم‭ ‬تفصلهم‭ ‬سورة‭ ‬الفاتحة‭ ‬بل‭ ‬أجملتهم‭ ‬في‭ ‬آيتين‭ ‬قد‭ ‬تكفلت‭ ‬واحدة‭ ‬أية‭ ‬في‭ ‬سورة‭ ‬النساء‭ ‬في‭ ‬قوله‭ ‬تعالى‭: ‬‮«‬ومن‭ ‬يطع‭ ‬الله‭ ‬والرسول‭ ‬فأولئك‭ ‬مع‭ ‬الذين‭ ‬أنعم‭ ‬الله‭ ‬عليهم‭ ‬من‭ ‬النبيين‭ ‬والصديقين‭ ‬والشهداء‭ ‬والصالحين‭ ‬وحسن‭ ‬أوليك‭ ‬رفيقا‮»‬‭ ‬النساء‭ / ‬‮٦٩‬‭.‬

ونختم‭ ‬بحديثنا‭ ‬عن‭ ‬الآيات‭ ‬المعجزات‭ ‬التي‭ ‬أجراها‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬على‭ ‬أيدي‭ ‬رسله‭ ‬الكرام‭ ‬لإثبات‭ ‬صدق‭ ‬بلاغهم‭ ‬عن‭ ‬الله‭ ‬تعالى،‭ ‬وسنكتفي‭ ‬بذكر‭ ‬ثلاث‭ ‬معجزات‭: ‬معجزة‭ ‬نبي‭ ‬الله‭ ‬نوح‭ ‬الذي‭ ‬صنع‭ ‬السفينة‭ ‬وأنقذ‭ ‬بها‭ ‬قومه،‭ ‬أما‭ ‬معجزة‭ ‬نبي‭ ‬الله‭ ‬موسى،‭ ‬فهي‭ ‬شق‭ ‬البحر‭ ‬فجعل‭ ‬منه‭ ‬نبي‭ ‬الله‭ ‬موسى‭ ‬طريقًا‭ ‬في‭ ‬البحر‭ ‬يبسا،‭ ‬والمعجزة‭ ‬الثالثة،‭ ‬معجزة‭ ‬الرسول‭ ‬الأعظم‭ ‬محمد‭ (‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭) ‬الذي‭ ‬تحدى‭ ‬بها‭ ‬الإنس‭ ‬والجن،‭ ‬ولا‭ ‬يزال‭ ‬التحدي‭ ‬بها‭ ‬قائمًا‭ ‬وإلى‭ ‬أن‭ ‬يرث‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬الأرض‭ ‬ومن‭ ‬عليها‭.‬

لقد‭ ‬نجا‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬نبيه‭ ‬إبراهيم‭ ‬حين‭ ‬ألقاه‭ ‬قومه‭ ‬في‭ ‬النار،‭ ‬ولقد‭ ‬نجا‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬موسى‭ ‬وبني‭ ‬إسرائيل‭ ‬من‭ ‬الغرق‭ ‬وقضى‭ ‬على‭ ‬فرعون‭ ‬وجنده‭ ‬بالغرق،‭ ‬فأنقذ‭ ‬وأهلك‭ ‬بالماء،‭ ‬وتأملوا‭ ‬الإعجاز‭ ‬في‭ ‬نجاة‭ ‬إبراهيم‭ ‬في‭ ‬قوله‭ ‬تعالى‭ ‬‮«‬قلنا‭ ‬يا‭ ‬نار‭ ‬كوني‭ ‬بردًا‭ ‬وسلامًا‭ ‬على‭ ‬إبراهيم‮»‬‭ ‬ولو‭ ‬لم‭ ‬يقل‭ ‬الحق‭ ‬سبحانه‭ ‬يا‭ ‬نار‭ ‬كوني‭ ‬بردًا‭ ‬لمات‭ ‬سيدنا‭ ‬إبراهيم‭ ‬من‭ ‬شدة‭ ‬البرد،‭ ‬وتأملوا‭ ‬كذلك‭ ‬في‭ ‬قصة‭ ‬موسى‭ ‬أن‭ ‬الحق‭ ‬سبحانه‭ ‬وتعالى‭ ‬لم‭ ‬يقل‭: ‬فاضرب‭ ‬لهم‭ ‬طريقًا‭ ‬في‭ ‬البحر،‭ ‬بل‭ ‬قال‭: ‬‮«‬طريقًا‭ ‬يبسا‮»‬‭ ‬لأن‭ ‬أصل‭ ‬الطريق‭ ‬أنه‭ ‬بحر‭ ‬وبالتالي‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬يابسًا‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬يهلك‭ ‬موسى‭ ‬وقومه‭ ‬في‭ ‬الطين،‭ ‬فكان‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬الطريق‭ ‬لا‭ ‬ليونة‭ ‬ولا‭ ‬رخاوة‭ ‬فيه‭!‬

أما‭ ‬معجزة‭ ‬نبي‭ ‬الله‭ ‬محمد‭ (‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭) ‬فهي‭ ‬معجزة‭ ‬خالدة‭ ‬باقية‭ ‬خلود‭ ‬الزمان‭ ‬واللازمان،‭ ‬وسوف‭ ‬تكون‭ ‬مصدرًا‭ ‬من‭ ‬مصادر‭ ‬المعرفة،‭ ‬وقبسًا‭ ‬مشعًا‭ ‬من‭ ‬أنوار‭ ‬الوحي‭ ‬لا‭ ‬ينتهي‭ ‬عطاؤها‭ ‬بتعاقب‭ ‬الحدثان‭ ‬الليل‭ ‬والنهار‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا