العدد : ١٧٠٧٨ - الأربعاء ٢٥ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٤ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٧٨ - الأربعاء ٢٥ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٤ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

الثقافي

ضمن مهرجان المسرحي الخليجي - الدورة (14) الرياض 2024م تساؤلات في طبيعة التنظيم الهيكلي في مسارحنا الخليجية

كتب: أحمد جاسم محمد

الأحد ٠٦ أكتوبر ٢٠٢٤ - 02:00

تأتي‭ ‬خطوة‭ ‬إعداد‭ ‬الهياكل‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬مؤسسة‭ ‬في‭ ‬سلم‭ ‬التخطيط‭ ‬في‭ ‬مرحلة‭ ‬لاحقة‭.. ‬إذ‭ ‬تكون‭ ‬الصورة‭ ‬التدريجية‭ ‬العامة‭ ‬بالشكل‭ ‬التالي‭: ‬

*‭ ‬الرؤية‭ ‬

*‭ ‬الأهداف‭ ‬

*‭ ‬الإجراءات‭ ‬والهيكلة

*‭ ‬التقويم

مع‭ ‬الاختلاف‭ ‬الطفيف‭ ‬بين‭ ‬شكل‭ ‬وآخر‭ ‬من‭ ‬أشكال‭ ‬التخطيط‭ ‬للنموذج‭ ‬الذي‭ ‬طرحناه‭.‬

ولذلك‭ ‬عندما‭ ‬نتحدث‭ ‬عن‭ ‬الهيكلة‭ ‬التنظيمية‭ ‬للمسارح‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الندوة،‭ ‬فإننا‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬نتعدى‭ ‬بديهية‭ ‬المراحل‭ ‬الأولى‭ ‬من‭ ‬التخطيط‭ ‬للمنشأة‭ ‬المسرحية،‭ ‬وإلا‭ ‬فلا‭ ‬ينبغي‭ ‬الخوض‭ ‬في‭ ‬التنظيم‭ ‬الهيكلي‭ ‬بلا‭ ‬رؤية‭ ‬ولا‭ ‬أهداف‭ ‬واضحة‭. ‬لذا‭ ‬أرى‭ ‬أن‭ ‬أبني‭ ‬الطرح‭ ‬على‭ ‬أساس‭ ‬وجود‭ ‬قاعدة‭ ‬رؤيوية‭ ‬واضحة‭ ‬للمنظمة‭ ‬المسرحية‭ ‬وبالتالي‭ ‬نقيّم‭ ‬وضع‭ ‬الهيكلة‭ ‬وشكلها‭ ‬المطلوب‭.‬

فعندما‭ ‬نتكلم‭ ‬عن‭ ‬الرؤية‭ ‬والمشروع‭ ‬البعيد‭ ‬فإننا‭ ‬نستحضر‭ ‬الرؤى‭ ‬الكبرى‭ ‬في‭ ‬المسرح،‭ ‬مثل‭ ‬ستانسلافسكي‭ ‬الذي‭ ‬كانت‭ ‬رؤيته‭ ‬كيف‭ ‬يعد‭ ‬الممثل،‭ ‬وبريخت‭ ‬ومشروعه‭ ‬في‭ ‬إيجاد‭ ‬مسرح‭ ‬تحريضي‭ ‬يكسر‭ ‬الوهم،‭ ‬ومايرهولد‭ ‬وهو‭ ‬يؤسس‭ ‬فكرة‭ ‬المشهدية‭ ‬والتعبير‭ ‬الحركي‭ ‬بالجسد‭ ‬وعندما‭ ‬يقدم‭ ‬جروتوفسكي‭ ‬فكرة‭ ‬المختبر‭ ‬المسرحي‭ ‬لصقل‭ ‬مهارات‭ ‬وشخصية‭ ‬الممثلين‭ ‬والبيئة‭ ‬المسرحية‭ ‬وغيرهم‭.‬

وفي‭ ‬الواقع‭ ‬الذي‭ ‬نلمسه‭ ‬في‭ ‬مؤسساتنا‭ ‬المسرحية‭ ‬تتلاطم‭ ‬أمامنا‭ ‬صورة‭ ‬غامضة‭ ‬لطبيعة‭ ‬هوية‭ ‬المسارح‭ ‬العربية‭ ‬والخليجية‭ ‬بشكل‭ ‬أخص‭ ‬مع‭ ‬احترامنا‭ ‬لكل‭ ‬الجهود‭ ‬المبذولة‭.‬

ففي‭ ‬الواقع‭ ‬تحاول‭ ‬معظم‭ ‬المسارح‭ ‬أن‭ ‬تطرح‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬في‭ ‬جعبتها‭ ‬من‭ ‬فنون‭ ‬المسرح‭ ‬لترضي‭ ‬جميع‭ ‬الأذواق‭ ‬والثقافات‭ ‬والأعمار،‭ ‬فنجد‭ ‬المسرح‭ ‬يخوض‭ ‬مرة‭ ‬في‭ ‬التجريب‭ ‬وأخرى‭ ‬في‭ ‬الكوميديا‭ ‬التجارية‭ ‬وأخرى‭ ‬في‭ ‬مسرح‭ ‬الطفل‭ ‬وأخرى‭ ‬في‭ ‬مسرح‭ ‬الشارع‭ ‬وأخرى‭.. ‬وأخرى‭.‬

فهل‭ ‬المطلوب‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬المؤسسات‭ ‬المسرحية‭ ‬أن‭ ‬تفعل‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬في‭ ‬فن‭ ‬المسرح‭ ‬نوعا‭ ‬وكما؟؟‭ ‬وكأننا‭ ‬نحن‭ ‬من‭ ‬سينقذ‭ ‬العالم‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬شيء؟‭  ‬

هذا‭ ‬المنظور‭ ‬هو‭ ‬الذي‭ ‬يدفع‭ ‬مؤسساتنا‭ ‬المسرحية‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬تضع‭ ‬خططها‭ ‬على‭ ‬أساس‭ ‬التنوع‭ ‬والتصدي‭ ‬لكل‭ ‬الفنون‭ ‬المسرحية‭ ‬فتقتحم‭ ‬ميادين‭ ‬مسرح‭ ‬المهرجانات‭ ‬والمناسبات‭ ‬والأعياد‭ ‬والصيف‭ ‬والربيع‭ ‬والإجازات‭ ‬ويتصدى‭ ‬المخرج‭ ‬الواحد‭ ‬لأكثر‭ ‬من‭ ‬نوع‭ ‬بثقة‭ ‬كبيرة،‭ ‬وكأن‭ ‬المهم‭ ‬أن‭ ‬نسد‭ ‬الفراغ‭!! ‬

وبالتالي‭ ‬تقوم‭ ‬المسارح‭ ‬بتنظيم‭ ‬هياكلها‭ ‬المسرحية‭ ‬على‭ ‬أساس‭ ‬التنظيم‭ ‬الإداري‭ ‬البحت‭ ‬بغض‭ ‬النظر‭ ‬عن‭ ‬الرؤية‭ ‬الصلبة‭ ‬والتي‭ ‬غالبا‭ ‬ما‭ ‬تكون‭ ‬غائبة‭ ‬عن‭ ‬المسرح،‭ ‬فهناك‭ ‬لجان‭ ‬متعددة‭ ‬لتنظيم‭ ‬الحالة‭ ‬الإدارية‭ ‬وليس‭ ‬الحالة‭ ‬الفكرية،‭ ‬فنؤسس‭ ‬لجانا‭ ‬للتدريب‭ ‬ولجانا‭ ‬للثقافة‭ ‬ولجانا‭ ‬للعضوية‭ ‬ولجانا‭ ‬لمشاهدة‭ ‬العروض‭ ‬وتقييم‭ ‬النصوص‭ ‬ومسرح‭ ‬الطفل‭ ‬وغيرها،‭ ‬والسؤال‭ ‬على‭ ‬ماذا‭ ‬تم‭ ‬بناء‭ ‬كل‭ ‬تلك‭ ‬اللجان؟‭ ‬

وأرى‭ ‬أنه‭ ‬من‭ ‬المهم‭ ‬الرجوع‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬كتبه‭ ‬محمود‭ ‬الماجري‭ ‬في‭ ‬كتاب‭ ‬‮«‬مسارات‭ ‬نحت‭ ‬الذات‭ ‬في‭ ‬المسرح‭ ‬التونسي‮»‬‭ ‬أو‭ ‬‮«‬مغامرة‭ ‬الفعل‭ ‬المسرحي‭ ‬في‭ ‬تونس‮»‬‭ ‬لمحمد‭ ‬المديوني،‭ ‬أو‭ ‬‮«‬تجارب‭ ‬جديدة‭ ‬في‭ ‬الفن‭ ‬المسرحي‮»‬‭         ‬د‭. ‬سمير‭ ‬سرحان،‭ ‬لنقرأ‭ ‬ذلك‭ ‬العمق‭ ‬التقييمي‭ ‬لشكل‭ ‬المسرح‭ ‬وتطوره‭ ‬وترقيه‭.‬

وحتى‭ ‬نضع‭ ‬الحروف‭ ‬على‭ ‬النقاط،‭ ‬سنحاول‭ ‬طرح‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الأسئلة‭ ‬وهي‭ ‬نفسها‭ ‬الخطوط‭ ‬التنظيمية‭ ‬التي‭ ‬نحاول‭ ‬الإسهام‭ ‬بها‭ ‬لبلورة‭ ‬شكل‭ ‬منظم‭ ‬للمؤسسة‭ ‬المسرحية‭. ‬وسوف‭ ‬يتم‭ ‬التركيز‭ ‬على‭ ‬تقييم‭ ‬العمل‭ ‬التنظيمي‭ ‬الهيكلي‭ ‬في‭ ‬داخل‭ ‬المؤسسة‭ ‬المسرحية‭ ‬بعيدا‭ ‬عن‭ ‬الكلام‭ ‬في‭ ‬علاقة‭ ‬المؤسسة‭ ‬المسرحية‭ ‬بوزارة‭ ‬الثقافة‭ ‬أو‭ ‬الجهة‭ ‬التابعة‭ ‬لها‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬دولة‭ ‬ما‭.. ‬فالهدف‭ ‬هو‭ ‬كيف‭ ‬يعمل‭ ‬ويخطط‭ ‬المسرح‭ ‬من‭ ‬نفسه‭ ‬لنفسه‭ ‬بعيدا‭ ‬عن‭ ‬أعذار‭ ‬النقص‭ ‬والمحبطات‭ ‬والمعوقات‭ ‬الخارجية‭. ‬

 

ما‭ ‬حجم‭ ‬المؤسسة‭ ‬المسرحية؟

هل‭ ‬مؤسستك‭ ‬المسرحية‭ ‬هي‭ ‬مسرح‭ ‬وطني‭ ‬له‭ ‬موارده‭ ‬المادية‭ ‬والبشرية‭ ‬الضخمة‭ ‬أم‭ ‬هو‭ ‬مسرح‭ ‬أهلي‭ ‬ذو‭ ‬ميزانية‭ ‬صغيرة‭ ‬محدودة‭ ‬أو‭ ‬هو‭ ‬مؤسسة‭ ‬تجارية‭ ‬صغيرة‭ ‬الحجم‭ ‬بدون‭ ‬موارد‭ ‬مالية‭. ‬

هذا‭ ‬السؤال‭ ‬مهم‭ ‬جدا،‭ ‬حيث‭ ‬ان‭ ‬العمل‭ ‬بقدر‭ ‬المتاح‭ ‬ذكاء‭ ‬وحكمة،‭ ‬ولا‭ ‬يعني‭ ‬ذلك‭ ‬التنازل‭ ‬عن‭ ‬الطموح،‭ ‬ولكن‭ ‬التركيز‭ ‬هنا‭ ‬له‭ ‬أهميته‭ ‬القصوى‭ ‬في‭ ‬طريقة‭ ‬الطرح‭ ‬والتسويق‭ ‬والتخصص‭. ‬هناك‭ ‬مسارح‭ ‬تشتكي‭ ‬من‭ ‬ضعف‭ ‬الإمكانات‭ ‬ومع‭ ‬ذلك‭ ‬تريد‭ ‬العمل‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬وفي‭ ‬كل‭ ‬المناسبات،‭ ‬ولذلك‭ ‬تتنازل‭ ‬عن‭ ‬طموحات‭ ‬كثيرة‭ ‬حتى‭ ‬يتم‭ ‬تقطيع‭ ‬الكعك‭ ‬لجميع‭ ‬المخرجين‭ ‬طوال‭ ‬خطة‭ ‬السنة‭. ‬

 

ما‭ ‬التوجه‭ ‬الفني‭ ‬للمؤسسة؟

هل‭ ‬تتوجه‭ ‬المؤسسة‭ ‬للتجريب‭ ‬أو‭ ‬المسرح‭ ‬الجماهيري‭ ‬أو‭ ‬مسرح‭ ‬الطفل؟‭ ‬والحقيقة‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬مانع‭ ‬من‭ ‬التنويع‭ ‬ولكن‭ ‬الأصل‭ ‬أن‭ ‬يرسم‭ ‬المسرح‭ ‬له‭ ‬الخط‭ ‬الأساس‭ ‬والأولوية‭ ‬لتوجه‭ ‬محدد‭ ‬تصب‭ ‬كل‭ ‬جهوده‭ ‬من‭ ‬أجله‭ ‬خاصة‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬المسرح‭ ‬محدود‭ ‬الإمكانات‭ ‬والموارد،‭ ‬فعندما‭ ‬نطالع‭ ‬المسارح‭ ‬الأوروبية‭ ‬المميزة‭ ‬نشهد‭ ‬ظاهرة‭ ‬التخصص‭ ‬لديها‭ ‬بشكل‭ ‬بارز‭ ‬جدا‭ ‬،‭ ‬فهناك‭ ‬مسارح‭ ‬الشارع‭ ‬ومسرح‭ ‬للتجريب‭ ‬ومسرح‭ ‬للعرائس‭ ‬ومسرح‭ ‬صامت،‭ ‬بل‭ ‬إن‭ ‬هناك‭ ‬مسارح‭ ‬متخصصة‭ ‬في‭ ‬فن‭ ‬‮«‬مسرح‭ ‬الأصابع‮»‬‭ ‬Finger‭ ‬theater‭   ‬فهل‭ ‬يوجد‭ ‬لدينا‭ ‬هذا‭ ‬الحس‭ ‬من‭ ‬التخصص،‭ ‬ولعل‭ ‬البعض‭ ‬يفضل‭ ‬كذلك‭ ‬أن‭ ‬يتخصص‭ ‬في‭ ‬ستانسلافسكي‭ ‬أو‭ ‬جروتوفسكي‭ ‬أو‭ ‬بريخت‭ ‬في‭ ‬المسرح‭ ‬الملحمي،‭ ‬أو‭ ‬مسرح‭ ‬آرتو‭ ‬وغيرهم،‭ ‬وإن‭ ‬كانت‭ ‬تلك‭ ‬المذاهب‭ ‬تم‭ ‬تجاوزها‭ ‬ودمجها‭ ‬وذوبانها‭ ‬مع‭ ‬غيرها،‭ ‬ومع‭ ‬احترامي‭ ‬لجميع‭ ‬مسارحنا‭ ‬في‭ ‬البحرين‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬أقرب‭ ‬المسارح‭ ‬لهذا‭ ‬الفكر‭ ‬هو‭ ‬مسرح‭ ‬الصواري‭ ‬الذي‭ ‬ظل‭ ‬صامدا‭ ‬على‭ ‬خط‭ ‬التخصص‭ ‬في‭ ‬مسرح‭ ‬التجريب‭ ‬من‭ ‬تأسيسه‭ ‬إلى‭ ‬الآن‭.‬

وعلى‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭ ‬نجد‭ ‬المسرح‭ ‬الحي‭ ‬في‭ ‬أمريكا‭ ‬يتخصص‭ ‬في‭ ‬تقديم‭ ‬النصوص‭ ‬الأمريكية‭ ‬الطليعية،‭ ‬ويؤسس‭ ‬لفكرة‭ ‬التخلص‭ ‬من‭ ‬الديكور‭ ‬والمكياج‭ ‬والأزياء‭ ‬ومرجعيته‭ ‬في‭ ‬الفكر‭ ‬هو‭ ‬أنطوان‭ ‬آرتو‭. ‬تأملوا‭ ‬معلي‭ ‬هذا‭ ‬التركيز‭ ‬الجاد‭ ‬هو‭ ‬الذي‭ ‬يقدم‭ ‬أنموذجا‭ ‬متميزا‭ ‬في‭ ‬المسرح،‭ ‬فكلما‭ ‬كانت‭ ‬نظرة‭ ‬المؤسسة‭ ‬المسرحية‭ ‬محددة‭ ‬دقيقة‭ ‬متخصصة‭ ‬كانت‭ ‬أقرب‭ ‬إلى‭ ‬الإبداع‭ ‬النوعي،‭ ‬وليس‭ ‬شرطا‭ ‬في‭ ‬التجريب‭ ‬ولكن‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬مجال‭ ‬مسرحي‭ ‬كان‭. ‬

 

هل‭ ‬هو‭ ‬مسرح‭ ‬هاو‭ ‬أو‭ ‬متفرغ‭ ‬محترف؟

هل‭ ‬نحن‭ ‬من‭ ‬أهل‭ ‬الفن‭ ‬المتفرغين‭ ‬الذين‭ ‬نذهب‭ ‬كل‭ ‬يوم‭ ‬إلى‭ ‬المسرح‭ ‬من‭ ‬الساعة‭ ‬الثامنة‭ ‬إلى‭ ‬العصر،‭ ‬نتدرب‭ ‬ونكتب‭ ‬ونصنع‭ ‬ونتناقش،‭ ‬أو‭ ‬نحن‭ ‬موظفون‭ ‬لا‭ ‬نعطي‭ ‬للمسرح‭ ‬إلا‭ ‬بمقدار‭ ‬ما‭ ‬بنا‭ ‬من‭ ‬طاقة‭ ‬بعد‭ ‬نومة‭ ‬القيلولة‭ ‬في‭ ‬حدود‭ ‬الساعتين‭ ‬من‭ ‬البروفات‭ ‬وبعض‭ ‬النقاشات‭ ‬الخفيفة‭.‬

هل‭ ‬ندرك‭ ‬حجم‭ ‬مشكلة‭ ‬التفرغ‭ ‬للمسرح‭ ‬كونه‭ ‬المصدر‭ ‬الأساس‭ ‬للفنان‭ ‬المسرحي‭ ‬ومصدر‭ ‬رزقه؟‭! ‬نحن‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬المشرقي‭ ‬والخليجي‭ ‬تحديدا‭ ‬نعيش‭ ‬حالة‭ ‬من‭ ‬الاستقرار‭ ‬الوظيفي‭ ‬يجعل‭ ‬الفن‭ ‬والمسرح‭ ‬في‭ ‬ثانوية‭ ‬أولوياتنا‭ ‬ولذلك‭ ‬لا‭ ‬يتفرغ‭ ‬الفنان‭ ‬المسرحي‭ ‬للمسرح‭ ‬كونه‭ ‬حياته‭ ‬ومصير‭ ‬رزقه،‭ ‬ولذلك‭ ‬يمارس‭ ‬المسرح‭ ‬للمناسبات‭ ‬والمهرجانات،‭ ‬ولا‭ ‬أعني‭ ‬بذلك‭ ‬التقليل‭ ‬من‭ ‬بعض‭ ‬التجارب‭ ‬المسرحية‭ ‬ولكن‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬تقييم‭ ‬مؤسساتنا‭ ‬المسرحية‭ ‬فإن‭ ‬العمل‭ ‬المبذول‭ ‬فيها‭ ‬لا‭ ‬يتجاوز‭ ‬شكل‭ ‬المؤسسات‭ ‬التطوعية‭ ‬غير‭ ‬المتفرغة‭. ‬ومن‭ ‬المهم‭ ‬الرجوع‭ ‬لكتاب‭ ‬‮«‬التمثيل‭ ‬خارج‭ ‬دائرة‭ ‬الاحتراف‮»‬‭ ‬لعوني‭ ‬كرومي‭.‬

هل‭ ‬المسرح‭ ‬يعمل‭ ‬على‭ ‬ديمومة‭ ‬المشروع‭ ‬المسرحي؟

ونعني‭ ‬بذلك‭ ‬العمل‭ ‬على‭ ‬تأسيس‭ ‬حالة‭ ‬مسرحية‭ ‬مستمرة‭ ‬طوال‭ ‬العام‭ ‬والأعوام‭ ‬وليس‭ ‬مشروع‭ ‬مسرحية‭ ‬تبدأ‭ ‬وتنتهي‭ ‬في‭ ‬موسم‭ ‬مسرحي‭ ‬واحد،‭ ‬فالمشروع‭ ‬المسرحي‭ ‬المتقدم‭ ‬هو‭ ‬ما‭ ‬نشهده‭ ‬في‭ ‬عدة‭ ‬مسارح‭ ‬عالمية‭ ‬وبعضها‭ ‬عربي‭ ‬في‭ ‬تطور‭ ‬الحالة‭ ‬المسرحية‭ ‬واستمراريتها‭ ‬ووصولها‭ ‬إلى‭ ‬العالمية‭ ‬بسبب‭ ‬هذه‭ ‬الميزة‭.‬

في‭ ‬عام‭ ‬1966م‭ ‬قدم‭ ‬المخرج‭ ‬بيتر‭ ‬شومان‭ ‬صاحب‭ ‬مسرح‭ ‬الخبز‭ ‬والدمى‭ ‬عرضا‭ ‬عن‭ ‬حرب‭ ‬فيتنام،‭ ‬وظل‭ ‬إلى‭ ‬يومنا‭ ‬هذا‭ ‬يعيده‭ ‬بصيغ‭ ‬مختلفة‭ ‬عن‭ ‬عدة‭ ‬قضايا‭ ‬للدفاع‭ ‬عن‭ ‬حقوق‭ ‬الأرض‭ ‬المستلبة‭ ‬عند‭ ‬الشعوب،‭ ‬لم‭ ‬يتوقف‭ ‬ولم‭ ‬يمت‭ ‬العرض‭ ‬أبدا،‭ ‬ومازال‭ ‬الرجل‭ ‬يعمل‭ ‬وهو‭ ‬بعمر‭ ‬التسعين‭ ‬سنة‭.‬

إن‭ ‬مشكلتنا‭ ‬الحاضرة‭ ‬في‭ ‬مسارحنا‭ ‬الأهلية‭ ‬هو‭ ‬أننا‭ ‬نعمل‭ ‬لإعداد‭ ‬مسرحية‭ ‬وليس‭ ‬مشروع‭ ‬مسرحي،‭ ‬فالمسرحية‭ ‬تنتهي‭ ‬بانتهاء‭ ‬المناسبة‭ ‬أو‭ ‬المهرجان،‭ ‬ولكن‭ ‬المشروع‭ ‬المسرحي‭ ‬له‭ ‬أبعاد‭ ‬أكبر،‭ ‬وتخيلوا‭ ‬معي‭ ‬لو‭ ‬قرر‭ ‬مجلس‭ ‬إدارة‭ ‬المسرح‭ ‬أن‭ ‬يقدم‭ ‬عرضا‭ ‬مسرحيا‭ ‬يستمر‭ ‬طوال‭ ‬العام‭ ‬ويرفع‭ ‬سقف‭ ‬طموحاته‭ ‬ليقرر‭ ‬أن‭ ‬عدد‭ ‬عروضه‭ ‬لا‭ ‬تقل‭ ‬عن‭ ‬10‭ ‬عروض‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال،‭ ‬فكيف‭ ‬ستكون‭ ‬آليات‭ ‬العمل‭ ‬لهذا‭ ‬المشروع‭ ‬وكيف‭ ‬ستخدم‭ ‬هيكلة‭ ‬المسرح‭ ‬هذا‭ ‬المشروع،‭ ‬بعكس‭ ‬لو‭ ‬كان‭ ‬المجهود‭ ‬لتقديم‭ ‬عرض‭ ‬واحد‭ ‬في‭ ‬يوم‭ ‬واحد‭ ‬في‭ ‬مهرجان‭ ‬واحد‭.‬

وبرأيي‭ ‬المتواضع‭ ‬فإن‭ ‬الرواد‭ ‬لهذا‭ ‬الفكر‭ ‬في‭ ‬عالمنا‭ ‬العربي‭ ‬‭ ‬فيما‭ ‬يخص‭ ‬المسرح‭ ‬الجاد‭ ‬والنوعي‭ ‬‭ ‬هم‭ ‬الفنانون‭ ‬التوانسة‭ ‬وكذلك‭ ‬تجربة‭ ‬المخرج‭ ‬الكويتي‭ ‬سليمان‭ ‬البسام‭ ‬مع‭ ‬النصوص‭ ‬الشكسبيرية‭ ‬مع‭ ‬تقديري‭ ‬لكل‭ ‬التجارب‭ ‬الأخرى‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬أطلع‭ ‬عليها‭. ‬

من‭ ‬يوجد‭ ‬على‭ ‬رأس‭ ‬هرم‭ ‬المؤسسة‭ ‬المسرحية؟‭ ‬

خبرة‭ ‬عدد‭ ‬السنوات‭ ‬لا‭ ‬تكفي‭ ‬لقيادة‭ ‬المسرح،‭ ‬نحتاج‭ ‬لعقلية‭ ‬مسرحية‭ ‬ثاقبة‭ ‬الرؤية‭ ‬تستطيع‭ ‬القفز‭ ‬بالمسرح‭ ‬لمناطق‭ ‬حيوية‭ ‬متطورة‭. ‬

عندما‭ ‬تولى‭ ‬المرحوم‭ ‬علي‭ ‬بن‭ ‬عياد‭ ‬الفرقة‭ ‬البلدية‭ ‬في‭ ‬تونس‭ ‬في‭ ‬الستينات‭ ‬كان‭ ‬يعمل‭ ‬على‭ ‬تونسة‭ ‬هذا‭ ‬الفن‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬رحل‭ ‬الاستعمار،‭ ‬لذا‭ ‬بدأ‭ ‬يؤصل‭ ‬ويؤسس‭ ‬الشباب‭ ‬التونسي‭ ‬على‭ ‬الفكر‭ ‬المسرحي‭ ‬ويستفيد‭ ‬من‭ ‬الفكر‭ ‬الفرنسي‭ ‬الذي‭ ‬تأثروا‭ ‬به،‭ ‬فوضع‭ ‬لمساته‭ ‬في‭ ‬الإخراج‭ ‬وراهن‭ ‬على‭ ‬الطاقات‭ ‬التونسية‭ ‬من‭ ‬الفنانين‭ ‬في‭ ‬الديكور‭ ‬كما‭ ‬ألغى‭ ‬فكرة‭ ‬ضرورة‭ ‬فتح‭ ‬وإعلاق‭ ‬الستار‭ ‬المسرحي‭ ‬وقدم‭ ‬رؤى‭ ‬مختلفة‭ ‬لطريقة‭ ‬تحرك‭ ‬الممثلين،‭ ‬ولذلك‭ ‬يعتبر‭ ‬بن‭ ‬عياد‭ ‬من‭ ‬أهم‭ ‬محطات‭ ‬المسرح‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬العربي‭. ‬

وهكذا‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬قيادات‭ ‬مسارحنا‭ ‬واعية‭ ‬مثقفة‭ ‬مطلعة‭ ‬على‭ ‬الجديد،‭ ‬وإلا‭ ‬لن‭ ‬نأتي‭ ‬بجديد‭ ‬في‭ ‬مشروعنا‭ ‬المسرحي‭.‬

الخلاصة

عندما‭ ‬نجيب‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬تلك‭ ‬الأسئلة‭ ‬سندرك‭ ‬حجم‭ ‬التشتت‭ ‬الذي‭ ‬نقع‭ ‬فيه‭ ‬ونحن‭ ‬نرتب‭ ‬هياكلنا‭ ‬المسرحية‭ ‬ونعرف‭ ‬أننا‭ ‬غالبا‭ ‬ما‭ ‬نتوه‭ ‬في‭ ‬خارطة‭ ‬طريقنا‭ ‬المسرحي‭.‬

 

{‭ ‬كاتب‭ ‬ومخرج‭ ‬

مسرحي‭ ‬بحريني‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا