العدد : ١٧٠٧٨ - الأربعاء ٢٥ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٤ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٧٨ - الأربعاء ٢٥ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٤ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

يوميات سياسية

السيـــــــد زهـــــــره

السنة في إيران ووهم الرئيس الإصلاحي

الخبر‭ ‬الذي‭ ‬نشرناه‭ ‬قبل‭ ‬أيام‭ ‬في‭ ‬‮«‬أخبار‭ ‬الخليج‮»‬‭ ‬يقول‭ ‬إن‭ ‬هناك‭ ‬انتقادات‭ ‬واسعة‭ ‬للرئيس‭ ‬الإيراني‭ ‬الجديد‭ ‬بزشكيان‭ ‬بسبب‭ ‬تجاهله‭ ‬التام‭ ‬لأهل‭ ‬السنة‭ ‬في‭ ‬إيران‭ ‬وأبناء‭ ‬كل‭ ‬الأقليات‭ ‬في‭ ‬تشكيل‭ ‬حكومته‭ ‬الجديدة‭ ‬التي‭ ‬أعلن‭ ‬أسماء‭ ‬الوزراء‭ ‬المرشحين‭ ‬لها‭ ‬مؤخرا،‭ ‬إذ‭ ‬لم‭ ‬تتضمن‭ ‬التشكيلة‭ ‬ولو‭ ‬وزيرا‭ ‬واحدا‭ ‬من‭ ‬الأقليات‭.‬

ليس‭ ‬في‭ ‬الأمر‭ ‬مفاجأة‭ ‬ولا‭ ‬أي‭ ‬جديد‭. ‬منذ‭ ‬قيام‭ ‬الثورة‭ ‬الإسلامية‭ ‬في‭ ‬إيران‭ ‬وحكم‭ ‬رجال‭ ‬الدين‭ ‬لم‭ ‬يحدث‭ ‬أن‭ ‬تم‭ ‬اختيار‭ ‬أي‭ ‬وزير‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬حكومة‭ ‬من‭ ‬أهل‭ ‬السنة،‭ ‬ولا‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬من‭ ‬المناصب‭ ‬العليا‭ ‬في‭ ‬الدولة‭. ‬حدث‭ ‬هذا‭ ‬مع‭ ‬كل‭ ‬الحكومات‭ ‬المحافظة‭ ‬أو‭ ‬الإصلاحية‭.‬

هذا‭ ‬التهميش‭ ‬والتجاهل‭ ‬هو‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬الاضطهاد‭ ‬الطائفي‭ ‬الذي‭ ‬يعاني‭ ‬منه‭ ‬السنة‭ ‬في‭ ‬إيران،‭ ‬ومن‭ ‬التمييز‭ ‬واسع‭ ‬النطاق‭ ‬ضدهم‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬المجالات‭. ‬السنة‭ ‬محرومون‭ ‬من‭ ‬بناء‭ ‬المساجد‭ ‬ويعانون‭ ‬من‭ ‬الاضطهاد‭ ‬والتمييز‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مجالات‭ ‬التوظيف‭ ‬والبرامج‭ ‬الاجتماعية‭ ‬والحقوق‭ ‬السياسية‭.. ‬الخ‭. ‬هذا‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬السنة‭ ‬يمثلون‭ ‬20%‭ ‬من‭ ‬سكان‭ ‬إيران‭.‬

لا‭ ‬جديد‭ ‬إذن‭ ‬فيما‭ ‬فعله‭ ‬الرئيس‭ ‬الإيراني‭ ‬الجديد،‭ ‬فهو‭ ‬يسير‭ ‬على‭ ‬نهج‭ ‬أسلافه‭ ‬ولم‭ ‬يفعل‭ ‬إلا‭ ‬تنفيذ‭ ‬سياسة‭ ‬النظام‭ ‬تجاه‭ ‬أهل‭ ‬السنة‭ ‬والأقليات‭ ‬الأخرى‭.‬

كل‭ ‬ما‭ ‬في‭ ‬الأمر‭ ‬أن‭ ‬أهل‭ ‬السنة‭ ‬في‭ ‬إيران‭ ‬وأبناء‭ ‬الأقليات‭ ‬كانوا‭ ‬قد‭ ‬علقوا‭ ‬بعضا‭ ‬من‭ ‬الآمال‭ ‬على‭ ‬بزشكيان‭ ‬على‭ ‬اعتبار‭ ‬أنه‭ ‬تم‭ ‬تقديمه‭ ‬للشعب‭ ‬الإيراني‭ ‬على‭ ‬أنه‭ ‬مرشح‭ ‬الإصلاحيين،‭ ‬وعلى‭ ‬اعتبار‭ ‬أنه‭ ‬في‭ ‬فترة‭ ‬ما‭ ‬قبل‭ ‬الانتخابات‭ ‬كان‭ ‬بعض‭ ‬المرشحين‭ ‬ومن‭ ‬بينهم‭ ‬بزشكيان‭ ‬قد‭ ‬قدموا‭ ‬وعودا‭ ‬بإصلاحات‭ ‬كثيرة‭ ‬من‭ ‬بينها‭ ‬إنصاف‭ ‬أبناء‭ ‬الأقليات‭ ‬والعمل‭ ‬على‭ ‬حل‭ ‬أزماتهم‭ ‬الكثيرة‭.‬

والمشكلة‭ ‬مع‭ ‬الرئيس‭ ‬الإيراني‭ ‬الجديد‭ ‬لا‭ ‬تتعلق‭ ‬على‭ ‬أي‭ ‬حال‭ ‬بالسنة‭ ‬وأبناء‭ ‬الأقليات‭ ‬وحدهم،‭ ‬وإنما‭ ‬بالشعب‭ ‬الإيراني‭ ‬كله‭.‬

قبل‭ ‬الانتخابات‭ ‬الرئاسية‭ ‬الأخيرة‭ ‬كانت‭ ‬كل‭ ‬المؤشرات‭ ‬تدل‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬الشعب‭ ‬الإيراني‭ ‬يعتزم‭ ‬مقاطعة‭ ‬الانتخابات‭ ‬مقاطعة‭ ‬واسعة‭ ‬احتجاجا‭ ‬على‭ ‬أوضاعه‭ ‬المعيشية‭ ‬المتردية‭ ‬والقمع‭ ‬السياسي‭. ‬ومع‭ ‬هذا،‭ ‬شارك‭ ‬قطاع‭ ‬لا‭ ‬بأس‭ ‬به‭ ‬من‭ ‬الشعب‭ ‬في‭ ‬الدورة‭ ‬الثانية‭ ‬من‭ ‬الانتخابات‭ ‬ومنح‭ ‬أصواته‭ ‬لبزشكيان‭. ‬كان‭ ‬المغزى‭ ‬الأساسي‭ ‬لهذا‭ ‬أن‭ ‬الشعب‭ ‬لديه‭ ‬إرادة‭ ‬عارمة‭ ‬في‭ ‬التغيير‭.‬

الشعب‭ ‬تعلق‭ ‬بهذا‭ ‬الأمل‭ ‬البسيط‭ ‬لأنه‭ ‬كما‭ ‬ذكرت‭ ‬تم‭ ‬تقديم‭ ‬بزشكيان‭ ‬على‭ ‬اعتبار‭ ‬أنه‭ ‬إصلاحي‭ ‬يتبنى‭ ‬برنامجا‭ ‬للتغيير‭. ‬ولم‭ ‬يكن‭ ‬هذا‭ ‬صحيحا‭ ‬بشكل‭ ‬عام‭. ‬كل‭ ‬تاريخ‭ ‬بزشكيان‭ ‬وأفكاره‭ ‬عبر‭ ‬السنين‭ ‬الطويلة‭ ‬التي‭ ‬قضاها‭ ‬في‭ ‬العمل‭ ‬العام‭ ‬تؤكد‭ ‬أن‭ ‬علاقته‭ ‬بالإصلاح‭ ‬محدودة،‭ ‬وأنه‭ ‬أحد‭ ‬الأبناء‭ ‬الأوفياء‭ ‬للمرشد‭ ‬وللنظام‭ ‬الديني‭.‬

اتضح‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬أنه‭ ‬تمت‭ ‬المبالغة‭ ‬عن‭ ‬عمد‭ ‬في‭ ‬تصوير‭ ‬بزشكيان‭ ‬كإصلاحي‭ ‬بارز،‭ ‬وبتوجيه‭ ‬من‭ ‬المرشد‭ ‬الإيراني‭ ‬نفسه،‭ ‬لإعطاء‭ ‬الشعب‭ ‬بصيصا‭ ‬من‭ ‬الأمل‭ ‬وإنقاذ‭ ‬النظام‭ ‬من‭ ‬أزمة‭ ‬سياسية‭ ‬خانقة‭ ‬كانت‭ ‬ستتفجر‭ ‬لو‭ ‬قاطع‭ ‬الشعب‭ ‬الانتخابات‭ ‬مقاطعة‭ ‬واسعة‭.‬

وهم‭ ‬الإصلاح‭ ‬والتغيير‭ ‬مع‭ ‬الرئيس‭ ‬الجديد‭ ‬سقط‭ ‬بأسرع‭ ‬مما‭ ‬يتصور‭ ‬الكثيرون‭. ‬سقط‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬تبدأ‭ ‬حكومته‭ ‬في‭ ‬ممارسة‭ ‬مهامها‭ ‬وقبل‭ ‬أن‭ ‬يمارس‭ ‬السلطة‭ ‬فعليا‭.‬

لا‭ ‬يتعلق‭ ‬الأمر‭ ‬هنا‭ ‬بالانتقادات‭ ‬التي‭ ‬وجهها‭ ‬السنة‭ ‬وأبناء‭ ‬الأقليات‭ ‬فقط،‭ ‬لكنه‭ ‬تجسد‭ ‬أيضا‭ ‬في‭ ‬الخطوة‭ ‬المفاجئة‭ ‬التي‭ ‬اتخذها‭ ‬جواد‭ ‬ظريف‭. ‬بزشكيان‭ ‬كان‭ ‬قد‭ ‬عيّن‭ ‬جواد‭ ‬ظريف‭ ‬مستشارا‭ ‬للشؤون‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬وكان‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬مهامه‭ ‬اختيار‭ ‬وزراء‭ ‬الحكومة‭ ‬الجديدة‭. ‬وبمجرد‭ ‬أن‭ ‬أعلن‭ ‬الرئيس‭ ‬أسماء‭ ‬وزراء‭ ‬حكومته‭ ‬أعلن‭ ‬ظريف‭ ‬اسقالته‭ ‬علنا‭. ‬لم‭ ‬يكتف‭ ‬بتقديم‭ ‬استقالته‭ ‬بل‭ ‬حرص‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬يشرح‭ ‬أسبابها‭ ‬تفصيلا،‭ ‬والتي‭ ‬تتلخص‭ ‬في‭ ‬خيبة‭ ‬الأمل‭ ‬من‭ ‬الحكومة‭ ‬والتي‭ ‬لم‭ ‬تأت‭ ‬معبرة‭ ‬لا‭ ‬عن‭ ‬الرغبة‭ ‬في‭ ‬الإصلاح‭ ‬ولا‭ ‬عن‭ ‬الوفاء‭ ‬بالوعود‭ ‬التي‭ ‬سبق‭ ‬تقديمها‭. ‬ظريف‭ ‬قال‭ ‬في‭ ‬معرض‭ ‬تبرير‭ ‬استقالته‭: ‬‮«‬أشعر‭ ‬بالخجل‭ ‬لأنني‭ ‬لم‭ ‬أتمكن‭ ‬من‭ ‬تنفيذ‭ ‬رأي‭ ‬الخبراء‭ ‬للجان‭ ‬المسؤولة‭ ‬عن‭ ‬اختيار‭ ‬المرشحين‭ ‬بشكل‭ ‬لائق،‭ ‬وتحقيق‭ ‬إشراك‭ ‬النساء‭ ‬والشباب‭ ‬والمجموعات‭ ‬العرقية‭ ‬كما‭ ‬وعدت‮»‬‭.‬

باختصار‭ ‬إذن،‭ ‬وهم‭ ‬الإصلاح‭ ‬والتغيير‭ ‬مع‭ ‬بزشكيان‭ ‬سقط‭ ‬بسرعة‭ ‬البرق،‭ ‬واتضح‭ ‬أنه،‭ ‬وكما‭ ‬هي‭ ‬العادة،‭ ‬لا‭ ‬كلمة‭ ‬إلا‭ ‬للمرشد‭ ‬والحرس‭ ‬الثوري‭.‬

هذا‭ ‬فيما‭ ‬يتعلق‭ ‬بالقضايا‭ ‬الداخلية‭ ‬في‭ ‬إيران‭. ‬أما‭ ‬فيما‭ ‬يتعلق‭ ‬بالسياسة‭ ‬الخارجية‭ ‬وما‭ ‬يخصنا‭ ‬نحن‭ ‬في‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬فهذا‭ ‬موضوع‭ ‬آخر‭ ‬يستحق‭ ‬التوقف‭ ‬عنده‭ ‬مطولا‭.‬

إقرأ أيضا لـ"السيـــــــد زهـــــــره"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا