مع تفاقم التحديات المناخية من جانب، والتطور التكنولوجي من جانب آخر، يدأب المعماريون والمهندسون على تقديم الحلول العلمية من أجل التعامل مع تلك التحديات من خلال الاستغلال الأمثل للتكنولوجيا والأفكار العلمية.
من هنا برز مصطلح المدن الإسفنجية التي تعتبر بالفعل طفرة في قطاع البناء وانشاء المدن لمواجهة كوارث الفيضانات.
لا تعتمد هذه المدن على مادة الاسفنج كما يوحي الاسم، لكنها تصمم بتقنيات بناء متطورة يجعلها تعمل عمل الاسفنج في امتصاص المياه من خلال استخدام مواد وتقنيات تسهم في امتصاص المياه وتخزينها، حيث تحتوي هذه المدن على مساحات حضرية خضراء مفتوحة مع عزل الأرضيات الصلبة، وهو ما يجعلها قادرة على امتصاص الماء وتخزينه خلال موسم الأمطار، ومن ثم إعادة تصريفه أو استخدامه عند الحاجة.
وفي الوقت نفسه يتم مضاعفة عدد الأشجار والاعتماد على حلول المباني الذكية، ومن ذلك جعل أسطح المباني مغطاة بالعشب لامتصاص المياه قبل تصريفها بشكل تدريجي، مع طلاء المباني بألوان فاتحة تعكس الحرارة بدلاً من امتصاصها.
وبالتالي تقلل المدن الإسفنجية من الفيضانات عن طريق امتصاص المياه وتخزينها بفعالية وتخفيف الأضرار الناجمة عنها.
ويرجع البعض أصل الفكرة الى شركة «ديك ريكساند» الهندية بعد أن عجزت الحلول التقليدية مثل شفط المياه عن مواجهة مشاكل الفيضانات أو القدرة على تجميع مياه الامطار وإعادة استغلالها. ومن هنا بدأت الشركة تفكر في حلول لامتصاص وتجميع المياه وإعادة استخدامها.
ومن ذلك الاعتماد في تميم الطرق والمسطحات على مواد مصنوعة من رمال قابلة التنفس وتتميز بالمسامية، مثل الطوب والبلاط وحجارة الأرصفة. وتوضع هذه المواد فوق الأسطح المعرّضة لمياه المطر لتمتص المياه في موسم تساقط الأمطار، وتحافظ على الأسطح من السيول وتمنع الانزلاق.
ولكن يمكن القول بأن الصين كانت صاحبة المبادرة الأولى في مثل هذا النوع من الحلول، حيث تواجه العديد من المدن الصينية فيضانات متكررة وانزلاقات أرضية، بل تشير بعض التقارير إلى أن 98% من المدن الصينية معرضة للفيضانات.
وهذا ما دفع الحكومة الى التفكير بحلول عملية. وكانت البداية في مدينة ووهان التي تعرضت عام 2016 لفيضان مدمر. وبالفعل تم تصميم المدينة لتكون نموذجا تجريبيا للمدن الاسفنجية، وذلك من خلال إنشاء مساحاتٍ خضراء باسم «الحدائق المطرية» تخفّف جريان مياه الأمطار وتنقّيها من الملوّثات وتحوّل مجراها إلى أحد الأنهار القريبة. وفي أسفلَ كلّ حديقة، تمتدّ شبكةٌ من أنابيب الصرف المُعدّة لنقل المياه التي تعجز التربة عن امتصاصِها في حالة العواصف الشديدة.
وفي سبيل ذلك شيدت نحو 390 مشروعاً للبنية التحتية وصممت حديقة نهر اليانغتسي لتخدم هذا التوجه، حيث باتت تضم منحدرات من النباتات وأسطح قابلة للاختراق و45 ألف شجرة، و125 ميلاً مربعاً من الشجيرات، و150 ميلاً مربعاً من العشب. وكانت النتيجة مذهلة، إذ انخفضت درجات الحرارة بأكثر من 5 درجات مقارنة بالمدن المجاورة.
ولاقت التجربة الصينية رواجاً كبيرا في مختلف دول العالم، ووجدت نماذج مشابهة، منها ما عمدت اليه ولاية نيويورك الامريكية بتحويل أجزاء من أحياء مناطق إسفنجية للحدّ من فيضان مياه الصرف الصحيّ من شبكة الأنابيب.
ولكن ماتزال هذه الحلول تواجه بعض التحديات منها تلوث نسبة كبيرة من المياه الجوفية وعدم صلاحيتها للشرب، وذلك بسبب أن تسرّب مياه الأمطار يحمل معه ملوّثات الأسطح. يضاف إلى ذلك الكلفة الكبيرة لمثل هذه الحلول. فمثلا كلّفت تجربة الصين في عدد من المدن أكثر من 12 مليار دولار.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك