العدد : ١٧٠٧٧ - الثلاثاء ٢٤ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٣ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٧٧ - الثلاثاء ٢٤ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٣ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

الثقافي

تحديات القراءة وأثرها على الشباب

بقلم: وفاء شهاب الدين {

السبت ١٤ ديسمبر ٢٠٢٤ - 02:00

وخير‭ ‬جليس‭ ‬في‭ ‬الزمان‭ ‬كتاب،‭ ‬كانت‭ ‬الكتب‭ ‬في‭ ‬طفولتي‭ ‬جليسي‭ ‬الأول‭ ‬وسميري‭ ‬المفضل،‭ ‬كنا‭ ‬من‭ ‬جيل‭ ‬التلفزيون‭ ‬ذي‭ ‬القناتين‭ ‬الذي‭ ‬يبدأ‭ ‬بثه‭ ‬ربما‭ ‬في‭ ‬الثانية‭ ‬عشرة‭ ‬أو‭ ‬الواحدة‭ ‬وينتهي‭ ‬بثه‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يشفي‭ ‬غليل‭ ‬وحدتنا،‭ ‬كنت‭ ‬فتاة‭ ‬وحيدة‭ ‬ولم‭ ‬يكن‭ ‬لدي‭ ‬ما‭ ‬أتسلى‭ ‬به‭ ‬سوى‭ ‬مكتبة‭ ‬والدي‭ ‬الضخمة‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬بستانا‭ ‬يزدان‭ ‬بكل‭ ‬ما‭ ‬يتمناه‭ ‬قارئ،‭ ‬لكن‭ ‬نوعية‭ ‬الكتب‭ ‬كانت‭ ‬تنتمي‭ ‬أكثر‭ ‬إلى‭ ‬الكتب‭ ‬الدينية‭ ‬بسبب‭ ‬عمل‭ ‬والدي‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬عالماً‭ ‬جعل‭ ‬الدعوة‭ ‬حياته،‭ ‬كنت‭ ‬في‭ ‬الصف‭ ‬الثاني‭ ‬الابتدائي‭ ‬حين‭ ‬التقطت‭ ‬كتاباً‭ ‬صغيراً‭ ‬‮ ‬ليسامرني‭ ‬مازلت‭ ‬أذكر‭ ‬اسم‭ ‬الرواية‭ ‬المترجمة‭ ‬رغم‭ ‬نسياني‭ ‬آلاف‭ ‬العناوين‭ ‬الأخرى‭ ‬‮«‬بن‭ ‬كيزي‭ ‬طبيب‭ ‬القلوب‮»‬‭ ‬لا‭ ‬أذكر‭ ‬عما‭ ‬تدور‭ ‬الرواية‭ ‬لكني‭ ‬أذكر‭ ‬أنني‭ ‬وللمرة‭ ‬الأولى‭ ‬قرأت‭ ‬تعبير‭ ‬‮«‬الزائدة‭ ‬الدودية‮»‬‭ ‬فطلبت‭ ‬من‭ ‬والدي‭ ‬كتاباً‭ ‬عن‭ ‬التشريح‭ ‬أو‭ ‬الجراحة‭ ‬حتى‭ ‬أفهم‭ ‬سبب‭ ‬تسمية‭ ‬الزائدة‭ ‬بهذا‭ ‬الاسم‭ ‬فنصحني‭ ‬بقراءة‭ ‬مجلة‭ ‬العربي،‭ ‬وقد‭ ‬كان‭ ‬لدي‭ ‬أعدادها‭ ‬المبهرة‭ ‬التي‭ ‬يبتسم‭ ‬غلافها‭ ‬كل‭ ‬مرة‭ ‬بفتاة‭ ‬من‭ ‬ثقافة‭ ‬ودولة‭ ‬مختلفة‭ ‬وكأنني‭ ‬أسافر‭ ‬كل‭ ‬مرة‭ ‬على‭ ‬جناح‭ ‬مجلة‭ ‬العربي‭ ‬إلى‭ ‬دول‭ ‬أخرى‭ ‬واستمتع‭ ‬بأجوائها‭ ‬وثقافاتها‭.‬

كان‭ ‬تحدي‭ ‬القراءة‭ ‬الأول‭ ‬بيني‭ ‬وبين‭ ‬والدي‭ ‬أحضر‭ ‬صندوقاً‭ ‬ضخما‭ ‬من‭ ‬الكتب‭ ‬فبهتت‭ ‬والدتي‭ ‬حين‭ ‬رأته‭ ‬بينما‭ ‬لمعت‭ ‬عيناي‭ ‬بسعادة‭ ‬ولم‭ ‬اهتم‭ ‬بالمعركة‭ ‬التي‭ ‬ستدور‭ ‬بعد‭ ‬قليل،‭ ‬والتي‭ ‬سيكون‭ ‬مغزاها‭ ‬هو‭ ‬اعتراض‭ ‬والدتي‭ ‬على‭ ‬آلاف‭ ‬الجنيهات‭ ‬التي‭ ‬يضيعها‭ ‬أبي‭ ‬في‭ ‬الكتب‭ ‬وستستشهد‭ ‬حتما‭ ‬بمقولة‭ ‬جدتي‭ ‬وهي‭ ‬‮«‬ماليتنا‭ ‬كلها‭ ‬ورق‮»‬‭ ‬وأن‭ ‬الأولاد‭ ‬ربما‭ ‬لا‭ ‬يحتاجون‭ ‬هذه‭ ‬المبالغ‭ ‬الآن‭ ‬ولكن‭ ‬في‭ ‬المستقبل‭ ‬ربما‭ ‬يحتاجونها‭ ‬فالأولى‭ ‬أن‭ ‬تخزن‭ ‬في‭ ‬صورة‭ ‬أرض‭ ‬زراعية‭ ‬أو‭ ‬مبانٍ،‭ ‬علمتني‭ ‬القراءة‭ ‬أن‭ ‬أقدر‭ ‬صمت‭ ‬أبي‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬المواقف‭ ‬فقد‭ ‬كان‭ ‬بارعاً‭ ‬في‭ ‬إنهاء‭ ‬كل‭ ‬الخلافات‭ ‬بنظرة‭ ‬واحدة‭ ‬لا‭ ‬تتكرر‭.‬

التقطت‭ ‬كتاباً‭ ‬ضخماً‭ ‬عنوانه‭ ‬‮«‬محمد‭ ‬الإنسان‭ ‬الكامل‮»‬‭ ‬لا‭ ‬أذكر‭ ‬الآن‭ ‬مؤلفه‭ ‬لكنني‭ ‬تراهنت‭ ‬مع‭ ‬أبي‭ ‬أن‭ ‬أقرأه‭ ‬في‭ ‬ليلة‭ ‬واحدة‭ ‬فابتسم‭ ‬قائلاً‭ ‬هذا‭ ‬مستحيل‭ ‬الكتاب‭ ‬ضخم‭ ‬ولن‭ ‬تتمكني‭ ‬من‭ ‬فهمه‭ ‬بشكل‭ ‬جيد‭ ‬إن‭ ‬قرأته‭ ‬بسرعة‭ ‬فقلت‭ ‬بصوت‭ ‬الصبية‭ ‬الواثقة‭ ‬‮«‬سأفعل‭ ‬وستمتحنني‭ ‬فيه‮»‬‭ ‬وستعطيني‭ ‬مائة‭ ‬جنيه‭ ‬لأنني‭ ‬فتاة‭ ‬صالحة‭ ‬تقرأ‭ ‬كتاباً‭ ‬صعباً‭ ‬في‭ ‬ليلة‭ ‬واحدة‭.‬

أخرج‭ ‬والدي‭ ‬من‭ ‬جيب‭ ‬الصديري‭ ‬خمسمائة‭ ‬جنيه‭ ‬ووضعها‭ ‬على‭ ‬الطاولة‭ ‬فشعرت‭ ‬أن‭ ‬شيئاً‭ ‬ما‭ ‬قد‭ ‬شق‭ ‬رئتي‭! ‬فقط‭ ‬كان‭ ‬هذا‭ ‬الرقم‭ ‬سنة‭ ‬92‭ ‬كبيراً‭ ‬ولا‭ ‬أدري‭ ‬ماذا‭ ‬سأفعل‭ ‬به‭ ‬إن‭ ‬تفوقت‭ ‬على‭ ‬الوقت‭ ‬وفزت‭ ‬به،‭ ‬أخذت‭ ‬كتابي‭ ‬وجلست‭ ‬بمفردي‭ ‬اقرأ،‭ ‬كان‭ ‬كتابا‭ ‬سهل‭ ‬الأسلوب‭ ‬يحكي‭ ‬عن‭ ‬السيرة‭ ‬النبوية‭ ‬وعن‭ ‬أخلاقيات‭ ‬النبي‭ ‬محمد‭ ‬عليه‭ ‬الصلاة‭ ‬والسلام،‭ ‬لم‭ ‬أنم‭ ‬وظللت‭ ‬طوال‭ ‬الليل‭ ‬اقرأ‭ ‬واكتب‭ ‬الفكرة‭ ‬أو‭ ‬المعلومة‭ ‬التي‭ ‬تدور‭ ‬عنها‭ ‬الفقرات‭ ‬وفي‭ ‬الصباح‭ ‬قرأت‭ ‬ملخصي‭ ‬وذهبت‭ ‬لأبي‭ ‬ليمتحنني،‭ ‬لن‭ ‬أنسى‭ ‬نظرة‭ ‬الانبهار‭ ‬في‭ ‬عيني‭ ‬أبي‭ ‬وفخره‭ ‬بي‭ ‬وهو‭ ‬يناقشني‭ ‬بينما‭ ‬علقت‭ ‬أمي‭ ‬على‭ ‬الليل‭ ‬الذي‭ ‬لم‭ ‬أنمه‭ ‬وتلك‭ ‬الهالات‭ ‬السوداء‭ ‬التي‭ ‬زينت‭ ‬عيناي‭.‬

كانت‭ ‬تلك‭ ‬الخمسمائة‭ ‬جنيه‭ ‬جائزتي‭ ‬الأولى‭ ‬في‭ ‬القراءة‭ ‬شعرت‭ ‬بأنني‭ ‬امتلكت‭ ‬العالم‭ ‬حين‭ ‬قبلها‭ ‬أبي‭ ‬ووضعها‭ ‬في‭ ‬يدي‭ ‬فاقترحت‭ ‬أمي‭ ‬ككل‭ ‬الأمهات‭ ‬أن‭ ‬تدخرها‭ ‬لي‭ ‬ودخلت‭ ‬في‭ ‬دايلاما‭ ‬جديدة،‭ ‬ماذا‭ ‬سأفعل‭ ‬بها‭ ‬ليقترح‭ ‬والدي‭ ‬أن‭ ‬أشتري‭ ‬خاتماً‭ ‬من‭ ‬الذهب‭ ‬ليرافقني‭ ‬ويذكرني‭ ‬دائماً‭ ‬بأهمية‭ ‬القراءة‭.‬

اتابع‭ ‬بفخر‭ ‬كل‭ ‬التحديات‭ ‬التي‭ ‬تقيمها‭ ‬الجهات‭ ‬العربية‭ ‬للقراءة‭ ‬وأشعر‭ ‬أننا‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬ندعمها‭ ‬بكل‭ ‬ما‭ ‬أوتينا‭ ‬من‭ ‬قوة‭ ‬القراءة‭ ‬هي‭ ‬ما‭ ‬حولتني‭ ‬إلى‭ ‬كاتبة‭ ‬مجيدة‭ ‬تضج‭ ‬المكتبات‭ ‬برواياتها‭ ‬وقصصها‭ ‬وتزدحم‭ ‬المواقع‭ ‬بمقالاتها‭ ‬لذا‭ ‬أشعر‭ ‬أن‭ ‬كل‭ ‬قارئ‭ ‬لديه‭ ‬نواة‭ ‬كاتب‭ ‬ومثقف‭ ‬تستطيع‭ ‬تلك‭ ‬التحديات‭ ‬أن‭ ‬تنبته،‭ ‬اعجبني‭ ‬التحدي‭ ‬الثاني‭ ‬لمنصة‭ ‬أبجد‭ ‬وتابعت‭ ‬كل‭ ‬الآراء‭ ‬التي‭ ‬تشجع‭ ‬التحدي‭ ‬والآراء‭ ‬التي‭ ‬تشعر‭ ‬بالعجز‭ ‬أمام‭ ‬النقاط‭ ‬الكثيرة‭ ‬التي‭ ‬يحرزها‭ ‬بعض‭ ‬القراء‭ ‬في‭ ‬الحقيقة‭ ‬أنا‭ ‬أعتب‭ ‬على‭ ‬أبجد‭ ‬فقط‭ ‬اختيار‭ ‬توقيت‭ ‬صعب‭ ‬بالنسبة‭ ‬للقراء‭ ‬العربي‭ ‬فهو‭ ‬موسم‭ ‬المدارس‭ ‬التي‭ ‬تطحن‭ ‬به‭ ‬الأمهات‭ ‬وهو‭ ‬موسم‭ ‬التوقيت‭ ‬الشتوي‭ ‬في‭ ‬مصر‭ ‬والذي‭ ‬يقصر‭ ‬معه‭ ‬اليوم‭ ‬بصورة‭ ‬لا‭ ‬تمنحنا‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬الالتفات‭ ‬للخلف‭ ‬ولكن‭ ‬ورغم‭ ‬ذلك‭ ‬أحيي‭ ‬هذه‭ ‬الجهة‭ ‬التي‭ ‬جعلت‭ ‬من‭ ‬القراءة‭ ‬عادة‭ ‬لكثير‭ ‬من‭ ‬شبابنا‭ ‬وبناتنا‭ ‬ووفرت‭ ‬كتب‭ ‬كثيرة‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬توافرها‭ ‬بمكان‭ ‬واحد‭ ‬وهيأت‭ ‬كل‭ ‬السبل‭ ‬للقراءة‭ ‬‮ ‬لذا‭ ‬أدعو جميع‭ ‬الجهات‭ ‬الثقافية‭ ‬والتعليمية‭ ‬في‭ ‬الوطن‭ ‬العربي‭ ‬إلى‭ ‬دعم‭ ‬هذا‭ ‬التحدي‭ ‬والمشاركة‭ ‬في‭ ‬احتفالية‭ ‬القراءة‭ ‬الإلكترونية‭ ‬خلال‭ ‬شهر‭ ‬نوفمبر،‭ ‬فهذا‭ ‬الحدث‭ ‬يمثل‭ ‬فرصة‭ ‬لإثراء‭ ‬الثقافة‭ ‬العربية‭ ‬وتعزيز‭ ‬عادة‭ ‬القراءة‭ ‬اليومية‭. ‬فهو‭ ‬فرصة‭ ‬استثنائية‭ ‬لتعزيز‭ ‬ثقافة‭ ‬القراءة‭ ‬اليومية،‭ ‬وتشجيع‭ ‬القراء‭ ‬على‭ ‬استكشاف‭ ‬مجموعة‭ ‬متنوعة‭ ‬من‭ ‬الأدب‭ ‬العربي‭ ‬المتاح‭ ‬عبر‭ ‬مكتبة‭ ‬أبجد‭ ‬الإلكترونية‭ ‬التي‭ ‬تضم‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬25‭ ‬ألف‭ ‬كتاب‭ ‬عربي‭ ‬من‭ ‬مؤلفات‭ ‬ومترجمات‭ ‬بالتعاون‭ ‬مع‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬180‭ ‬دار‭ ‬نشر‭ ‬عربية‭. ‬

 

{‭ ‬كاتبة‭ ‬وأديبة‭ ‬مصرية‭. ‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا