القراء الأعزاء،
منذ بدأ شهر ديسمبر لهذا العام، اتخذت الفرحة الوطنية منحىً مُختلفاً من حيث مظاهر التعبير عنها والاحتفاء بها، وقد تضافرت الجهود الرسمية والأهلية في إضفاء نكهة جديدة لأعياد البحرين 2024، نظراً إلى طبيعة وخصوصية الذكرى التاريخية التي تزامنت مع مرور خمسة وعشرين عاماً على تولّي حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك البلاد المعظم مقاليد الحكم، فكان عام اليوبيل الفضيّ عاماً متفرّداً بتفاصيله بتوفيق من الله ومن الجهود الوطنية المخلصة التي عبّرت عن مشاعر أهل البحرين قاطبة، واستقطبت أبناء الجوار من الأشقاء الخليجيين بصورة غير مسبوقة لمشاركة البحرين فرحتها بأعيادها الوطنية فكان الفرح يجُرّ الفرح بكل ما تعنيه الكلمة من معنى.
وفي خضمّ حرص الفعاليات الرسمية والأهلية على المشاركة الفعالة بالاحتفال بأعياد البحرين، يظهر جليّاً اشتغال بعض الفعاليات الوطنية على الجمع بين الاحتفال باليوبيل الفضي ومسألة تعزيز الهوية الوطنية في آن واحد، حيث حرصت على اقتناص هذه الفرحة لتجعل منها رسالة موجهة الى جميع الأجيال والفئات العمرية ولاسيما صغارها ببثّ حب الوطن ورموزه وترسيخ الموروث الشعبي البحريني باعتباره جزءا لا يتجزأ من هويتنا الوطنية وحبلا يجمعنا معاً على إرث تاريخي واجتماعي وانساني مشترك، في وحدة تشمل النسيج المجتمعي البحريني بكل أطيافه واختلافها.
وعلى الصعيد الرسمي يبقى (مهرجان ليالي المحرق) بصمة بحرينية أصيلة حققت الهدف المنشود بتفوّق، إذ استطاع أن يُرضي جميع الأذواق والمستويات الفكرية والاجتماعية بأنشطته المتنوعة المختلفة والتي كان محورها الأساسي هو الموروث الشعبي البحريني متمثلاً في استحضار الحرفة الأولى لشعب البحرين (مهنة الغوص) والتي احتواها (مسار اللؤلؤ)، تلك البصمة الحضارية التي حظيت باعتراف دولي يوثّق تلك الحقبة المميزة من تاريخ البحرين وإرثها الحضاري والاقتصادي والاجتماعي، ولا سيما مع السمعة العالمية البرّاقة التي يحظى بها لؤلؤ البحرين، بجانب الفنون الشعبية البحرينية الكفيلة بمخاطبة الروح والقلب والتي حظيت بمشاهدات فعلية وافتراضية كبيرة جداً، وأسهمت في تفعيل دور الفرق الشعبية البحرينية وانعاش سوق هذه المهنة العريقة، وتقديم عروض تراثية ومعاصرة تُلبّي الذائقة وتوارث المعرفة، وترسل رسائل كثيرة في حب البحرين وملكها المعظم من خلال كلمات الأغنيات التي تغنّت بها تلك الفرق، كما أنها لم تغفل عن دور ثقافة المأكل، فجعلت للأكلات الشعبية البحرينية نصيباً بجانب ثقافة الملبس وغيرها من الحرف الشعبية الأخرى.، ويضاهي ليالي المحرق في تعزيز الموروث الشعبي، الفعاليات التي تشهدها القرية التراثية والتي لا تقل قيمة وأهمية وزخماً عما قدمته الأولى.
وفي الجانب الآخر حرصت أكثر الفعاليات الأهلية على الاحتفاء بهذه المناسبة الوطنية، وقد اشتغلت بعض المنظمات الأهلية على الحفاظ على فكرة دمج الفرح بالهوية الوطنية، وفي رأيي أن أكثر الفعاليات الوطنية الأهلية التي تستحق الإشادة على صعيد تعزيز الهوية الوطنية كانت احتفالية جمعية الشعر الشعبي والتي حالفها التوفيق في احتفالها بهذه المناسبة الغالية على قلوبنا، حينما حرصت على تضمينها فقرات متنوعة كانت كفيلة بتعزيز الهوية الوطنية والتي بدأت بالأمسية الشعرية والتي تغنّى شعرائها بحب الوطن والحامي الأسمى له، مروراً بتوظيف الفنون الحربية الشعبية والمتمثلة في فن العرضة البحرينية بكل ما تنطوي عليه مفرداتها وحركاتها وأدواتها من ولاء وحماس وفخر وحميّة واعتزاز بالبحرين وبحكامها وشعبها، بجانب الفنون البحرية وأهمها فن الفجري والنهمة البحرية التي يتفرّد بها الموروث الشعبي البحريني والخليجي، فكان احتفالها موفقاً في إرسال رسائله المرجوّة.
وإن مثل هذه الاحتفالات بكل ما تضمنتها من فقرات تراثية قد تكون وسيلة من الوسائل التي تُسهم في ترسيخ المواطنة والهوية الوطنية، وربما تفتح آفاق الابتكار والإبداع لدى بقية المنظمات الأهلية لتقديم أفكار مشابهة ومتقدمة لتحقيق الهدف المرجو، فيجتمع الفرح بالوطن ونفعه معاً.
وبما أنه المقال الأخير في هذا العام، حيث إننا نقف معاً على أعتاب عام 2025، يطيب لي أن أهنئكم بعامٍ جديد مقبل بالخير والفرح بإذن الله تعالى، وكل عام وأنتم بخير.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك