العدد : ١٧٠٧٧ - الثلاثاء ٢٤ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٣ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٧٧ - الثلاثاء ٢٤ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٣ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

إعادة تشكيل العالم العربي والتخطيط للمستقبل

بقلم: د. نبيل فهمي

الجمعة ٢٠ ديسمبر ٢٠٢٤ - 02:00

أذكر‭ ‬دائما‭ ‬أنني‭ ‬لست‭ ‬من‭ ‬المتحمسين‭ ‬لنظريات‭ ‬المؤامرة،‭ ‬ليس‭ ‬لأنني‭ ‬أستبعدها‭ ‬كلية،‭ ‬وإنما‭ ‬لأنني‭ ‬ألاحظ‭ ‬أن‭ ‬عالمنا‭ ‬العربي‭ ‬يسقط‭ ‬في‭ ‬متاهاتها‭ ‬ويحملها‭ ‬مسؤوليات‭ ‬أحواله‭ ‬كافة،‭ ‬ويغرق‭ ‬فيها‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يطرح‭ ‬أسئلة‭ ‬أهم‭ ‬وأعمق،‭ ‬ألا‭ ‬وهي‭ ‬لماذا‭ ‬تتكاثر‭ ‬المؤامرات‭ ‬في‭ ‬ساحاتنا‭ ‬بمعدلات‭ ‬تتجاوز‭ ‬بكثير‭ ‬معدلاتها‭ ‬في‭ ‬ساحات‭ ‬أخرى؟‭ ‬وما‭ ‬السبيل‭ ‬إلى‭ ‬الخروج‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الدائرة‭ ‬المفرغة‭ ‬والهدامة؟‭. ‬تناولت‭ ‬في‭ ‬كتابات‭ ‬سابقة‭ ‬المطلوب‭ ‬من‭ ‬العالم‭ ‬العربي‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬يتعلق‭ ‬بالسؤالين،‭ ‬والوضع‭ ‬الذي‭ ‬يحتم‭ ‬إدارة‭ ‬السياسات‭ ‬الخارجية‭ ‬والداخلية‭ ‬بحكمة‭ ‬ورشد‭.‬

إنما‭ ‬أتوقف‭ ‬اليوم‭ ‬أمام‭ ‬ما‭ ‬أراه‭ ‬من‭ ‬جهد‭ ‬أو‭ ‬جهود‭ ‬تستهدف‭ ‬تثبيت‭ ‬المصالح،‭ ‬وهدم‭ ‬وإفناء‭ ‬ما‭ ‬بقي‭ ‬من‭ ‬المعالم‭ ‬السياسية‭ ‬للعالم‭ ‬العربي،‭ ‬وتغيير‭ ‬صورة‭ ‬المنطقة‭ ‬جوهرياً،‭ ‬وأكتب‭ ‬تسجيلاً‭ ‬للرأي‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬توجهاً‭ ‬لتغيير‭ ‬المنطقة‭ ‬ومحذراً‭ ‬منه،‭ ‬تغيرات‭ ‬تتم‭ ‬من‭ ‬مجموعة‭ ‬زاويا‭ ‬وأساليب‭ ‬بالغة‭ ‬الخطورة،‭ ‬من‭ ‬بينها‭ ‬تغليب‭ ‬القوة‭ ‬على‭ ‬القانون‭ ‬وتعديل‭ ‬الحدود‭ ‬بالقوة‭ ‬والقضاء‭ ‬على‭ ‬الانتماء‭ ‬ومسح‭ ‬الهوية‭ ‬السياسية‭ ‬وتغيير‭ ‬توازنات‭ ‬القوة‭ ‬السياسية‭ ‬والاقتصادية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬والأمنية‭ ‬لتأمين‭ ‬هيمنة‭ ‬ومصالح‭ ‬أطراف‭ ‬معظمها‭ ‬وإنما‭ ‬ليس‭ ‬كلها‭ ‬غير‭ ‬عربية‭.‬

وسعياً‭ ‬وتمكيناً‭ ‬لكل‭ ‬ذلك‭ ‬تم‭ ‬افتعال‭ ‬وإقرار‭ ‬وقبول‭ ‬مفاهيم‭ ‬مبتكرة‭ ‬في‭ ‬العلاقات‭ ‬الدولية،‭ ‬متناقضة‭ ‬ومتعارضة‭ ‬ومخالفة‭ ‬لكل‭ ‬أسس‭ ‬القانون‭ ‬الدولي،‭ ‬من‭ ‬بينها‭ ‬عدم‭ ‬احترام‭ ‬السيادة‭ ‬الوطنية،‭ ‬ولا‭ ‬تتسق‭ ‬مع‭ ‬مفاهيم‭ ‬وضوابط‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬النفس‭ ‬عبر‭ ‬الحدود،‭ ‬مما‭ ‬فتح‭ ‬الباب‭ ‬على‭ ‬مصراعيه‭ ‬لاستخدام‭ ‬القوة‭ ‬المطلقة‭ ‬ضد‭ ‬المدنيين‭ ‬والتهجير‭ ‬القسري‭ ‬للمواطنين،‭ ‬وكلاهما‭ ‬محظور‭ ‬وفقاً‭ ‬للقانون‭ ‬الدولي‭ ‬الإنساني،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬تناقضات‭ ‬عدة‭ ‬في‭ ‬تطبيق‭ ‬قواعد‭ ‬وإجراءات‭ ‬والتزامات‭ ‬الدول‭ ‬من‭ ‬أحكام‭ ‬المحكمة‭ ‬الجنائية‭ ‬الدولية،‭ ‬حتى‭ ‬بين‭ ‬الأعضاء‭ ‬المؤسسين‭ ‬للمحكمة‭ ‬ذاتها،‭ ‬وجزء‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬يتم‭ ‬في‭ ‬العلن،‭ ‬وجزء‭ ‬منه‭ ‬مرتبط‭ ‬بترتيبات‭ ‬خفية‭ ‬ينطبق‭ ‬عليها‭ ‬تعبير‭ ‬المؤامرة‭.‬

لقد‭ ‬تجاوزنا‭ ‬الآن‭ ‬70‭ ‬عاماً‭ ‬على‭ ‬بدء‭ ‬النزاع‭ ‬الإسرائيلي‭- ‬الفلسطيني،‭ ‬وما‭ ‬يزيد‭ ‬على‭ ‬40‭ ‬عاماً‭ ‬على‭ ‬حربي‭ ‬1967‭ ‬و1973‭ ‬وإصدار‭ ‬قراري‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن‭ ‬رقم‭ ‬242‭ ‬و338‭ ‬اللذين‭ ‬يشكلان‭ ‬أساس‭ ‬كل‭ ‬اتفاقات‭ ‬السلام‭ ‬العربية‭- ‬الإسرائيلية،‭ ‬وما‭ ‬يزيد‭ ‬على‭ ‬سنة‭ ‬على‭ ‬أحداث‭ ‬السابع‭ ‬من‭ ‬أكتوبر‭ (‬تشرين‭ ‬الأول‭) ‬عام‭ ‬2023،‭ ‬وما‭ ‬تلاها‭ ‬من‭ ‬وحشية‭ ‬عبر‭ ‬القطاع‭ ‬وفي‭ ‬الضفة‭ ‬الغربية‭ ‬من‭ ‬نهر‭ ‬الأردن،‭ ‬وتسعى‭ ‬إسرائيل‭ ‬في‭ ‬خططها‭ ‬وممارساتها‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬إلى‭ ‬إخلاء‭ ‬الساحات‭ ‬الحدودية‭ ‬من‭ ‬السكان‭ ‬وإنشاء‭ ‬مناطق‭ ‬عازلة‭ ‬وإفراغ‭ ‬شمال‭ ‬القطاع‭ ‬من‭ ‬سكانه،‭ ‬تمهيداً‭ ‬إذا‭ ‬لزم‭ ‬الأمر‭ ‬إلى‭ ‬التهجير‭ ‬القسري‭ ‬عبر‭ ‬الحدود،‭ ‬كما‭ ‬تخلق‭ ‬محاور‭ ‬عابرة‭ ‬للقطاع‭ ‬ومقسمة‭ ‬له،‭ ‬مصحوبة‭ ‬بمناطق‭ ‬وترتيبات‭ ‬أمنية‭ ‬تجعل‭ ‬ما‭ ‬بقي‭ ‬من‭ ‬القطاع‭ ‬ساحة‭ ‬فارغة‭ ‬قابلة‭ ‬للاستيطان،‭ ‬أو‭ ‬ممهدة‭ ‬لمنطقة‭ ‬عازلة‭ ‬بحجة‭ ‬تأمين‭ ‬الحدود،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬أن‭ ‬الإجراءات‭ ‬المكملة‭ ‬تكشف‭ ‬عن‭ ‬أن‭ ‬النية‭ ‬الحقيقية‭ ‬هي‭ ‬معاودة‭ ‬الاحتلال‭ ‬وتثبيته‭.‬

وتزامنت‭ ‬مع‭ ‬ذلك‭ ‬توغلات‭ ‬إسرائيلية‭ ‬متزايدة،‭ ‬رسمية‭ ‬ومن‭ ‬خلال‭ ‬المستوطنين‭ ‬في‭ ‬الضفة‭ ‬الغربية،‭ ‬بل‭ ‬ارتفع‭ ‬عدد‭ ‬القتلى‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬عما‭ ‬شهدناه‭ ‬قبل‭ ‬أحداث‭ ‬أكتوبر،‭ ‬وتجاوزت‭ ‬الاعتقالات‭ ‬الأعداد‭ ‬التي‭ ‬تم‭ ‬الإفراج‭ ‬عنها،‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬اتفاقات‭ ‬الإفراج‭ ‬عن‭ ‬الأسرى‭ ‬والمحتجزين،‭ ‬وينتظر‭ ‬أن‭ ‬ترتفع‭ ‬هذه‭ ‬المعدلات‭ ‬وتزداد‭ ‬مع‭ ‬تواصل‭ ‬الحكومة‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬المتطرفة‭ ‬الحالية‭ ‬التي‭ ‬تتمسك‭ ‬بالأراضي‭ ‬الفلسطينية‭ ‬لإسرائيل،‭ ‬ويتبناها‭ ‬رئيس‭ ‬وزراء‭ ‬إسرائيل‭ ‬مكرراً‭ ‬أنه‭ ‬تفوق‭ ‬على‭ ‬‮«‬حزب‭ ‬الله‮»‬‭ ‬وحركة‭ ‬‮«‬حماس‮»‬‭ ‬عسكرياً،‭ ‬وأن‭ ‬اليد‭ ‬الطولى‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬تمتد‭ ‬إلى‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬يهددها‭ ‬في‭ ‬بقاع‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬حتى‭ ‬إيران‭ ‬أو‭ ‬اليمن،‭ ‬وفي‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه‭ ‬يعلم‭ ‬علم‭ ‬اليقين‭ ‬أن‭ ‬الخطر‭ ‬الأقوى‭ ‬والأقرب‭ ‬لإسرائيل‭ ‬الآن‭ ‬هو‭ ‬الخطر‭ ‬الديموغرافي‭ ‬مع‭ ‬تنامي‭ ‬الأعداد‭ ‬الفلسطينية‭ ‬داخل‭ ‬الأراضي‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬والمحتلة،‭ ‬مما‭ ‬يرجح‭ ‬أنه‭ ‬سيعمل‭ ‬على‭ ‬دفع‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬إلى‭ ‬مغادرة‭ ‬الأراضي‭ ‬إلى‭ ‬الخارج،‭ ‬أو‭ ‬يجبرهم‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬تجاه‭ ‬الأردن‭ ‬الشقيق‭ ‬أولاً،‭ ‬وتجاه‭ ‬الأراضي‭ ‬المصرية‭ ‬إذا‭ ‬لزم‭ ‬الأمر‭.‬

من‭ ‬المفيد‭ ‬التذكير‭ ‬بأن‭ ‬وزير‭ ‬خارجية‭ ‬إسرائيل‭ ‬السابق‭ ‬شاريت‭ ‬كتب‭ ‬في‭ ‬مذكراته‭ ‬منذ‭ ‬منتصف‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭ ‬أن‭ ‬أفضل‭ ‬سبيل‭ ‬لمواجهة‭ ‬العالم‭ ‬العربي‭ ‬هو‭ ‬تفتيته‭ ‬وتقسيمه‭ ‬من‭ ‬الداخل‭ ‬على‭ ‬أساس‭ ‬طائفي‭ ‬أو‭ ‬عرقي‭ ‬أو‭ ‬إثني،‭ ‬والساحة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬ليست‭ ‬الوحيدة‭ ‬في‭ ‬جهود‭ ‬إعادة‭ ‬تشكيل‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬والمشرق‭ ‬بصفة‭ ‬خاصة،‭ ‬وإنما‭ ‬رأيت‭ ‬البدء‭ ‬بها‭ ‬للتنبيه‭ ‬بخطورة‭ ‬بعض‭ ‬الترتيبات‭ ‬الموقتة‭ ‬المنتظر‭ ‬الاتفاق‭ ‬عليها‭ ‬على‭ ‬المدى‭ ‬القصير،‭ ‬قبل‭ ‬أو‭ ‬مع‭ ‬بداية‭ ‬ولاية‭ ‬ترامب‭ ‬الثانية،‭ ‬إذ‭ ‬يصعب‭ ‬تصور‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬حلول‭ ‬كاملة‭ ‬ونهائية‭ ‬خلال‭ ‬أسابيع‭ ‬قليلة‭ ‬قبل‭ ‬انتقال‭ ‬السلطة‭ ‬في‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬لنزاع‭ ‬حول‭ ‬الهوية‭ ‬والكرامة‭ ‬دام‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬نصف‭ ‬قرن‭ ‬من‭ ‬الزمن‭.‬

ولم‭ ‬تكُن‭ ‬مفاجأة‭ ‬أن‭ ‬يتم‭ ‬التوصل‭ ‬أخيراً‭ ‬إلى‭ ‬اتفاق‭ ‬وقف‭ ‬إطلاق‭ ‬النار‭ ‬خاص‭ ‬بلبنان،‭ ‬تهدف‭ ‬إسرائيل‭ ‬منه‭ ‬إلى‭ ‬تأمين‭ ‬حدودها‭ ‬الشمالية،‭ ‬بعد‭ ‬استهداف‭ ‬قيادات‭ ‬وإمكانات‭ ‬‮«‬حزب‭ ‬الله‮»‬،‭ ‬وترك‭ ‬بصمة‭ ‬قاسية‭ ‬على‭ ‬الأراضي‭ ‬اللبنانية،‭ ‬اتفاق‭ ‬نأمل‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬يوفر‭ ‬قدراً‭ ‬من‭ ‬الأمان‭ ‬وإعادة‭ ‬الاستقرار‭ ‬للبنانيين‭ ‬وأن‭ ‬يطبق‭ ‬بشفافية‭ ‬وحكمة‭ ‬وبمراقبة‭ ‬عادلة‭ ‬وواعية‭ ‬وموضوعية‭ ‬من‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬وفرنسا‭ ‬والأمم‭ ‬المتحدة،‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬ترك‭ ‬اللجام‭ ‬للطرف‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬لسوء‭ ‬تفسير‭ ‬النصوص‭ ‬الخاصة‭ ‬بالدفاع‭ ‬عن‭ ‬النفس‭ ‬على‭ ‬هواه،‭ ‬أو‭ ‬بتوفير‭ ‬الغطاء‭ ‬السياسي‭ ‬المعتاد‭ ‬الذي‭ ‬يؤمن‭ ‬إسرائيل‭ ‬من‭ ‬المحاسبة‭ ‬ويشجعها‭ ‬على‭ ‬الاستمرار‭ ‬في‭ ‬تجاوزاتها‭ ‬المعتادة،‭ ‬وهو‭ ‬أمل‭ ‬يصعب‭ ‬الاطمئنان‭ ‬لتحقيقه‭.‬

وجاء‭ ‬الترحيب‭ ‬الإقليمي‭ ‬بالاتفاق‭ ‬واسعاً‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬إيران،‭ ‬وهي‭ ‬طرف‭ ‬مهم‭ ‬ومؤثر‭ ‬على‭ ‬رغم‭ ‬الصدمات‭ ‬التي‭ ‬تعرضت‭ ‬لها‭ ‬أخيراً،‭ ‬إن‭ ‬لم‭ ‬تكُن‭ ‬الطرف‭ ‬المفصلي‭ ‬في‭ ‬قرار‭ ‬‮«‬حزب‭ ‬الله‮»‬‭ ‬بالموافقة،‭ ‬ولا‭ ‬يمكن‭ ‬فصل‭ ‬ذلك‭ ‬عن‭ ‬التهدئة‭ ‬الإيرانية‭ ‬وضبط‭ ‬النفس‭ ‬تجاه‭ ‬العمليات‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬ضد‭ ‬أنظمة‭ ‬الدفاع‭ ‬الجوي‭ ‬الإيراني،‭ ‬إذاً‭ ‬هذا‭ ‬مؤشر‭ ‬آخر‭ ‬لوجود‭ ‬تفاهمات‭ ‬مباشرة‭ ‬أو‭ ‬غير‭ ‬مباشرة‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬تم،‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬الأقل‭ ‬نحو‭ ‬بدء‭ ‬التمهيد‭ ‬لما‭ ‬هو‭ ‬آتٍ‭.‬

والأحداث‭ ‬التي‭ ‬وقعت‭ ‬خلال‭ ‬الأيام‭ ‬الأخيرة‭ ‬في‭ ‬سوريا‭ ‬بخاصة‭ ‬حلب‭ ‬وحماه‭ ‬وحمص،‭ ‬وتراجع‭ ‬القوات‭ ‬السورية‭ ‬الرسمية‭ ‬سريعاً‭ ‬أمام‭ ‬المعارضة‭ ‬قبل‭ ‬سقوط‭ ‬النظام،‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تتم‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬النحو‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬تنسيق‭ ‬أو‭ ‬تفاهم‭ ‬أو‭ ‬توافق‭ ‬ضمني‭ ‬كامل‭ ‬أو‭ ‬جزئي،‭ ‬أو‭ ‬تآمر‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬الأطراف،‭ ‬وغياب‭ ‬رد‭ ‬الفعل‭ ‬الفاعل‭ ‬من‭ ‬إيران‭ ‬وروسيا‭ ‬الموجودتين‭ ‬عسكرياً‭ ‬بأشكال‭ ‬مختلفة،‭ ‬وهناك‭ ‬تساؤلات‭ ‬حول‭ ‬مواقف‭ ‬تركيا‭ ‬ودورها،‭ ‬عظيمة‭ ‬التأثير‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الساحة‭ ‬والتي‭ ‬لديها‭ ‬قوات‭ ‬في‭ ‬سوريا‭ ‬والعراق‭ ‬كذلك‭.‬

ومن‭ ‬الطبيعي‭ ‬أن‭ ‬ترحب‭ ‬إسرائيل‭ ‬بالأحداث،‭ ‬وكذلك‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الموجودة‭ ‬عسكرياً‭ ‬في‭ ‬سوريا‭ ‬والعراق‭ ‬أيضاً،‭ ‬علماً‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الأطراف‭ ‬كافة‭ ‬ليست‭ ‬بمثابة‭ ‬حلفاء‭ ‬تقليديين‭ ‬لتوجهات‭ ‬المعارضة‭ ‬من‭ ‬‮«‬هيئة‭ ‬تحرير‭ ‬الشام‮»‬‭ ‬وغيرها،‭ ‬إذاً‭ ‬نحن‭ ‬في‭ ‬مرحلة‭ ‬مواءمات‭ ‬وتوفيق‭ ‬المصالح‭ ‬المرحلية،‭ ‬مع‭ ‬الهزة‭ ‬التي‭ ‬تشهدها‭ ‬المنطقة‭ ‬وقبل‭ ‬تسلّم‭ ‬ترامب‭ ‬السلطة،‭ ‬وإنما‭ ‬تقع‭ ‬جميعها‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬الطرف‭ ‬السوري‭ ‬غير‭ ‬المسيطر‭ ‬على‭ ‬أراضيه،‭ ‬وقابلة‭ ‬أن‭ ‬تمتد‭ ‬منها‭ ‬بأشكال‭ ‬مختلفة‭ ‬إلى‭ ‬ساحات‭ ‬أخرى‭ ‬مجاورة‭.‬

ويجب‭ ‬عدم‭ ‬إغفال‭ ‬أن‭ ‬إسرائيل‭ ‬أعلنت‭ ‬أنها‭ ‬متنازعة‭ ‬مع‭ ‬سبع‭ ‬ساحات‭ ‬شرق‭ ‬أوسطية‭ ‬غزة‭ ‬والضفة‭ ‬الغربية،‭ ‬وهي‭ ‬الأراضٍي‭ ‬الفلسطينية‭ ‬المحتلة،‭ ‬واليمن‭ ‬ولبنان‭ ‬وسوريا،‭ ‬وكلها‭ ‬كانت‭ ‬مباحاً‭ ‬لها‭ ‬عسكرياً،‭ ‬وكذلك‭ ‬من‭ ‬العراق‭ ‬وإيران،‭ ‬فضلاً‭ ‬عن‭ ‬وجود‭ ‬مؤشرات‭ ‬مختلفة‭ ‬إلى‭ ‬مصادر‭ ‬اضطراب‭ ‬وتوغل‭ ‬لها‭ ‬ولغيرها‭ ‬في‭ ‬الصومال‭ ‬وشرق‭ ‬إفريقيا،‭ ‬وكل‭ ‬هذه‭ ‬مؤشرات‭ ‬خطرة‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬يتم‭ ‬وما‭ ‬هو‭ ‬مقبل‭ ‬على‭ ‬منطقتنا،‭ ‬ويضاف‭ ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬إلى‭ ‬الاضطرابات‭ ‬في‭ ‬ليبيا‭ ‬والحرب‭ ‬الأهلية‭ ‬في‭ ‬السودان‭ ‬وعدم‭ ‬الاستقرار‭ ‬الأمني‭ ‬في‭ ‬البحر‭ ‬الأحمر‭.‬

هذه‭ ‬رسالة‭ ‬تحذير‭ ‬للإخوة‭ ‬والأخوات‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬العربي‭ ‬مما‭ ‬هو‭ ‬آتٍ،‭ ‬ونأمل‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬يتم‭ ‬تبني‭ ‬سياسات‭ ‬مبادرة‭ ‬لحماية‭ ‬مصالحنا‭ ‬والتخطيط‭ ‬للمستقبل‭ ‬لأننا‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬عالم‭ ‬مضطرب‭ ‬ومنطقة‭ ‬يعمل‭ ‬على‭ ‬تفتيتها‭ ‬وإعادة‭ ‬صياغتها‭ ‬وتشكيلها‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬التزام‭ ‬القانون‭ ‬الدولي‭ ‬المنظم‭ ‬للعلاقات‭ ‬على‭ ‬المستويين‭ ‬الدولي‭ ‬والإقليمي‭.‬

 

{ وزير‭ ‬الخارجية‭ ‬المصري‭ ‬السابق

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا