العدد : ١٧٠٧٨ - الأربعاء ٢٥ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٤ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٧٨ - الأربعاء ٢٥ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٤ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

الثقافي

العلاج بالفن بين الوهم والإبداع

بقلم: د. حيدر علي الاسدي

السبت ٣١ أغسطس ٢٠٢٤ - 02:00

يقول‭ ‬بابلو‭ ‬بيكاسو‭: (‬الفن‭ ‬جمال‭ ‬ومحبة‭ ‬وأخلاق‭ ‬ورسالة‭ ‬وصدق‭)‬

تشتبك‭ ‬الفنون‭ ‬الإبداعية‭ ‬بالعلوم‭ ‬المجاورة‭ ‬ولاسيما‭ ‬علم‭ ‬النفس‭ ‬ونظريات‭ ‬التربية‭ ‬المتنوعة‭ ‬،‭ ‬ومنذ‭ ‬القدم‭ ‬كان‭ ‬العامل‭ ‬النفسي‭ ‬من‭ ‬اهم‭ ‬العوامل‭ ‬التي‭ ‬يرتكز‭ ‬عليها‭ ‬الخطاب‭ ‬الفني‭ ‬منذ‭ ‬التنظيرات‭ ‬الأولى‭ ‬لأرسطو‭ ‬طاليس‭ ‬في‭ ‬فن‭ ‬الشعر‭ ‬ورؤيته‭ ‬عن‭ ‬مفهوم‭ ‬وفلسفة‭ (‬التطهير‭) ‬التحرر‭ ‬من‭ ‬المشاعر‭ ‬الضارة‭ ‬والمؤلمة،‭ ‬ان‭ ‬العلاج‭ ‬بالفن‭ ‬طريقة‭ ‬مبتكرة‭ ‬إبداعية‭ ‬راجت‭ ‬في‭ ‬السنوات‭ ‬الأخيرة‭ ‬في‭ ‬المجتمعات‭ ‬الغربية‭ ‬وبخاصة‭ ‬عند‭ ‬أولئك‭ ‬الذين‭ ‬يؤمنون‭ ‬برسالة‭ ‬الفن‭ ‬بجانبها‭ ‬السيكولوجي‭ ‬والسيسولوجي،‭ ‬ان‭ ‬هذه‭ ‬الطريقة‭ ‬هي‭ ‬محاولة‭ ‬وسعي‭ ‬جاد‭ ‬لخلق‭ ‬توازن‭ ‬من‭ ‬النواحي‭ ‬الحسية‭ ‬والتعمق‭ ‬نحو‭ ‬الذات‭ ‬ومدركاته‭ ‬ومعرفة‭ ‬ما‭ ‬يجول‭ ‬في‭ ‬خواطر‭ ‬الانسان‭ ‬عبر‭ ‬استخدام‭ ‬وسائل‭ ‬الفنون‭ ‬التعبيرية،‭ ‬مثل‭ ‬تبادل‭ ‬الأدوار‭ ‬وتجسيد‭ ‬الاستعارة‭ ‬أو‭ ‬الحركة‭ ‬أو‭ ‬سرد‭ ‬الحكايات‭ ‬،‭ ‬وتتنوع‭ ‬مسارات‭ ‬العلاج‭ ‬بالفن‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تعدد‭ ‬هذه‭ ‬الفنون‭ ‬ووسائلها‭ ‬وأساليب‭ ‬تعبيرها‭ ‬ومنها‭ (‬المسرح،‭ ‬الفنون‭ ‬التشكيلية،‭ ‬الموسيقى‭) ‬فعام‭ ‬1920‭ ‬تبنى‭ ‬المعالج‭ ‬النفسي‭ (‬مورينو‭) ‬مفهوم‭ ‬العلاج‭ ‬بالدراما‭ (‬السيكودراما‭) ‬في‭ ‬محاولة‭ ‬لمسرحة‭ ‬المشاعر‭ ‬من‭ ‬اجل‭ ‬مساعدة‭ ‬المضطربين‭ ‬نفسيا‭ ‬من‭ ‬اجل‭ ‬تفريغ‭ ‬مشاعرهم‭ ‬وانفعالاتهم‭ ‬عبر‭ ‬تجربة‭ ‬أداء‭ ‬الأدوار‭ ‬التمثيلية‭ ‬التي‭ ‬تتصل‭ ‬بالمواقف‭ ‬التي‭ ‬مرت‭ ‬بهم،‭ ‬أي‭ ‬حاول‭ ‬ان‭ ‬يخلص‭ ‬هؤلاء‭ ‬من‭ ‬الكبت‭ ‬والغضب‭ ‬والحزن‭ ‬والذكريات‭ ‬المؤلمة‭ ‬وربما‭ ‬هذا‭ ‬يتسق‭ ‬مع‭ ‬التطهير‭ ‬الارسطي‭ ‬ولكن‭ ‬بمفهوم‭ ‬اخر‭ ‬يتعلق‭ (‬بالتجربة‭ ‬الفردية‭ ‬للمتضرر‭ ‬ذاته‭) ‬ان‭ ‬العلاج‭ ‬بالدراما‭ ‬أو‭ ‬ما‭ ‬يصطلح‭ ‬عليه‭ ‬السيكودراما‭ ‬سواء‭ ‬النفسية‭ ‬أو‭ ‬التربوية‭ ‬شهدت‭ ‬مجالاً‭ ‬تطبيقيا‭ ‬للعلاج‭ ‬النفسي‭ ‬والسلوكي‭ ‬وحتى‭ ‬التثقيفي‭ ‬بوصفه‭ ‬من‭ ‬أساليب‭ ‬العلاج‭ ‬المبتكرة‭ ‬المرتكزة‭ ‬على‭ ‬طريقة‭ (‬ليفي‭ ‬مورينو‭) ‬والذي‭ ‬أسس‭ ‬مسرحا‭ ‬في‭ ‬فيينا‭ ‬لعلاج‭ ‬الأطفال‭ ‬عبر‭ ‬الدراما؛‭ ‬ان‭ ‬ذلك‭ ‬الامر‭ ‬يؤكد‭ ‬العلاقة‭ ‬الوطيدة‭ ‬بين‭ ‬علم‭ ‬النفس‭ ‬والفن‭ ‬المسرحي‭ ‬في‭ ‬محاولة‭ ‬التأثير‭ ‬بالفرد‭ (‬المتلقي‭) ‬عبر‭ ‬التواصل‭ ‬الادائي‭ ‬واطلاق‭ ‬العنان‭ ‬للمشاعر‭ ‬الذاتية‭ ‬من‭ ‬اجل‭ ‬الخلاص‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬ضار‭ ‬من‭ ‬الناحية‭ ‬النفسية‭ ‬والشعورية‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬الفرد،‭ ‬وهو‭ ‬يتيح‭ ‬المجال‭ ‬لكل‭ ‬المضطربين‭ ‬سلوكياً‭ ‬سواء‭ ‬طلبة‭ ‬المدارس‭ ‬أو‭ ‬الأطفال‭ ‬أو‭ ‬ذوي‭ ‬الاحتياجات‭ ‬الخاصة‭ ‬لأطلاق‭ ‬العنان‭ ‬لتعبيراتهم‭ ‬الانفعالية‭ ‬للخلاص‭ ‬من‭ ‬التوترات‭ ‬النفسية‭ ‬والرهاب‭ ‬ومحاولة‭ ‬القدرة‭ ‬مجددا‭ ‬على‭ ‬التواصل‭ ‬الفعال‭ ‬مع‭ ‬الاخر‭ ‬في‭ ‬محاولة‭ ‬لتحقيق‭ ‬مبدأ‭ ‬الاندماج‭ ‬مجدداً،‭ ‬لذا‭ ‬فقد‭ ‬عرفت‭ (‬الجمعية‭ ‬البريطانية‭ ‬للمعالجة‭ ‬بالفن‭) ‬العلاج‭ ‬بالفن‭ ‬بأنه‭ ‬هو‭ ‬شكل‭ ‬من‭ ‬اشكال‭ ‬العلاج‭ ‬النفسي‭ ‬الذي‭ ‬يستخدم‭ ‬وسائل‭ ‬الاعلام‭ ‬الفن‭ ‬كوسيلة‭ ‬اساسية‭ ‬للتواصل‭. ‬وقد‭ ‬تمكن‭ ‬الباحثان‭ ‬ديفيد‭ ‬كيبر‭ ‬وتيموثي‭ ‬ريتشي‭ ‬من‭ ‬قياس‭ ‬مدى‭ ‬فعالية‭ ‬السايكودراما‭ ‬وخاصة‭ ‬عبر‭ ‬مبدأ‭ ‬العفوية‭ ‬والتي‭ ‬ترسخ‭ ‬تجربة‭ ‬انثيال‭ ‬الجسد‭ ‬والحوار‭ ‬للفرد‭ ‬وبالتالي‭ ‬الارتجال‭ ‬العفوي‭ ‬بما‭ ‬يريد‭ ‬ان‭ ‬يقول‭ ‬دون‭ ‬أي‭ ‬قيود‭ ‬وهو‭ ‬اشبه‭ ‬بثقافة‭ (‬الاعتراف‭) ‬والاقرار‭ ‬بالذنب‭ ‬للخلاص‭ ‬من‭ ‬الألم‭ ‬حسب‭ ‬المفهوم‭ ‬الديني‭.‬

اما‭ ‬العلاج‭ ‬بالفن‭ ‬التشكيلي‭ ‬عبر‭ ‬الرسومات‭ ‬والألوان‭ ‬والخطوط‭ ‬فتظهر‭ ‬مرجعيات‭ ‬هذه‭ ‬الطريقة‭ ‬بشكل‭ ‬علمي‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬دراسات‭ ‬عالم‭ ‬النفسي‭ (‬سيجوند‭ ‬فرويد‭) ‬الذي‭ ‬كشف‭ ‬عن‭ ‬بعض‭ ‬الخطوط‭ ‬الدالة‭ ‬على‭ ‬ماهية‭ ‬الفن،‭ ‬وقدرة‭ ‬الفنون‭ ‬التشكيلية‭ ‬على‭ ‬احتضان‭ ‬مشاعر‭ ‬نفسية‭ ‬ذات‭ ‬صلة‭ ‬مباشرة‭ ‬بالفنان‭ ‬تكشف‭ ‬عن‭ ‬شخصيته‭ ‬النفسية‭. ‬كما‭ ‬أطلق‭ ‬الفنان‭ ‬البريطاني‭ ‬أدريان‭ ‬هيل‭ ‬مصطلح‭ ‬العلاج‭ ‬بالفن‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1942‭ ‬مكتشفاً‭ ‬الفوائد‭ ‬العلاجية‭ ‬للرسم‭ ‬والتلوين‭ ‬في‭ ‬فترة‭ ‬نقاهته‭ ‬عندما‭ ‬كان‭ ‬يتعافى‭ ‬من‭ ‬مرض‭ ‬السل‭ ‬في‭ ‬المصحة‭. ‬

فقد‭ ‬كتب‭ ‬أن‭ ‬قيمة‭ ‬الفن‭ ‬تكمن‭ ‬في‭ ‬العلاج‭ ‬ووثق‭ ‬طريقته‭ ‬واعماله‭ ‬في‭ ‬كتابه‭ ‬الفن‭ ‬ضد‭ ‬المرض‭. ‬ان‭ ‬العلاج‭ ‬بالفن‭ ‬التشكيلي‭ ‬احد‭ ‬اهم‭ ‬الطرق‭ ‬تطبيقاً‭ ‬في‭ ‬المجتمعات‭ ‬الأوروبية‭ ‬سواء‭ ‬في‭ ‬المصحات‭ ‬النفسية‭ ‬أو‭ ‬المستشفيات‭ ‬وبخاصة‭ ‬عند‭ ‬الأطفال‭ ‬وذوي‭ ‬الاحتياجات‭ ‬الخاصة‭ ‬والمرضى‭ ‬الذين‭ ‬يعانون‭ ‬من‭ ‬رهاب‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬الصدمة‭ ‬أو‭ ‬الضغوطات‭ ‬النفسية‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬الصدمة،‭ ‬وثمة‭ ‬استراتيجيات‭ ‬عدة‭ ‬للعلاج‭ ‬بالفن‭ ‬التشكيلي‭ ‬ومنها‭ ‬التعبير‭ ‬الحر‭ ‬أي‭ ‬يترك‭ ‬للمريض‭ ‬أو‭ ‬الطفل‭ ‬أو‭ ‬المصاب‭ ‬حرية‭ ‬التعبير‭ ‬التامة‭ ‬والمطلقة‭ ‬عما‭ ‬يرسم‭ ‬ويجول‭ ‬في‭ ‬ذهنه‭ ‬من‭ ‬أفكار‭ ‬فيعبر‭ ‬عن‭ ‬أفكاره‭ ‬وانفعالاته‭ ‬المكبوتة‭ ‬للتنفسي‭ ‬عنها‭ ‬لاحقا‭ ‬بمرحلة‭ ‬العلاج‭ ‬اذ‭ ‬يسهم‭ ‬هذا‭ ‬النشاط‭ ‬بكسر‭ ‬حاجز‭ ‬التخويف‭ ‬وتخفيف‭ ‬القلق‭ ‬والقدرة‭ ‬على‭ ‬التعبير،‭ ‬كما‭ ‬يتم‭ ‬الاسترخاء‭ ‬والتخيل‭ ‬الموجه‭ ‬في‭ ‬العلاج‭ ‬بالفن‭ ‬التشكيلي‭ ‬لكي‭ ‬يصل‭ ‬الطفل‭ ‬أو‭ ‬المريض‭ ‬لأقصى‭ ‬حالات‭ ‬الاسترخاء‭ ‬جسديا‭ ‬وذهنيا،‭ ‬ومساعدة‭ ‬المرضى‭ ‬على‭ ‬التنظيم‭ ‬والترتيب‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬نوعية‭ ‬العمل‭ ‬الفني‭ (‬الكولاج‭) ‬بإعطاء‭ ‬الطفل‭ ‬مجموعة‭ ‬أشياء‭ ‬أو‭ ‬صور‭ ‬والدفع‭ ‬به‭ ‬بخصوص‭ ‬تنظيمها‭ ‬وترتيبها‭ ‬جماليا‭ ‬ناهيك‭ ‬عن‭ ‬الدفع‭ ‬بالطفل‭ ‬والمريض‭ ‬إلى‭ ‬تبني‭ ‬العمل‭ ‬الجماعي‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬رسم‭ ‬اللوحة‭ ‬الجماعية‭ ‬وزرع‭ ‬الثقة‭ ‬والتكافل‭ ‬والتكاتف‭ ‬ومحاولة‭ ‬معرفة‭ ‬الفروقات‭ ‬الفردية‭ ‬بين‭ ‬أولئك‭ ‬المرضى‭ ‬أو‭ ‬الأطفال‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬ما‭ ‬تتركه‭ ‬رموزهم‭ ‬وبصمتهم‭ ‬الخاصة‭ ‬بهذا‭ ‬العمل‭ ‬الجماعي،‭ ‬والاهم‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬عملية‭ ‬اختيار‭ (‬الألوان‭) ‬والتي‭ ‬لها‭ ‬فاعلية‭ ‬سيكولوجية‭ ‬تدل‭ ‬على‭ ‬مشاعر‭ ‬المرضى‭ ‬التي‭ ‬يعيشونها‭ (‬الأسود‭ ‬ودلالاته‭) (‬الأبيض‭ ‬ودلالاته‭) (‬الأحمر‭ ‬ودلالاته‭) (‬الرمادي‭ ‬ودلالاته‭)( ‬الأصفر‭ ‬ودلالاته‭) ‬وهكذا‭ ‬دواليك،‭ ‬ان‭ ‬هذه‭ ‬التقنية‭ ‬العلاجية‭ ‬ممكن‭ ‬ان‭ ‬تكون‭ ‬ناجعة‭ ‬كما‭ ‬حصلت‭ ‬في‭ ‬المجتمعات‭ ‬الغربية‭ ‬بخاصة‭ ‬على‭ ‬أطفال‭ ‬التوحد‭ ‬ومراكز‭ ‬العلاج‭ ‬النفسي‭ ‬والتأهيل‭ ‬من‭ ‬المخدرات‭ ‬وذوي‭ ‬الاحتياجات‭ ‬الخاصة‭ ‬بخاصة‭ ‬ان‭ ‬كانت‭ ‬الاعمال‭ ‬الفنية‭ ‬ممكن‭ ‬ان‭ ‬تكون‭ ‬في‭ ‬المستشفيات‭ ‬ومراكز‭ ‬الأطفال‭ ‬للتخفيف‭ ‬من‭ ‬حدة‭ ‬التوتر‭ ‬لدى‭ ‬الأطفال‭ ‬وبقية‭ ‬المرضى‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬السجناء‭ ‬من‭ ‬اليافعين‭ ‬لان‭ ‬تلك‭ ‬الاعمال‭ ‬التشكيلية‭ ‬تتميز‭ ‬بهيمنة‭ ‬الألوان‭ ‬ورمزيتها‭ ‬التي‭ ‬تنعكس‭ ‬على‭ ‬نفسية‭ ‬المتلقي‭ (‬الرائي‭). ‬بل‭ ‬ممكن‭ ‬استخدام‭ ‬مثل‭ ‬تلك‭ ‬الاعمال‭ ‬في‭ ‬دار‭ ‬الايتام‭ ‬ودار‭ ‬رعاية‭ ‬المسنين‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬الإمكان‭ ‬التي‭ ‬تحتاج‭ ‬إلى‭ ‬الدعم‭ ‬النفسي‭ ‬المعنوي‭ ‬الاعتباري‭ ‬لكي‭ ‬يكملوا‭ ‬مشوار‭ ‬حياتهم‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬مشاعر‭ ‬سلبية،‭ ‬كما‭ ‬اطلق‭ ‬العالم‭ ‬الفرنسي‭ ‬جان‭ ‬دوبوفيت‭ ‬ما‭ ‬يصطلح‭ ‬عليه‭ (‬فن‭ ‬البروت‭) ‬مركزاً‭ ‬جهوده‭ ‬على‭ ‬وظيفة‭ ‬الممارسة‭ ‬الفنية‭ ‬على‭ ‬مرضى‭ ‬اللجوء‭ ‬الذين‭ ‬يعانون‭ ‬من‭ ‬الجنون‭ ‬لان‭ ‬العلاج‭ ‬بالفن‭ ‬التشكيلي‭ ‬يقوم‭ ‬على‭ ‬وصف‭ ‬الانفعالات‭ ‬النفسية‭ ‬وحتى‭ ‬البدنية‭ ‬من‭ ‬خلال‭ (‬الخطوط‭) ‬وممكن‭ ‬تلمس‭ ‬رمزية‭ ‬تلك‭ ‬الخطوط‭ ‬وقراءتها‭ ‬واحالتها‭ ‬إلى‭ (‬معكرات‭ ‬الصفو‭ ‬والتأثير‭ ‬الحياتي‭ ‬السلبي‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬الشخص‭) ‬وبالتالي‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬عمق‭ ‬المشكلة‭ ‬النفسية‭ ‬ومحاولة‭ ‬معالجتها،‭ ‬فما‭ ‬الفن‭ ‬الا‭ ‬تعبير‭ ‬عن‭ ‬مكامن‭ ‬الذات‭ ‬الداخلية،‭ ‬ان‭ ‬العلاج‭ ‬بالفن‭ ‬حقيقة‭ ‬علمية‭ ‬لا‭ ‬وهم‭ ‬وبدع‭ ‬لتعزيز‭ ‬شأنية‭ ‬الفن‭ ‬وصناعه،‭ ‬ففي‭ ‬المجتمعات‭ ‬الغربية‭ ‬يوجد‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬الجامعات‭  ‬المهتمة‭ ‬بالعلاج‭ ‬بالفن‭ ‬سواء‭ ‬اكان‭ ‬الفن‭ ‬الموسيقي‭ ‬أو‭ ‬الرقص‭ ‬والحركة‭ ‬والدراما‭ ‬والفنون‭ ‬التعبيرية‭ ‬المتنوعة‭ ‬وهناك‭ ‬برامج‭ ‬مهمة‭ ‬للعلاج‭ ‬بالموسيقى‭ ‬معتمدة‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬البلدان‭ ‬من‭ ‬جمعيات‭ ‬تخصصية‭ ‬فهناك‭ ‬ما‭ ‬يطلق‭ ‬عليه‭ (‬التحالف‭ ‬الوطني‭ ‬لعلاجات‭ ‬الفنون‭ ‬الإبداعية‭) ‬فلا‭ ‬يمكن‭ ‬استخدام‭ ‬العلاج‭ ‬بالفن‭ ‬الا‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬المرخصين‭ ‬بهذا‭ ‬الخصوص‭ ‬والقادرين‭ ‬على‭ ‬عملية‭ ‬تقديم‭ ‬الفن‭ ‬بصورة‭ ‬علاجية‭ ‬إلى‭ ‬الأفراد‭ ‬المصابين‭ ‬والأطفال‭.‬

اما‭ ‬العلاج‭ ‬بالموسيقى‭ ‬فهو‭ ‬من‭ ‬الطرق‭ ‬التي‭ ‬تتسم‭ ‬بطابعها‭ ‬الحسي‭ ‬المباشر‭ ‬مع‭ ‬المتلقي‭ ‬فهي‭ ‬ممارسة‭ ‬شاملة‭ ‬لكل‭ ‬الاحتياجات‭ ‬العاطفية‭ ‬والنفسية‭ ‬وحتى‭ ‬التواصلية‭ ‬والحسية‭ ‬والحركية‭ ‬والسلوكية‭ ‬التي‭ ‬تتصل‭ ‬أحيانا‭ ‬بعمق‭ ‬الذات‭ ‬والروح،‭ ‬وكما‭ ‬يقال‭ ‬فالموسيقى‭ ‬غذاء‭ ‬الروح،‭ ‬فهي‭ ‬لديها‭ ‬قدرة‭ ‬على‭ ‬تخفيف‭ ‬المشاعر‭ ‬الغاضبة‭ ‬المتشنجة‭ ‬وتغسل‭ ‬الروح‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬مادياتها‭ ‬الحياتية‭ ‬وتأخذ‭ ‬الانسان‭ ‬إلى‭ ‬عوالم‭ ‬الرقة‭ ‬والعاطفة‭ ‬نظراً‭ ‬لدورها‭ ‬العاطفي‭ ‬الشفاف،‭ ‬والعلاج‭ ‬بالموسيقى‭ ‬حسب‭ ‬جمعية‭ ‬العلاج‭ ‬بالموسيقى‭ ‬الأميركية‭ ‬AMTA‭ ‬فهو‭ ‬يقدم‭ ‬وسيلة‭ ‬للصحة‭ ‬العقلية‭ ‬عبر‭ ‬العملية‭ ‬الإبداعية‭ ‬وتذوق‭ ‬الفنون،‭ ‬كما‭ ‬يمتلك‭ ‬الموسيقي‭ ‬البريطاني‭ ‬نايغل‭ ‬أسبورن‭ ‬سبق‭ ‬ابداعي‭ ‬في‭ ‬العلاج‭ ‬بالموسيقى‭ ‬فهو‭ ‬يرى‭: ‬أنه‭ ‬ما‭ ‬من‭ ‬تدخُّل‭ ‬لتجاوز‭ ‬الصدمة‭ ‬يترك‭ ‬أثره‭ ‬على‭ ‬الجهاز‭ ‬العصبي‭ ‬والصحة‭ ‬النفسية‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬الموسيقى‭. ‬وقد‭ ‬عمل‭ ‬اسبورن‭ ‬في‭ ‬عدة‭ ‬مناطق‭ ‬فيها‭ ‬نزاعات‭ ‬وعالج‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬اللاجئين‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الموسيقى‭ ‬فهو‭ ‬يسعى‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الموسيقى‭ ‬ان‭ ‬يستخدم‭ ‬الأثر‭ ‬في‭ ‬الفكر‭ ‬والروج‭ ‬لتجاوز‭ ‬التحديات‭ ‬النفسية‭ ‬وإعادة‭ ‬التوازن‭ ‬للأفراد‭ ‬الخارجين‭ ‬من‭ ‬حروب‭ ‬دامية‭ ‬فهذا‭ ‬المتخصص‭ ‬يرى‭ ‬ان‭ ‬الموسيقى‭ ‬تساعد‭ ‬على‭ ‬ضبط‭ ‬الأنظمة‭ ‬الدماغية‭ ‬المتأثرة‭ ‬بتبعات‭ ‬الصدمات‭ ‬التي‭ ‬تسببها‭ ‬تلك‭ ‬الحروب‭ ‬مما‭ ‬يساعد‭ ‬الأطفال‭ ‬على‭ ‬كسب‭ ‬الثقة‭ ‬وتعزيز‭ ‬مهاراتهم‭ ‬السلوكية‭ ‬للتواصل‭ ‬بسهولة‭ ‬مع‭ ‬الاخرين‭. ‬ان‭ ‬استخدام‭ ‬الفن‭ ‬في‭ ‬رسم‭ ‬مسارات‭ ‬حياة‭ ‬الافراد‭ ‬ضمن‭ ‬اليات‭ ‬واستراتيجيات‭ ‬عملية‭ ‬بناءة‭ ‬تسهم‭ ‬في‭ ‬توعية‭ ‬الانسان‭ ‬فكرياً‭ ‬وتغذيه‭ ‬روحياً‭ ‬من‭ ‬أهم‭ ‬رسائل‭ ‬الفنون‭ ‬المختلفة‭ ‬وممكن‭ ‬تطبيقها‭ ‬بشيء‭ ‬من‭ ‬الاهتمام‭ ‬والتركيز‭ ‬واللجوء‭ ‬إلى‭ ‬التخصص‭ ‬في‭ ‬رياض‭ ‬الأطفال‭ ‬وحتى‭ ‬المدارس‭ ‬وهي‭ ‬مهمة‭ ‬حيوية‭ ‬تكمن‭ ‬على‭ ‬عاتق‭ ‬المؤسسات‭ ‬الرسمية‭ ‬أولاً‭ ‬وعلى‭ ‬الطبقة‭ ‬الثقافية‭ ‬ثانياً‭ ‬والمهتمين‭ ‬بالفنون‭ ‬ووظائفها‭ ‬على‭ ‬المجتمع‭ ‬بطريقة‭ ‬أكثر‭ ‬تركيز‭ ‬لترسيخ‭ ‬الجهود‭ ‬الرامية‭ ‬لعكس‭ ‬الصورة‭ ‬الإيجابية‭ ‬للفن،‭ ‬لا‭ ‬التركيز‭ ‬على‭ ‬الابتذال‭ ‬الذي‭ ‬تقدمه‭ ‬بعض‭ ‬الفنون‭ ‬في‭ ‬الآونة‭ ‬الأخير‭. ‬عسى‭ ‬ان‭ ‬تجد‭ ‬رسالتنا‭ ‬هذه‭ ‬اهتمام‭ ‬المعنيين‭ ‬في‭ ‬مناطقنا‭ ‬العربية‭ ‬ولاسيما‭ ‬في‭ ‬بلدنا‭ ‬العراق‭ ‬الذي‭ ‬مر‭ ‬بالعديد‭ ‬من‭ ‬المشكلات‭ ‬والأزمات‭ ‬التي‭ ‬تركت‭ ‬أثرها‭ ‬على‭ ‬الأفراد‭ ‬كافة‭.‬

 

{‭ ‬كاتب‭ ‬أكاديمي‭ ‬عراقي‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا